كانَ لرسولِ اللهِ (ص) إبنُ عمٍّ يُعرفُ بأبي سفيانَ بنِ الحارثِ بنِ عبدِ المُطّلب ، وإسمُه المغيرةُ، وكانَ أخوهُ منَ الرّضاعةِ أيضاً، أسلمَ عامَ الفتحِ، وهوَ أحدُ الثمانيةِ الذينَ ثبتوا في نُصرةِ رسولِ اللهِ (ص) في غزوةِ حُنين، وأبلوا بلاءً حسناً، ووردَ أنّ النّبيَّ (ص) بشّرهُ بالجنّةِ، وتوفّيَ سنةَ 20 منَ الهجرةِ، وهوَ زوجُ جمانةَ بنتِ أبي طالب، ولهُ إبنٌ إسمُه عبدُ اللهِ أبي الهيّاجِ زوجُ رملةَ بنتِ أميرِ المؤمنينَ (ع)، صحابيٌّ شاعرٌ بليغٌ شجاعٌ، وإستُشهدَ في كربلاءَ يومَ عاشوراء تحتَ لواءِ أبي عبدِ اللهِ الحُسين (ع).
المشهورُ والمعروفُ في الرّواياتِ أنّ قولَ النّبيّ (ص): مَن دخلَ دارَ أبي سفيان فهوَ آمنٌ، صدرَت بحقِّ أبي سفيانَ صخرٍ بنِ حربٍ، زوجِ هندٍ آكلةِ الأكبادِ، ووالدِ معاويةَ بنِ أبي سفيان، وكانَ الغرضُ مِن هذا تأليفُ قلبِ أبي سفيان والمُشركين.
وهناكَ بعضُ الشّواهدِ والقرائنِ تشيرُ إلى ذلكَ، ومُجرّدُ تشابهِ الأسماءِ لا يدلُّ على أنّها صدرَت في حقّ إبنِ عمِّ النّبيّ (ص)، بل لا بدَّ مِن ملاحظةِ القرائنِ، وإحدى القرائنِ هيَ الشُّهرةُ كما قُلنا.
منَ القرائنِ: ورودُ ذلكَ صريحاً في بعضِ الرّواياتِ، سأسردُ بعضَها والحكمُ إليكُم في ظهورها:
1- عن إبنِ عبّاس ، أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم عامَ الفتحِ جاءَه العبّاسُ بنُ عبدِ المُطّلبِ بأبي سفيانَ بنِ حربٍ فأسلمَ بمُرّ الظهران ، فقالَ لهُ العبّاسُ : يا رسولَ اللهِ ، إنَّ أبا سفيان رجلٌ يُحبُّ هذا الفخرَ ، فلو جعلتَ لهُ شيئاً ، قالَ : نعم ، مَن دخلَ دارَ أبي سفيان ، فهوَ آمنٌ ، ومَن أغلقَ عليهِ بابَه فهوَ آمن . (سننُ أبي داود: 2 / 38) .
2- وردَ في بعضِ الرّواياتِ أنّ أبا سفيان بنَ حربٍ سألَ النّبيَّ (ص) عندَ ذلكَ : داري ؟ فقالَ النّبيُّ (ص) : نعمَ دارُك (بحارُ الأنوار: 21 / 129) وذلكَ لأنّهُ لم يكُن يتوقّعُ أنَّ النّبيَّ (ص) سيعطيهُ هذا الأمانَ ويُشرّفُه بذلكَ تأليفاً لقلبه.
3- وردَ في كثيرٍ منَ الرّواياتِ أنّ النّبيَّ (ص) بعدَ أن قالَ ذلكَ لأبي سفيان، إنطلقَ أبو سفيان نحوَ مكّةَ فقالَ العبّاسُ للنّبيّ (ص) إنّ أبا سفيان مِن شأنِه الغدرُ، فقالَ النّبيُّ (ص) إحبِسه، فحبسَه العبّاسُ في مضايقِ الوادي، وإستعرضوا أمامَه جيشَ المُسلمينَ – وكانَ عددُهم عشرةَ آلافٍ – كي يُدخلَ الخوفُ والرّهبةُ في قلبِه، وليخوّفَ أهلَ مكّةَ عندَ رجوعِه إليهم.
وفعلاً حصلَ الأمرُ كما أرادَ النّبيُّ (ص) فلمّا رجعَ إلى مكّةَ صارَ يرهبُهم ويخوّفُهم بجيشِ النّبيّ (ص) ثمَّ قالَ لهم: مَن دخلَ دارَ أبي سفيان فهوَ آمنٌ، فجاءَت زوجتُه هند وأخذَت بشاربِه وصارَت تسبُّه وتلعنُه ؟! والمشركونَ يدخلونَ دارَه وزوجتُه هندُ تطردُ النّاسَ وتسبُّ وتلعنُ زوجَها وتقولُ: بئسَ وافدُ القوم. (المناقبُ لإبنِ شهرِ آشوب:1 / 178) .
هذا ولم نعثُر على كلامٍ لأحدٍ منَ المؤرّخينَ والعلماءِ ينصُّ فيهِ أنّ المُرادَ مِن أبي سفيان هوَ إبنُ عمِّ النّبيّ (ص).
وهذهِ القرائنُ والشّواهدُ تقودُنا إلى أنّ المُرادَ مِن أبي سفيان هوَ والدُ معاويةَ، وزوجُ هند، ولكِن يمكنُ نقضُها إذا أبرزَت قرائنُ أقوى وشواهدُ أوضحُ مِن هذهِ القرائنِ والشّواهدِ، لنصرفَ النّصَّ مِن ذاكَ الفردِ المشهورِ إلى الفردِ الآخر وهوَ إبنُ عمِّ النّبي (ص).
اترك تعليق