الشيخ علي آل محسن
لقد أخرج أبو داود في سننه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه وغيرهم بأسانيدهم عن ابن مهدي عن سفيان عن عاصم عن زَرّ بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال: قال
رسول الله (ص) : لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً[1].
بتقريب أنَّ مواطأة اسم المهدي واسم أبيه لاسم النبي (ص) واسم أبيه تعني أن اسم المهدي: محمد بن عبد الله، لا محمد بن الحسن كما يذهب إليه الشيعة.
والجواب:
1ـ أن هذا الحديث قد ورد بصيغ مختلفة كما سيأتي، وهو مروي من طريق غيرنا، فلا يكون حجة علينا، وهو لم يصح عندنا.
ثم إنه حديث لم يصل إلى درجة الصحَّة، بل أكثر ما يقال فيه عندهم: (إنه حديثٌ حسن)، فلا يصحّ لأجله أن نردّ كل ما تقدم من الأدلة العقلية والنقلية الدالة على أن المهدي (ع) هو
الإمام محمد بن الحسن العسكري عجل الله فرجه ، وأن نتجاهل كل الإشكالات الواردة على إنكار أنه (ع) هو الإمام المهدي.
2ـ أن الحديث الذي ورد فيه قوله: (واسم أبيه اسم أبي) كل طرقه تنتهي إلى عاصم بن أبي النجود صاحب القراءة المشهورة، وهو معروف عندهم بسوء حفظه.
وإليك ما قالوه فيه :
قال الذهبي: ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثَّبْت، صدوق يهم.
وقال يحيي القطان: ما وجدتُ رجلاً اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ.
وقال النسائي: ليس بحافظ.
وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.
وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.
وقال شعبة: حدَّثَنا عاصم بن أبي النجود وفي النفس ما فيها.
وقال ابن سعد: ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.
وقال أبو حاتم: ليس محله أن يقال ثقة[2].
وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وهو ثقة.
وقد تكلَّم فيه ابن علية وقال: كان كل من اسمه عاصم سيئ الحفظ.
وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ[3].
قلت: إذا كان حال الرجل هكذا فكيف يصح التعويل على روايته في مسألة مهمة مع وضوح الأدلة الأخرى الدالة على أن المهدي المنتظر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع) ؟
3ـ أن الرواية عن عاصم قد اختلفت من هذه الناحية، فمنهم من رواها عنه من دون ذكر: (واسم أبيه اسم أبي)، ومنهم من رواها عنه مشتملة على ذلك.
فقد أخرج الترمذي بسنده عن سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي (ص) قال: يلي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.
وأخرج أيضاً بسنده عن سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله قال: قال رسول الله ( ص) : لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي[4].
والذين رووا هذا الحديث عن عاصم خالياً من قوله: (واسم أبيه اسم أبي) كثيرون، منهم:
1- محمد بن إبراهيم أبو شهاب: في صحيح ابن حبان 13/284، وموارد الظمآن 2/839.
2- عثمان بن شبرمة: في صحيح ابن حبان 15/238، وموارد الظمآن 2/839.
3- حميد بن أبي غنية: في المعجم الأوسط للطبراني 5/135.
وقال: وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة.
4- أبو الأحوص سلام بن سليم: في المعجم الصغير للطبراني 2/148، والمعجم الكبير 10/136.
5- عمرو بن مرة: في المعجم الكبير للطبراني 10/131.
6- الأعمش: في المعجم الكبير للطبراني 10/133.
7- أبو إسحاق الشيباني: في المعجم الكبير للطبراني 10/133.
8- عبد الله بن حكيم بن جبير: في المعجم الكبير للطبراني 10/134.
9- شعبة: في المعجم الكبير للطبراني 10/134.
10- سفيان الثوري: في سنن أبي داود 4/107، والمعجم الكبير للطبراني 10/134.
11- سفيان بن عيينة: في مسند أحمد 1/376، 430، والمعجم الكبير للطبراني 10/134.
12- عبد الملك بن أبي غنية: في المعجم الكبير للطبراني 10/134.
13- عمر بن عبيد الطنافسي: في مسند أحمد 1/376، 448، والمعجم الكبير للطبراني 10/135.
14- واسط بن الحارث: في المعجم الكبير للطبراني 10/135.
15- أبو بكر بن عياش: في المعجم الكبير للطبراني 10/136.
16- معاذ بن هشام عن أبيه: في المعجم الكبير للطبراني 10/133.
