لطف الله البحراني: (توفي في القرن الثالث عشر الهجري)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (73) بيتاً:
وإذا أطـلَّ عـلـيـكَ شـهـرُ مـحرَّمٍ فأبكِ القتيلَ بـ (كربلاءَ) على ظما
قلبي يذوبُ إذا ذكرتُ مصابَه الـ ـمرَّ الــمَـذاقِ ومـقـلتي تجري دما
واللهِ لا أنــسـاهُ فـرداً يــلـتـقـــــي بالعزمِ جيشاً للضـلالِ عـرمـرمـا (1)
ومنها:
هذا الحسينُ بـ (كربلا) عهدي بهِ شـفـتـاهُ نـاشـفتانِ من حرِّ الظما
والخيلُ نـضجٌ في الطرادِ بجسمِه حتى فرتْ منه القوى والأعظما
وتـركـتُ نـسـوتَـه الـكرائمَ حُسَّراً مـن حـولـهِ يـمسحنَ منحرَه دما
وقال في رثائه (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (89) بيتاً:
أمَا سـمعتْ اذناكَ وقعةَ (كربلا) وتلكَ لعمرُ اللهِ كبرى المصائبِ
وإنَّ حسينَ السبطِ أمسى بربعِها بعيدَ المدى بين القنا والقواضبِ
تـعـانـقُـه البيضُ الرقاقُ وتنحني لـتـقـبـيلِه سمرُ الرماحِ اليعاسبِ (2)
وقال من حسينية أخرى تبلغ (82) بيتاً:
كـأنّـي بمولايَ الحسينِ يسوقُه إلى (كربلا) حادي المنايا وقائدُ
تحفُّ بهِ مـن آلِ هاشمَ عصبةٌ كـمـا حـفَّ بالبدرِ المنيرِ الفراقدُ
مجيباً دعا أهلَ العراقِ مُبادراً وقـد وعـدوهُ بـالـقـدومِ وعاودوا (3)
وقال من أخرى تبلغ (64) بيتاً:
وإن طـرقـتْ أذني وقائعُ (كربلا) تـكـدَّرَ مـنـهـا مشربي ومطاعمي
بحيثُ بنو المختارِ أضحى مقيلهمْ ظهورُ المذاكي أو بطونُ القشاعمِ
وإنَّ دمـاءَ الـهـاشـمـيـينَ أصبحتْ مـضـيَّـعـةً مـا بـيـنَ حربٍ ودارمِ (4)
الشاعر
الشيخ لطف الله بن محمد بن عبد المهدي بن لطف الله بن علي البحراني، عالم وأديب وشاعر من أعلام البحرين، وهو جد الشاعر لطف الله بن علي بن لطف الله صاحب المجموعة التي كتبها في سنة (1201 هـ / 1786 م) والتي ضمّت أشعار أربعة وعشرين شاعراً في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) ومن ضمنهم جده الشاعر لطف الله بن محمد.
لم تذكر المصادر تاريخي ولادته ووفاته غير أنه يستشف من خلال ترجمته أنه عاش في القرن الثاني عشر الهجري ــ الثامن عشر الميلادي، وتوفي في القرن الثالث عشر كما ذكر الكرباسي (5) وقد ترجم له الشيخ أغا بزرك الطهراني فقال في ترجمته:
(الشيخ لطف الله البحراني ابن محمد بن عبد المهدي بن لطف الله بن علي البحراني الذي صحّح بعض أجزاء شرح النهج لابن أبي الحديد الموجود في مكتبة (سبهسالار) طهران كما في فهرسها ج 2 ص 48 وفرغ من التصحيح في 15 شعبان سنة (1164 هـ / 1750 م)، وهو من الشعراء الراثين للحسين عليه السلام الذين جمعهم حفيد هذا الشاعر وسمّيه وهو لطف الله بن علي بن لطف الله ابن محمد بن عبد المهدي، وهم أربعة وعشرون شاعراً جمع مراثيهم هذا الحفيد في مجموعة في سنة (1201 هـ) وهذه المجموعة بخط الحفيد موجودة عند الشيخ محمد علي يعقوب الخطيب النجفي المعاصر). (6)
وذكره الطهراني أيضاً في معرض حديثه عن كتاب البلغة في الرجال فقال: (البلغة في الرجال، على حذو الوجيزة التي ألفها العلامة المجلسي في بيان ما يختاره من أحوال الرجال ثقة وضعفاً، للشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد الله الماحوزي الأوالي البحراني، المتوفي في السابع عشر من شهر رجب سنة 1121، أوله (الحمد لله الذي جعل تفاوت مراتب الرجال وارتقائهم على مراتب الكمال) فرغ منه: (16 – ع 2 – 1107 هـ) في قرية صهيمكان من أعمال جهرم في المدرسة الشمسية، كما نقل صورة خط المصنف كذلك في آخر ما رأيته من النسخة بخط (الشيخ لطف الله بن محمد البحراني) في سنة (1165 هـ) ....). (7)
