منَ المعلومِ أنَّ التّفكيرَ المنطقيَّ هوَ التفكيرُ الذي يُوجِدُ روابطَ ضروريّةً بينَ المُقدّماتِ والنّتائجِ، إلّا أنَّ الإنسانَ في حالِ الإنفعالِ بالظّرفِ والمؤثّراتِ الخارجيّةِ يفتقدُ القُدرةَ على هذا التفكير، ومِن هُنا نجدُ الإنسانَ لهُ قدرةٌ على تبديلِ قناعاتِه كلّما تبدّلَ الظّرفُ الذي يعيشه، فمثلاً مَن يندبُ حظَّه بأنّهُ خُلقَ في العراقِ ممكنٌ أن يُغيّرَ موقفَه إذا تبدّلَ وضعُه وتحسّنَ ظرفه، كما هوَ حالُ الكثير ممَّن يعيشُ معَه في العراقِ ويرى ذلكَ مِن أكبرِ النّعمِ عليه، ومِن هُنا فإنَّ التّفكيرَ السّليمَ يتطلّبُ نوعاً منَ الموضوعيّةِ وقدرةً عاليةً منَ السّيطرةِ على المُؤثّراتِ، فالإنسانُ بطبعِه مُنفعلٌ بالظّروفِ إلّا أنَّ ذلكَ لا يمنعُه مِن فهمِ الأحداثِ والوقائعِ بمنطقِ العقلِ لا بمنطقِ العاطفةِ، وما يذكرَه البعض مِن شواهدَ على سوءِ الوضعِ المعيشيّ وما يترتّبَ عليهِ مِن نتائجَ بعيدةٍ عَن سياقاتِها يؤكّدُ الوقوع تحتَ تأثير العاطفةِ التي لا ترى الأشياءَ بمنطقِ العقلِ، وهذا هو السّببُ الذي يجعلُ كثيراً منَ الشّبابِ في حالةٍ منَ التّخبّطِ والإرباكِ فلا يتمكّنونَ مِن فهمِ الواقعِ ولا يقدرونَ على التّأثيرِ فيه، ولسانُ حالِهم (اللهُ غالبٌ) بفهمٍ مشوّهٍ يُعبّرُ عَن مدى الإحباطِ والإستسلامِ للظّروفِ، فالإنسانُ بينَ أن يصنعَ الظّروفَ أو أن يسمحَ للظروفِ هيَ التي تصنعُه، وهذا هوَ الفرقُ بينَ الإنسانِ النّاجحِ في حياتِه والإنسانِ الفاشلِ، فبينَما تصنعُ الظّروفُ الفاشلينَ نجدُ أنَّ النّاجحينَ هُم الذينَ يصنعونَ ظروفَهم.
ومِن هُنا لا نجدُ أيّ مبرّرٍ لحشرِ قضيّةِ الإيمانِ باللهِ فيما يحدثُ في عالمِنا مِن مظالمَ، إلّا أن يكونَ نوعاً منَ التّهرّبِ منَ المسؤوليّةِ وإيكالِ الأمرِ إلى الغيبِ، فاللهُ سُبحانَه خلقَ الإنسانَ ومنحَه القدرةَ والعقلَ والإرادةَ وسخّرَ لهُ كلَّ ما في الدّنيا ليبني لنفسِه حياةً سعيدةً، فكيفَ بعدَ ذلكَ يُحمّلُ اللهَ مسؤوليّةَ ما يصنعُه بيديه؟ والعجيبُ أنَّ الإنسانَ في حالةِ الرّخاءِ ينسى اللهَ ويتصوّرُ ما عندَه مِن نعمٍ إستحقّها بمُقدّراتِه وكسبِه الخاصّ، كما هوَ حالُ قارونَ الذي (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلمٍ عِندِي) وفي المقابلِ إذا ما ضاقَت على الإنسانِ معيشته إعتبرَ ذلكَ إهانة وظلماً منَ اللهِ، قالَ تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعاً)
وإذا أرَدنا أن نجيبَ على الأسئلة الخاصة بهذا المحور بشكلٍ مُختصرٍ نقول:
• لماذا الظّلمُ موجودٌ في هذا العالمِ؟ الظّلمُ موجودٌ مِن سوءِ تقديرِ الإنسانِ وظلمِه لنفسِه ولغيرِه وليسَ مِن تقديرِ اللهِ على العباد.
