السيد علي الحسيني
هل رؤية الإمام المهدي واللقاء به ممكنة في عصرنا؟! وإذا كانت متاحة، فهل هناك ما يدلّ على وقوعها؟، وثمّ هي لِمـنْ؟.
تشتبك الإجابة عن هذه الأسئلة، وخصوصاً السؤال الأوّل بالعديد من القضايا ذات الصلة بموضوع الإمام المهدي (سلام الله عليه)، لكن خلاصة الجواب عنه هو الآتي:
إنّ إمكان الرؤية واللقاء الإمام في عصر الغيبة الكبرى يرتهن بسلامة ثلاث مسائل، ويتوقف على صحة ثلاث مقدّمات مجتمعة، و فساد أي واحدة منها يفضي إلى نتيجة عكسيّة، أي نفي اللقاء والرؤية، ما يعني أنّنا - وبشكل أو بآخر- بصدد معالجة الموانع التي تعتور القول بإمكانيّة لقاء الإمام ومشاهدته،والمقدّمات الثلاث اجمالاً هي:
الأولى: تفسير الغيبة بخفاء التشخيص، لا خفاء الشخصيّة.
الثانية-توجيه ما يشير إلى امتناع المشاهدة في عصر الغيبة.
الثالثة-اثبات وقوعها استناداً للنصوص والروايات.
غيبة الإمام خفاء تشخيص دون الشخص.
يرى عامّة علماء الشيعة أنّ طبيعة غيبة الإمام المهدي في عصر الغيبة التامة أو الكبرى(329هـ) هي خفاء هوية الإمام وعنوانه، وليس اختفاء جسمه، واحتجاب شخصه، فهو يعيش بين الناس كأيّ واحد منهم، فيراهم، ويرونه هم أيضاً لكنّهم يجهلون هويته، ولا يشخّصون عنوانه، وبناءً على هذا التفسير للغيبة تصبح رؤية الإمام ومشاهدته والتشرف باللقاء به أمرٌ متاح للجميع، وممكن لكل أحد، ولا تعتوره أيّ مشكلة من هذه الناحية، كما لو أنّك تشاهد أيّ شخص آخر تجهل مقامه، ويخفى عليك عنوانه.
ومجمل ما جاء من أخبار يدلّ على هذا المنحى في تفسير الغيبة، وسياتي بعضها.
لكن مقابل هذا التفسير للغيبة ثمّة تفسير آخر للغيبة يغدو معها أمر اللقاء والمشاهدة ليس بهذه السهولة، وهو المنحى الذي جنح إليه الشيخ أحمد الإحسائي في تفسير الغيبة من أنّها تعني غيبة الذات، وخفاء الجسم، وغياب الشخص، والرأي عنده أنّ الإمام (سلام الله عليه) لحظة بدء عصر الغيبة قد انتقل من عالم الدنيا إلى عالم آخر غدا فيه وكأنّه كائنٌ آخر لا ينتمي لعالم الدنيا، وكأنّنا نتحدث عن ملك من الملائكة والجن.
ولن يعدم هذا الرأي من بعض النصوص التي تؤيده ظاهراً فبعض الأخبار تصف الإمام المهدي (سلام الله عليه) بأنّه " لا يُرى جسمه، ولا يُسمّى اسمه" كما في الحديث المعتبر الذي رواه الكليني (الكافي1/333) وغيره، ولا يخفى أنّه بصدد بيان أصل غيبة الإمام (سلام الله عليه) ، دون كيفيتها، بقرينة قوله: ولا يسمّى اسمه، على أنّه يتعارض مع ما جاء في بعض الأخبار الصحيحة والصريحة في أنّه (عليه السلام) : يرى الناس ويعرفهم، ويرونه، ولا يعرفونه(البحار،ج52، ص152)، بل يتعارض مع بعض حقائق القضيّة المهدويّة، ومنها طلب سلامته (عليه السلام) والدعاء بحفظه : "اللهم كن لوليك الحجّة بن الحسن ..وليّا وحافظاً "!
توجيه ما دلّ على امتناع المشاهدة:
ومما يحول دون القول بإمكان لقاء الإمام و وقوع المشاهدة؛ توقيعُ السمري الذي نفى المشاهدة صراحة، والمقصود بالتوقيع ما رواه الصدوق عن الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري (قدس الله روحه) فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزّ وجلّ) وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر..(كمال الدين،ج2،ص516).
