سليمان الصولة: (1230 - 1317 هـ / 1814 - 1899 م)
قال من أبيات في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
لا فــــــارقَ الكربُ المؤبّدُ والبلا مَن لا ينوحُ على الشهيدِ بـ (كربلا)
إنْ لم تسل منا العيونُ ففي الحشا مُهــــــــــــجٌ يـفتِّتُ نوحهنَّ الجَندلا
فـعـلـى الشـهـيـدِ وآلهِ آلِ الـرضا مني السـلامُ مُــــــــــــتمِّمَاً ومُكمِّلا (1)
وقال من قصيدة أخرى تبلغ (34) بيتاً:
لو كانَ في جيشِ الحسينِ لصانَه في (كربلاءَ) من البلاءِ الواقعِ
فهوَ الغضنفرةُ الـذي دلّت صـنـا ئـعُه العظامُ على سموِّ الصانعِ
وهوَ الذي يطسُ المشـاكلَ بالذكا فـيعـيـدُ غـامـضَها لحكمِ الذائعِ (2)
الشاعر
سليمان بن إبراهيم الصولة، شاعر مسيحي سوري، ولد في دمشق، ودرس علوم العربية والأدب في مصر، ثم عاد إلى الشام في حملة إبراهيم باشا على البلاد الشامية، واستقر في دمشق فاتصل بالأمير عبد القادر الجزائري ولزمه مدة ثلاثين سنة، وله فيه قصائد، وعاد إلى مصر مرة ثانية وفيها عمل في عدة وظائف في الدواوين المصرية حتى وفاته في القاهرة.
عُرف الشاعر بنفسه الطويل وله ديوان شعر طبع في دار المعارف بمصر سنة (1895) لكنه لم يضم كل شعره فقد تعرض الكثير منه إلى الحرق والسرقة.
وإضافة إلى ديوانه فله كتابان مفقودان هما:
1 ــ حصن الوجود في عقائد اليهود.
2 ــ طبقات الدلال عند ربات الجمال. (3)
قال عنه اليان سركيس: (وكان يتردد على أساتذة الأزهر فأخذ عنهم العلوم العربية ونظم الشعر وقد أخبر عن نفسه انه في أيام الشباب كان يعارض قصائد أبى فراس الحمداني ويشطر منظومات المتنبي. وقد ألف كتاباً سماه: حصن الوجود في عقائد اليهود وآخر سماه طبقات الدلال عند ربات الجمال والاحتيال في تغفيل الرجال راحت حرقاً في حوادث سنة 1860 م وتقلد المترجم المناصب في الدواوين المصرية وصحب إبراهيم باشا لما جاء لفتح الشام) (4)
أما قصة أبياته الثلاثة الأولى في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) فيرويها السيد محسن الأمين في ترجمة الشيخ علي عز الدين ابن الشيخ محمد علي عز الدين المتوفى سنة (١٣٠٤) والذي كان يسكن في صور ـ لبنان ولكنه يذكر الشاعر باسم إبراهيم الصولي حيث يقول:
(وكان رجل من المسيحيين اسمه إبراهيم الصولي شاعراً أديباً أرسلته الدولة العثمانية إلى صور لمهمة إدارية فصادف وجود المترجم بالسرايا فاجتمع به فوجده على غاية من الأدب والمعرفة فصار كل يوم يتردد عليه إلا يوم العاشر من المحرم فسأل عنه فأجابوه إن هذا اليوم عزاء الحسين عليه السلام فأرسل له الصولي هذه الأبيات:
لا فــــــارقَ الكربُ المؤبّدُ والبلا مَن لا ينوحُ على الشهيدِ بـ (كربلا)
إنْ لم تسل منا العيونُ ففي الحشا مُهــــــــــــجٌ يـفتِّتُ نوحهنَّ الجَندلا
فـعـلـى الشـهـيـدِ وآلهِ آلِ الـرضا مني السـلامُ مُــــــــــــتمِّمَاً ومُكمِّلا
فأجابه الشيخ على البديهة:
قد جُمّعتْ فيكَ الفصاحةُ والعــــلى يا مـن بـه دستُ الفضائلِ قد علا
لا فضَّ فوكَ ولا عدمــــتكَ فاضلاً قد قلتَ خيرَ القولِ في خيرِ الملا
فشغفتُ من طربي وقلتُ لصاحبي إن لم يكــن شعرُ الرجالِ كذا فلا
أنتَ المجلّى في العلوم جـمـيـعــها عـند الحســـودِ وإن سبقتَ الأولا
ما عاقني عن أن أراكَ مــنــادمـي إلا عـزائـي لـــلـشهيدِ بـ (كربلا)
ذاك الـذي جـبـريـلُ خــــــادمُ جدِّهِ والـمـدحُ فـيـه كـالحصاةِ من الفلا
ويقول الأمين في ترجمة الشيخ علي: والشيخ علي عز الدين كان ذكياً حاذقاً نسابة عارفاً بأشعار العرب حافظاً للتواريخ الا أنه تعطل عن طلب العلم) (5)
كما روى هذه الحادثة الشاعر نفسه لكنه ينسب الأبيات إلى والد الشيخ علي الشيخ محمد عز الدين حيث يقول: (دخلت مدينة صور ـ لبنان يوم عاشوراء والشيخ علي عز الدين ـ أحد أفاضل الشيعة ـ في مأتم الامام الحسين (ع) فلم يستطع أن يقابلني، فبعثت له بهذه الأبيات الثلاثة ...) وذكرها ثم قال:
(فأسرع حفظه الله لزيارتي وبعث بالأبيات لحضرة والده بقية الأفاضل. وكوكب المحافل. العلامة الورع الإمام محمد عز الدين. بمقاطعة (تبنين) وإذ قد وردت من حضرته رسالة هذه صورتها.
