من اصدارتنا:
الكتاب: مقتل الامام الحسين (ع)
تأليف: السيد عبد الرزاق المقرم
الصفحات: 602 صفحة
الطبعة الاولى 1436هـ - 2015م
من مقدمة الكتاب:
نهضة الحسين (ع)
كان المغزى الوحيد لشهيد الدين ، وحامية الإسلام الحسين بن أمير المؤمنين (ع) إبطال اُحدوثة الاُمويين ، ودحض المعرات عن قدس الشريعة ، ولفت الأنظار إلى براءتها وبراءة الصادع بها عمّا ألصقوه بدينه ؛ من شية العار ، والبدع المخزية ، والفجور الظاهرة ، والسياسة القاسية، فنال سيد الشهداء (عليه السّلام) مبتغاه بنهضته الكريمة ، وأوحى إلى الملأ الديني ما هنالك من مجون فاضح ، وعرّف الناس (بيزيد المخازي) ومَن لاث به من قادة الشر وجراثيم الفتن ، فمجّتهم الأسماع ، ولم يبقَ في المسلمين إلا من يرميهم بنظرة شزراء حتّى توقدت عليهم العزائم ، واحتدمت الحمية الدينية من اُناس ونزعات من آخرين ، فاستحال الجدال جلاداً ، وأعقبت بلهنية عيشهم حروباً دامية أجهزت على حياتهم ، ودمرت ملكهم المؤَسَّس على أنقاض الخلافة الإسلامية من دون أية حنكة أو جدارة ، فأصاب هذا الفاتح الحسين (ع) شاكلة الغرض بذكره السائر ، وصيته الطائر ، ومجده المؤثل ، وشرفه المعلّى ( وَلا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عندَ رَبِّهِمْ يُرزَقُونَ) .
لا أجدك أيها القارىء وأنت تسبر التاريخ ، وتتحرّى الحقائق بنظر التحليل ، إلا وقد تجلّت لك نفسيّة ( أبيِّ الضيم ) الشريفة ، ومغزاه المقدّس ونواياه الصالحة ، وغاياته الكريمة في حلِّه ومرتحله ، وفي إقدامه وإحجامه في دعواه ودعوته ، ولا أحسبك في حاجة إلى التعريف بتفاصيل تلكم الجمل بعد أن عرفت أن شهيد العظمة مَن هو ؟ وما هي أعماله ؟ وبطبع الحال تعرّف قبل كلّ شيء موقف مناوئه ، وما شيبت به نفسيته من المخازي .
نحن لو تجردنا عما نرتئيه ( لحسين الصلاح ) من الإمامة والحق الواضح ـ الذي يقصر عنه في وقته أي ابن اُنثى ـ لم تدع لنا النصفة مساغاً لاحتمال مباراته في سيرة طاغية عصره ، أو أنه ينافسه على شيء من المفاخر . فإن سيّد شباب أهل الجنّة متى كان يرى له شيئاً من الكفاءة حتّى يتنازل إلى مجاراته ؟ ولقد كان (ع) يربأ بنفسه الكريمة حتّى عن مقابلة أسلافه .
أترى أن الحسين (عليه السّلام) يقابل أبا سفيان بالنبي الكريم (ص) ، أو معاوية بأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، أو آكلة الأكباد بأم المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها ، أو ميسون بسيّدة العالمين (عليها السّلام) ، أو خلاعة الجاهلية بوحي الإسلام ، أو الجهل المطبق بعلمه المتدفق ، أو الشَّرَه المخزي بنزاهة نفسه المقدسة ؟! إلى غيرها مما يكلُّ عنه القلم ، ويضيق به الفم .
لقد كانت بين الله سبحانه وتعالى ، وبين اوليائه المخلصين أسرار غامضة تنبو عنها بصائر غيرهم ، وتنحسر أفكار القاصرين حتّى أعمتهم العصبية؛ فتجرؤا على قدس المنقذ الأكبر ، وأبوا إلا الركون إلى التعصب الشائن ، فقالوا : إن الحسين قُتل بسيف جدّه ؛ لأنه خرج على إمام زمانه ( يزيد ) بعد أن تمت البيعة له ، وكملت شروط الخلافة باجماع أهل الحلِّ والعقد ، ولم يظهر منه ما يشينه ويزري به .
وقد غفل هذا القائل عن أنّ ابن ميسون لم يكن له يوم صلاح حتّى يشينه ما يبدو منه ! وليس لطاماته ومخازيه قبل وبعد وقد ارتضع در ثدي ( الكلبية ) المزيج بالشهوات ، وتربّى في حجر مَن لُعن على لسان الرسول الأقدس، وأمر الاُمّة بقتله متى شاهدته متسنماً صهوة منبره ! .
ولو امتثلث الاُمّة الأمر الواجب ؛ لأمنت العذاب الواصب ، المطلّ عليها من نافذة بدع الطاغية ، ومن جرّاء قسوته المبيدة لها ، لكنها كفرت بأنعم الله ، فطفقت تستمرء ذلك المورد الوبيء ذعافاً ممقراً ؛ فألبسها الله لباس الخوف ، وتركها ترزح تحت نير الاضطهاد ، وترسف في قيود الذل والاستعباد ، ونصب عينها استهتار الماجنين وتهتّك المنهمكين بالشهوات ! وكلما تنضح به الآنية الاموية الممقوتة شب (يزيد الاهواء) بين هاتيك النواجم من مظاهر الخلاعة .
اترك تعليق