كما ترجم له السيد جواد شبر فقال: (إن بعض أشعاره قد وُثقت أيضاً في صفحة 113 من مجموعة مخطوطة في مكتبة الإمام الصادق ــ حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية رقم 75 بخط محمد شفيع بن محمد بن مير عبد الجميل الحسيني سنة 1242 هـ). (8)
شعره
قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدته التي قدمناها وتبلغ (73) بيتاً:
يـدعو لـرشـدٍ وهـو لـيسَ بمسمعِ الـ ـصـمِّ الـدعـاءَ ولـم يـنـطّقْ أبكما
ويـرى صـحابتَه الكرامَ على الثرى وبنيهِ مرضوضي الأضالعَ جُثّما
والـسمرُ والـبيضُ الـرقـاقُ تـنـوشُـه حتى أصيبَ بسهمِ حتفٍ فأرتمى
فهوى صـريـعـاً فـي الترابِ مُجدّلاً يـرنــو الـخـيـامَ مـودِّعـاً ومُـسلّما
ومضى الجوادُ إلى الخيامِ مُحمحماً دامــي الـنـواصـي بالقضيّةِ معلما
فـخـرجـنَ نـسـوتُـه الـكـرائمُ حُسَّراً ينثرنَ دمـعاً في الـخـدودِ مُـنـظّـما
فبصرنَ بالشمرِ الـخـبـيثِ مسارعاً للسيفِ فـي النحرِ الشريفِ مُحكِّما
حتى برا الرأسَ الـشـريفَ من القفا فـغـدا عــلـى رأسِ الـسنانِ مُقوَّما
وارتجتِ السبعُ الطباقُ وزُعـزعتْ أركانُها والأرضُ نــاحـتْ والسما
اللهُ أكـبــرُ يـــا لـــــــه مـن حـادثٍ أضـحـى لـه الـمجدُ الـرفيعُ مُهدَّما
وقال من بائيته التي قدمناها وتبلغ (89) بيتاً:
تحفُّ به من تابعي الحقِّ عصبةٌ شجاً بهمُ عضَّتْ حـلـوقُ الـمواكبِ
وكـلٌّ أبـيُّ الضيمِ مـن آلِ هـاشـمٍ يـمـتُّ بـأسـبـابِ الـمعالي الغوالبِ
عـلـى كـلِّ مـأمـونِ العثارِ مثارُه من النقعِ كحلٌ في عيونِ الكواعبِ
فما سابغاتُ السردِ حـيـن تـنـالها سـيـوفـهـمُ إلاّ نـسـيــجَ الـعـنــاكـبِ
إذا قاربتْ بين الـتـرائـبِ والطلا تـبـاعـدَ مـا بـيـن الـطـلا والترائبِ
تبيدُ طواغيتَ ابنِ حربٍ حرابُهم يذبُّونَ عن حربِ الـنـبـيِّ الأطائبِ
يـخـرُّونَ غـبَّ الـحربِ للهِ سُجَّداً كأنَّـهـمُ فـي سـلمِهمْ في الـمـحـاربِ
ولم يبقَ إلاّ واحدُ الـعصرِ مُفرداً تـدورُ عـلـيـهِ دائـراتُ الـمـقـانـــبِ
وقال من داليته التي تبلغ (82) بيتاً:
مـهـابـطُ وحـي اللهِ خُــزَّانَ عـلـمِــهِ فـمـا مـنــهـمُ إلاّ إلـى اللهِ قـائدُ
قـوامٌ لـدينِ اللهِ قد حـفـظـوا الـورى بحلمٍ وعلمٍ حيث تُثنى الوسائدُ
خلتْ عرصاتُ الدارِ منهمْ وأقفرتْ فـمـا تـمَّ إلاّ غــيـبـةٌ ومـشـاهدُ
مـضوا شُـهَدا في اللهِ كلٌّ وخـلّـفـوا مـمـادحَ لـم تُـبلى وتُتلى محامدُ
فبالمصطفى طـابـتْ مـرابعُ طـيـبةٍ تـسـامـتْ علاءً لن تنله الفراقدُ
وبـالـمـرقـدِ الـسـامي الزكيِّ وحبَّذا مقامٌ له يـنـحـطّ قـدراً عـطـاردُ
وسـاعـةُ قــدسٍ لـلـغـريِّ مــحـلــها إمـامُ هـدىً تُـلـقـى إلـيهِ المقالدُ
ومنها
فـثـابَ لإدراكِ الـثـوابِ عــصابةٌ صِبَاحُ وجوهٍ أكـرمونَ أمـاجـدُ
أمامَ إمامٍ في الـوطـيـسِ كــأنَّـهـمْ أسودٌ إلى خلسِ الـنفوسِ لـوابدُ
وما لاذَ منهمْ خـيـفـةَ الموتِ لائذٌ ولا حادَ عن حدِّ الأسـنَّـةِ حـائدُ
سيوفُهمُ تحتَ الزماجرِ في الوغا بـريـقُ بـروقٍ رادفتها الرواعدُ