من أطراف الهبات. وأظرف الصلات. ان تلا عليّ ولدي حسين ثلاثة أبيات أرسلت لأبيه الشيخ علي يوم عاشوراء فقلت لمن هم. فقال لأبي الطيبات. المتصف بأفضل الصفات. صاحب الغيرة والصولة. المعلم سليمان الصولة. فقلت هدهد الشعراء الآتي بالنبا. وآصفهم المتناول عرش بلقيس من سبا. بل سليمانهم الملبس امرئ القيس على بساطه بجاد العبا. ثم تناولتها فأعجبتني جداً. وأكثرتني شكراً وحمداً. وأذكرتني برقتها المرحوم والده المجيد. المعلم إبراهيم الصولة الفريد. ولإعجابي بها وشغفي بما حوت من الإيجاز. والبلاغة والإعجاز. شطرتها وخمستها، وذيلتُ التخميس. بخطاب نفيس. لحضرة ناظمها الأجل الأمثل. والجهبذ الأفضل الأكمل. راجياً أن يلحظني بعين الرضا. الكليلة عن العيب. وأجره على عالم الغيب
وهذا التشطير أثابه الله ونوّله مناه:
لا فـــــارقَ الكربَ المؤبّدَ والبلا قلباً سليلَ المصطفى الهادي سلا
وبــهبهبٍ يوم المعادِ قد اصطلى مَـن لا ينوحُ على الشهيدِ بكربلا
إن لم تنحْ منّا العيونُ ففي الحشا نزّاعــةٌ لشوى الشؤونِ مع الكلا
الــوجدُ أحرقَ مدمعي فتناوحتْ مهجٌ يفــــــــــتِّتُ نوحهنّ الجندلا
فعلى الــــشهيدِ وآلهِ آلِ الرضى بكتِ الملائكُ لا الــغرانيقُ العلى
وأنا الذي أهـــــدي لمَن يهواهمُ مني السلامَ مُتمِّماً ومــــــــــكمَّلا (6)
وظاهر هذه الرسالة يدل على أن الشاعر هو سليمان بن إبراهيم الصولة
وقد ذكر هذه الحادثة السيد جواد شبر للشاعر وسماه بسليمان (7)
أما شعره فقد تعرض أغلبه للتلف والحرق والسرقة يقول في مقدمة ديوانه: (إنه برض من عد ومجموع صغير بقي من ديوان كبير غادرته اللصوص بين محروق ومقصوص - فقال وهو به يتعزى: إذا ما كان لي إبل فمعزى وله ذيل خاص بالهجو) (8)
...................................................
1 ــ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٣١٧ / أدب الطّف ج 8 ص 89
2 ــ موقع الديوان / موقع بوابة الشعراء
3ــ لويس شيخو / تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين ج 2 ص 144
4 ــ معجم المطبوعات العربية ج ٢ ص ١٢١٧
5 ــ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٣١٧
6 ــ ديوانه ص ٢٣٠ دار المعارف بمصر - القاهرة 1895
7 ــ أدب الطف ج 8 ص 89 ــ 92
8 ــ ص 387 / معجم المطبوعات العربية ج ٢ ص ١٢١8
كما ترجم له:
خير الدين الزركلي / الأعلام ج 3 ص 121
يوسف المرعشلي / نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر ص 492
إسماعيل باشا البغدادي / إيضاح المكنون ج 1 ص 406
اترك تعليق