والمقطع الأخير ينفي بظاهره المشاهدة، لكنّ العلماء فسّروه على أنّ المقصود منه هو المشاهدة المصحوبة بزعم السفارة وادعاء النيابة، وليس مجرّد اللقاء والرؤية، والذي يؤيّد هذا التوجيه أمران:
أولاً- سياق صدور التوقيع، وهو وقوع الغيبة التامة، وغلق باب النيابة، ونعي آخر السفراء، والذي أفهمه من التوقيع أنّه لمّا أُغلق باب السفارة بوقوع الغيبة الثانية، وكان طريق تعيين السفير يقع بأحد أمرين:
1 ـ إمّا بوصيّة من السفير السابق.
2 ـ أو بتعيين مباشر من الإمام (سلام الله عليه) ؛ لذا أشار الإمام إلى انسداد باب النيابة الخاصة بالكليّة، وبطريقيها، فأغلق الإمام الطريق الأوّل بقوله لآخر السفراء: ولا توص إلى أحد..كما أغلق الطريق الثاني بقوله: ألا فمن ادعى المشاهدة..
وثانياً- أنّه بهذا التوجيه يحصل الجمع بينه وبين الروايات الدالّة على وقوع المشاهدة، وهذا ما دفع الأعلام إلى القول: إنّ التوقيع محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة على مثال السفراء؛ لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه (عليه السلام).(انظر-البحار، ج52،ص151).
الثالثة-اثبات وقوعها بالروايات.
وبعد دفع ما يمنع من امكان الرؤية، لم يبق إلا عرض ما يدلّ على امكانها في عصر الغيبة التامّة، ويدل عليها جملة أمور، فمضافاً إلى أنّ إمكان المشاهدة في نفسها، وجواز الرؤية بحدّ ذاتها ما لم يمنع مانع، فإنّ بعض الأخبار المعتبرة قد دلّت على أنّ مشاهدة الإمام في فترة الغيبة الكبرى ممكنة بل واقعة لفئة خاصّة من الناس، ودونك خبرين في ذلك:
ففي الحديث الموثق عن الإمام الصادق(عليه السلام): للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه (الكافي،ج1،ص340،ح19)، وقوله: (خاصة مواليه) يعني أنصاره الخاصّون و حواريّوه؛ لأنّ لكل واحد من الأئمة (عليهم السلام) حواريين، كما كانوا لعيسى (عليه السلام). (شرح المازندراني،ج6 ص266)، ويشهد على هذا التفسير ما جاء من اضافة في آخر الرواية عند غير الكليني: إلا خاصّة مواليه في دينه.(انظر-الغيبة للنعماني: 173).
وقد حدّدت بعض الروايات عدد هؤلاء (الخواص) بثلاثين، ففي الحديث الصحيح، الذي رواه الكليني في الكافي وغيره في غيره عن الامام الصادق (عليه السلام) انّه قال: لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابدّ له في غيبة من عزلة، وما بثلاثين من وحشة .(المصدر نفسه،ح16)، والمقصود بعبارة: وما بثلاثين من وحشة، أنّه (عليه السلام) يستأنس في غيبته بثلاثين نفر من أوليائه وشيعته، فلا يستوحش من الخلق في عزلته...، ولابدّ أن يبدلوا في القرون والأعصار فإنّه لم يثبت لهم من العمر ما ثبت لسيّدهم، فلابدّ أن يوجد في كلّ عصر ثلاثون نفر من الخواص الذي يفوزون بشرف الحضور.(ينظر-النجم الثاقب،ج2،ص48).
وصفوةُ القول أمران:
أولاً- أنّ رؤية الإمام(عليه السلام) و مشاهدته ممكنة للجميع.
ثانياً- بل دلّت الأخبار الصحيحة أنّ اللقاء واقعٌ لبعض خواصه.
وعلى هذا جماهير العلماء: المتأخرين والقدماء، قال شيخ الطائفة: إنّا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم...، وبخصوص الأمر الثاني قال: إنّ الأعداء لم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه على سبيل الاختصاص..(انظر-الغيبة،ص98و99).
اترك تعليق