عبد الله العوّى القطيفي (توفي 1201 هـ / 1786 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (81) بيتاً:
إنّـا نـزلـنـا (كربلا) حـرصـاً عـلــــى أن تـسكـننَّ بتربِها للمحشرِ
كيفَ الخلاصُ وحشوُ رحبِ صدورِنا أحـقادُ بدرٍ والهريرِ وخيبرِ
ومـضـى يـخـبِّـرُ صـحـبَـه عمَّا جرى ويبينُ للأمرِ المهولِ الأكبرِ (1)
ومنها:
هذي الطفوفُ وذي منازلُ (كربلا) أفما ترونَ لـسابقي لم يجسرِ
قـد قـالَ جـدي: هـذهِ أوطــانُــنـــــا وبـهـا تـسـيلُ دماؤنا كالأبحرِ
وبـهـا تُـسـامُ الـخـسـفُ نسوةُ أحمدٍ وبها تصيبُ الدينَ طعنةُ أكفرِ
ومنها:
يا أختُ هذي نسوتي في (كربلا) أخشى عليها من غشومٍ مُجتري
إنّـي سـأمـضـي لـلـطـغـاةِ مُبارزاً فـإذا قُـتـلـتُ فـحوقلي وتصبَّري
قـالـتْ: عزيزٌ يا حسينُ عـلـيَّ أن تدعوهُ يا كهفَ الـيـتامـى الـحبَّرِ
وقال من قصيدة أخرى تبلغ (40) بيتا:
تـعـسـاً لـقـومٍ مـا وقـوا لــمـحـمــــــدٍ فـي آلـهِ الـقـربـى بـعـهـدٍ أقدمِ
غـالـوا الـوصـيَّ ولـلـزكـيَّـةِ أسـقطوا وقضى الزكيُّ بسقي سمٍّ مؤلمِ
غدروا الحسينَ بما جرى من حقدِهمْ ونـفـاقِـهـم بـابـنِ النبيِّ الأعظمِ
للهِ يـومٌ ســـارَ فـــيـــــهِ لـ (كـربـلا) وعـلـيـهِ تُرمى حادثاتُ الأسهمِ (2)
ومنها:
قالوا له: ذي (كربلا) وبأرضِها نـــزلَ البلا فله استعدّ وسلمِ
فـــــــــهناكَ فوَّضَ للإلهِ أمورَه تـــفويضَ راضٍ للإلهِ مُسلّمِ
مِن حـــــــوله دارتْ جنودُ أميةٍ أعلامُهم مثلَ النسورِ الحوَّمِ
الشاعر
قال الشيخ علي المرهون في ترجمة الشاعر وأسرته: (الشيخ عبد الله بن حسين بن درويش القطيفي المشهور بالعوّى، وآل العوي قبيلة معروفة من قبل بآل درويش تسكن البحرين فحدثت في تلك الظروف حوادث أدّت بهم كغيرهم إلى الترحّل إلى القطيف وكان ذلك أواخر القرن الثاني عشر فنزل والد المترجم حسين وعائلته بستاناً يقال له (البشري) الموجود حالياً وكان بعيداً عن البلاد بأكثر من المتعارف بالنسبة إلى الدور المتقاربة فكان أصحابه وجماعته وقومه وعماله الذين يعملون معه في الغوص إذا جاؤوا قد يسألون إلى أين ؟ فيقولون إلى العوي وكذا غيرهم من أهالي البلاد إشارة إلى المكان البعيد الذي لا تسكنه إلا العواوي جمع عوي، راجع عن معلوماته حياة الحيوان للدميري، فذهبت عليهم ونسي الناس لقبهم الأول آل درويش، ويوجد مثل هذا كثير قديماً وحديثاً وبعد سنيّات قلائل من نزول والده القطيف توفي حدود التاريخ المذكور وخلف ولداً يدعى بالشيخ علي نبغ نبوغاً باهراً في العلم والصلاح والتقوى وأسندت إليه في زمانه سائر المهمات الشرعية فكان أحد أعلام القرن الثالث عشر تغمد الله الجميع بالرحمة والرضوان، وخلف أيضاً أثراً قيماً من المراثي لأهل البيت (عليهم السلام) (3)
