عبد الحميد الرافعي: (1275 ــ 1351 هـ / 1859 ــ 1932 م)
قال من قصيدة تبلغ (37) بيتاً في إدانة السياسة العثمانية وتشبيهها بآل حرب:
أهرمَ الــــدهرُ آلَ عثمان حتى قد طوت حكمهم عواملُ غَصبِ
واستبدت بــــهم عصابة سوءٍ لـــيس يُدرى أصلٌ لهم أو مربّي
حاربونا بـل حـاربـوا اللهَ فـيما أحـــــدثوه ما بـيـن تركٍ وعربِ
والـتـقـيـنـا من ظلمِهم ما التقاهُ آلُ بـيــــــتِ النبيِّ مـن آلِ حربِ
كلُّ دارٍ قد أصبحتْ من أذاهم (كربلا) فـــــهيَ في بلاءٍ وكربِ (1)
الشاعر
عبد الحميد بن عبد الغني بن أحمد الرافعي الطرابلسي (2) الفاروقي (3) ولد في طرابلس ونشأ في كنف والده الذي مهد له سبل العلم والأدب والفضائل، تلقى دراسته في مدارس طرابلس، ولازم دروس العلم على شيخه العلامة الشيخ حسين الجسر مدة أربع سنوات، وحضر دروس البلاغة في حلقة العلامة الشيخ محمود نشابة، وبعدها رحل إلى مصر وتلقى عن علماء الجامع الأزهر مدة خمس سنوات، وبرع في العلوم العربية والأدب، ثم رحل إلى الأستانة ولازم مدرسة الحقوق، وكان خلالها يحرر في جريدة الاعتدال العربية بالمناوبة مع الكاتب حسن حسني باشا الطوبراني
عاد إلى طرابلس ودخل في خدمة الدولة فعين مستنطقاً في طرابلس، وأقام فيها مدة عشر سنوات، ثم نقل منها إلى بنغازي فلم يشأ الذهاب إليها، وتوجه إلى الأستانة، وانتسب بالفحص إلى سلك وزارة الداخلية، فعيِّن قائم مقام لقضاء الناصرة، وتنقل في الوظائف الإدارية مدة عشرين سنة، وحاز الرتبة الثانية تقديراً لحسن خدماته، ثم أحيل إلى التقاعد سنة 1914م
تعرض لسخط الحكومة التركية خلال الحرب العامة الأولى بسبب فرار ولده من الخدمة العسكرية الإجبارية، ونفي إلى المدينة المنورة، ثم نقل منها إلى (قرق كليسا) في الأناضول، وبقي منفيًّا مدة سنة وثلاثة أشهر، فقد عارض الرافعي سياسة التتريك التي انتهجتها السياسة العثمانية فاعتقل ونُفي، وتنقّل في فلسطين، والحجاز إضافة إلى مصر والآستانة
لم يطبع من شعره سوى ديوانه في المدائح الرفاعية، وديوان آخر في مدائح البيت الصيادي، ونظم في المنفى ديواناً سماه (المنهل الأصفى في خواطر المنفى)
توفي في طرابلس ودفن بمقبرة الأسرة فيها
أقيم له احتفال كبير عام 1929 احتفاء يوبيله الذهبي: وتألفت لجنة (يوبيل الرافعي) في طرابلس برئاسة الشـيخ محمد الجسر رئيس المجلس النيابي في الجمهورية اللبنانية، وضمت أعلام الأدب والفضل، ومنح رئيس الجمهورية المحتفل به وسام الاستحقاق اللبناني الفضي، وشارك في الاحتفال الأمير شكيب أرسلان وشاعر القطرين خليل مطران، وأرسل أحمد شوقي أمير الشعراء قصيدة بالمناسبة (4)
قال عنه الزركلي: شاعر، غزير المادة عالج الاساليب لبقديمة والحديثة، ونعت ببلبل سورية من أهل طرابلس الشام، مولداً ووفاةً تعلم بالأزهر، ومكث مدة بمدرسة الحقوق بالاستانة وتقلد مناصب في العهد العثماني، فكان ’’مستنطقا’’ في بلده، نحو 10 سنين، وقائم مقام في الناصرة وغيرها، نحو 20 سنة وكان متصلا بالشيخ أبي الهدى الصيادي، ايام السلطان عبد الحميد، ويقال: ان الرافعي نحل كثيراً من شعره ونُفي في أوائل الحرب العامة الاولى إلى المدينة، ثم إلى قرق كليسا، لفرار ابنه من الجندية في الجيش التركي وعاد إلى طرابلس بعد فيبة 15 شهراً واحتفلت جمهرة من الكتاب والشعراء سنة 1347هـ ، ببلوغه سبعين عاماً من عمره، فالقيت خطب وقصائد جمعت في كتاب (ذكرى يوبيل بلبل سورية) طبع سنة 1349هـ ، وله اربعة دواوين، هي:
الافلاذ الزبرجدية في مدح العترة الاحمدية – ط
مدائح البيت الصيادي – ط
المنهل الاصفى في خواطر المنفى – نظمه في منفاه
ديوان شعره - خ مهيأ للطبع (5)
وقال عنه عبد الرزاق البيطار: (هو الشاب الأديب، والحسيب النسيب، قال صاحب العقود الجوهرية: ولد المترجم بطرابلس الشام سنة 1275 هجرية، ونشأ في حجر أبيه وقرأ عليه علم الأدب والعربية والفقه، وأحرز طرفاً عظيماً من الأدب، وشعره رقيق يحتوي على كل معنى دقيق وقد أكثر في مدح السادة الرفاعية، والسلالة الأحمدية، وبيتهم القديم في طرابلس الشام معمور بالصلحاء الكرام، والعلماء الأعلام) (6)
