هل قام الدليل على عدم إمكانية لقائه «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، أم لا؟
في معرض الرد لنا هنا جوابان:
الأول: يعتمد مفهوم الفرق بين الغيبة الشخصية والعنوانية.
والغيبة الشخصية تعني غياب الامام (ع) بشخصه ووجوده الانساني عن دائرة الحياة البشرية، والغيبة العنوانية هي انه ع موجود ضمن تلك الدائرة ويحيى حيث يحيى الادميون على كوكب الارض.. ولكن بشكل غير معرّف ولا يستدل الناس على وجوده لعدم معرفتهم به.
والامامية تتفق على ان غياب الامام المهدي (عج) هو من النوع الثاني، بدليل الدعاء الصادر من ساحته والتي فيه قوله ”اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًا وحافظًا“
فنحن في هذا الدعاء نطلب من الله حفظ الامام (عج) مما يعني انه حي في معنا فيحتاج الحفظ من الشرور، ولو كان في مكان آخر كالمريخ او العوالم الغيبية لما كانت هناك حاجة لطب الحفظ له.
وهذا ما يمكّن بالضرورة الناس من الالتقاء به فيعاشرونه ويتحدثون اليه ويسلمون عليه من دون الاحاطة بهويته.
دعاء المؤمنين سبب من أسباب حفظه، دعاء المؤمنين وسيلة من وسائل حفظه، لذلك علّم شيعته الدعاء له «صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين». إذن، الإمام غيبته غيبة عنوانية فقط، من هو الإمام؟ وإلا هو يعيش بين الناس، يعرفه الناس، ويتطلعون، وقد يعاشرونه، وقد يبايعونه، وقد يسلمون عليه، وقد وقد وقد... إلخ، إنما العنوان غير معروف، الغيبة غيبة عنوانية وليست غيبة شخصية.
وقد ورد في بعض الروايات الشريفة: ”لا يطلع عليه أحدٌ من ولده أو من غيرهم إلا المولى الذي يلي أمره“، إذن هناك مولى أيضًا يلي أمره، أي: يرعاه.
وبالنتيجة، فإن لقاء الإمام المهدي (عج) ليس ممكنًا فحسب، بل هو ضروري في بعض الفروض التي تتوقف عليها الصورة الفعلية لحجته، وتتوقف عليها الصورة الفعلية لحفظه للتشريع .
الثاني: توجيه التوقيع.
التوقيع الصادر عنه (عج)، وهو توقيعه إلى علي بن محمد السمري آخر السفراء الأربعة، حيث كتب إليه: ”يا علي بن محمد السمري، اعلم أنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، ولا تعهد لأحد من بعدك فقد وقعت الغيبة التامة، ولا ظهور إلا بإذن الله، وذلك بعد قسوة القلوب، وامتلاء الأرض ظلمًا وجورًا، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة“.
قد يستفاد منه أن لقاء الإمام لا يمكن، وأن الامام المهدي عج قد سد بقوله هذا باب ادعاء رؤيته والاتلتقاء به.. ولكن علماءنا «قدس الله أسرارهم الشريفة» بحثوا هذا الحديث بحثًا مفصّلًا في كتبهم الكلامية، وأجابوا بثلاثة أجوبة.
الجواب الأول: المراد بالمشاهدة السفارة.
أي ما اراده الامام عج بقوله المشاهدة هو السفارة وليس النظر، حيث ان الحديث موجه لواحد من سفراءه. فيكون المعنى رادا على من يأتي ويدعي النيابة الخاصة والسفارة بعد السمري رضوان الله عليه.
التفسير الثاني: التفريق بين الرؤية والمشاهدة.
ثمة فارق في المدلول بين كلمتي المشاهدة والرؤية، حيث ان الاولى ـ المشاهدة ـ تستلزم معرفة الامام عج بشخصه واما الاخرى فيكفي رؤيته سواء عرف شخصه ومن هو ام لا..
والرواية دالة على المشاهدة لا ضير من ان يراه البعض من دون التعرف عليه، حتى ينقضي اللقاء وتقوم بعض القرائن المشيرة الى ان من رآه كان الامام (عج)
التفسير الثالث: المقصود هو تكذيب الدعوى فقط.
بمعنى ان الامام (عج) ينهى عن تصديق دعوى المشاهدة، فلا يحظى كل من ادعى مشاهدته بالتصديق لما يجر ذلك على المجتمع من فوضى واضطراب. وباتت لنا آلاف المرجعيات والمراجع . وعليه فغاية ما يستفاد من هذا الحديث تكذيب دعوى الرؤية، لا نفي وجود الرؤية، ولا نفي إمكان الرؤية، حتى يؤخذ هذا الحديث مستمسَكًا.
اترك تعليق