213 ــ طلائع بن رزيك (الملك الصالح): (495 ــ 556 هـ / 1102 ــ 1160 م)

طلائع بن رزيك (الملك الصالح): (495 ــ 556 هـ / 1102 ــ 1160 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) تبلغ (34) بيتاً:

هذا الحسينُ بـ(كربلا     ء) ثوى وليسَ له نصيرُ

فـغـدا بـفـتـيـتِهِ الـكـرا     مِ إلى مـصارعِهم يسيرُ

حتـى تـلــقّاهـم بـجـنـ     ـبِ الـطفِّ يومٌ قمطريرُ (1)

وقال من أخرى تبلغ (41) بيتاً:

شاعَ النفاقُ بـ(كربلا)     فيـهم وقالوا: نحنُ شيعة

هيهاتَ ساءَ صنيعُهم     فيها وما عرفوا الصنيعة

يا فـعـلة جـاؤوا بـهـا     في الغدرِ فاضحة شنيعة (2)

وقال من أخرى تبلغ (65) بيتاً:

أناسٌ بهم قتلَ الحسينُ بـ(كربلا)     فلـي منه إن حلَّ الظلامُ أليلُ

وأنصـارهمْ سُرّوا بسبي حريمِه     ويبدونَ ضحكاً إذ لهنَّ عويلُ

أبـوهُ بـلا شـكٍّ أبــــادَ جـدودَهـم     فثارتْ عـليهم من أبيهِ ذحولُ (3)

وقال من أخرى تبلغ (68) بيتاً

كفى الذي دخلَ الإسلامَ إذ فتكتْ     أيمانُــكم ببني الزهراءِ من خللِ

منعتمُ من لـذيـذِ الـمـاءِ شـاربَـهم     ظلــماً وكمْ فيكمُ من شاربٍ ثملِ

أبـكـيـهـمُ بدموعٍ لو بـــها شربوا     في (كربلاء) كفتهمْ سورة الغللِ (4)

وقال من أخرى تبلغ (60) بيتاً:

في (كربلاء) ثوى ابنُ بنـ     ـتِ رسولِ ربِّ العالمينا

قِـفْ بـالـضـريـحِ ونــــادِه     يـا غـايـة الـمـتـوسـلـيـنا

يـا عـروةَ الـديـنِ الـمـتــيـ     ـنِ وبـحـرَ علمِ العارفينا (5)

وقال من أخرى تبلغ (35) بيتاً:

إذا عنَّ لي تذكارُ سكانِ (كربلا)     فما لفؤادي في الضلوعِ سكونُ

فإن أنا لم أحزن على إثرِ ذاهبٍ     فـإنـي عـلـى آلِ الرسولِ حزينُ

ألم ترهـمْ خـلوا حماهمْ كما خلا     بـخـفّانِ مـن أسدِ العرينِ عـرينُ (6)

ومنها:

ألا كلّ رزءٍ بـــعـد يـومٍ بـ(كربلا)     وبـعـد مــصابِ ابن النبي يهونُ

ثوى من حوله من آلهِ خيرُ عصبةٍ     يُـطـــالـبُ فـيـهـا لـلـطغاةِ ديونُ

يذادونَ عن ماءِ الــفراتِ وغيرهم     يبيتُ بصرفِ الخمرِ وهوَ بطينُ

الشاعر

نصير الدين، طلايع بن رُزِّيْك الأرمني: ــ بضم الراء وتشديد الزاي المكسورة وسكون الياء ــ شاعر وأديب وفقيه شيعي إمامي ووزير فاطمي، ولد في مدينة أرمينية وهي مدينة عظيمة في أذربيجان بينها وبين البحيرة نحو ثلاثة أميال أو أربعة وكان حاكمها يومذاك بركيا روق السلجوقي (7)

نشأ طلائع نشأةً كريمة في ظل والده وتربّى على الفضل والأدب والكمال وكبر النفس وعلو الهمة وسمو الغاية وقوة العقيدة، حتى أصبح: رجل وقته فضلاً وأدباً وسياسة وتدبيراً (8)

وقد أهّلته ملكاته النفسية والعقلية وفضائله وأخلاقه وشجاعته لأن يتولى الوزارة للخليفة الفاطمي الفائز عام (449 هـ) (9) فاجتمع عنده من صفات البطولة والسياسة والحنكة والبرّ والجود والعلم والتقوى والورع والعبادة ما لم تجتمع عند أحد قبله من الوزراء.

أما أصل طلائع فيقول محمد زغلول سلام: اتصل ببعض رجال الشيعة فأخذ عنهم مذهبهم الإثني عشري ووعاه وتحمس له (10) ويقول الدكتور شوقي ضيف في ترجمته: أرمنى الأصل قدم إلى زيارة مشهد الإمام على بن أبي طالب بالنجف، وكان لا يزال شابا واعتنق مذهب الشيعة الإمامية، وتعرّف في أثناء زيارته له على شخص يسمى ابن معصوم يبدو أنه كان من دعاة الفاطميين، فحبّب إليه زيارة القاهرة والانتظام في خدمة القوم، ولقيت دعوة الرجل من نفسه قبولاً حسناً، فسار إلى مصر.. (11)

وقد أخطأ زغلول وضيف في قولها أن طلائع: أخذ التشيع الإمامي في حياته، واعتنقه. فهو كان شيعياً أصلاً. يقول المقريزي: أنه كان من الشيعة الإمامية في العراق (12)، وقد ذكر ذلك لما جاء طلائع إلى العراق وقبل أن يشتهر أمره، ولم يقل أنه تشيّع، وهذا يعني أنه ولد شيعياً إمامياً من أسرة شيعية إمامية، ويدل على ذلك أنه قدم النجف في أول سفره ولم يذهب إلى بغداد التي كانت مطمح الأدباء أو إلى مصر مباشرة حتى أشار عليه السيد ابن معصوم بالسفر إليها كما سنرى.. 

أما بالنسبة إلى نشأته وتعليمه وأساتذته فلم يذكر لنا التاريخ منها شيئاً سوى ما ذكره الأميني أنه نشأ على والده وتعلم على يديه ويبدو من خلال كلام الأميني أن والده كان من العلماء حيث يقول: (رغب والده في تربيته وجد وعمل على تعليمه وتهذيبه فهيأ له من التزام رعايته وتكفل تربيته وتعهد تأديبه وتعليمه فنشأ وفي جنبيه رغبة ملحة للعلم، وحباً عظيماً للأدب فكان يسرف في المطالعة والبحث، ويغشى الندوات الأدبية السائدة في ذلك الحين... ) (13)

وهذا يعني أنه: تعلم في بلده وحفظ القرآن وأتقن علوم الدين واللغة والأدب... ويُعتقد إن عدم ذكر معلومات عن هذه المرحلة الواقعة ما بين ولادته وبين توليه الوزارة على أنه ليس عربي بل من الموالي الأرمن (14)

السياسة والأدب

قلما جمع إنسان بين ميزتي السياسة والأدب ووُفق فيهما معاً دون أن تضر إحداهما بالأخرى، والتاريخ يحفل بكثير من الأسماء التي جمعت بينهما، لكن كثيراً منها ما إن اجتازت عتبة الأولى حتى تساقطت أمام أعتاب الثانية.

فهذا ابن المعتز الشاعر العباسي يتولى الخلافة ليوم واحد ليصبح مقتولاً، وكذلك كانت نهاية الفتح بن خاقان وزير المتوكل وغيرهما، وطالت هذه العدوى حتى من لم يتسلم خلافة أو وزارة سوى ما يمت عمله بصلة سياسية ومنصب بسيط في البلاط، كما حدث لعبد الحميد الكاتب وابن المقفع، وحتى قيل لو أن المتنبي تسلم إمارة لانتهى أمره كشاعر عظيم.

ولكننا نجد في مقابل هذا القليل ممن وُفق فيهما كالصاحب بن عباد، ونصير الدين الطوسي وابن العلقمي وغيرهم، وإضافة إلى هذين العلمين نجد شاعراً كبيراً وأديباً فحلاً لمع اسمه في سماء الأدب العربي ألا وهو الملك الصالح طلايع بن رُزِّيك.

ورغم أن نهايته كانت قتلاً، إلا أن سيرته العادلة الفاضلة وأدبه الرفيع وعلمه الواسع يحكم بأنه قد حواهما معاً دون أن يضرّ بإحداهما، فكما أبدى مقدرة كبيرة في مسؤوليته السياسية والاهتمام بشؤون الجيش وإعداده، وخوض الحروب به ضد الصليبيين، وتسيير شؤون البلاد وإدارة أموره الاجتماعية، حتى لُقب بـ (الملك الصالح) (15) و(فارس المسلمين). (16)

فقد حاز من العلوم والآداب ما لم يدانيه أحد في زمانه من الملوك والأمراء، فكان متكلماً شاعراً، وشجاعاً كريماً، وجواداً فاضلاً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، وقد أفصح عن نفسيته الكبيرة وشمائله الكريمة بقوله:

أبى الله إلا أن يديــــنَ لنا الدهرُ     ويخدمُنا في ملكنـا العــزُّ والنصرُ

علمنا بأنّ المــــــالَ تُفنى ألوفهُ     ويبقى لنا من بعــده الذكرُ والأجرُ

خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا     سحابٌ لديه الرعدُ والبرقُ والقطرُ

ترانا إذا رحنا إلى الحربِ مرَّةً     قرينا، وفـي أسيافِنا الذئبُ والنسرُ

كـــما أننا في السلمِ نبذلُ جودَنا     ويــــــرتعُ في أنعامِنا العبدُ والحرُ (17)

بشارة الوزارة من أمير المؤمنين (عليه السلام)

كانت نفسه التوّاقة للعلم والمغامرة تحثه على السفر من مدينته فخرج منها مع مجموعة من الناس متوجهاً إلى العراق حتى وصل إلى النجف الأشرف، وهناك رواية ذكرها المقريزي تدل على مكانة الملك الصالح ومدى إيمانه وعقيدته وصدق ولائه وحبه لأهل البيت (عليهم السلام)، يقول المقريزي في ترجمته:

(طلائع بن رزيك: أبو الغارات الملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين، قدم في أوّل أمره إلى زيارة مشهد الإمام عليّ بن أبي طالب رضي ‌الله ‌عنه بأرض النجف من العراق في جماعة من الفقراء، وكان من الشيعة الإمامية، وإمام مشهد عليّ رضي ‌الله ‌عنه يومئذ السيد ابن معصوم، فزار طلائع وأصحابه وباتوا هنالك، فرأى ابن معصوم في منامه عليّ بن أبي طالب رضي ‌الله ‌عنه وهو يقول له: قد ورد عليك الليلة أربعون فقيراً، من جملتهم رجل يقال له طلائع بن رزيك من أكبر محبينا، قل له اذهب فقد وليناك مصر. فلما أصبح أمر أن ينادي: من فيكم طلائع بن رزيك فليقم إلى السيد ابن معصوم. فجاء طلائع وسلّم عليه، فقصّ عليه ما رأى، فسار حينئذ إلى مصر وترقى في الخدم حتى ولي منية بني خصيب، فلما قتل نصر بن عباس، الخليفة الظافر، بعث نساء القصر إلى طلائع يستغثن به في الأخذ بثار الظافر، وجعلن في طيّ الكتب شعور النساء، فجمع طلائع عندما وردت عليه الكتب الناس، وسار يريد القاهرة لمحاربة الوزير عباس، فعندما قرب من البلد فرّ عباس ودخل طلائع إلى القاهرة، فخلع عليه خلع الوزارة ونعت بالملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين، فباشر البلاد أحسن مباشرة) (18)

وابن معصوم هو: السيد أبو الحسن علي بن معصوم بن أبي الطيّب أحمد بن أحمد بن الحسن بن محمّد الحائري. قال عنه السيد ضامن بن شدقم: عرف عنه سيداً جليلاً عظيم الشّأن رفيع المنزلة، كان في المشهد الغروي ذا عز واحترام ووقار كرّمه ملك مصر واعطاه اوقافاً في ضواحي القاهرة (المعش)، حيث اوقف قسماً من هذه المقاطعات للسادة الحسنية والحسينية، وكان يرسل له اموالاً وما يحتاجون إليه من متطلبات اخرى (19) وهو جد الأسرة النجفية المعروفة اليوم بآل الخرسان (20)

وقد بيّن طلايع هذه الحادثة في قوله:

بحبِّ عليٍّ أرتقي منكبَ العلى     وأسحبُ ذيلي فوقَ هامِ السحائبِ

إمامي الذي لما تلفظتُ باسمه     غلبتُ به من كان بالكثرِ غـــالبي (21)

إلى مصر

توجه طلائع إلى مصر حسب توجيه ابن معصوم له وكانت مصر تعيش في أوج عظمتها وازدهارها في ظل الفاطميين وعمل في إحدى الوظائف وكان مخلصاً ودؤوباً في عمله ثم ارتقى في الوظيفة لحكمته وبصيرته النافذة حتى عُينَ والياً على ــ قوص ــ وهي مدينة على الشاطئ الشرقي للنيل، ثم والياً على أسوان وخلال توليه على هاتين المدينتين قام بمهمات وأعمال حسنة عاد نفعهما للدولة والشعب ووجد الفقراء في عهده خيوطاً من النور كانت لأنفسهم أنساً وشفاءً فزاد تعلق الناس به (22)