ونقل هذه الترجمة السيد جواد شبر ثم قال: (نكتفي بالإشارة إلى هذا الشاعر وعدّه من هذه الحلبة في عداد شعراء أهل البيت عليهم السلام). (4)
وقال عنه السيد محمد علي الحلو: (كان في طلائع العلماء الشعراء الشيخ عبد الله العوي الخطي المتوفي سنة 1201 هـ، فهو من نوابغ العلم ومن رجال الصلاح والتقى، أسندت إليه سائر المهمات الشرعية فكان أحد أعلام زمانه. أنشد في رثاء آل البيت عليهم السلام قصائد عدة) (5)
شعره
قال من قصيدته الحسينية الأولى:
أفما سـمـعـتَ بـوقـعـةٍ مشهورةٍ ثلمتْ عُـرى ديـنِ النبيِّ الأطهرِ
صدعتْ لقلبِ محمدٍ من قبلِ ما ولدَ الـحسينُ وقبلَ ما لـمْ يَـكـبـرِ
كـتـبـوا إليهِ صحائفاً قد ضمّنتْ طلبَ الرشادِ ورشدُهم منه بري
عـجِّـل إلـيـنـا بـالـقـدومِ فـإنــنــا أمثالَ أرضٍ مُـزنُـهـا لـم يـمـطرِ
وأبوكَ حـيـدرةُ الـتـقـيُّ إمـامُـنـا بـحـرُ العلومِ أمـيـرُ كــلِّ مُـؤمَّـرِ
فـغـدا يـحثّ اليعملاتِ مسارعاً والـقـصـدُ هولٌ مـثـلـه لــم يـذكـرِ
حتى أتى أرضَ الطفوفِ بأهلِهِ والـرحـبُ مـنـهـا ضائقٌ بالعسكرِ
فـنـحـا إلـيـهـمْ سـائـلاً ومـناشداً ماذا الوقوفُ على مجاري الأنهرِ
قـالـوا لـه: إنَّ الأمــيــرَ مـحرِّمٌ وردَ الـشـطـوطِ عـلـيـكـمُ فـتـأخّـرِ
قـالَ: اتـقـوا ربَّ الـعـبـادِ فـإنّـه مـن رامَ دونَ مـرادِهِ لــم يـظـفــرِ
ومنها في مخاطبة الإمام الحسين أصحابه بالرحيل والنجاة بأنفسهم:
لـكـنـكـمْ فـي الـحـلِّ مـنّـي فـارحلوا من قبلِ إبـلاجِ الصباحِ الـمسفرِ
قـالـوا لـه: أنـتَ الـصـبـاحُ وسـيـرُهُ فـيـهِ الـصـلاحُ لـعـاقلٍ مـتبصّرِ
مـاذا نـقـولُ إذا أتـيـنـا أحـــمـــــــداً وأبـاكَ والـزهـراءُ عـندَ الكوثرِ
تـفـديـكَ يـا نـفـسَ الـرسـولِ نفوسَنا وأقـلَّ شـيءٍ أن تُـراقَ بمحضرِ
فاصدعْ بأمرِكَ تحظَ قصدَكَ عاجلاً وترَ الصـحيحِ من القتالِ الأكبرِ
للّهِ درَّ نــفــوسِــهــم لـمّــا عــلــــوا فـوقَ الـسوابقِ والخيولِ الضمَّرِ
فـكـأنَّـهـم فـوقَ الـخـيـولِ كـواكــبٌ تسمو علـى مرِّيخِها والمشتري
