كيف يوحّد الإمام علي (ع) ربه؟

يمثل فكر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في التوحيد رؤية كونية متكاملة والحجر الأساس في الاصول النظرية والعملية، وعلى هذا فإن النصوص الواردة عن الامام علي (عليه السلام) مليئة بالاستدلال لإثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى، ويمكن بيان شيئا من ذلك بحسب الآتي.

امتناع المحدودية عليه تعالى

من ذلك قول الإمام علي (عليه السلام): "من وصفه فقد حده ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، ومن قال كيف فقد استوصفه، ومن قال أين فقد حيزه" [1].

إن نظرة عابرة للنص أعلاه تفصح عن أمور مهمة منها:

1ـ إنه لوكان الله سبحانه وتعالى واحد عددي لكان حادثا لان العد يدخل في الاشياء المثليّة فمن اعتقد العدّ فيه تعالى فقد قضى بإثبات امثال له، والقدم يحيل – ينفي-  المثل، وينبو عن المماثلة.

2ـ ولو صار حادثا لاحتاج الى محدث يخرجه من العدم، وإذا احتاج الى المحدث صار ممكنا وليس بواجبا، ومن سمات الممكنات احتياجها الى غيرها بسبب فقرها، وبتعبير القرآن الكريم ليس غنيا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [2].

3ـ إن الاستدلال بنص الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) يستلزم أن وحدة الله لو كانت وحدة عددية للزم بطلان أزليته سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن تكون وحدته وحدة عددية لامكن اتصافه تعالى بالفقر وهو الغني الحميد [3].

4ـ وقد وضّح الإمام علي (عليه السلام) هذه الناحية الحسّاسة بقوله إن صفات اللَّه هي عين ذاته، وأنه سبحانه غير قابل للتجزئة أو المحدودية، فلا يقال له (فيم)؟ و (علام)؟ و (متى)؟ و (حتى) و (ممّا)؟ التي هي من نعوت الأشياء المخلوقة، واللَّه منزّه عن ذلك[4]، ومنه قوله (عليه السلام): "الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود" [5]،  وقال أيضا (عليه السلام): "من جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: " فيم " فقد ضمنه، ومن قال: "علام ؟" فقد أخلى منه". [6]

وقال عليه السّلام في هذه الخطبة أيضا: "تعالى عما ينحله المتحدّدون من صفات الأقدار ونهايات الأقطار وتأثّل المساكن وتمكَّن الأماكن فالحدّ لخلقه مضروب وإلى غيره منسوب"[7]. وأوضح منهما ما في البحار من التّوحيد للصدوق بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عن أمير المؤمنين في خطبة طويلة له عليه السّلام قال: لمّا شبّهه العادلون بالخلق المبعض في صفاته ذوي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته وكان عزّ وجلّ الموجود بنفسه لا بأداته انتفى أن يكون قدّروه حقّ قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدّرين له بالحدود من كفرة العباد: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُه  يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه سُبْحانَه  وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}  ومثل هذه في الدّلالة على تنزّهه سبحانه من التحديد والتّشبيه أخبار كثيرة متواترة [8]، منها ما رواه في البحار من توحيد الصدوق عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: "كتبت إلى الرّجل يعنى أبا الحسن عليه السّلام إنّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التّوحيد: فمنهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة، فكتب عليه السّلام بخطه: سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ليس كمثله شيء وهو السميع العليم أو قال البصير". [9].

وفيه أيضا عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لهشام: "إن اللَّه تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وكلَّما وقع في الوهم فهو بخلافه"[10]

وقال الإمام علي (عليه السلام): "كل مسمى بالوحدة غيره قليل"[11].

يتحدث الامام (عليه السلام) في هذا النص عن الوحدة الغيرية العددية، فعندما تكون الوحدة عددية فتخضع لنظام العدد في السبق واللحوق في الاعداد، فإذا أضيف الى العدد الواحد اثنان فتصبح الاثنان أكثر من الواحد، وإذا أضيف الى الاثنين ثالث، فتصبح الثلاثة أكثر من الاثنين وهكذا الى الاربع والخمس.. وبذلك فإن ما يوصف بالوحدة العددية يكون قليل، لأن من مميزات هذه الوحدة المحدودية فعندما تضاف الى الغير تكون أقل وهذا مالا يصح على الباري تعالى.

الهوامش:

--------------

 

[1] نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 1/ 14.

[2] سورة فاطر: 15

[3] التوحيد: السيد كمال الحيدري: 47.

[4]  تصنيف نهج البلاغة: لبيب بيضون :74.

[5] - نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 1/ 14.

[6] نهج البلاغة شرح محمد عبده:1/   15.

[7] - نهج البلاغة، اشرح محمد عبده: 2/ 66.

[8] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي الجزء: 13 -191.

[9] الوافي: الفيض الكاشاني الجزء: 1/389

[10] التوحيد الشيخ الصدوق :80.

[11] نهج البلاغة: 65.

 

 

المرفقات