وترقى في خدمة الفاطميين حتى ولّوه حاكماً لمنية الخصيب بالصعيد وحدث أن تآمر عباس الصنهاجى وزير الخليفة الظافر مع ابنه نصر على قتل الخليفة سنة ٥٤٩ وتمت المؤامرة، فاستغاث بيت الفاطميين بطلائع ضد عباس، فأقبل يريد محاربته حتى إذا قرب من القاهرة فر عباس بما نهب من أموال القصر الفاطمي إلى الشام، وقتله الصليبيون في الطريق. ودخل طلائع القاهرة فخلعت عليه الخلع الخاصة بالوزارة ونعت بالملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين. وكان قد ولي الخلافة الفاطمية ابن للظافر تلقب بالفائز (٥٤٩ - ٥٥٥ هـ‍) وكان صبياً لا يعدو خمس سنوات، فدبّر الدولة طلائع وأحسن تدبيرها، حتى إذا توفي الفائز بعد نحو ست سنوات اختار للخلافة بعده طفلاً لم يبلغ الحلم من الأسرة هو عبد الله بن محمد الملقب بالعاضد، وزوّجه ابنته، وأصبح صاحب الأمر كله في الدولة (23)

العلم والجهاد

قاد الملك الصالح حملات عديدة ضد الصليبيين ولم يترك الجهاد طيلة أيامه الذي قضاه في تسيير الجيوش لقتالهم في البر والبحر، ولم يثنه كل هذا الجهاد في سبيل الله عن قيامه بواجبه تجاه العلم والعلماء، فقد كان يحمل في كل عام إلى أهل الحرمين بمكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة وغيرها حتى كان يبعث إليهم ألواح الصبيان التي يكتبون فيها والأقلام والمداد وآلات النساء، ويحمل كلّ سنة إلى العلويين الذين بالمشاهد جملا كبيرة، وكان أهل العلم يغدون إليه من سائر البلاد، فلا يخيب أمل قاصد منهم.. (24)

قال السيد محسن الأمين في ترجمته تحت عنوان: (جهاده للصليبيين): (في الوقت الذي ولى فيه الملك الصالح طلائع بن رُزيك الوزارة في مصر كان الصليبيون في عنفوان قوتهم وقد تسلطوا على الأرض الاسلامية، فأعد الصالح طلائع نفسه لقتالهم وتجند لمجاهدتهم. فمن وقائعه معهم انه أرسل سنة (553 هـ) في أوائل ربيع الأول حملة من مصر إلى غزة وعسقلان وكان الفرنج يحتلونهما فأغارت الحملة على أعمالها وخرج إليهم من كان بها من الإفرنج فاظهر الله تعالى المسلمين عليهم قتلاً وأسراً بحيث لم يفك منهم إلا اليسير وغنموا ما ظفروا به وعادوا سالمين ظافرين. ويبدو أن معركة بحرية حصلت أيضاً في نفس الوقت ظفر فيها الفاطميون وغنموا). (25)

ويقول شوقي ضيف: (كان طلائع شجاعاً بل مثالاً عالياً من الشجاعة والبطولة، فمضى يعدّ الجيش المصري لحرب الصليبيين ونازلهم مرارا برّاً وبحراً، وظل ينازلهم ويقاتلهم طوال أيامه، حتى لقبه معاصروه بأبي الغارات، فقد كان جيشه لا يني آيباً ذاهباً إلى مواقعة الصليبيين وسحق جموعهم في جنوبي فلسطين ودقّ أعناقهم وسفك دمائهم في حزونها وسهولها وعلى سفوح جبالها، وله في تصوير ذلك قصائد كثيرة من مثل قوله:

توالتْ علينـــا في الكتائبِ والكتبِ     بشائرُ مِن شرقِ البلادِ ومِن غربِ

جعلنا جبالَ القدسِ فيها وقد جرتْ     عليها عتاقُ الخيلِ كالنّفنفِ السّهبِ

وقد أصبحـــتْ أوعارُها وحزونُها     ســـــهولاً توطّا للفوارسِ والرّكبِ

ولما غدتْ لا مـــــــاءَ في جنباتِها     صببــــنا عليها وابلاً من دمٍ سكبِ

وهو فرح مبتهج بنصر جيشه على حملة الصليب وما أذاقهم من التقتيل ونثر دمائهم على جنبات فلسطين حتى سالت هناك أنهاراً. وكثيراً ما كان يرسل ببشائر انتصاراته على الصليبيين إلى صديقه أسامة بن منقذ الشّيزري وكان قد زار مصر وأقام فيها مدة أيام عباس الصهاجي وانعقدت بينه وبين طلائع صداقة فكان يخبره بانتصاراته حتى يستثير نور الدين صاحب حلب لتضييق الخناق على حملة الصليب، وكانت فرحته بالغة حين انتصر الجيش المصري بقيادة ضرغام عليهم في سنة ٥٥٣ نصراً عظيماً، وصور ذلك لأسامة في ميمية استهلها بقوله:

ألا هـــــــــكذا في الله تمضى العزائم     وتمضى لدى الحربِ السيوفُ الصّوارمُ

وتُغزى جيوشَ الكفرِ في عقرِ دارِها     ويــــــــــــــوطا حماها والأنوفُ رواغمُ

خيولٌ إذا مـــــا فارقتْ مصرَ تبتغي     عدا فلها النّــــــــــــــــصرُ المبينُ ملازمُ

يسيرُ بها ضــــــرغامُ في كلِّ مأزقٍ     وما يصحبُ الضّرغـــــــامَ إلّا الضراغمُ

فقولوا لنورِ الديـــــــــــنِ لا فلَّ حدُّه     ولا حكمتْ فيه الليالي الـــــــــــــــغواشمُ

تجهّز إلى أرضِ الــــــعدوّ ولا تهنْ     وتـــــــظهرْ فتوراً أن مـضتْ منكَ حارمُ

وهو يشيد يجيش مصر الباسل وانتصاره المدمر للصليبيين: انتصار أسده الهادرة، ويدعو أسامة إلى إبلاغ نور الدين هذا الانتصار، وكان حملة الصليب قد استولوا منه على حصن حارم تجاه أنطاكية وعقدوا معه هدنة، ويدعوه إلى نقض ما أبرم معهم والاستعداد لحربهم حتى يضيّق عليهم في الأطراف الشمالية كما يضيق الجيش المصري في الأطراف الجنوبية.

وكان الأسطول المصري لا يزال يجوب سواحل الشام ويفتك بسفن الصليبيين وأغار على عكا وثغر بالقرب من حمص يسمى أنطرطوس ونكّل فى الثغرين بحملة الصليب وسفنهم فكتب طلائع إلى أسامة قصيدة يسأله فيها أن يبشر الملك العادل نور الدين بذلك ويستنهضه لفتح القدس يقول:

إن بعـضَ الأسطولِ نالَ مِن الإف‍ـ     رنجِ مالا يناله التــــــــــــــأميلُ

فـــــحـوى من عكّا وأنطرطوسٍ     عدّة لم يحط بهـــــــا التحـصيلُ

أبلــــــــــغنْ قولنا إلى الملكِ العا     دلِ فهوَ الــــــــمرجوُّ والمأمولُ

قل له كـــم تماطل الدّينَ في الكف‍ّـ     ارِ فاحذرْ أن يغضبَ الممطولُ

سِر إلى القدسِ واحتسبْ ذاكَ في      الله فبالــسّيرِ منكَ يُشفى الغليلُ

وواضح أن جيوش مصر وأساطيلها لعهد طلائع كانت ما تزال تغدو وتروح إلى حملة الصليب منزلة بهم الهزائم تلو الهزائم. ودائما يستحث طلائع في حماسيّاته إلى أسامة صاحب نور الدين أن يزحف إلى حملة الصليب شمالاً، بينما يزحف هو إليهم جنوباً، حتى يقعوا بين شقي الرحا فتدور عليهم الدوائر. ولعل في ذلك ما يشير بوضوح إلى أن مصر لم تقصر في واجبها إزاء حملة الصليب لعهد طلائع، وكانت تعدّ حتى أيامه مقصرة في القيام بهذا الواجب، قصّرت أيام الأفضل بن بدر الجمالي ومن جاء في إثره من الوزراء، فلما ألقيت مقاليد الأمور إلى طلائع وضع نصب عينيه أن تنهض بواجبها، فجهّز الجيوش والأساطيل وأمدّها بالرجال والعتاد. ودائما يهيب في كثير من حماسياته بنور الدين أن يهجم عليهم شمالاً بينما يهجم هو عليهم جنوباً، حتى يمزّقوا كل ممزّق، غير أن يداً آثمة امتدت إليه، فحالت دون أمانيه في الانتصار الحاسم على حملة الصليب إذ قضت عليه، ورثاه عمارة وغيره من الشعراء مراثى حارة). (26)

قال عنه المقريزي: (كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محبّاً لأهل الأدب جيد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً، وكان مهاباً في شكله، عظيماً في سطوته، وجمع أموالاً عظيمة، وكان محافظاً على الصلوات فرائضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع صنّف كتاباً سماه (الاعتماد في الرد على أهل العناد) جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمن إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام، وله شعر كثير يشتمل على مجلدين في كل فن ...) (27)

وقال عنه أيضاً: (كان وافر العقل رضي النفس، بصيراً بالتجارب عالماً بأيام الناس، بصيرا بالعلوم الأدبية، محبباً إلى الناس لإظهاره الفضل والدين وإنكاره الظلم والفساد. إلا أنه كان من غلاة الإمامية مخالفاً لما عليه مذهب العاضد وأهل الدولة...) (28)

وقال عنه ابن خلكان: (كان فاضلاً سمحاً في العطاء سهلاً في اللقاء محباً لأهل الفضائل جيد الشعر، وهو الذي بنى الجامع الذي على باب زويلة بظاهر القاهرة) (29)

وقال شمس الدين السخاوي: (جُمع له بين السلطنة والوزارة وكان مجاهداً في سبيل الله وهو الذي أنشأ الجامع تجاه باب زويلة المعروف الآن بجامع الصالح وهو بظاهر القاهرة). (30)

وقال العماد الأصفهاني: (كان أدبياً شيعياً، وكان في نصر التشيع كالسكة المحماة وكان يجمع الفقهاء، ويناظرهم على الإمامة، وعلى القدر، تولى الوزارة للخليفة الفائز سنة 549 ويسمى: حاز الملك الصالح ولم يلقب أحد من الوزراء قبله بالملك. وعلا نجمه وارتفع شأنه وعظمت هيبته لما أبداه من بطولة وسياسة وحنكة وفراسة مضافاً إلى سماحة كفه وفيض نائلة وبره بالعلماء والأدباء وإكرامه وتقديره للشعراء والفضلاء) (31)

وقال الأصفهاني أيضاً: (نفق في زمانه النظم والنثر واسترق بإحسانه الحمد والشكر، وقرب الفضلاء واتخذهم لنفسه جلساء، ورحل إليه ذوو الرجاء وأفاض على الداني والقاصي بالعطاء وله قصائد كثيرة مستحسنة أنفذها إلى الشام يذكر فيها قيامه بنصر الإسلام، وله ديوان كبير وإحسان كثير...

ثم يقول عندما يتعرض لحادث مقتل طلايع: وبموته انكسفت شمس الفضائل ورخص سعر الشعر، وانخفض علم العلم، وضاق فضاء الفضل، واتسع جاه الجهل، وانحل نظام أهل النظم، وعم رزء ابن رزيك وملك صرف الدهر ذلك المليك فلم تزل مصر بعد منحوسة الحظ منجوسة الجد منكوسة الراية معكوسة الآية). (32)

وقال ابن الأثير: (كان الصالح كريما فيه أدب له شعر جيد، وكان لأهل العلم عنده إنفاق ويرسل إليهم العطاء الكثير ... وكان إمامياً لم يكن على مذهب العلويين المصريين) (33)

وقال عنه ابن تغري بردي: (لقد ساس الأمور، وتلقب بالملك الصالح وسار في الناس أحسن سيرة وفخم أمره..) (34)

وقال السيد جواد شبر: (حاز الملك الصالح طلايع من العلوم والآداب ما لم يدانيه فيه أحد من الأمراء والملوك في زمانه وسمع من الشعر فأكثر، وكان متكلماً شاعراً أديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا مع مسؤوليته السياسية والتفكير في شؤون الجيش وإعداده, وتأميم حياتهم الفردية والاجتماعية, وما يفتقرون إليه من العتاد والأسلحة والذخائر الحربية، وقد أجمع المؤرخون على فضله وعلمه وعظيم مواهبه). (35)

وقال السيوطي: (كان شجاعاً حازماً مدبّراً، جواداً، صادق العزيمة عارفاً بالأدب، شاعراً، له ديوان شعر صغير، وكتاب سمَّاه (الاعتماد في الرد على أهل العناد) ووقف أوقافا حسنة. ومن آثاره جامع على باب (زويلة) بظاهر القاهرة. وكان لا يترك غزو الفرنج في البر والبحر) (36)

وقال عنه الشيخ عباس القمي: (الملك الصالح فارس المسلمين كان وزير مصر للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز، وتزوج العاضد بابنته، وكان فاضلاً سمحاً في العطاء محباً لأهل الأدب). (37)