ومن شعرا الرافعي في مدح النبي (صلى الله عليه وآله):
أنا في جوارِكَ يـــــــــــا رسولَ اللهِ يا بنَ العواتكِ يـــــــا عريضَ الجاهِ
فأغث عـــــــبيداً قد رماهُ الدهرُ في تيهِ اغتــــــــــــرابٍ ليسَ بالمُتناهي
عطفاً أبا الزهراءِ إنَّ خــــــواطري بكَ قد عــــلقنَ وعن سواكَ سواهي
أنتَ الكريمُ وما عـــــــداكَ فكلّ ذي كـــــــرمٍ بفضلٍ في الورى مُتباهي
وخضمّ جــــــــــودِكَ كلُّ بحرٍ دونه أو هل لجودِكَ في الوجودِ مُضاهي
يا آيةَ الـــــرحمنِ كمْ لكَ في الورى آياتُ هديٍ كالنجــــــــــــومِ زواهي
تاهَ الوجودُ بها وذلّ لــــــــــــــعزِّها كلُّ امرىءٍ مــــــــــــــــستكبرٍ تيّاهِ
وخبتْ مصـــــــابيحُ الهداةِ جميعُها في الـــــــــــــعالمينَ ولم يدم إلّا هي
ولكم لذاتِـــــكَ مِن جليلِ خصائصٍ جلّتْ عن الأنـــــــــــــظارِ والأشباهِ
لا عــــــاشَ قلبٌ لا يروحُ ويغتدي مغرىً بحبّكَ يا حبـــــــــــــــيبَ اللهِ
خابَ الألى عشقوا سواكَ وما خلوا مِن لائــــــــــــــــــمٍ أو ناقمٍ أو ناهي (7)
توفي الرافعي في مسقط رأسه ورثاه الشاعر السوري بدوي الجبل بقصيدة تبلغ (40) بيتاً يقول منها:
لا تـعـيـدي ألـحـانـه لا تـعيدي جـلَّ ذاك الـهـوى عـن التقــليدِ
نـعـمَ الـبـلـبـلِ الأسـيـرِ فـقد عا دَ إلـى أفـقـهِ الـفـسـيـحِ المـديـدِ
شـاعـرٌ لا يـحـدّه الـكـون ملّت نـفـسُـه ضـيـقَ عـالـمٍ مـحــدودِ
ورأتْ جـسـمَـه على كرمِ العنـ ـصرِ سجّانِ كنزِها المرصـودِ
فهيَ تقسو عليه، تمعنُ في الهد مِ وتـأسـى لـركــنِـه الـمـهـدودِ
فـإذا هـدّهـا الـصـراعُ اطمأنّتْ ونجتْ في خيالِها الـمـصـفــودِ
لـم يـكـن مـوتُه فـراقــاً ولــكـن هـذه أوبـةُ الــخــيــالِ الـبـعـيدِ (8)
شعره
تميز شعر الرافعي بالدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي والمطالبة بالحرية والتسلح بالعلم الذي يضمن للشعوب استقلالها وتقدمها، كما كان من معارضي موجة السفور التي انتشرت آنذاك وكان له صوته الشعري العالي
أما قصيدته التي ذكر فيها كربلاء فهو يشير فيها إلى ظلم الاستعمار، ويشبه ما لاقته البلاد الإسلامية من الظلم والجور على أيديهم بظلم بني أمية للمسلمين عامة ولأهل البيت (عليهم السلام) خاصة.
يقول فيها وهو يدعو إلى مقارعة الظلم ومحاربة الباطل اقتداءً بسيد الشهداء (عليه السلام):
وإذا لـم نـجـدْ مـن الـضــيـمِ بدّاً فـجـديـرٌ بـنـا امـتــشـــاقُ القضبِ
إنَّ موتَ العزيزِ تحتَ ظلالِ الـ ـنقعِ خيرٌ من عيشِ خسفٍ وخلبِ
فـلـيـقمْ من يشا على الضيمِ أنِّي لـبـريءٌ مـن أهـلِ ذاكَ الــمـهــبِّ
وبـلادي إن لـم تـفـدني اعتزازاً طـرتُ عـنـهـا مـع الرياحِ النكبِ
لا يـعيشُ الإنسانُ يا قومَ عمريـ ـن وجـدبٌ بـالـعزِّ أفضلُ خصبِ
مـا حـيـاةُ الـفـتـى بأرضِ براها مـن دراها كـأنّـهـا جـحـرُ ضــبِّ
ضُـربَ الـذلُّ والـصـغـارُ عليها وانـتـحـاهـا الـعـدى لسلبٍ ونهبِ
......................................................................
1 ــ بوابة الشعراء بتاريخ 30 / 1 / 2014
2 ــ أهل البيت (عليهم السلام) في المكتبة العربية ــ السيد عبد العزيز الطباطبائي مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت ج ٢ ص ٤٣
3 ــ نفس المصدر ج 1 ص 50
4 ــ تحفة الزمن بترتيب تراجم أعلام الأدب والفن ــ أدهم الجندي ــ دار المقتبس 1436 هـ / 2015 - 1436 هـ ج 2 ص 303 ـ 306
5 ــ الأعلام ج 3 ص 287
6 ــ حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ج 1 ص 821
7 ــ محمد أحمد درنيقة / معجم أعلام شعراء المديح النبوي ج 3 ص 215 ــ 216
8 ــ موقع ديوان
كما ترجم له:
رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 5 ص 101 ــ 102
اترك تعليق