عبد الله الذهبة البحراني (توفي 1277 هـ / 1861 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (78) بيتاً:
أما أتـاكم ما على (كربلا) مـن نـبـأ منه شباكمْ نَبَا
ما جاءكم أن العظيمَ الذي على الثريَّا مجدكمْ طنّبا
وكاشفُ الأرزاءِ عنكمْ إذا دهرٌ بأجـنـادِ البلا أجلبا (1)
وقال من قصيدة أخرى لم نعثر سوى على مطلعها وهو:
عُجْ على (كربلا) وحيِّ حماها واسقِ بالدمع وَهْدَها ورُباها (2)
الشاعر
الشيخ عبد الله بن أحمد الذهبة، عالم وأديب وشاعر ولد في قرية جد حفص في البحرين وبنى فيها مسجداً لا يزال إلى الآن يعرف باسمه، وسكن مسقط ثم غادرها إلى لنجة ــ على الساحل الإيراني ــ وفيها توفي. (3)
وعده الشيخ علي المرهون من شعراء القطيف فقال: (المعروف أن الذهبة قطيفي لا بحراني، لكونه سكن جدحفص ــ قرية من قراها ــ فقد سكن مسقط ولنجة كما عرفت ولعل بعض الحوادث ألجأته كما ألجأت غيره إلى سكنى البحرين، فإن كثيراً من علماء وأدباء وشعراء من أهل القطيف ينسبون إلى البحرين من جراء ما ذكرنا...) (4)
كان الذهبة عالماً تقياً ورعاً أثنت عليه كل المصادر التي ترجمت له وكانت له مكانة سامية في مجتمعه، يقول عنه السيد خليل الجد حفصي (وهو من معاصريه ومن أهل بلدته) في مدحه:
ما جاءَ قبلك في البحرينِ من رجلٍ يحكيكَ في النظمِ عبد الله يا ذهبَه
ملكتَ بالـفـضلِ أهلَ الفضـلِ كلَّهمُ وكـــلَّ ذي أدبٍ ألزمتَــــــــه أدبَه (5)
وقال عنه الشيخ علي البلادي: (ان شاعرًا ماهرًا مجيدًا من شعراء أهل البيت (ع) وراثيهم ومادحيهم، تقيًا ذكيًا، لم يوجد مثله في الشعر والمعاني الجيدة، وكان بمنزلة المرحوم السيد حيدر الحلي (ره) في العراق، بل في بعض الأشعار له التقدم عليه...) (6)
وقال عنه العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني: (كان من مشاهير مدّاح أهل البيت عليهم السلام، وقد أكثر من البكاء والنوح عليهم، وكان في غاية الورع والتقوى نظيراً للسيد حيدر الحلي في العراق ...) (7)
وقال عنه العلامة الشيخ محمد السماوي: (كان أديباً بليغاً، وشاعراً بارعاً، سهل النظم، سريع البديهة، حلو اللفظ ...) (8)
وقال عنه الشيخ علي المرهون: (الفاضل الأديب الأريب الأواه، الشاعر المصقع المطبوع الماهر التقي، كان شاعرا مجيدا من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) وراثيهم ومادحيهم تقيا نقيا لم يوجد مثله في الشعر والمعاني الجيدة وكان شبيها بالسيد حيدر الحلي في العراق) (9)
وقال الشيخ محمد علي العصفور: (الشيخ عبد الله الذهبة البحراني هو أحد الأعلام، وركن الإسلام، وطوده الشامخ. له ديوان شعر) (10)
وذكره الشيخ علي بن عبد اللّه بن عليّ الستري البحراني في جواب مسألة فقهية فجاء ما نصه تحت عنوان: جواب مسألة الذهبة: (يذهب البحراني أنّ الحاجّ يجب أن يعمل بمناسك الحجّ عند وجوده بمكّة في الموسم و لو كان مريضاً أو ذا عذر آخر ، فيسأل الشيخ عبد اللّه بن أحمد الذهبة البحراني عن دليل هذه الفتوى ، فيجيب شيخنا استدلالاً على ما يذهب إليه . تمّ في 23 محرّم سنة 1299هـ .ق) (11)
شعره
إن مما يؤسف له أن يضيع تراث هذا الشاعر الكبير حيث فقد ديوانه الضخم الذي ضم قصائده في أهل البيت (عليهم السلام)
