منَ الصّعبِ تحديدُ تاريخٍ بعينِه لبدايةِ اللّغةِ العربيّةِ، فاللّغاتُ بطبعِها لا تتكوّنُ دفعةً واحدةً وإنّما تخضعُ للتّطوّر التّدريجيّ وبحسبِ الحاجةِ العُرفيّةِ والثقافيّةِ، وإذا إعتمَدنا على النّظريّةِ التي تقولُ بأنَّ اللّغاتِ هيَ نتاجُ ما يتواضعُ عليهِ مجموعةٌ منَ النّاسِ على إستخدامِ ألفاظٍ صوتيّةٍ مُعيّنةٍ للدّلالةِ على الأشياءِ التي تقعُ ضمنَ حدودِ وعيهم وإدراكِهم، فحينَها لابُدَّ أن نفترضَ أنَّ اللّغاتِ تبدأ بدائيّةً ثمَّ تتطوّرُ بمرورِ الزّمنِ، فالإنسانُ بوصفِه كائناً عاقلاً لا يمكنُ أن يعيشَ من دونِ لغةٍ كإطارٍ يحفظُ فيها معلوماتِه وتمكّنُه في نفسِ الوقتِ منَ التّواصلِ معَ الآخر، وعلى ذلكَ فلابدَّ أن يكونَ الإنسانُ الأوّلُ قامَ بمحاولاتٍ مُتعدّدةٍ إلى أن توصّلَ إلى بعضِ الصّيغِ اللّغويّةِ للتّفاهمِ، واللّغةُ العربيّةُ ضمنَ هذا التّصوّر لابدَّ أن تكونَ مرحلةً مِن مراحلِ التّطوّر للغاتٍ قديمةٍ، والرّأيُ العلميُّ الشّائعُ في هذا الأمر أنَّ اللّغةَ العربيّةَ تطوّرَت عنِ اللّغةِ السّاميةِ القديمةِ، ولا يعني هذا أنَّ اللَغةَ العربيّةَ وُجدَت مُكتملةً وإنّما هي نفسُها خضعَت لمراحلَ منَ التّطوّر الذّاتيّ داخلَ سياقاتِها التّاريخيّةِ، ومِن هُنا يصعبُ تحديدُ تاريخٍ بعينِه يُشكّلُ بدايةً للتّحوّلِ منَ اللّغةِ السّاميةِ، وقد أكّدَ بعضُ المُؤرّخينَ على أنَّ أوّلَ نصٍّ عُثرَ عليهِ يشيرُ إلى بداياتِ اللّغةِ العربيّةِ يعودُ إلى الألفيّةِ الأولى قبلَ الميلادِ، وقد يؤكّدُ هذا النّصُّ على البداياتِ المُبكّرةِ إلّا أنّنا لا يمكنُ أن نجزمَ بأنَّ تلكَ اللّغةَ مساويةٌ تماماً للغةِ المعروفةِ لدينا اليوم، ممّا يؤكّدُ أنَّ اللّغاتِ لا تثبتُ على هيئةٍ مُعيّنةٍ وإنّما في حالةٍ منَ التّشكّلِ الدّائمِ، والذي ضبطَ اللّغةَ العربيّةَ ومنحَها حالةً منَ الكيانِ المُستقلِّ والمُتماسكِ هوَ نزولُ القرآنِ بها. وفي قبالِ نظريّةِ الوضعِ والتّطوّر الطّبيعيّ للغاتٍ ذهبَ البعضُ إلى فرضيّاتٍ أخرى حولَ أصلِ اللّغةِ العربيّةِ وبدايةِ تشكّلِها، فذهبَ بعضُهم إلى أنَّ العربيّةَ هيَ اللّغةُ التي وجدَت معَ آدمَ وهيَ لغتُه منذُ أن كانَ في الجنّةِ، وبالتّالي اللّغةُ العربيّةُ توقيفيّةٌ غيرُ وضعيّةٍ ولا تخضعُ لابتكار الإنسانِ، والطّريقُ إلى تحصيلِها إمّا أن تكونَ موجودةً في الفطرةِ وإمّا أن يُلهمَها اللهُ إلهاماً للإنسانِ، ويبدو أنَّ الذي دعاهُم إلى ذلكَ هوَ ما في اللّغةِ العربيّةِ مِن تراكيبَ وألفاظٍ ونحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ تجعلُها تمتازُ بدقّةٍ في التّعبيرِ وإعجازٍ في البيانِ، الأمرُ الذي لا يمكنُ أن يتيسّرَ للإنسانِ إبتكارُه، ومنَ الواضحِ أنّه لا يمكنُ حسمُ الإختلافِ في هذهِ المسألةِ بشكلٍ قاطعٍ، وقَد إختلفَ علماءُ الأصولِ في بحوثِ الألفاظِ في أصلِ اللّغةِ بينَ مَن يقولُ بأنّها لغةٌ إصطلاحيّةٌ وضعيّةٌ وبينَ مَن يقولُ أنّها لغةٌ إلهيّةٌ إلهاميّة.
اترك تعليق