وقال عنه النويري: (وكان الصّالح شديد التّشيّع..) (38)

وذكره ابن شهرآشوب: (في شعراء أهل البيت المجاهرين) (39)

وقال عنه عمارة اليماني الفقيه: (لم يكن مجلس أنسه ينقطع إلا بالمذاكرة في أنواع العلوم الشرعية والأدبية وفي مذاكرة وقائع الحرب، وكان مرتاضاً قد شم أطراف المعارف وتميز عن أحلاف الملوك وكان شاعراً يحب الأدب وأهله يكرم جليسه ويبسط أنيسه ولكنه كان مفرط العصبية في مذهب الإمامية.....) (40)

وقال عنه السيد محسن الأمين (كان شجاعاً حازماً مدبراً جواداً صادق العزيمة عارفاً بالأدب .... وكان لا يترك غزو الفرنج في البر والبحر). (41)

وقال عنه ابن الأثير: (وكان الصالح كريماً فيه أدب وله شعر جيد وكان لأهل العلم عنده اتفاق، ويرسل إليهم العطاء الكثير) (42)

وقال عنه الشيخ عبد الحسين الأميني: (هو ممن شرفه المولى سبحانه بالدنيا والدين وفاز بكلتي الحسنيين الآخرة والأولى، فهو عالم ناسك، وأمير فاتك، وحبر ضليع وشاعر مبدع وقبل كل شيء إمامي متفان في الولاء) (43)

كما ترجم له الشيخ عبد الحسين الأميني ترجمة وافية قال فيها: (هو من أقوام جمع الله سبحانه لهم الدنيا والدين، فحازوا شرف الدارين، وحبوا بالعلم الناجع والأمرة العادلة، بينا هو فقيه بارع كما في [خواص العصر الفاطمي] وأديب شاعر مجيد كما طفحت به المعاجم، فإذا به ذلك الوزير العادل تزدهي القاهرة بحسن سيرته، وتعيش الأمة المصرية بلطف شاكلته، وتزدان الدولة الفاطمية بأخذه بالتدابير اللازمة في إقامة الدولة وسياسة الرعية ونشر الأمن وإدامة السلام.

وكان كما قال الزركلي في [الأعلام] وزيراً عصامياً يعد من الملوك، ولقب بالملك الصالح، ولقد طابق هذا اللفظ معناه كما ينبئك عنه تاريخه المجيد، فلقد كان صالحاً بعلمه الغزير وأدبه الرايق، صالحاً بعدله الشامل وورعه الموصوف، صالحاً بسياسته المرضية وحسن مداراته مع الرعية، صالحاً بسيبه الهامر ونداه الوافر، صالحاً بكل فضائله وفواضله دينية ودنيوية، وقبل هذه كلها تفانيه في ولاء أئمة الدين عليهم السلام ونشر مآثرهم ودفاعه عنهم بفمه وقلمه ونظمه ونثره، وكان يجمع الفقهاء ويناظرهم في الإمامة والقدر، وكان في نصر التشيع كالسكة المحماة كما في (الخطط والشذرات)

وله كتاب [الاعتماد في الرد على أهل العناد] يتضمن إمامة أمير المؤمنين عليه السلام والكلام على الأحاديث الواردة فيها، وديوانه مجلدان فيه كل فن من الشعر، وقد شرح سعيد بن مبارك النحوي الكبير المتوفى سنة (569 هـ) بيتاً من شعر المترجم في عشرين كراساً، وكان الأدباء يزدلفون إلى دسته كل ليلة ويدونون شعره، والعلماء يفدون إليه من كل فج فلا يخيب أمل آمل منهم، وكان يحمل إلى العلويين في المشاهد المقدسة كل سنة أموالاً جزيلة وللأشراف من أهل الحرمين ما يحتاجون إليه من كسوة وغيرها حتى ألواح الصبيان التي يكتب فيها والأقلام وأدوات الكتابة ووقف ناحية (المقس) لأن يكون ثلثاها على الأشراف من بني الحسنين السبطين الإمامين عليهما السلام، وتسعة قراريط منها على أشراف المدينة النبوية المنورة، وجعل قيراطا على مسجد أمين الدولة، وأوقف بلقس بالقليوبية وبركة الحبش وجدد الجامع بالقرافة الكبرى، وبنى الجامع الذي على باب زويلة بظاهر القاهرة ويسمى بجامع الصالح، ولم يترك غزو الأفرنج مدة حياته في البر والبحر، فكانت بعوثه إليهم تترى في كل سنة ولم يزل له صدر الدست وذرى الفخر ونفوذ الأمر وعرش الملك حتى اختار الله تعالى له على ذلك كله الفوز بالشهادة وقتل غيلة في دهليز قصره في شهر الصيام ودفن في القاهرة بدار الوزارة ثم نقله ولده العادل إلى القرافة الكبرى). (44)

وقال شوقي ضيف: (وقد فتح أبوابه للشعراء، وكثير منهم كانوا يختلفون إلى مجلسه في منزله وخاصة الجليس بن الحباب والمهذب بن الزبير وابن قادوس، وأصبحت القاهرة لعهده كعبة للقصاد من شعراء البلاد العربية أمثال ابن الدهان الموصلي وعمارة اليمني، ولكل هؤلاء الشعراء فيه قصائد طنانة) (45)

قصته مع رأس الحسين عليه السلام

تولى الملك الصالح الوزارة للخليفة العاضد بعد وفاة الفائز وتزوج العاضد من ابنته، وروي عن الملك الصالح الحادثة المشهورة مع رأس الإمام الحسين (عليه السلام). فقيل إنه لما أمر يزيد أن يُطاف بالرأس الشريف في البلاد وانتهى إلى عسقلان فدفنه أميرها بها، فلما غلب الافرنج عليها افتداه منهم الصالح طلايع وزير الفاطميين بمال جزيل ومشى إلى لقائه من عدة مراحل ووضعه في كيس حرير أخضر على كرسي من الأبنوس وفرش تحته المسك والطيب وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة بالقرب من خان الخليلي وهذا القول من جملة أقوال عديدة بلغت تسعة أقوال (46) حتى قيل:

لا تطلبوا رأسَ الحسيــنِ فإنه     لا في حمى ثـــــاوٍ ولا في وادِ

لـكنّما صـــــــفو الولاءِ يدلكمْ     في أنه المقبـــــورُ وسط فؤادي (47)

وقيل أيضاً:

لا تــــطلبوا رأسَ الحسين‏     بشرقِ أرضٍ أو بغربِ‏

و دعوا الجميعَ و عرِّجوا     نحــــــوي فمشهدُه بقلبي‏ (48)

مقتله

قضى الملك الصالح عمره كله بين الجهاد في سبيل الله والدفاع عن المذهب ودحض شبهات المخالفين ورعاية العلم والعلماء حتى حيكت حوله الدسائس والمؤامرات فأرسلت له عمّة الخليفة العاضد من قتله بالسكاكين غيلة حسدا وبغياً وقد فرقت في هذه العملية مالا يقرب من خمسين ألف دينار (49)

ويقال إن العاضد نفسه هو الذى أعمل الحيلة في قتله لاستبداده بالأمر من دونه، وخاصة أنه كان شيعيّاً لا على مذهب الفاطميين الإسماعيلي ولكن على مذهب الإمامية. (50)

ويروي المقريزي حادثة مقتله فيقول: أخذت السيدة العمة ست القصور، وهي أخت الظافر الصغرى، في العمل على قتله، ورتبت مع قوم من السودان الأقوياء أن يقيموا منهم في باب السرداب من الدهليز المظلم الذي يدخل منه إلى القاعة جماعةً، ويقيموا آخرين في خزانة هناك وأرسلت إلى ابن الراعي، وإلى الأمير المعظم بن قوام الدولة صاحب الباب وقررت معه أن يخلى الدهاليز من الناس حتى لا يبقى بها أحد. فأعدوا في حجرة في دهليز القصر، وردوا عليهم طرف الضبة.

فلما كان في يوم الاثنين التاسع عشر من شهر رمضان ركب الصالح على عادته للسلام على الخليفة، فلما انفصل من خدمة السلام بقاعة الذهب وخرج إلى الدهاليز عرض له أستاذ يقال له عنبر الريفي، وأوقفه، وذكر له حديثاً طويلا؛ فتقدم رزيك ابن الصالح، فخرج رجلان وثبا على الصلاح، ووقعت الصيحة، فعثر الصالح بأذياله، فتقدم إليه ابن الراعي وطعنه بسيف قطع أحد وريديه، وضربه العبيد بالسيوف فقطعوا عذيته ونزلت في لحمه وشلت سلسلة ظهره. فوضع يده على جرحه وأنشد:

إن كانَ عندكَ يا زمانُ بقيّةٌ     ممّا تهينُ به الكرامَ فهاتِها

وضرب رزيك بن طلائع في عضده الأيمن. وتكاثروا على الصالح فسقط على وجهه منكبّاً واستفرغ بالدّم فأدركه الأمير ابن الزبد وألبسه منديل ضرغام بن سوار، وكان قد نزع منديله عن رأسه، وحمل حتى أركب على فرسه، وهو لا يفيق. وبقي حسين ابن أبي الهيجاء في القصر يقاتل السودان حتى قتل منهم خمسين رجلاً.

ولما ركب الصالح وشدوا جرحه تطلعت السيدة العمة من القصور فرأته راكباً، فقالت: رحنا والله. فلما صار إلى داره كان إذا أفاق يقول: رحمك الله يا عباس، وبعث إلى العاضد يعتب عليه كيف رضي بقتله مع حسن أثره في إقامته خليفة؛ فأقسم أنه لم يعلم بذلك ولا رضى به. وأنشد عند موته:

وما ظفروا لمّا قتلتَ بطائلٍ     فعشتَ شهيداً ثم متّ شهيدا

فلما كان ثلث ليلة الثلاثاء، العشرين من شهر رمضان، مات ودفن بالقاهرة، ثم نقل منها بعد ذلك إلى القرافة، والعاضد راكب والجند يمشون خلف تابوته

ولم يمت من ساعته وحُمل إلى بيته وأرسل يعتب على العاضد فاعتذر وحلف إنه لم يكن يعلم بما دُبِّر له، ثم مات طلايع ودفن بالقاهرة وتولى ابنه العادل الوزارة مكانه للخليفة العاضد وسار بسيرة أبيه) (51)

وروى المقريزي أيضاً: إنه لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها وكانت في التاسع عشر من شهر رمضان قال: هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأمر بقراءة مقتل أمير المؤمنين واغتسل وصلى مائة وعشرين ركعة احيا بها ليله وخرج في الصباح ليركب فعثر وسقطت عمامته واضطرب لذلك فأصلح عمامته فقال له رجل:

إن هذا الذي جرى يُتطيّر منه، فأن رأى مولانا أن يؤخّر الركوب. فقال: الطيرة من الشيطان وليس إلى التأخير سبيل، ثم ركب فكان من أمره ما كان وبكاه الناس كثيراً. (52)

ودفن طلائع في القاهرة ثم نقل ولده العادل رفات أبيه إلى مشهد بني له في القرافة في وزارته (53)

رثاؤه

كان يوماً حزيناً في مصر يوم مقتل طلايع لبست عليه ثياب الحداد ورثاه الفقيه عمارة اليمني بقصيدة عصماء منها:

أفي أهلِ ذا النادي عليهــم أُسائله     فـإني لـمـا بيَ ذاهــــبُ اللبِّ ذاهلُه

سمعتُ حديثاً أحـسـدُ الـصمَّ عنده     ويـذهـلُ واعــــيـهِ ويــخـرسُ قائلُه

فهلْ من جوابٍ يستغيثُ به المنى     ويعلو عـــلى حقِّ المـصيبةِ عاطلُه

لقد راعني من شاهدِ الحـالِ إنني     أرى الدست منصوباً وما فيه كافلُه

فهل غابَ عنه واستنابَ ســليلَه؟     أم اختارَ هجراً لا يُرجّى تـواصلُه؟

فـإنّـي أرى فـوقَ الـوجـوهِ كــآبةً     تـدلُّ عـلـى أن الـوجـوهَ ثـــــواكـلُـه

دعونـــي فـمـا هـذا أوانُ بـكـائِـهِ     ســــــــيـأتـيـكـمُ طـلُّ البكاءِ ووابله

ولا تـنـــكروا حـزني عليهِ فإنّني     تـقـشّـعَ عــــــني وابلٌ كـنـتُ آمـلُه

ولـم لا نـــبـكّـيـه ونـنـدبُ فــقــدَه    وأولادُنــا أيــتـــــــامُــه وأرامــلُـه؟

فيا ليتَ شــعري بعد حسنِ فعالِه     وقد غـابَ عنّا مـــــا بـنا اللهُ فاعلُه

أيكرمُ مثوى ضــيفكم وغريــبكم     فيمكثُ أم تٌطوى ببـــــينٍ مراحلُه؟ (54)

ومنها:

فيا أيّها الـدستُ الـــــــذي غابَ صدرُه     فــــــمـاجـتْ بــلاياهُ وهاجتْ بلابلُه

عهدتُ بكَ الطـــــودُ الـذي كانَ مفزعاً     إذا نـزلــتْ بـالـملكِ يومـــــاً نوازلُه