إذا عـطـشَ الـخــطيُّ أدلوا لسانَه فـما هوَ إلاّ في الوريدينِ واردُ
وإن جـرَّدوا بيـضاً رقاقاً فما لها سوى من رقابِ المارقينَ معاندُ
وقال من لاميته التي تبلغ (64) بيتاً:
وإنَّ الـحـسـينَ السبطَ أضحى مقامُه ظلالَ العوالي مـاضـيـاتِ الـلـهاذمِ
مُـذاداً عـن الــمـاءِ الــمُــبــــاحِ وآلَه وتـصـدرُ ريَّـاً مـنـهُ حربُ الروائمِ
يـؤدّي لـرشـدٍ لا يــجــابُ ودونَـــــه صليلُ سيوفٍ في الطلى والجماجمِ
وقـد أحـدقَ الـجـنـدُ الـيـزيـديُّ حوله فـمِـن بـيـن رامٍ مـحـنقٍ أو مُصادمِ
أزالَ ربيطَ الجأشِ في الجيشِ عابراً فـعـنـه الـخـوافـي تـتـقـي بـالـقوادمِ
يـسـلُّ نـفـوسـاً مــن طــغـــامٍ أذلــــةٍ ويـحـتـزُّ روســاً مـن كـفــورٍ وآثمِ
وأثـنـى عـنـانَ الـلـطـفِ نـحوَ خيامِهِ يـسـكّـنُ روعـاً فـي قـلوبِ الفواطمِ
يـودِّعُ هـاتـيـكَ الـكـريـمـاتِ مُـوصياً خـلـيـفـتَـه فـيـمـا تـرى مـن مكارمِ
أزيـنـبَ لـمِّـي الـشـمـلَ بـعـد انتشارِهِ وصـبـراً جـميــلاً فـالبقا غيرُ دائمِ
أخـيَّـة إنـي راحـــلٌ فــعــلــيـــكــــــمُ سـلامُ مـشـوقٍ بـالـمـنــيَّــةِ جــازمِ
أخـيَّـة إنَّ ابــنـي عـلــيٌّ خــلـيـفـتـــي يـقـومُ بـأمـري فـيـكـمُ ومـعـالــمي
أفـارقـكـمُ لا عـن مــلالٍ ولا قـــــــلا ولـكـنَّـمـا الآجــالُ ضـربـــةُ لازمِ
وقال في نهايتها مترقباً دولة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
قـلـيـلاً بـنـي حـربٍ فــإنَّ مـنـالـكمْ وإن طـالـتِ الأيــامُ خـفـقـةُ نـائمِ
وإنّ وراكـمْ فـي الـخـصـامِ مُحمَّداً غداةَ القضا أكرمْ به مِن مخاصمِ
وإنَّـا لـنـرجـو قـبـلَ ذلـكَ فـرصــةً تـبـلُّ صـدانـا عـنـد وثـبـةِ قــائـمِ
بـهِ تـمـلأ الـدنـيـا عـدلاً ورحــمــةً كـمـا مُلئتْ بالجورِ مِن كلِّ ظالمِ
هـنـالـكَ (لـطـفُ الله) يـبـلـغُ سـؤله ويـدركُ ثـاراً مـن خـصـيـمٍ وآثمِ
فيا دولةً قـد طـالَ مـنّـا انـتـظارُها عـلـى حـسراتٍ أزعجتْ كلَّ نائمِ
هـلـمّـوا فـقد غاضَ الوفا وتفجَّرتْ وسالتْ كما سالتْ عيونُ المظالمِ
بني الوحي هاكمْ من غريقِ نـداكمُ هـديةَ مـحـزونٍ وتــحــفــةَ ناظمِ
فـإنْ تـقـبـلـوا مـنّـي حـقـيرَ هـديَّتي كـمـا كان شأنُ الأنجبينِ الأكارمِ
سـمـوتُ بـحـظٍ قـائـمٍ غـيـرِ قــاعدٍ ونــلـتُ الـثـريـا قـاعـداً غيرَ قائمِ
فلا تـسـلـمـوني يومَ لا ذو شـفاعةٍ بـمـغنٍ قتيلاً من قصاصِ الجرائمِ
خُذوا بـيـدي والـوالـديـنَ وأخـوتي ومـالـي وراوٍ لـي وخـلّــي قـاسمِ
وصلّى إلهُ العرشِ ما زانَ ذكركمْ مـدائـحُ وانـهـلّـتْ دمـوعُ الـغمائمِ
..............................................................................
1 ــ ديوان القرن الثاني عشر ج 3 ص 24 ــ 30 / موسوعة شعراء البحرين (1208م / 1966م) ــ إعداد: محمد عيسى آل مكباس ــ مطبعة أمير ــ الطبعة الأولى 1418 هـ ص 110 ــ 117 / ذكر منها (54) بيتاً في أدب الطف ج 4 ص 255 ــ 257
2 ــ موسوعة شعراء البحرين 117 ــ 125
3 ــ نفس المصدر ص 136 ــ 143
4 ــ نفس المصدر ص 143 ــ 149
5 ــ ديوان القرن الثاني عشر ج 3 ص 24
6 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة / قسم الديوان / ص 944
7 ــ نفس المصدر ج 3 ص 146
8 ــ أدب الطف ج 4 ص 259
اترك تعليق