17- عمرو بن قيس: في المعجم الكبير للطبراني 10/137.
18- عبد الله بن شبرمة: في المعجم الكبير للطبراني 10/137.
وبعض الرواة الذين رووا هذا الحديث مشتملاً على هذه الزيادة، قد رووه أيضاً خالياً منها، ومن هؤلاء:
1- عمر بن عبيد: روى الحديث بالزيادة في سنن أبي داود 4/106، ورواه بدونها كما تقدم في الرقم 13.
2- أبو بكر بن عياش: رواه بالزيادة في سنن أبي داود 4/106، ورواه بدونها كما مرَّ في رقم 15.
3- سفيان: رواه بالزيادة في سنن أبي داود 4/106، وصحيح ابن حبان 15/236، وبدونها كما مرَّ في 10، 11.
4- عمرو بن أبي قيس: رواه بالزيادة كما في المعجم الكبير للطبراني 10/135، وبدونها كما مرَّ في رقم 17.
فإذا كان حال الرواية في الاضطراب هكذا فكيف يصح التعويل عليها في إثبات اسم والد الإمام المهدي المنتظر (عج) ؟
4ـ أن هذه الرواية قد رُوِيتْ بأسانيد غير مشتملة على عاصم بن أبي النجود خالية عن قوله: (واسم أبيه اسم أبي).
فقد أخرج البزار في مسنده بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه ( رض ) قال: قال رسول الله ( ص ) : لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا مُلئتْ جوراً وظلماً بعث الله رجلاً مني، اسمه اسمي أو اسمه اسم أبي[5] ، يملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئتْ جوراً وظلماً... [6].
وأخرج الهيثمي في زوائده بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله : لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا مُلئتْ جوراً وظلماً بعث الله عزَّ وجل رجلاً مني، اسمه اسمي أو اسم نبي، يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ جوراً... [7].
5ـ لو سلَّمنا بصحة هذه الرواية فإنه يمكن حملها على أن المراد بالاسم فيها هو الكنية، فربما أُطلق الاسم وأُريد به الكنية.
فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد قال: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح به إذا دُعي بها[8].
وفي صحيح مسلم قال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سُمِّي أبا تراب ؟ قال: جاء رسول الله (ص) بيت فاطمة فلم يجد عليًّا في البيت... إلى أن قال: فجاءه رسول الله (ص) وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقِّه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله (ص) يمسحه عنه ويقول: قم أبا التراب، قم أبا التراب[9].
ومن الواضح أن (أبا تراب) كنية ، لأن الكنية هي كل ما صُدِّر بأب أو أم، ولهذا قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: (باب القائلة في المسجد) ذكر فيه حديث علي في سبب تكنيته أبا تراب[10].
وعليه فيكون المراد بالحديث هو أن كنية والد المهدي ككنية والد النبي (ص)، فكلاهما أبو محمد.
ومن الواضح أن قوله: (يواطئ اسمُه اسمي واسمُ أبيه اسمَ أبي)، عبارة طويلة غير صريحة في بيان الاسم، ومن السهل إيجازها بما هو أبلغ منها وأصْرَح، كقوله: (اسمه محمد بن عبد
الله، أو محمد بن الحسن)، إلا أنه لما كان غرض النبي (ص) قد تعلَّق بإبهام الاسم الصريح للإمام المهدي (ع) ، خوفاً عليه من سلاطين الجور وأئمة الضلال، عبَّر بما يحتمل أكثر من
معنى، لتذهب العقول حيث شاءت، لئلا تتيسَّر معرفته ويسهل تمييزه للطالبين لقتله (ع) والساعين في الإمساك به.
[1] سنن أبي داود 4/106-107.
[2] راجع هذه الأقوال في ميزان الاعتدال 4/13-14.
[3] تهذيب التهذيب 5/35-36.
[4] سنن الترمذي 4/505. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[5] هذا شك من الراوي، وسيأتي في الرواية التالية أنه قال: (اسمه اسمي، أو اسمه اسم نبي).
[6] مسند البزار 8/258.
[7] مسند الحارث (زوائد الهيثمي) 8/258. إتحاف الخيرة المهرة 10/281.
[8] صحيح البخاري 4/1976.
[9] صحيح مسلم 4/1874.
[10] فتح الباري 11/58.
1 تعليقات
قولة تعالى{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }[ سورة هود الاية٧٣] قوله تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [البقرة:213] اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.