فمن زلزلَ الطودَ الذي ساخَ في الثرى     وفي كل أرضٍ خوفُــــــه وزلازلُه؟

ومن سدَّ بابَ الملكِ والأمــــــرُ خارجٌ     إلى سائرِ الأقــــــــطارِ منه وداخلُه؟

ومن عوَّقَ الغازي المجـــــــاهدَ بعدما     أعدتْ لغزوِ المشـــــــركينَ جحافلُه؟

ومن أكرهَ الرمحَ الردينيَّ فــــــــالنوى     وأرهـقَـه حـتـى تـحـطـمَ عــــــاملُه؟

من كسَّرَ العضبَ المهـــــــنّدَ فاغتـدى     وأجـفـانُـه مـطــروحـــــــة وحمائله؟

ومن سلبَ الإســـــــــــــلامَ حليةَ جيدِهِ     إلى أن تشكّى وحشةَ الطرقِ عاطلُه؟

ومــــن أسكتَ الفضلَ الذي كان فضلُه     خطيـــــــــباً إذا التفّتْ عليه محافلُه؟

وما هــــــــذهِ الضوضاءُ من بعدِ هيبةٍ     إذا خامرتْ جســــماً تخلّت مفاصلُه؟

كأنَّ أبا الغــــــــاراتِ لـم يـشـن غـارةً     يـريـكَ سـوادَ الليلِ فيـــــــها قسـاطلُه

ولا لمعتْ بين العــــــــــــجاجِ نصولُه     ولا طرَّزتْ ثوبَ الفجاجِ منـــــاصلُه

ولا صار في عالــــــي ركابيهِ موكبٌ     ينــــــــــافسُ فيه فارسَ الخيلِ راجلُه

ولا مرحتْ فوقَ الـــــــــدروعِ يراعُه     كــمـا مرحتْ تحتَ السروجِ صواهلُه

ولا قسمتْ ألحاظه بيــــــــــن مخلصٍ     جــمـيـلِ الـسجــــــايا أو عدوٍ يجاملُه

ولا قابلَ المحرابَ والحـــــربُ عاملاً     مـن الـبـــــأسِ والإحسانِ ما اللهُ قابلُه

تعجَّبتُ من فعلِ الـزمــــــانِ بـنـفـسِـه     ولا شـــــــــــــكّ إلا أنّـه جـنَّ عـاقـلُه

بمنْ تفخرُ الأيــامُ بـعــــــــــد طـلايـعٍ     ولــــــــم يـكُ فـي أبـنـائِها من يماثلُه؟

أتنزلُ بالـهادي الكفيلِ صروفَـــــــــها     وقد خيَّمـــــــتْ فوق السماكِ منازلُه؟

وتسعـــى المنايا منه في مهجةِ امرئٍ     سعتْ هممُ الأقــــــــــدارِ فيما تحاولُه

ولعمارة قصائد أخرى في رثائه ذكرها الأميني (55)

ورثاه أبو الندى حسان بن نمير بقصيدة مستهلها:

جلّ ما أحدثت صروفُ الليالي     عند مستـقطم العلى والجلالِ

مـــلكٌ بعـد قبضهِ بسـطَ الخطـ     ـبَ يــــــديه إلى بنـي الآمالِ

جــادتِ الـعينُ بعـد بخلٍ عليه     بيــــــواقيتَ دمـعِهـا والــلآلي

وغــــــــدا كـلُّ ناطـقٍ بـلسانٍ     مــوجعاً فيَّ قائلاً: مـا احتيالي

والذي كــــــفَّ كفَّه أيدي الفقـ     ـرِ بما بثّ مـن جزيـلِ النـوالِ (56)

ولده رزيك

خلف طلائع ولدا حل مكان أبيه في الوزارة وهو رزيك قال النويري: (ولمّا مات الصّالح خرجت الخلع من القصر لولده، وتلقّب بالملك العادل مجد الإسلام) (57)

وقد آل مصير رزيك إلى نفس مصير أبيه وهو القتل ويروي النويري قصة مقتله فيقول: (أن الملك الصّالح بن رزّيك، والد العادل، لمّا حضرته الوفاة أوصى ابنه العادل بوصايا كثيرة منها أنّه لا يعزل شاور ــ ستأتي ترجمته ــ من عمله ولا يحرّكه؛ وحذّره من ذلك فلمّا كان في سنة سبع وخمسين اجتمع أقارب العادل وحسّنوا له عزل شاور عن ولاية الصّعيد، فذكّرهم بوصيّة أبيه، فأصروا على عزله، وكان أشدّهم في ذلك الأمير عزّ الدّين حسام ابن فضّة، فألزم العادل إلى أن كتب كتاباً يستدعي فيه شاور ويأمره بالحضور إلى القاهرة فكتب إليه شاور يستعطفه ويظهر الطّاعة والإدلال لسابق الخدمة لأبيه، ومناصحته في القيام بأمور الدّولة، ثمّ قال فيه: إن كان القصد أن يلي الأعمال أحدكم فليرسل السّلطان من يتسلّمها غير عزّ الدين حسام؛ وإن كان غيركم من الأمراء فأنا أحق به من سواكم؛ وقد سمعتم وصيّة أبيكم الصّالح في حقّي وما كرّره عليكم في أمري وإقرار أعمال الصّعيد في يدي. وأرسل الكتاب إلى العادل، فوقف عليه، وأوقف عليه أقاربه وأهله. فقالوا: إن أبقيته طمع في البلاد ولا يحمل إليك مالاً. فقال العادل لهم: المصلحة تركه. فصمّموا على عزله.

فأحضر العادل نصير الدّين شيخ الدّولة، وهو من أقاربه، وخلع عليه وولّاه الأعمال القوصيّة، وكتب على يده إلى شاور بتسليم الأعمال إليه ووصوله إلى القاهرة. وتوجّه نصير الدّين. فلمّا وصل إلى إخميم أقام بها وأرسل الكتاب إلى شاور طىّ كتابه؛ فلمّا وقف شاور على الكتاب أرسل إلى نصير الدّين رسولا من جهته برسالة يقول له: إنّ بيني وبينك صحبة ولا تغترّ بقول حسام، وارجع من حيث أتيت فهو خير لك. فرجع نصير الدّين إلى القاهرة ولم يعاوده.

وأظهر شاور العصيان على الدّولة، وأحضر جماعة من العربان من بنى شيبان وغيرهم، وتوجّه من الأعمال القوصية، وجعل طريقه على الواحات، وخرج منها إلى تروجة، وحشد العربان وأنفق فيهم الأموال؛ فوافقوه وانطاعوا له؛ فسار بهم نحو القاهرة. فندب العادل لحربه سيف الدّين حسينا، صهره، ومعه جماعة من الأمراء. فراسلهم شاور واستمالهم، وبذل لهم الأموال الجمّة، فمالوا إليه فلمّا التقوا انحازوا إلى جماعته وفارقوا مقدّمهم، فانهزم حسين واستجار بظريف ابن مكنون أمير جذام فأجاره، وحمله في البحر؛ فمضى إلى مدينة الرّسول صلى الله عليه وسلم فمات هناك فندب إليه العادل عزّ الدّين حساماً، فانهزم منه أيضا.

فعند ذلك خرج العادل من القاهرة وتوجّه إلى إطفيح، واستصحب أهله وذخائره. واستجار بسليمان بن الفيض اللّخمى، وكان من أصحاب أبيه الصّالح، فأنزله عنده؛ ومضى من وقته إلى شاور وأخبره بخبر العادل، فندب إليه جماعة فأخذوه أسيراً هو ومن معه، ونهب أصحاب ابن الفيض ما كان معه. وحمل إلى شاور فوصل إليه في ليلة الجمعة لثلاث بقين من المحرّم سنة ثمان وخمسين وخمسمائة فأمر شاور باعتقاله؛ وقال لسليمان بن الفيض: لقد خبأك الصّالح ذخيرة لولده حين استجار بك فأسلمته لي، وأنا أخبئك ذخيرة لولدي. ثمّ أمر به فشنق. وسمّيت فرقة ابن الفيض غمازة من ذلك اليوم، فهى تعرف الآن بهذا الاسم. فكانت أيام العادل سنة واحدة وثلاثة أشهر وأيّاما وجميع دولة بنى رزّيك تسع سنين تقريبا). (58)

وقال الشيخ الأميني: (ولي الوزارة بعد والده الصالح ستة عشر شهراً وعدة أيام وكان والده قد أوصاه بأن لا يتعرض لشاور ولا يغير عليه حاله فإنه لا يأمن عصيانه والخروج عليه وكان كما أشار فإن العادل حسن له أهله عزل شاور واستعمال بعضهم مكانه وخوفوه منه إن أقره على عمله فأرسل إليه بالعزل فجمع جموعا كثيرة وسار بهم إلى القاهرة ودخلها يوم الأحد الثاني والعشرين من المحرم سنة 558 وهرب العادل بن الصالح وأهله من القاهرة ليلة العشرين من المحرم فأخذ وقتل وأخذ موضعه من الوزارة واستولى شاور على ديار مصر، ودفن العادل في تربة الملك الصالح وبها جماعة أخرى.

ترجمه الفقيه عمارة في كتابه [النكت العصرية] ص 53 وقال في ص 66: دخلت قاعة السر من دار الوزارة فيها طي بن شاور وضرغام وجماعة من الأمراء مثل عز الزمان، ومرتفع الظهير، ورأس رزيك بن الصالح بين أيديهم في طست فما هو إلا أن لمحته عيني ورددت كمي على وجهي ورجعت على عقبي، وما ملأت عيني من صورة الرأس وما من هؤلاء الجماعة الذين كان الرأس بين أيديهم إلا من مات قتيلا وقطعت رأسه عن جسده فأمر طي من ردني فقلت: والله ما أدخل حتى تغيب الرأس عن عيني.

فرفع الدست وقال لي ضرغام: لم رجعت؟ قلت: بالأمس وهو سلطان الوقت الذي نتقلب في نعمته. قال: لو ظفر رزيك بأمير الجيوش أو بنا ما أبقى علينا. قلت: لا خير في شيء يؤول الأمر بصاحبه من الدست إلى الطست ثم خرجت وقلت:

أعزز عليَّ أبا شجاعٍ أن أرى     ذاكَ الجبينَ مُضرَّجاً بدمائه

مــــــا قلبته سوى رجالٍ قلّبوا     أيديهمُ مـــن قبلِ في نعمائِهِ) (59)

أما شاور هذه فهو: (أبو شجاع شاور بم مجير بن نزار بن عشائر السعدي ولاه الملك الصالح صعيد مصر ثم ندم على توليته، وكان الصالح قد أوصى ولده العادل رزيك أن لا يتعرض لشاور بمساءة ولا يغير عليه حاله، فإنه لا يأمن عصيانه والخروج عليه، وكان كما أشار، وبعد قتله رزيك ثار عليه ضرغام بن عامر بن سوار اللخمي ففر إلى نور الدين زنكي فأكرمه واحترمه وبعث معه جيشاً فقتلوا خصمه ولم يقع منه الوفاء بما ورد من جهته، ثم إن شاور بعث إلى ملك الفرنج واستنجده وضمن له أموالاً، فرجع عسكر نور الدين إلى الشام، وحدث ملك الفرنج نفسه بملك مصر، فحضر إلى بلبيس وأخذها وخيم عليه فلما بلغ نور الدين ذلك جهز عسكراً إليها، فلما سمع العدو بتوجه الجيش رجعوا خائبين، واطلع من شاور على المخامرة، وأنفذ يراسل العدو طمعاً منه في المظافرة، فلما خيف من شره تمارض أسد الدين فجاءه شاور عائداً له فوثب جرديك وبرغش موليا نور الدين فقتلا شاور، وكان ذلك برأي الملك الناصر صلاح الدين، فإنه أول من تولى القبض عليه ومد يده بالمكروه إليه) (60)

شعره

سخّر طلايع أدبه وشاعريته لعقيدته الراسخة وولائه لأهل البيت (عليهم السلام)، فقد حمل شعره طابع الولاء وتأرّج بعبق الولاية، وله في مدح الأئمة الطاهرين ورثائهم قصائد مطوّلة كثيرة يقول الشيخ الأميني: (إن له في أهل البيت عليهم السلام مدحاً ورثاءً ما يربو على ألف وأربعمائة بيتاً. وقد جمعها سيدنا العلامة السيد أحمد العطار في كتابه: الرائق). (61)

وقد ذهب بعض المؤرخين إلى أن شعر طلائع لم يكن له بل للمهذب بن الزبير الجليس بن الحباب، يقول شوقي ضيف: (واتهمه بعض معاصريه بأن كثيراً من أشعاره ليس له وإنما هو من صنع شاعريه: الجليس بن الحباب والمهذب بن الزبير) (62)

وقال ياقوت الحموي: (إن أكثر الشعر الذي في ديوان الملك الصالح إنما هو من عمل المهذب بن الزبير وحصل له من الصالح مال جم ولم ينفق عنده أحد مثله ) (63)

ويقول ابن خلدون: (وكان يقرض شعره ولا يجيده..) (64)

وقد انبرى الدكتور شوقي ضيف والشيخ محمد هادي الأميني لدحض هذه التهمة، يقول ضيف: (ويبدو أنها تهمة غير صحيحة، وأنه ربما كان يرجع إليهما لتصحيح بعض أشعاره إن صح ما قيل من أنهما كانا يصلحان له شعره. وأكثر الديوان المنشور في مديح آل البيت ورثائهم ورثاء الحسين خاصة..) (65)

ويقول الشيخ الدكتور محمد هادي الأميني: (فلا شك أن القول هذا غلو وإغراق، فمن زعم ذلك يستكثر على الصالح أن ينتج مثل ذلك الشعر لجودته وأحكام معاني حكمته وأقسام معاني بلاغته ولم يورد دليلا قاطعا إنما هو الظن بل الجهل بعينه ...