وكأنّ خـيـلـهُـمُ رجـومـاً قـد هـوتْ رجـمـاً لـشـيـطـانٍ وكـلِّ مُـكـفِّـرِ
لـم يـحـسـبـوا رشـقَ الـنـبـالِ أذيّـة كـلاّ ولا طـعـنَ الـرمـاحِ بمذعرِ
ولـكـمْ أبـــادوا مـــن عُـصـاةٍ ذادةٍ لـبـسـوا الـدروعَ وأقبلوا كالأنسرِ
لـكـنَّ جـيـشَ الـكـفـرِ بـحـرٌ زاخرٌ والـنـقـصُ مـن قـتلاهُ غيرُ مؤثّرِ
حتى قـضـوا مـا بـينَ مشتبكِ القنا وبـقـي حـسيـنٌ مـفـرداً لم ينصرِ
فـتـنـفّـسَ الصعداءُ من حرِّ الحشا والـعـينُ تهمي كالسحابِ الممطرِ
ومنها في توديعه أخته العقيلة (عليهما السلام):
قالَ اصبري يا اُختُ إن نزلَ القضا ولَـكـلُّ شـيءٍ هـالـكٍ فـتـذكـــري
قـد شـاءَ ربّـكِ أن يــرانــا هــكــــذا مـا بـيـنَ مـأسـورٍ وبـيـنَ مـعــفّـرِ
ومضى إلى سوقِ الـمـمــاتِ مبايعاً للّهِ نـــفـــسـاً بـالـنـعـيـمِ الأوفـــــرِ
فـدعـاهُـمُ يـا قـومُ كـظّـنــيَ الـظـما بُـلّـوا غـلـيـلـي مـن مـيـاهِ الأبـحـرِ
قـال ابـنُ سعدٍ: عـجّـلـوا لـقـتـالِــــهِ واسقوهُ سرعاً كأسَ حتفٍ مـمـقـرِ
فـتـبـادروهُ بـالـسـيـوفِ كــأنّــهــــمْ عطشى الطيورِ طلبنَ وردَ الأنهرِ
كـلٌّ يـريـدُ هـلاكَــه لــيـفـوزَ بـــالـ ـقربى من الرجسِ اللعينِ المُفتري
فـأتـاهُـمُ لـيـثُ الـحـروبِ فـزُلـزلوا زلـزالَ خـيـبـرَ مـن مـغارةِ حـيدرِ
رفعوا الأسنّةَ فانـثـنـتْ مـجــرورةً فـي جـرِّ عـامـلِـه رؤوسُ الـعـسكرِ
وقال من قصيدته الثانية:
عجباً لنفسٍ هلَّ شـهـرُ مـحرَّمٍ وتـذكّــرت أرزاءَه لــم تُـحـرمِ
فلتنزعنْ ثـوبَ الـمسرَّةِ والهنا ولـتـلـبـسـنْ ثوبَ السوادِ وتندمِ
تـبـاً لـهـا ما عذرُها إذ أخبرتْ بـمصائبِ الساداتِ آلِ الأكـرمِ
قـومٌ هــداةٌ لــــــــلأنـامِ وقـادةٌ والـديـنُ لـولا هـديـهـمْ لـمْ يُعلمِ
قـومٌ لـهـمْ من أصـلِ كلٍّ منبتٌ سـرٌّ بـه نـالَ الـنـبـوُّةَ فــاعـلــمِ
هُمْ فلكُ نوحٍ في الـنـجـاةِ وآدمٍ هُمْ فلكُ موسى والمسيحِ ومريمِ
هُـمْ فـلـكُ كـلِّ خـلـيـفـةٍ وإليهمُ أعطى الإلهُ ولايةَ الـمسـتعصمِ
جمعوا الفضائلَ والفوائدَ كلها فـالـيـهـمُ سـلّـمْ أمـــورَكَ تـسـلمِ
..............................................................................
1 ــ شعراء القطيف منشورات دار المصطفى لإحياء التراث ــ تحقيق السيد عدنان العوامي ج 1 ص 50 ــ 53
2 ــ نفس المصدر ص 53 ــ 55
3 ــ تفس المصدر ص 49 ــ 50
4 ــ أدب الطف ج 5 ص 348
5 ــ أدب المحنة ج 1 ص 225
اترك تعليق