يقول الشيخ علي البلادي: (له ديوان شعر رأينا منه مجلدين ضخمين) (12)
ويقول الشيخ الطهراني: (أن ديوانه يقع في أربعة مجلدات وفي مكتبته قطعة منه بخط أبي القاسم الكازروني وقد كتبها في بندر لنجة). (13)
وقال السيد جواد شبر: (له شعر كثير في أهل البيت عليهم السلام ... رأيت ديوانه في مكتبة المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني ـ قسم المخطوطات ـ الخزانة العاشرة وقد كتب على الغلاف (في رثاء الحسين). (14)
غير أنه كتب لبعض هذه الثروة أن تحفظ فقد احتفظت بعض المصادر الأدبية والسير والتراجم ببعض قصائده، كما عثر الباحث الأديب والمحقق سالم النويدري على نسخة مخطوطة فيها ثمان قصائد للشاعر (متوسط كل قصيدة منها ثمانون بيتاً). (15)
ويعد شعر الذهبة من الطراز الرفيع قال عنه عبد العزيز البابطين في معجمه: (شعره فيض من المديح والرثاء لآل البيت، يجيء معدداً لمناقبهم، وداعياً إلى السير على نهجهم والتأسي بأخلاقهم. له شعر ذاتي يعتد فيه بنفسه، إلى جانب بعض من الطرائف الشعرية، يكشف - من خلال تراكيبه وأنساقه - عن تعمّق لغوي، وذوق أدبي، وإغراق في بعض فنون البديع، يسير على هدْي الأقدمين في بناء قصائده من حيث المحافظة على عمود الشعر أوزاناً وقوافيا)
يقول من قصيدته (البائية) التي قدمناها وتبلغ (78) بيتا:
يخوضُ تـيَّارَ الــوغـى ذا حشا فـيـه الـظـمـا سـاعــره ألـهـبـا
مـجـاهـداً عـن شــرعةِ اللّهِ من إلى الغوى عن نـهــجِـهـا نكبا
حتى قضى لم يلفِ مــن ناصرٍ بعداً لمنْ عن نـصـرِه قد أبى
مـقـطّـراً تـعـدو بـأشــــــلائِــــهِ بـرغـمـكـم خـيـلَ العِدا شزّبا
ما أعـجـبَ الأقـــدارِ فـيما أتتْ لـصـفـوةِ الأقــدارِ ما أعـجـبا
كيف قضتْ لــغالبِ الموتِ ما عـن نـابِـهِ كـشّـرَ أن يـغــلــبـا
فما بقا الأكــوانِ والموتُ فــي روحِ البرايا أنشبَ الـمخـلــبـا
مضى إلى الرحمنِ في عصبةٍ لنصرِهِ الرحـمـنُ قـبـلُ اجتبى
قضوا كراماً بعد ما أن قضوا مـا اللّه لابـنِ الـمصطفى أوجبا
على العرا عارينَ قد شاركتْ في سترِها هامي النحورِ الظبا
ويقول من حسينية أخرى تبلغ (80) بيتاً:
سـأصـبـرُ حـتـى أورِدُ الـــمــوردَ الـذي به طابَ لـلـمولى الحسينِ مـشـاربُـه
ألـمْ تـرهُ ذاقَ الــمــنــــونَ وصـــحــبُــه حــذارَ هـوانٍ فـي الورى وأقــاربُــه
عشيّةَ ألقى في الطــفوفِ عـصا السرى وطــافـتْ عـليه للـضلالِ عـصــائـبُه
بـغـتْ قـتـلـهـا بـغـــيـاً حصيـناً وصحبَه ولــم تـدرِ أن الـبـغـيَ شــؤمٌ عـواقبُه
فــبــاتَ يـقـيـهِ كـــلُّ أروعَ مــاجــــــــدٍ تـحمّلَ أعـباءَ المفاخـــــــرِ غــاربُــه
وحامي ذمارٍ لـــو دعـا صـــــــارخٌ به على النجم أضحى وهو للنجم راكبُه
وأشوسَ مـحـمـــودِ الضــــرائبِ لو بدا له الموتُ يومَ الـروعِ قامــتْ نوادبُه
ومن راسخٍ فــي الـحـلـمِ لو زلزلَ البلا ثـبـيـراً وأحــداً ما تــقـطّــبَ حـاجـبُه
ذوي راحـــةٍ قـد عـلّـمَ الـغـيــثَ سحُّها بـه تـنـتـهـي هـامُ الــمـعـالـي مناصبُه
لهــا الويلُ حربٌ ما درتْ مَنْ بحربها نَحَتْ بل درت والـموتُ لم يعيَ طالبُه