ثم يضرب الأميني لذلك أمثلة وروايات تؤكد رأيه ثم يقول: فالملك الصالح كان يستعين بفحول الشعر في عصره لإصلاح شعره، وليس في ذلك ما ينقص من قدرته في الشعر...) ثم يشير إلى عدة شعراء من فحول الشعراء العرب الذين كانوا يعرضون شعرهم على غيرهم (66)

قال طلائع من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (34) بيتاً:

ففي آلِ النبيِّ نظمتُ مدحـــــــي     وشنَّفتُ المسامعَ في ثنــــــائي

شربتُ ودادَهم نــــــــــهلاً وعلّاً     وها أنا واردٌ وردَ الــــــظماءِ

نجومٌ يهـــــــــتدي الساري إليها     بها عند الصبــاحِ وفي المساءِ

أناروا من ديـــــاجي الليلِ حتى     تبدّى الأفقُ فـــي ثوبِ الضياءِ

فأهلُ البيــتِ في الدارينِ ذخري     وأهلُ البيتِ كنزي في الرخاءِ

وهمْ لــــي حين أظعنُ خيرُ زادٍ     وإن أمرضْ فذكــــرهمُ شفائي

أحـــبّ إليَّ مِن بصري وسمعي     ومالي والمسرةِ فـــــــــي بقاءِ

جـــفوتُ لو إنني قد ملتُ عنهم     وليسَ يميلُ طبعي للجــــــــفاءِ

أنصرهمُ انتضائي الدينَ عضباً     وللعضبِ التفننُ في المضـــاءِ

على أعـــــــــدائهم مني شهابٌ     تودّع نارَه أيــــــــــدي الهواءِ

فيا شرفي بأن قد صرتُ منهم     على قربٍ وإنَّ ســــــواي نائي (67)

وقال من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (37) بيتاً:

عليٌّ أميرُ المؤمــــــــــــــــنينَ ولاؤه     يراهُ ذوو الأحسابِ ضربةَ لازبِ

عليه ترى الإجمـــــــاعَ لا شكَّ واقعاً     ولــــــــم تره بعد النبيِّ لصاحبِ

وزوَّجه الرحـــــــــمنُ بالطهرِ فاطماً     وقد ردَّ عــنها راغماً كلَّ خاطبِ

عليٌّ هوَ الشمسُ المنيرةُ في الضحى     هوَ البدرُ تــمَّاً فـي سماءِ المناقبِ

عليٌّ الـذي قد كان إن حضرَ الوغى     قليلَ احتفــــــاءٍ بالقنا والقواضبِ

عـــــلـيُّ الذي قد كانَ يضربُ قرنَه     بماضٍ شبابيــــنِ الطلى والترائبِ

إذا طلعـــــت أسيافُه في مشارقِ الـ     أكفِّ هوتْ مِن هامِهم في مغاربِ (68)

وقال في أهل البيت (عليهم السلام) من قصيدة تبلغ (36) بيتاً:

ليسَ لي شـيءٌ أرجـ     ـيهِ بهِ إلا الــــــــثوابُ

واقـــترابي كلما كـا     نَ لدى الودِّ اقتــــرابُ

مِن أناسٍ ليسَ يـبدو     أبداً منهــــــــــمْ عيابُ

بلْ هــــمُ دونَ عـيا     بِ الناسِ والنارُ حجابُ

ووليُّ الســادةِ الغر     لـــــــــــــه الخلدُ ثوابُ

وإذا آبَ إلى الأخـ     ـرى فطـــــــوبى ومآبُ (69)

وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (38) بيتاً وهي مجاراة لقصيدة دعبل التائية المشهورة:

تواليتُ مختصّاً بحــــــــــملِ براءةٍ     ويمَّمـــــــتُ قوماً غيــــــرَه ببراتي

أرى حبَّه في السلمِ ديني ومــذهبي     وفـــي غزواتي مــــــرهفي وقناتي

ولمْ يكُ أحشاءُ الطغاةِ لبغضِــــــهم     على الغلِّ والأضغانِ منطويـــــاتِ

فمالوا على أولادِه ونــــــــــــسائِهِ     وصحبٍ كـــــرامٍ سادةٍ وســـــراتِ

ولم يمنعوا هـــتكَ الحريمِ وسـبيهمْ     وهنَّ يجدنَ الأرضَ بالعــــــــبراتِ

غريبٌ يــــــبكّي مِن نساءٍ حـواسرٍ     طواهرَ مِن كلِّ الأذى خـــــــفراتِ

كــــــــبيرة ذنبٍ ليسَ ينفعُ عـندَها     دوامُ صلاةٍ أو خروجُ زكــــــــــــاةِ

لعمريَ ما يلقونَ في الحشرِ جدَّهمْ     بغيرِ وجـــــــــوهٍ كُلّحٍ خــــــــجلاتِ

إِذا قالَ لِمْ ضيعتموا حقَّ عِتــرتي     وكيفَ انتهكتمْ جـــرأةً حُــــــــرماتي

أسأتمْ صنيعاً بعد موتي فغــاصبٌ     لذرِّيتي حقاً وآخر عـــــــــــــــــــاتِ

ومَن خصـــــمُه يومَ القيامةِ أحمدٌ     لقد حلَّ في وادٍ مِـــــــن النقـــــــماتِ

فوا حزني لو أنــــني في زمانِهم     وواحرةَّ أحشـــــــائي وا حســـــراتي

لأطعن فيهم بالأسنَّــــــــــةِ كلّما     مضتْ حــــــــملةٌ جاءتْ بمؤتنـــــفاتِ

أقضَّي زماني زفرةً بعدَ زفـــرةٍ     فـــــــــــــــــقلبيَ لا يخلو مِن الزفراتِ

وصدريَ فيه حرقةٌ بعدَ حـــرقةٍ     فليسَ بــــــــــــــــــمنفكٍّ عن الحرقاتِ

فإِن أقل النصَّابُ يــوماً عثارَهمْ     فإنَّ إقـــــــــــــــــــالاتي من الـعثراتِ

لأنَّـهمُ هدَّوا اعتداءً بفــــــــعلهمْ     وظلماً مـــــــــــنارَ الصومِ والصلواتِ

لقد شبتُ لا عن كبرةٍ غيرَ أنني     لكثرةِ همِّي شبتُ قبل لـــــــــــــــداتي

وإني لعبدُ المصطفى سيفُ دينِه     طلايعُ موسومٌ بـــــــــــــــهدي هداتي

وليُّهم إن خافَ في الحشرِ غيره     لظى فــــــــــــــهوَ منها آمنَ الجنباتِ

أيا نـــفسُ مِن بعد الحسينِ وقتلِه     على الطفِّ هل أرضى بطولِ حياتي

وإني لأخـــــــزي ظالميهِ بلعنةٍ     عليهمْ لدى الآصـــــــــــالِ والغدواتِ (70)

وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً من قصيدة تبلغ (32) بيتاً:

تعساً لجبَّارينَ أصــــــلوا     بــالـــوغى أهــلَ الصلاحِ

حملوا رؤوسَهمُ الـــكريـ     ـمةِ فــوقَ أطـرافِ الرماحِ

وحموا عليهمْ مِــــن جها     لتهـــمْ حمـى الماءِ المباحِ

يا أمَّـةً غـــــــدرتْ ونـو     رُ الحقِّ أبلــجُ ذو اتِّضـاحِ

وتعقَّبـــــتْ سنـنَ النـبيِّ     الطهرِ بــــــالبِـدعِ الـقـباحِ

وتأوَّلتْ في محكمِ القرآ     نِ بالـكـــــــذبِ الـصـراحِ

لا تـــــقربـوا مـنا فجر     بُ الابـلِ حتـفٌ للـصحاحِ (71)

وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (39) بيتاً:

يا راكـبَ الغيِّ دعْ عنكَ الضلالَ فهـ     ـذا الرشدُ بالكوفةِ الغرَّاءِ مشهدُه

مَن رُدَّتِ الشمسُ مِن بعدِ المغيبِ له     فأدركَ الــفضلَ والأملاكُ تشهدُه

ويومُ خــــــــــــــمٍّ وقد قالَ النبيُّ له     بينَ الحضورِ وشالتْ عضدَه يدُه

مَن كنتُ مولىً لــــــه هذا يكـونُ له     مولىً أتانـــــــــي به أمرٌ يُؤكِّدُه

مَن كانَ يخذله فاللّهُ يـــــــــــــــخذله     أو كانَ يعضــــــدُه فاللّهُ يعضدُه

قالوا سمعنا وفي أكبادِهم حُــــــرقٌ     وكلُّ مستمعٍ للقولِ يـــــــــجحدُه

وأظلمتْ بسوادِ الــــــــحقدِ أوجهُهُم     وأنه لم يزل بالكـــــــــفرِ أسودُه

والبابُ لمَّا دحاهُ وهوَ فـــــي سغبٍ     عن الصيامِ وما يُخفــــــى تعبُّدُه (72)

وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (16) بيتاً:

منعوا الحسينَ من الفراتِ لقد أتوا      فـــي قتلِه بالمعضلاتِ السودِ

حملوا حريمَ المصطفى سبياً كأمـ     ـثالِ الإماءِ على المطايا القودِ

أوصــــــــــاهمُ الرحمنُ ودَّاً فيهمُ      فنفوهـــــــــمُ بالقتلِ والتصفيدِ

فلذاكَ في اللـــــيلِ الطويلِ عليهمُ      لتململي لم أكـــــــتحلْ بهجودِ (73)

وقال من قصيدته في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) والتي تبلغ (34) بيتاً ــ وقد قدمناها ــ

هذا الـــــــحسينُ بـ(كربلا     ء) ثوى وليسَ له نصــــيرُ

فـغـدا بـفـتـيـتِهِ الـكــــــرا     مِ إلى مـصارعِهم يـــــسيرُ

حتـى تـلــقّاهـم بـجــــــنـ     ـبِ الـطفِّ يومٌ قـــــمطريرُ

وغدا مُراقُ دمــــــــائهم     حَوضُ الــــــــمياه به يمورُ

فسُقوا النجيع هنـــــاكَ لَـ     ـمّا أعوَزَ الماءُ النَـــــــميرُ

وبنو أمـــــــــــــــية آمِنو     نَ تدورُ بينهـــــــمُ الخُمورُ

لهفي لصرعي فـي رِجا     لهمُ وشـــــــــيعتُهم حُضورُ

وُطِيَتْ ظهورهـــــــم ورُ     ضَّتْ بالخيولِ لهم صدورُ

بالسيفِ مِـــــــن أولادِ فا     طمةٍ ضُحـىً فُطِمَ الصغيرُ

وسوى الإمام ثوى لصُلْـ     ـبِ أبــــــــيه أربعةٌ ذكـورُ

وبــــــــــــنو عقيلٍ كلهم     ما فيهم إلا عـــــــــــــــقيرُ

ولجعفرِ الـــــطيار صَـرْ     عى في دمـــــــــائهم كثيرُ

ما جدُّهم أبداً عـــــــــلى     هذا لأُمَّته بــــــــــــــــشيرُ

لكنّه لـــــــــــــــهمُ عليه     يطولُ خــــــــــــزيهمُ نذيرُ

إنْ كان فيهم مــــؤمنونَ     بزعمهم فمَنِ الكَـــــــــفورُ

أو زُخْرِفَتْ عــــدنٌ لهم     فلِمَن تُرى تُذكــــى السَعيرُ

تبّاً لأفّـــــــــــــاكين عِنْـ     ـدَ اللهِ ذنبــــــــــــــهمُ كبيرُ

قتلوا الحسيــنَ وما اسْتَتَـ     ـبَّتْ بعده لهمُ أمــــــــــورُ

ما بينَ مصـــرعه وهُلْـ     ـكِ يزيدهم إلا يــــــــــسيرُ

فكأنّه ما كان قَـــــــــطُّ     ولَم تكن تلك الشُهــــــــــورُ

وقال من قصيدة ضمن فيها قوله تعالى سورة (هل أتى) التي نزلت في أهل البيت (عليهم السلام)