• لماذا النّاسُ المظلومونَ يكونُ مصيرُهم النّارُ الأبديّةُ؟ بلِ الظّالمُ هوَ الذي مصيرُه النّار سواءٌ كانَ ظالماً لنفسِه أو لغيرِه، أمّا المظلومُ فيُحاسبُ إذا كانَ قادراً على دفعِ الظّلمِ عنهُ ولَم يفعَل.
• لماذا خلقنا اللهُ تعالى في بلادٍ حُكّامُها نهبوا أموالَ شعبِهم وضيّقوا عليهم معيشتَهم؟ السّؤالُ الصّحيحُ لماذا تركتُم مَن يحكمُكم بالظلمِ والفسادِ ونهبِ الأموالِ؟ فاللهُ خلقَكم في بلدٍ غنيٍّ بالثرواتِ والمعادنِ والأراضي الخصبةِ والأنهارِ، فهل ترجو منهُ أن يستثمرَها نيابةً عنكم؟
• هل سوءُ المعيشةِ سببٌ في الإنحرافِ ومِن ثمَّ دخولِ النّار؟
ج/ ليسَ هناكَ ما يُبرّرُ الإنحرافَ والذي يريدُ الإنحرافَ يمكنُ أن يُبرّرَه بسوءِ المعيشةِ ويمكنُ أن يُبرّرَه برخاءِ العيشِ وسعةِ الرّزق.
• هل الشابُ الذي يعيشُ في كندا وأوروبا أكثرُ أيماناً بسببِ توفّرِ المعيشةِ السّهلة؟
ج/ ليسَ بالضّرورةِ فالكثيرُ ممَّن هاجرَ وهوَ مؤمنٌ فأصبحَ مُنحرِفاً، وكثيرٌ ممَّن عادَ منَ المهجرِ وهوَ منحرفٌ أصبحَ مؤمناً.
• لماذا همُ لديهم فرصةٌ أكبرُ للنّجاةِ منَ العذابِ ونحنُ نكادُ نقطعُ بهلاكِنا (أكثرُ أهلِ النّارِ العزّاب)؟
ج/ كلُّ ما يصيبُ الإنسانَ هوَ إبتلاءٌ وإمتحانٌ يرتفعُ بهِ الإنسانُ درجاتٍ في الجنّةِ، فالمُتزوّجُ مُبتلىً بزواجِه والأعزبُ مُبتلىً بعزوبيّتِه وكُلٌّ يكسبُ منَ الثوابِ بمقدارِ ما يجبُ عليه فعله، فالجميعُ لهم فرصةٌ كبيرةٌ للنّجاةِ، أمّا (أكثرُ أهلِ النّارِ منَ العزّابِ) فهوَ تشجيعٌ على الزّواجِ لمَن لهُ قدرةٌ على ذلكَ ويُحجمُ عنه، أمّا مَن لم يتمكَّن لا يُعذّبُ لعدمِ تمكّنِه.
• لماذا أغلبُ الشّبابِ في الدّولِ العربيّةِ غارقونَ في المُحرّماتِ بسببِ إستحالةِ الزّواجِ؟
ج/ هذا هوَ التّفكيرُ العاطفيُّ الذي أشرنا له، فمَن قالَ أنَّ أغلبَ الشّبابِ في الدّولِ العربيّةِ غارقونَ في المُحرّماتِ؟ هل قُمتَ بإحصائِهم؟ وهل مُجرّدُ القدرةِ على الزّواجِ تمنعُ منَ الإنحراف؟
• هل صحيحٌ أنّنا أخطَأنا في شيءٍ ما في عالمِ الذّرِّ أو أحدِ العوالمِ الأخرى فعاقبنا اللهُ سبحانَه وتعالى؟
ج/ نعَم إرتكَبنا أخطاءً عندَما لم نقُم بواجباتِنا ومسؤوليّاتنا وأخطأنا عندَما تركنا الفاسدينَ يتحكّمونَ في حياتِنا وأخطأنا عندَما أصبَحنا نندبُ حظّنا مِن غيرِ أن نسعى لتغييرِه، ولا علاقةَ للغيبِ بما نحنُ فيهِ سواءٌ كانَ في عالمِ الذّرِّ أو عالمِ الأظلّة.
اترك تعليق