تــريدُ بأن يُـعطي الـقـيـادَ ابـنُ فـاطـــمٍ مـتى للظبا ليثُ الشـــــرى لانَ جانبُه
أليس هو العَضْـــــبُ الـذي يـعـهدونــه يُـفَـلّ ولـم تُـفلـلْ لـروعٍ مـضــــــاربُه
ولـكـنـهـا أرواحُـهـم سـاقـهـا الـقــــضا لـقـابـضــــها والـمـوتُ تـلـك مـآربُـه
فتلكَ على وجهِ الـصـعـيدِ جســومُـــهمْ كأنّ بها في الصورِ قد صاحَ صاحبُه
وتــاللهِ لــولا شــوقُــه لـلـذي قــــضـى لـه اللهُ والـمـحـتـومُ لم يخطِ صــــائبُه
لما بـاتَ مـن فـــــوقِ الترابِ تــريـبةً بـرغـمِ المعالي والـفـخــارُ تـرائــبُــــه
فلهفي ولا يشفي الذي في ضــمائري بـلـهـفـي ولا يـخـبـو مـن القلبِ لاهبُه
لربات خدرٍ لم ترَ الشـــــــمسُ ثـوبَها لـهـا دانَ أعــجــامُ الـــورى وأعـاربُه
لدى كلِّ وغدٍ ما درى المجدَ ما اسمُه يُـجـاذبُـهـا فضـــــــــلَ الـردا وتُجاذبُه
فيا لكَ جرحاً ليـــس يُرجى انـدمــالُـه ولا بُـرؤه أو يــأخـذ الثـــــأرَ صاحبُه
أما القصائد الست الأخرى فقد ذكر النويدري في مقاله مطالعها فقط وهي:
الأولى:
خَلا مقلتي ذّمٌّ غداةَ الأجارعِ فقد أسعفتني بالدموعِ الهوامعِ
والثانية:
أرى المجدَ معشوقَ البوائقِ عاشقُه ولكنه يستعذبُ الموتَ تائقُه
والثالثة:
إلى كم ذا الوقوف على الطلولِ بها ترعـى المحالَ من المحيلِ
والرابعة:
خُذا من غدرةِ الدهر الحِذارا وإنْ صافى فظنّاه اغترارا
والخامسة:
عُجْ على كربلا وحيِّ حماها واسـقِ بالدمعِ وَهْدَها ورُباها
والسادسة:
بأيّ شمس جلالٍ كسفتها المرهفات بأيّ طود كمالٍ دكدكته الفاقرات
................................................................................
1 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 129 ــ 133 / ديوان القرن الثالث عشر ج 1 ص 111 ــ 118 / رياض المدح والرثاء ص 422
2 ــ مقال بعنوان النويدري يحقق مخطوطة الشيخ عبدالله الذهبة قارئاً شعر التراث الحسيني ــ صحيفة الوسط البحرينية بتاريخ 3 / 2 / 2011
3 ــ أنوار البدرين ص ٢٥١
4 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 129
5 ــ النويدري يحقق مخطوطة الشيخ عبدالله الذهبة قارئاً شعر التراث الحسيني ــ صحيفة الوسط البحرينية بتاريخ 3 / 2 / 2011
6 ــ أنوار البدرين ص ٢٥١
7 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ص 695
8 ــ الطليعة إلى شعراء الشيعة ص 367
9 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 129
10 ــ النويدري يحقق مخطوطة الشيخ عبدالله الذهبة عن كتاب الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر، المُسمّى بـ تاريخ البحرين للعصفور
11 ــ شرح الحديثين :الريا شرك، و تركه كفر حبّنا أهل البيت يكفّر الذنوب للشيخ على بن عبد اللّه البحراني تحقيق: السيّد صادق الحسيني الأشكوري ج 1 ص 357
12 ــ أنوار البدرين ص ٢٥١
13 ــ ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ص 695
14 ــ أدب الطف ج 7 ص 103
15 ــ النويدري يحقق مخطوطة الشيخ عبدالله الذهبة بتاريخ 3 / 2 / 2011
16 ــ ديوان القرن لثالث عشر ج 1 ص 243 ــ 251 عن رياض المدح والرثاء ص 424
اترك تعليق