إنَّ الأبرارَ يشربونَ بكــــــــــأسٍ     كان حقاً مــزاجُها كـــــــافورا

ولهم أنشأ المـــــــــــــهيمنُ عيناً      فجَّروها عبــادةً تـــــــــــفجيرا

وهداهم وقال يـــــــــوفـون بالنذ     رِ فمَن مثلهــــــم يوفي النذورا

ويخـــــــــــــافونَ بعدَ ذلـك يوماً      هائلاً كــــــــان شرُّه مستطيرا

يطعمونَ الطعامَ ذا اليتــمِ والمسـ     ـكينِ في حــبِّ ربِّهمْ والأسيرا

إنّــــــما نطعمُ الطعامَ لــوجهِ اللّه     لا نـــــــــــــبتغي لديكمْ شكورا

غيرَ إِنَّا نخافُ مِن ربِّنــــــــا يو     ماً عبوساً عــصبصباً قمطريرا

فوقاهمُ إلهــــــــــــــهم ذلكَ اليو     مَ يلقّونَ نـــــــــــضرةً وسرورا

وجزاهمْ بأنهم صبروا في السرِّ      والجهرِ جــنَّةً وحــــــــــــريرا

في اتكائهمْ لا يرونَ لدى الجنـ     ـةِ شمساً كــلا ولا زمــــــهريرا

وعليهمْ ظلالــــــــــــها دانيات     ذُللت فـــــــــــي قطوفِها تيسيرا

وبــــــــــأكوابٍ فضَّةٍ وقواريـ     ـر قـــــــــــواريرَ قُدِّرتْ تقديرا

ويطـــــوفُ الولدانُ فيها عليهمْ      فــــــــــــيخالونَ لــؤلؤاً منثورا

بكؤوسٍ قد مزجـــــتْ زنجبيلاً      لذّة الشـاربينَ تــشفي الصدورا

ويحلّونَ بالأســــــــــــاورِ فيها     وســـــقاهمْ ربـي شراباً طهورا

وعليهمْ فيها ثيابٌ مــــن السنـ     ـدسِ خضرٌ في الخلدِ تلمعُ نورا

إنَّ هذا لكم جزاءً مــــــــن اللّه      وقد كــــــــــانَ سعيكم مشكورا (74)

وقال في نفس المعنى من قصيدة تبلغ (10) أبيات:

فـــي هل أتى إن كنتَ تقرأ هل أتى      ستصيبُ ســعيهمُ بها مشكورا

إذ أطعموا المسكينَ ثمَّةَ أطعموا الـ     ـطفلَ اليتيمَ وأطعموا المأسورا

قالــــــــــــوا لوجهِ اللّهِ نطعمكم فلا      نــــــبغي جزاءً منكمُ وشكورا

إِنَّا نخافُ ونــــــــــــــتقي من ربِّنا      يوماً عـــبوساً لم يزل مجذورا (75)

وقال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (31) بيتاً

بـــــي آلِ أحمدَ لا أزالُ أحبُّ في الـ     ـدنيا بحبِّهمُ وأبغضُ مُبــــــــغضا

وضحَ الدليلُ على اغتصابِ حقوقِهمْ      والصبحُ ليس يُرى بخافٍ إذ أضا

يا أمَّــــــــــــــــــةً غدرتْ بآلِ نبيِّها      ونــــــــــــبيُّها في موتِه ما غمَّضا

فأتوا كما يأتي غــــــــــريمٌ خصمَه      حتى كأنَّ لـــــــــهم ديـوناً تقتضى

نكروا وصيةَ أحمدٍ واســــــــتبدلوا     ممَّن أحبَّ بعلمِهـــــــــم مَن أبغضا (76)

وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (50) بيتاً:

ما حاد عن حبِّ البطـــــينِ الأنزعِ      مُتجنــــــــباً لولائهِ إلا دعي

وأنا الذي فـــــــــــــي حبِّه وولائِه     لا قــــابلٌ مـيناً ولا بالمدعي        

ولـــــــــــــقد حللتُ بحبِّ آلِ محمدٍ     وولايَ فيهم بالمحلِّ الأرفعِ         

ولو أنني عُرضتْ عليَّ مسالكُ الـ     دنــــيا لأربعَ عنهمُ لم أرجعِ (77) 

وقال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (31) بيتاً:

وليسَ للـمرءِ ما يكـون له     ذخـــراً به في المعادِ يُنتفعُ

وهوَ تجاهُ النفوسِ يؤمنُها     مِن خوفِها إذ يهولُ المطلعُ

إلَا مــوالاةَ آلِ فاطمةٍ الـ     ـذينَ في المؤمنينِ قد شفعوا

همُ ضـياءُ الهدى فعلمهمُ      بهِ ظلُّ الـــــــضلالِ ينقشعُ (78)

وقال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (39) بيتاً

آليـــــــــــــــتُ لا ألقى عداةَ أئمتي     إلا بـعضبِ الشفرتيـــنِ صقيلِ

وأئمتي قوم إذا ظُلــــــــــــموا فهمْ      لا يظلمونَ الناسَ وزنَ فتــــيلِ

كانَ الزمانُ لحسنِه بوجوهِـــــــهم      يختالُ بالأوضاحِ والتحـــــجيلِ

ومسجًّلٌ لهم الفخارُ علـــــى الذي      ناواهمُ إذ صحَّ لي تــــــسجيلي

وهمُ الأئمةُ ما عدمـــــــتْ فضيلة      فيهمْ فما ميلي إلــــى المـفضولِ

فأنا إذا مـــــــــــــثلتُ غيرَهم بهمْ      في فضلِهم أخطــأتُ في تمثيلي

آل النبيِّ بهم عـرفـنـا مـشـكـلَ الـ     ـقرآنِ والـــــتــوراةِ والإنـجـيـلِ

هم أوضحوا الآياتِ حتى بيّنوا الـ     ـغاياتِ في التحـريـــمِ والتحليلِ

عند التباهـلِ ما علمنا ســـــــادساً     تحـتَ الكسا معهم سوى جبريلِ

إن الــــــــــكثيرَ من المدائحِ فيهمُ     قــــــــــــلٌّ ومدحُ اللّهِ غيرُ قليلِ

قالَ النبــــيُّ صِلوا بهمْ حبلـي فلمْ      يكُ منهمُ أحــــــــدٌ لهمْ بوصولِ (79)

وقال من لاميته التي تبلغ (65) بيتاً ــ وقد قدمناها ــ

فلا يطـمـــعُ الأعـداءُ فيَّ فأنني     ليَ اللهُ بالنصـرِ المبيــــنِ كفيلُ

أقول: لـهـم ميــلي إلى آلِ أحمدٍ     ومـا أنا ميّـــالُ الـــودادِ ملولُ

لأنَّ لهم في كـل فضـلٍ وسؤددٍ     فضولاً عليها العالمون فضولُ

ومنها:

علامَ قـتـلـتـمْ بــــــضـعـةً من نبيـكمْ     وتدرونَ إن الرزءَ فيه جليلُ

ضحكتمْ وأظــهرتــمْ سروراً وبهجةً     بـيـومٍ بـه نـجـلُ البتـولِ قتيلُ

قتيلٌ شجــى الأملاكِ مـا فـعـلـوا بـه     وأظهرَ أسحانُ الجيادِ صهيلُ

ومن حقّهم أن تخسفَ الأرضَ للذي     أتوه ولكن ما الحكيــمُ عجولُ

وقال من قصيدته العينية في رثاء سيد الشهداء (عليه السلام) والتي تبلغ (41) بيتاً وقد قدمناها:

يا فـعـلـةً جــــــــاءوا بـهـا     في الغـدرِ فاضحةً شنيعَه

خابَ الذي أضحى الحسيـ     ـن لطولِ شقوتـهِ صريعَه

أفـذاكَ يـرجـو أن يــــكــو     نَ مــحـمـدٌ أبـداً شـفـيـعَـه

عـــــجباً لمغرورينَ ضيّـ     ـعَ قــــــومُهم بهمُ الوديعة

ولأمَّةٍ كـــــــــــــانت إلى     ما شاءَ خــــــالقُها سريعه

وغدتْ بحقِّ نبيِّـــــــــــها     في حفظِ عترتِه مُــضيعه

جارَ الضـــــلالُ بها ونو     رُ الحقِّ قد أبدى سـطوعَه

عصتِ النبــيَّ وأصبحتْ     لسواهُ سامعةً مطيـــــــعه

باعتْ هناكَ الــــدينَ بالـ     ـدنيا وخــــــــسران كبيعه

ما كانَ فيما قد مـــضى     إسلامها إلا خــــــــــــديعه

تحـتَ السقيفةِ أضمرتْ     ما بالطفوفِ غدت مذيـــعَه

فلذاك طاوعـت الدعيَّ     وكــثّـرتْ مـنـه جـمـــــوعَه

بـجـيـوشِ كـفرٍ قد غدا     ذاكَ الــنـفـاقُ لـهـا طليــــعَه

وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (37) بيتاً

إنَّ الـــــــــــــــولاءَ إذا حققته نِعمٌ      تمَّتْ لديَّ وإحسانٌ عليَّ صـــــــــفا

لا يقصدُ الباطلَ المدحوضَ رتبتُه     بينَ البريَّةِ مَن للـــــــــحقِّ قد عرفا

لو استطعتُ ركبتُ الريحَ عاصفةً     حتى أزورَ سريعاً سيِّدَ الــــــــخُلفا

أناشدُ الغيثَ أن لا يـــــستقلَّ إلى     أن ترتوي أعظمٌ قد حــــــلَّتِ النجفا

هوَ الذخيرةُ لي عند الصراطِ إذا     أمسكتُ في الحشرِ مِن أسبابِه طَرفا

ولو إلى غيرِه أدعى وتـجعلُ لي     ما فـــــــي البسيطةِ لم أعـلقْ به أنفا

ولو ذنوبيَ ملءُ الأرضِ قــاطبةً     تجاوزَ اللهُ عــــــــــنها لـي بهِ وعفا (80)

وقال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين ورثاء الإمام الحسين (عليهما السلام) تبلغ (56) بيتاً

ومَن سوى حيدرٍ رُدَّتْ ذُكــــــــــــــاءُ له      مِن بعدِ ما جنحتْ مَيلاً إلــــــى الطَّفلِ

عليُّ هل كان ماضي غــــــــــربِ مقولهِ     إذا تفلّلَ سيفُ النـــــــــــــــطقِ ذا فللِ

ورايةُ الدينِ لمَّا كانَ حــــــــــــــــــاملها     دون الهنابين هل نِيطت إلى فــــــشلِ؟

ما جرَّدتْ مِـــــــــــــن عليٍّ ذا الفقارِ يدٌ     إلّا وأغمدَه في هامـــــــــــــــــةِ البطلِ

لــــــــــــــمْ يقتربْ يومَ حربٍ للكميِّ بهِ     إلّا وتـــــــــــــــــــقربُ منه مدَّةُ الأجلِ

قد صابَ في رأسِ عمرو العامريِّ وفي     يافوخِ مرحبَ صوبَ العارضِ الهطلِ

وفــــــــــــي مواقفَ لا يُحصى لها عددٌ     مــــــــــــــا كان فيها برعديدٍ ولا نَكلِ

ومدعي القــــــــــــول بالإجماعِ ينقضُه     كمْ قد تخلَّفَ عنـــــــــد العهدِ مِن رجلِ

سلمانُ منهم، وعمــــارٌ، وسعدُ، كذا الـ     عباسُ لا شكَّ والمقـــــــــدادُ، والدؤلي

كمْ كــــــــربةٍ لأخيهِ المصطفى فرجتْ     بـــــــــــــه وكان رهينَ الحادثِ الجللِ

كم بينَ مَن كــانَ قد سنَّ الهروبَ ومَن     في الحـــربِ إن زالتِ الأجبالُ لم يزلِ

في (هل أتى) بيَّنَ الـــــــــرحمنُ رتبتَه     فـــــــــــــي جودِه فتمسَّكْ يا أخي بهلِ

عــــــــــــليُّ قالَ اسألوني كي أبينَ لكمْ     علمي وغيرُ عـــــــــــــليٍّ ذاكَ لم يقُلِ

بل قالَ لســـــــــــــــتُ بخيرٍ إذ وليتكمُ     فــــــــــــــــــقوُّموني فإنّي غيرُ مُعتدلِ

إن كـــــــــــــانَ قد أنكرَ الحُسَّادُ رتبتَه     فــــــــــــــــــقد أقرَّ له بالحقِّ كلُّ ولي

وفي (الغديرِ) لــــه الفضلُ الشهيرُ بما     نصَّ النبيُّ لـــــــــــــه في مجمعٍ حفلِ

ومَن يغطي نهارَ الــــــــــحقِّ منه فما     غنّى بهارونَ فيهِ ضــــــــــاربُ المثلِ

لو لم يكنْ لعليٍّ غيرُ منقـــــــــــــــــبةٍ     فقد كفاهُ بقربى خاتمِ الرســــــــــــــــلِ (81)

وقال من قصيدته اللامية التي تبلغ (68) بيتاً ــ وقد قدمناها ــ

مَن كالإمـامِ الذي، الزهراءُ ثاويـةٌ     في بيتِه وأخـــــوهُ خاتـمُ الـرسـلِ

الباذلُ النفسَ مِـن دونِ النبيِّ وقــد     فرَّ الجبـانانِ مِن عجزٍ ومِن فشلِ

في يــومِ خيـبرَ والأجنــادُ شاهـدةٌ     بنصِّ ذلــكَ مُـنذُ الأعصـرِ الأولِ

ومطعـمَ الــسـائلَ البادي بـخاتمِـه     عندَ الركوعِ أوانَ الفرضِ والنفلِ

والخاشعُ المتجرّي في تواضعِــه     كأنّـه لـم يصلْ يـــوماً ولــم يصلِ

وقابـضُ الكفِّ عــمَّـا لا يُـحلُّ له     كأنَّها لم تطلْ يـومــــاً ولــم تطـلِ

ومَــن يردُّ عــن الـدنيـا بنــانَ يدٍ     كأنّهـا لـم تنلْ يـومـاً ولــــــم تـنلِ

وقال في أهل البيت من قصيدة تبلغ (53) بيتاً:

أآلَ الهدى لم يكنْ في العبادِ     ولا في الــبلادِ لكمْ موئلُ

ومــا ضرَّكمْ معهمْ غيرَ أنّ      جدَّكمُ المصطفى المرسلُ

ووالـــــــــدكمْ فيهمُ قد ابيدَ     بهِ جحــــــفلٌ بعدَه جحفلُ

وكانَ ببـــــــــــدرٍ وأُحدٍ له      عليهمْ مواقـــفُ لا تجهلُ

فجازاهُ مِــن بعدِ حينٍ يزيد      بما كانَ في قـــومِه يفعلُ

وأوَّلُ مَن ســنَّ هذا الفعالِ      منهـــــــمْ ببيعـــتِه الأوّلُ

تلقّفها فلتةً لا تـــــــــجوزُ     عــــندَ العقولِ ولا تُـــقبلُ

وأطمعَ تاليهِ جهراً بــــها      فمدّتْ له نحوها الأحـــبلُ

ووطـــــــا لثالِثِهمْ بعدَ أن      أهل الـــــــــنفاقِ له أميلُ (82)

وقال في أهل البيت من قصيدة تبلغ (53) بيتاً:

كــــــيفَ أجازوا قياسَ قايسِهم      بينَ عتيقٍ بجـــــــهلِه وعلي

كمْ بينَ مَن في الصلاةِ مُعتكفٌ      وعاكفٌ عمــــرَه على هبلِ

وهازمُ الــــــــجيشِ وحدَه أبداً      وقاعدٌ للضــــلالِ في الظللِ

وحاملٌ رايةَ الـــــــــنبيِّ ومَن      فرَّ بها فـــي الجبالِ كالوعلِ

بخيبرٍ والخبيرُ يعـــــــرفُ ما      ذكرتُ مِن ذاكَ غيرَ منتحلِ (83)

وقال في أهل البيت (عليهم السلام) من قصيدة تبلغ (41) بيتاً:

هذا أميرُ المؤمنينَ ولـم يــــــــــكن      في عصرِهِ مَن حازَ مثلَ خصالِه

العلمُ عند مقالِه والجــــــــــودُ حيـ     ـنَ نــــــــــوالِه والبأسُ يومَ نزالِه

وأخوهُ مِن دونِ الــــــورى وأمينُه     قِدماً على الــــــمخفيِّ مِن أحوالِه

وصَّــــــــــــــــــاهمُ بولايةٍ فكأنّما     وصَّاهمُ بخلافِه وقــــــــــــــــتالِه

واستنقصوا الدينَ الحنيفَ بكتمِهم     يومَ (الغديرِ) وكانَ يومَ كــــــماله (84)

وقال من أبيات في أمير المؤمنين (عليه السلام):

كأنّي إذ جعلتُ إليكَ قصــــــــدي     قصدتُ الركنَ والبيتَ الحــرامِ

وخُيِّلَ لي بأني في مـــــــــــقامي      لـــــــــديهِ بينَ زمزمَ والمُـــقامِ

أيا مولايَ ذكركَ في قــــــعودي      ويا مولايَ ذكــرُكَ في قـــيامي

وأنتَ إذا انتبهتُ ســــميرُ فكري      كذلكَ أنتَ أنسي فــــــي منامي

وحبُّكَ إن يــــــــكن قد حلَّ قلبي      ففي لحمي استكنَّ وفي عظامي

فـــــــــلولا أنتَ لم تُقبلْ صلاتي      ولولا أنـــــــتَ لمْ يُقبلْ صِيامي

عسى أسقى بكأسِكَ يومَ حشري      ويبردُ حين أشــــــــربُها أُوامي (85)

وقال في أهل البيت (عليهم السلام من قصيدة تبلغ (53) بيتاً:

ما باهلَ الــــــــــــمختارُ أهلَ خلافهِ      فـــــــــي دينِهِ بــفلانةٍ وفلانِ

كـــــــــــلّا ولا صلى وتلكَ وغيرُها      معه بجنحِ الليــلِ في الأردانِ

ما كانَ إلّا المرتضى في المرطِ بالـ     اجماعِ والزهــراءِ والسبطانِ

أفخرتمُ بالغارِ، لمَّــــــــــــــــــا حلّه      معه أمرؤ فــي صــفِّه وأهانِ

ونسيتمُ من باتَ فــــــــــوقَ فراشِه      متعرِّضــاً لشفارِ كـــــلِّ يمانِ

ما كانتِ (الشورى) التــي قد لفّقتْ      أخبـارُها بـالزورِ والبهــــتانِ

إلّا كيومٍ بالســــــــــــــــقيفةِ شيّدتْ      فيه مـباني الظلمِ والعــــدوانِ

يـــــــــــــــتمسَّكون لهمْ ببيعةِ فلتةٍ      وبـــها نقضتمْ بيعةَ الرضوانِ

ورويتمُ أنَّ الـــــــــــوصيَّ أجابَهم      كرهاً ولم يقدرْ على العصيانِ

والطهرُ فاطمةٌ يُشالُ لـــــــــبيتِها      مِن أجلِها قبسٌ برأسِ ســــنانِ

أفمنقذٌ لهمُ مِن النيـــــــــــرانِ مَن     حملوا إلى ابنتِه لظى النـيرانِ (86)

وقال من أخرى تبلغ (44) بيتاً

محمدٌ خاتمُ الرســـــــــلِ الذي سبقتْ     به بشـــــــــارةُ قسٍّ وابنِ ذي يزنِ

وأنذرَ النـــــــــــطقاءَ الصادقونَ بما     يـــــكونُ مِن أمرِه والطهرُ لمْ يكنِ

الكاملُ الــوصفِ في حلمٍ وفي كرمٍ     والطـاهرُ الأصلِ مِن ذمٍّ ومِن درنِ

ظـــــــــــلُّ الإلهِ ومفتاحُ النجاةِ وينـ     ـبوعُ الحياةِ وغيثُ العارضِ الهتنِ

فاجعله ذخركَ في الدارينِ مُعتصماً     به وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ (87)

وقال فيهم (عليهم السلام) من أخرى تبلغ (38) بيتاً:

أنا ابـــــــــنُ رزيكٍ وليٌّ لمَن      رتبتُه رتبةُ هــــــــــــارونِ

فهوَ لسانُ الصدقِ ميزانُ حكـ     ـمِ اللّهِ مـــــا بينَ المـوازينِ

نهجُ العلى الــهادي الذي حبُّه      ســـفينةٌ في الحشرِ تُنجيني

مَن أمرُه بين الــندى والرَّدى      قـد كان بينَ الكافِ والنونِ

حربٌ لمَن جَنَّب عــــن حبِّه      أرميه عن قوسي ويرميـني

ممَّن تمشوا في ضلالاتِـــهمْ      لسكرِهم مشيَ الفرازيـــــن (88)

وقال من قصيدته النونية التي تبلغ (60) بيتاً وقد قدمناها:

يا أهلَ بيتِ المصطفى     أصبحتمُ النورَ المبينا

واللهِ ليــــــــسَ يحبُّكمْ     مـــثلي يميناً لن تمينا

كمْ ليلةٍ سمــــعَ العِدى     منـــي بمدحِكم رنينا

ولقد جعلتُ عـليَّ مِن      نفسي بحــبِّكمُ ضمينا

إنَّ الإلهَ أعـــــــزَّني      بكمُ وأقـــسمُ لن أهونا

وإذا طما بحرُ الـمخا     وفِ كانَ ودكُّمُ سفينا

وأرى يقيني فــــيكُمُ      مُستنقذي حــــقاً يقينا

وقال من أخرى تبلغ (49) بيتاً:

يا أمَّة قد غـــــــــــدرتْ إمامَها      واتَّبعتْ شيطانَها الــلعينا

يا قاتــــــــلينَ ابنَ الـنبيِّ جهرةً      لـــــــقتلِكم إياهُ مــا نسينا

حرَّمتمُ الماءَ عليه عـــــــــنوةً      وقلتمُ لـــــــيستْ لنا خدينا

وسُقتمُ الحريمَ أســــرى حسَّراً      صوارخاً يا جـــدّنا سُبينا

كيف أرى طرقَ المياهِ مورداً      وقد رأيتُ الموردَ المعينا

وقتلُ نجلِ الـمصطفى ويحكمُ      قطـــــــعتمُ منه به الوتينا (89)

وقال من حسينية أخرى تبلغ (21) بيتاً:

ذكروا أباه وقـــــــــــــــبله أسلافهم      ولكـم أبادَ الدخلَ مِن أسنانِ

وردَ الــــــرَّدى دونَ الفراتِ تحمُّلا      يــــا حسرةً للواردِ الظمآنِ

سرجُ الهدى عادتْ بأسيافِ العدى      ألفَ الهوانِ طرائدَ الأقطانِ (90)

وقال من حسينية أخرى تبلغ (32) بيتاً قالها يوم عاشوراء عام (552 هـ)

في يــومِ عاشوراءَ لمَّـ     ـا خانهم دهر خــــــــــؤونُ

وغدَتْ مُناهُم حـينَ عَـ     ـزّوا أن تُصيبَهـــــمُ المَنونُ

لَم يقبَلوا عَهـــــداً لِجَيـ     ـشِ للنِّفـــــــــــــاقِ به كمينُ

ورأوا جمـــيعاً أنَّ إعْـ     ـطاءَ اليمينِ لهم يـــــــــمينُ

وتَيَقَّنّوا أنّ الـــــــــحيا     ةَ الظَّنُّ والمــــــــوتَ اليقينُ

لهفي علـــى قتلى أُبيـ     ـحَ بهم حِمى الدينِ المَصونُ

ما فيــــــهمُ إلا صَريـ     ـعٌ بــــــالصَّـوارمِ أو طعينُ

غَدَرَ الخَؤونُ بهم هُنا     كَ ولَم يَــــــفِ الثِّقَةُ الأمينُ (91)

وقال من أبيات في المحاججة والمناظرة:

يا أمّة سلكت ضــــلالاً بـيّـنـا     حتى استوى إقرارُها وجحودُها

قلتم ألا أن الـمعاصيَ لم تكن     إلّا بـتـقـديـــــــرِ الإلـه وجـودُها

لو صحَّ ذا كانَ الإلهُ بزعمكم     منعَ الشريــــعةَ أن تقامَ حدودُها

حـاشـا وكـلا أن يـكون إلـهُنا     ينهى عن الفــــحشاءِ ثم يريـدُها (92)

وقال من قصيدته الحسينية (النونية) التي قدمناها وتبلغ (35) قال محقق الديوان في مقدمتها: وقال هذه القصيدة عندما أمر وزارته أن يستعمل في طراز خاص برسم كسوة المشهدين الشريفين العلوي والحسيني من الستور الديبقي لأبواب الحرمين وعرضها هناك وقد أرصد من أمواله مبالغ طائلة لهذا الغرض وتحرى فيها أن تكون الستور في غاية الحياكة والابداع مع تطريز آيات قرآنية حولها، فلما تم عملها أرسلها مع نفر من خدمه وعبيده وجعل فيها قصيدة ذكر فيها عمله الذي تفرد بشرفه وفخره وفاز دون ملوك الإسلام بجزيل ذخره وجميل ذكره) قال طلائع من هذه القصدة:

إذا عنَّ لي تذكارُ ســـــكانِ (كربلا)     فــما لفؤادي في الضلوعِ سكــونُ

فإن أنا لم أحــــــزن على إثرِ ذاهبٍ     فـإنــي عـلـى آلِ الرسولِ حــزينُ

ألم ترهـمْ خـلوا حماهمْ كما خــــــلا     بـخـفّانِ مـن أسدِ العرينِ عـــرينُ

وما أخلفتهمْ في الإلهِ ظنـــــــــونُهم      إذا أخــــلفتهمْ في الرجالِ ظنــونُ

فان يخلُ في الدنيا مـــــــــكانهمُ أما      مكانهمُ يــــــــــــوم المعادِ مكــينُ

هوتْ، وزوتْ مــــــنهمْ عشيَّةَ قُتِّلوا      أصولٌ زكتْ أعراقُها وغصـــونُ

وأظــــــــــــلمَ مبيّضُ النهارِ عليهمُ      وحقَّهمُ مثلُ النهــــــــــــارِ مُبيـــنُ

تصَّرفَ حكمُ البيضِ، والسمرُ فيهمُ      فمنهمْ صريعٌ بالظبا وطــــــــعينُ

ولو أن صمّ الصخرِ تقــــربُ منهمُ      لأبصرتَ صمَّ الصخرِ كيفَ تلينُ

جرتْ مِن بني حربٍ شؤونٌ عليهمُ      جرتْ بعدها منّا الغــــــداةَ شؤونُ

ورِيضتْ عـــــليهمْ خيلُهم وركابُهمْ      فـرُضَّتْ ظــــــهورٌ منهمُ وبطونُ

ألا كـلّ رزءٍ بـــعـد يـومٍ بـ(كربلا)     وبـــعـد مــصابِ ابن النبي يهونُ

ثوى مـن حوله من آلهِ خيرُ عصبةٍ     يُـطـــــالـبُ فـيـهـا لـلـطغاةِ ديونُ

يذادونَ عـن ماءِ الــفراتِ وغيرهم     يبيتُ بصــرفِ الخمرِ وهوَ بطينُ

وقال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (15) بيتاً:

قـومٌ علومهمُ مِن جدِّهمْ أخُذِتْ      عـــــــــن جبرئيلٍ وجبريلٌ عن اللهِ

هــمُ السفينةُ ما كنَّا لنطمعَ أن      ننجو مِن الهولِ يومَ الحشرِ لولا هي

الخاشعونَ إذا جنَّ الظلامُ فما     تغشاهمُ ســــــــــــــــــنَّةٌ تنفي بأنباهِ

ولا بـــــــدتْ ليلةٌ إلّا وقابلها      مِن التـــــــــــــــــهجُّدِ منهمْ كلُّ أواهِ

وليسَ يشغلهمْ عَن ذكرِ ربِّهمُ     تغريدُ شادٍ ولا ســــــاقٍ ولا طـاهي

سحائبٌ لم تزلْ بالعلمِ هاميةً     أجلَّ مِن سحبٍ تهمي بـــــــــــأمواهِ (93)

وقال فيهم (صلوات الله عليهم من قصيدة تبلغ (27) بيتاً:

أنا مِن شـــــــــــيعةِ الإمـــامِ عليٍّ      حربُ أعدائهِ وسلمُ الولــــــــــــــي

أنـــــــا مِن شيعةِ الامـــامِ الذي ما      مالَ في عمـــــــــــــــرِه لفعلٍ دنيِّ

أنا عبدٌ لصاحبِ الحــــوضِ ساقي     مَـــــــــــــن توالى فيهِ بكأسٍ رويِّ

أنا عبدٌ لمَن أبانَ لــــــــــــنا المشـ     ـكلَ فارتاضَ كلُّ صعـــــــــبٍ أبيِّ

والذي كبَّــــــــــرتْ ملائكــــةُ الله      له عند صــــــــــــــــرعةِ العامريِّ

الإمامُ الذي تخيَّـــــــــــــــــرُه اللهُ      بلا مريــــــــــــــــــــــــةٍ أخاً للنبيِّ

قسماً ما وقاهُ بالنـــــــــــــفسِ لما      بــــــــاتَ في الفرشِ عنه غيرُ عليِّ

ولعمري إذ حلَّ في يــــــــومِ خمٍّ      لمْ يكنْ موصياً لغيرِ الــــــــــوصيِّ

المبرَّى مِن كلِّ عيـــــــبٍ وريبٍ      والمسوَّى بغيــــــــــــرِ نقصٍ وعيِّ

فبهِ قد هـــــــــــــــدانيَ اللّه للحقِّ      فــــــــــــــــــما لي ورأي كلِّ غويِّ

خفيَ الفضلُ فــــــــي سواهُ وأما      فضله في الورى لــــــــــــغيرِ خفيِّ

مَن تغابى عنه فمثليَ عن الفضـ     ـلِ الشهـــــــــــــيرِ المبني غيرُ غبيِّ

واتصالي به لدى الـحربِ أبــــداً     لــــــــي نصراً على الشجاعِ الكميِّ

وإذا أظلمتْ خــــــــنادسُ خطبٍ      كنتُ منه على رجاءٍ مــــــــــــضيِّ

وأنا منذُ كنتُ أسعى لـــــــــسادا     تي على منهجِ الصـــــــراطِ السـويِّ

يــا ضعيفَ اليقيــــنِ إن اعتقادي     في عليٍّ على يقيــــــــــــــــنٍ قويِّ

أنــــــــا في القولِ لا أطيعُ غوياً     إذ مطيعُ الغــــــــــــويِّ نفسُ الغويِّ

ذكرُ آلِ الــــــــنبيِّ عنديَ كالبشـ     ـرى وذكرى سواهمُ كـــــــــــالنعيِّ

قد جرى حبُّهمْ بجسمي كما احتـ     ـلمتْ مجاري الرضاعِ جسمَ الصبيِّ

أنا أسخو بالمالِ لـــــــكن بديني     أن تــــــــــــــــــــأمَّلتني فغيرُ سخيِّ

في ولائي أبري مِن الظالمِ الغا     شمِ فاسكنْ إلى ولـــــــــــــــــيٍّ بريِّ

مَن دعاني إلى الأئمـــةِ أسرعـ     ـتُ إلــــــــــــــــــــيهِ ولم أكنْ ببطيِّ

وإذا ما خيارُ قومي رضــــــوا     عني لم أحتفلْ بغيــــــــــــــرِ رضيِّ

فاجتلِ الآنَ مِن نظامِ ابـــنِ رز     يكٍ حلياً يفوقُ نظمَ الحــــــــــــــــليِّ

وإذا أجدبتْ خــــــــــواطرُ قومٍ     فاحظَ مِن خاطري بــــــروضٍ نديِّ

خاطرٌ تقربُ المعــــــاني عليهِ     إن دعاها مِن المكانِ القــــــــــــصيِّ

كلمٌ تكسبُ المعاطــــفَ والتيـ     ـجانَ هزّأ إن أنشـــــــــــدتْ في الندي (94)

................................................................

1 ــ ديوان طلائع بن رزيك (الملك الصالح) جمعه وبوبه وقدم له محمد هادي الأميني / مطبعة النعمان النجف الأشرف ــ من منشورات المكتبة الأهلية 1383 هـ / 1964 م ص 76 ــ 78

2 ــ نفس المصدر ص 92 ــ 94

3 ــ نفس المصدر ص 112 ــ 115

4 ــ نفس المصدر ص 115 ــ 119

5 ــ نفس المصدر ص 150 ــ 153

6 ــ نفس المصدر ص 160 ــ 161

7 ــ مقدمة الديوان ص 5 

8 ــ ــ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بـ (خطط المقريزي) ــ دار الكتب العلمية، وضع حواشيه خليل المنصور / بيروت ج 4 ص 85

9 ــ حسن المحاضرة للسيوطي ج 2 ص 118 ــ 132 / مجموعة الوثائق الفاطمية ج 1 ص 337 / مقدمة الديوان ص 13

10 ــ الأدب في العصر الفاطمي ص 391

11 ــ خطط المقريزي ج 4 ص 85 / الأعلام ج 3 ص 228 / الغدير ج ٤ ص ٣٤٤

11 ــ تاريخ الأدب العربي ج 7 ص 312

12 ــ خطط المقريزي ج 4 ص 85

13 ــ مقدمة الديوان ص 5 ــ 6

14 ــ آثار الوزير طلائع بن رُزِّيك العلمية أ.م.د. عبد الستار نصيف جاسم العامري الباحث. صباح هاشم كريم حميد / مجلة كلية التربية الأساسية/ جامعة بابل العدد 16 حزيران 2014 ص 504

15 ــ سير أعلام النبلاء ج 20 ص 397

16 ــ خطط المقريزي 4 ص 85

17 ــ ديوانه ص 81

18 ــ خطط المقريزي ج 4 ص 85

19 ــ عمدة الطالب ص ٢١٨

20 ــ تحفة الأزهار و زلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار ج 3 ص 297 / مقدمة الديوان ص 8

21 ــ مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٩ / الكنى والألقاب ج ٣ ص ٢٠٧ / أدب الطف ج 3 ص 99 / الغدير ج 4 ص 365

22 ــ مقدمة الديوان ص 7 ــ 8

23 ــ تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف ج 7 ص 312

24 ــ خطط المقريزي ج 4 ص 86

25 ــ أعيان الشيعة ج 7 ص 396

26 ــ تاريخ الأدب العربي ج 7 ص 314 ــ 315

27 ــ خطط المقريزي ج 4 ص 85

28 ــ نفس المصدر ج 3 ص 249

29 ــ وفيات الأعيان 1 ص 259

30 ــ تحفة الأحباب وبغية الطّلاب ج 1 ص 307

31 ــ شذرات الذهب ج ٤ ص ١٧٧

32 ــ خريدة القصر، قسم شعراء مصر ج 2 ص 262

33 ــ الكامل ج 9 ص 75

34 ــ النجوم الزاهرة ج 5 ص 310

35 ــ أدب الطف ج 3 ص 98

36 ــ شرح شواهد المغني ص 125

37 ــ الكنى والألقاب ج 3 ص 197

38 ــ نهاية الأرب في فنون الأدب ج 28 ص 324

39 ــ معالم العلماء ج 2 ص 149

40 ــ الروضتين في أخبار النورية والصلاحية لأبي شامة المقدسي ج 1 ص 153

41 ــ أعيان الشيعة ج 7 ص 397

42 ــ الكامل في التاريخ ج 11 ص 103

43 ــ شهداء الفضيلة ص 57

44 ــ الغدير ج 4 ص 344

45 ــ تاريخ الأدب العربي ج 7 ص 312

46 ــ توسع في الحديث عن هذا الموضوع بعرض مختلف الأقوال ومناقشتها كثير من المؤلفين منهم: السيد جواد شبر ــ أدب الطف ج 3 ص 103 ــ 107 / هاشم معروف الحسني ــ سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ج ‏3 ص 80 ــ 85 / السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي الخطيب ــ ثمرات الاعواد ج 2 ص 63 ــ 67 / الشبلنجي ــ نور الأبصار ص 271 ــ 274 / مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم ج 1 ص 363 / مرقد الإمام الحسين (ع) للسيد تحسين آل شبيب ص ١٧١ ــ 180

47 ــ للحاج مهدي الفلوجي / شعراء الحلة ٥ ص ٣٧١

48 ــ ذكرهما ابن الجوزي في تذكرته ص 266 ولم ينسبهما

49 ــ النجوم الزاهرة ج 5 ص 314

50 ــ تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف ج 7 ص 312

51 ــ الخطط ج 3 ص 246 ــ 247

52 ــ نفس المصدر ج 4 ص 86

53 ــ تحفة الأحباب وبغية الطلاب للسخاوي ص 392

54 ــ الغدير ج ٤ ص 357 ــ ٣٥٨

55 ــ نفس المصدر ص 359 ــ 363

56 ــ أدب الطف ج 3 ص 98 ــ 99

57 ــ نهاية الأرب في فنون الأدب ج 28 ص 327

58 ــ نهاية الأرب في فنون الأدب ج 28 ص 328 ــ 330

59 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٦٩

60 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 439 ــ 441

61 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٦٨

62 ــ تاريخ الأدب العربي ج 7 ص 313

63 ــ معجم الأدباء ــ دار الفكر ج 9 ص 47

64 ــ العبر ــ دار الكتب العلمية ج 2 ص 90

65 ــ تاريخ الأدب العربي ج 7 ص 313

66 ــ مقدمة الديوان ص 44 ــ 45

67 ــ ديوانه ص 51 ــ 52

68 ــ نفس المصدر ص 53 ــ 55

69 ــ نفس المصدر ص 55 ــ 57

70 ــ نفس المصدر ص 66 ــ 68

71 ــ نفس المصدر ص 70 ــ 72

72 ــ نفس المصدر ص 73 ــ 75

73 ــ نفس المصدر ص 75 ــ 76

74 ــ نفس المصدر ص 78 ــ 79

75 ــ نفس المصدر ص 79

76 ــ نفس المصدر ص 82 ــ 84

77 ــ نفس المصدر ص 88 ــ 90

78 ــ نفس المصدر ص 90 ــ 92

79 ــ نفس المصدر ص 110 ــ 112

80 ــ نفس المصدر ص 95 ــ 97

81 ــ نفس المصدر ص 106 ــ 109

82 ــ نفس المصدر ص 119 ــ 122

83 ــ نفس المصدر ص 122 ــ 124

84 ــ نفس المصدر ص 126 ــ 128

85 ــ نفس المصدر ص 132

86 ــ نفس المصدر ص 143 ــ 146

87 ــ نفس المصدر ص 146 ــ 148

88 ــ نفس المصدر ص 148 ــ 150

89 ــ نفس المصدر ص 153 ــ 156

90 ــ نفس المصدر ص 156 ــ 166

91 ــ نفس المصدر ص 157 ــ 159

92 ــ نفس المصدر ص 72

93 ــ نفس المصدر ص 168 ــ 169

94 ــ نفس المصدر ص 171 ــ 172

كما ترجم له وكتب عنه:

ابن كثير / تاريخه ج 12 ص 243

اليافعي / مرآة الجنان ج 3 ص 310

ابن معصوم / أنوار الربيع ص 312

المرصفي / رغبة الآمل ج ٢ ص ١٤٦

ابن قتيبة الدينوري / الشعر والشعراء ص ١٧٣

فريد وجدي / دائرة المعارف ج 5 ص 771

جرجي زيدان / تاريخ مصر الحديث ج 1 ص 298

الصنعاني / نسمة السحر في من تشيع وشعر ج 2 ص 255

تاريخ ابن الوردي ج 2 ص 63

سلوى حسن عيدان ــ طلائع بن رزيك وزيراً وشاعراً

عبد الستار نصيف جاسم العامري، صباح هاشم كريم حميد ــ آثار الوزير طلائع بن رُزِّيك العلمية

الشيخ محمد هادي الأميني / مقدمة ديوان طلائع بن رزيك ص 5 ــ 50

الدكتور أحمد أحمد بدوي ــ مقدمة ديوان طلائع بن رزيك مكتبة نهضة مصر بالفجالة - القاهرة 1958 / بتحقيقه

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار