حسن سبتي: (1299 ــ 1374 هـ / 1881 ــ 1954 م)
قال من قصيدة في رثاء القاسم بن الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام) تبلغ (19) بيتاً:
فلهفي لآلِ المصطفى كم تجرَّعوا أذىً يومَ وافوا (كربلاء) وخيَّموا
فـوافــتــــــهـمُ أجـنـــادُ آلِ أمــيَّــةٍ وقــائـدُهـمْ شـمـرُ الـخـنـا يـتـقـدَّمُ
فـهـبَّ بـنـو الـعليـــــاءِ أبناءُ فاطمٍ وســـيِّـدُهـم أهـدى الأنــامِ وأكرمُ (1)
وقال من قصيدة تبلغ (132) بيتاً في ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) وأحواله وصفاته حتى استشهاده ومنها في خروجه من مكة إلى العراق:
إذ أمَّ (كربلاء) مِن أمِّ القُرى وإذ بها فسطاطُ فخرٍ ضُربا
أثـبـتَ لــلـعـزَّةِ فــيــهـا وتدا وشــدّ فــيــهِ لـلـمـعالي طنبا
خانوا عهودَه وقد دعــوهُ أن يـنـقــــادَ طوعاً ليزيدٍ فـأبـى (2)
ومنها:
وقد أبِيدوا في عراصِ (كربلا) ووُسِّــدوا ركـامَـهـا والـتـــرُبا
وظلَّ مـا بـيـنَ الـعـداةِ وحده الـ ـحسينُ غيرَ عضبِه ما صحبا
حتى إذا أقامَ أركــانَ الــهـــدى هوى صريعاً بالدِّما مُـخـضَّـبا
ومنها في الحزن والبكاء عليه (عليه السلام):
ما راقبوا اللهَ وسـاقوا أهلَه مِن (كربلا) إلى دمشقَ في السِّبا
لـولا ابـنـه أبــو مـحمدِ الـ ـأئـمَّــةَ الـنـبـلَ الـهـــداةَ الــنُّــجبا
زينَ العبادِ بعدَه لكادتِ الـ أفــلاكُ فــي الأهــلــيـنَ أن تنقلبا
ومنها في دفن جسده الشريف:
وافى عليُّ بنَ الحسينِ (كربلا) لدفنِهِ وكانَ في أسرِ الـسِّـبـا
واراهُ فــي بــقـعـتِـهِ ورهــطـه بـلا رؤوسٍ بــاكـيـاً مُـنتحِبا
وبـعـدَ ذا عــادَ إلـى إســــــارِهِ مُوجعَ قلبٍ مستضاماً مُكربا
ومنها في خصائص تربة كربلاء وما لزائر قبر الإمام الحسين (عليه السلام) من الكرامة عنده:
وإنـه قـبـلَ حـجـيـجِ بــيـــتِـــــــه دخولهم إلى الـجـنـانِ أوجــبا
ومُذ حوته أرضُ (كربلا) غدتْ أطـهـرَ بـقـعـةٍ بــه وأطــيــبـا
وطـالـتِ الـسـبـعَ الـعُـلـى فخامةً وفاخرتْ عُلا حصاها الشهبا
الشاعر
الشيخ حسن بن كاظم بن حسن بن علي بن سبتي السهلاني الحميري، (3) شاعر وخطيب وأديب وباحث تاريخي، ولد في النجف الأشرف، ونشأ في ظل أبيه الذي كان عالماً فقيهاً، وشاعراً فذاً، وخطيباً كبيراً ولقيب بسيد خطباء عصره شعراء الغري ج 3 ص 140 فاستقى من علمه وأدبه حتى برز في الأوساط الأدبية خطيباً وشاعراً وأديباً متخصصاً لخدمة المنبر الحسيني وكان لمنبره صدى كبيراً في العراق، وقد برع في فنون الشعر وألف فيها ومن مؤلفاته:
1 ــ الكلم الطيب: طبع في النجف 1358هـ / 1939م.
2 ــ أنفع الزاد في سيرة النبي وآله الامجاد (شعراً)
3 ــ سلوة الجليس في التشطير والتخميس
4 ــ ديوان شعر كبير بالفصحى
5 ــ ديوان شعر بالعامية
6 ــ ملحمة كبيرة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (١٥٠٠) بيتاً طبعت بالنجف
وإضافة إلى تخصصه في المنبر الحسيني كخطيب ديني ورفد الخطباء بالقصائد الفصحى والعامية المشجية فقد كان شخصية اجتماعية مرموقة ومبجّلة يشارك الناس أفراحهم وأحزانهم وقد أرخ كثيراً من الأحداث وبناء المشاهد وتطويرها ووفيات الأعلام والعلماء.
وبقي السبتي مكرِّساً حياته لخدمة المنبر الحسيني حتى وفاته في النجف فشيِّعَ تشييعاً مهيباً ودفن في الصحن العلوي الشريف إلى جنب قبر والده (4)
قال عنه الأستاذ كاظم عبود الفتلاوي:
(خطيب أديب شاعر، ولد في النجف ونشأ بها على والده العالم الخطيب، فاشتغل بالمقدمات الأدبية والشرعية، ثمّ رغب بالخطابة الحسينية على هدي أبيه فنال فيها شهرة واسعة وطار صيته في أنحاء العراق، فكان موفقاً في خطابته بأسلوب عصري أبرزه كثيراً.
أضف إلى ذلك شاعريته الفياضة، شارك بشعره في الأندية الأدبية بمختلف المناسبات، مدح ورثى فيه أهل البيت عليهم السلام وغيرهم.
وله سيرة حسنة وأخلاق فاضلة، وكان محترماً مُبجَّلاً عند العلماء وسائر الطبقات) (5)
قال عنه الخاقاني: (خطيب معروف، وشاعر مقبول، وراوية مجيد.. ساهم في إحياء لغة الضاد فنظم كثيرا من الشعر المقبول وتفنن فيه) (6)
وقال السيد جواد شبر: (خطيب أديب ضليع بحاثة ... ومن خدماته نشره ديوان والده عام ١٣٧٢ وكان يقرأ ما ينظمه من ملحمته الكبيرة في أهل البيت وعدد أبياتها (١٥٠٠) بيتاً فرغ من نظمها سنة ١٣٤٧ طبعت بالنجف سنة (١٣٥٧) ومن المشهور بين المتأدبين أن في مقدمة الخطباء الذين يخلو كلامهم من اللحن هو الخطيب الشيخ حسن سبتي وكان ذواقة مدح الناس وشاركهم في أفراحهم وأتراحهم وأرخ كثيراً من الحوادث والعمارات ووفيات الأعلام) (7).
شعره
قال من قصيدته في رثاء القاسم بن الإمام الحسن (عليهما السلام):
أهلّتْ دمــــــوعي حـيـنَ هلَّ مـحرَّمُ فـطـيـــبُ الكرى فيهِ عليَّ محرَّمُ
فلهفي لآلِ المصطفى كم تجرَّعـــوا أذىً يومَ وافوا (كربلاء) وخيَّموا
فـوافــتـهـمُ أجـنــادُ آلِ أمـيَّـــــــــــةٍ وقـائـدُهــمْ شــمـرُ الـخـنـا يـتـقـدَّمُ
فـهـبَّ بـنـو الـعلياءِ أبنـــــــاءُ فاطمٍ وسـيِّـدُهـــــم أهـدى الأنـامِ وأكرمُ
حسينٌ من الباري اجتبـــاهُ وخصَّه ظـهيراً إلى الديـــــنِ الحنيفِ يُقوِّمُ
فهبَّ بها ابنُ المــجتبى القرمُ قاسمٌ يـكـيـلـهـمُ بـالمشرفـــــــــيِّ ويقسمُ
وغاصَ بـــــهمْ شبلُ الزكيِّ مُدمِّراً بـصارمِه نثراً وبالرمـــــــحِ ينظمُ
يجولُ بــهمْ جولَ الـرحـى فـكـأنّـه عـلـيـمٌ بفنِّ الحربِ لا مُــــــــــتعلّمُ
دجىً صبحُ ذاكَ اليومَ نقعاً ووجهُه أضاءَ كبدرِ التمِّ والليــــــــلُ مُظلمُ
فـــــنكّسَ أعلاماً وأردى قـسـاوراً ودمَّـرَ باقي جيشهمْ وهوَ مـــــــعلمُ
إذا مــــا تجلّى في الــنـزالِ يريهمُ ثـبـاتَ عـلـيٍّ جدِّهِ وهـوَ يبــــــــسمُ
وقامَ يـسـوِّي بـيـنهـــــمْ شسعَ نعلِه فلمْ يـــــــخشَ ما بينَ العدى يترنَّمُ
يقولُ: أنا ابن المجتبى نجــلُ فاطمٍ فـإن تنكـــــروني فالوغى بيَ تعلمُ
فشلّت يدُ الأزديِّ كيفَ بسيــــــــفِهِ نـحـا رأسَه ضــــرباً فخضَّبهُ الدمُ
وخـــرَّ على وجهِ البسيطةِ فاحصاً برجليهِ في الرمضـــا جديلاً يُخذّمُ
فلم أنــــــــسَ إذ وافاهُ ينعاهُ عـمُّـه كـمنقضِّ صقرٍ والمـــــدامعُ تسجمُ
فقدتــــــكَ بدراً غاله الخسفُ بغتةً ونجـمَ سعودٍ لا تضاهيـــــــهِ أنجمُ
فيالكَ عـــــــريـسـاً تـزفُّ مُخضَّباً بنـبلِ الأعادي إذ نثارُكَ أســـــــهمُ
فلو أنَّني بـــــــاقٍ بـكـيـتـكَ لـوعة ولـكـنْ إلـى مـــــــــا صـرتمُ مُتقدِّمُ
وقد امتاز شعر الشيخ حسن سبتي بطول النفس والإجادة ومن أشهر قصائده قصيدة (نهضاً يا بني العرب) وتبلغ (114) بيتاً يقول فيها:
ماذا التقاعدُ نَهْضاً يا بني الــــــعـربِ دعوا تخاذَلكم واجثوا على الرُّكَبِ
وجرِّدوا الـبِـيـضَ لا شُلَّــــــتْ أكـفُّكُم وفَـلِّـقـوا الـبَـيْـضَ بالهنديَّة القُضُبِ
وقوِّموا السُّمرَ لا كلَّــــــتْ سواعـدُكم عـن هـزِّها كي تنالوا أعظم الغَلَبِ
شُنُّوا المَغارَ لأخـــــذِ الثار وانتشِـطوا قُـــبَّ الـمهارِي تنالوا أرفع الرتبِ
ما بالكم قـد قــــــعـدتـم والعدى ثَـبتُوا نـهـــضاً بني يعربٍ بالجدِّ والطلبِ
قد جدّ أعـــــــداؤكمُ في محو ذكـرِكُمُ وأنـتـمُ فـي الـغِـنَـا لاهُونَ والطربِ
آلُ النُّـــــــحوسِ أتت تترى جـيوشهمُ عـلـى سـلاهِـبِهم في سيرها الخَبَبِ
لـــــــم يرقدوا لـيـلَهم يـا ليتـهم رقدوا ولـم يـفـيـقـوا ولم يُعْلَ على النُّجِبِ
سروجُ خـيـلهمُ صارتْ مهــــــــادَهُم عـن الــوسـادةِ يـعـتـاضـون بالقَتَبِ
وأنتمُ قـد رقـدتـم لـم تــــــــــثـرْ لـكـم جُـرْدٌ عِـتـاقٌ إلى حــربٍ ولـم تَثبِ
والدِّين في عصرّكم أعلامه طُمِسَـتْ ولمْ يضِقْ بكمُ صدرُ الفضا الرحبِ
يدعو أسيـــــــراً، ولا فــادٍ فـيُـنـقــذَه مـن الإسـارِ بـبـذلِ الـنفسِ والنَّشَبِ
إن لم تُـقـيـموا لقبر المصطَفى عـلماً لـم يـسـتـقمْ علــــــــمٌ للعالَم العربي
أو لـم تـشـيــــــدوا إلى ساداتـكم قبباً تُـظِـلُّ أشـباحُ سرِّ الـــسبعةِ الحُجُبِ
لم تـرتـفـع لـكُـمُ بـــــيـن الــملا قببٌ ولا عَـذاراكُـمُ يُـحـجَـبْــــنَ في قُببِ
يا لـلـحـمـيَّـةِ يـا لـلمسلميــــــــن أمَا من ثائرٍ صابرٍ في الحرب مُحـتسِبِ
إن لم تُحاموا عن الدين الحنيف فما دَرَأْتمُ بعد ذا في الدهــرِ عن حـسبِ
وإذ لـمـكـةَ يـسـري بـيـــــنـكـم أبداً لأِمِّـنـا مـحـمـلٌ يـخـتـالُ بــــــالذهبِ
ولا نـرى هَـوْدجاً في الحـــجِّ بينكمُ لـسـيِّد الرسلِ محمــــــولاً على قَتَبِ
دعوا تباغضــــــكَم، خلُّوا تشاحُنَكم تَقْضوا بها كَّل ما تبغـــون في أربِ
حـان اتـحـــادُكُـمُ، حـان ائْـتِـلافُـكُـمُ حـان اتـفـــــــــاقكُم يا معشرَ العربِ
حــــــانت مساواتُكم حانت أخوَّتكم حانــــت مواساتُكم في البعد والقرب
قوموا غضـــــاباً لنصرِ الدينِ إنَّكُمُ لنصــرةِ الدينِ أحرى اليومَ بالغَضَب (8)
....................................................
1 ــ أدب الطف ج 10 ص 101
2 ــ الإمام الحسين في الشعر النجفي ج 1 ص 130 ــ 138 عن الكلم الطيب للشاعر ــ المطبعة النجفية 1358 هـ ص 62 ــ 71
3 ــ شعراء الغري ج 3 ص 140
4 ــ أدب الطف ج 10 ص 102
5 ــ مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف ص 102 رقم 117
6 ــ شعراء الغري ج 3 ص 140
7 ــ أدب الطف ج 10 ص 102
8 ــ شعراء الغري ج 3 ص 141
كما ترجم له:
حيدر المرجاني / خطباء المنبر الحسيني ج 1 ص 104
محمد حرز الدين / معارف الرجال ج 1 ص 253
جعفر محبوبة / ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 336
أغا بزرك الطهراني / نقباء البشر ج 1 ص 427
محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 2 ص 666
كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء ج 2 ص 66
كامل سلمان الجبوري / الحسين في الشعر النجفي ج 4 ص 130
كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 1 ص 329
عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 3 ص 272
حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 3 ص 53
رسول كاظم عبد السادة / موسوعة أدباء إعمار العتبات المقدسة ج 1 ص 313 ــ 322
اترك تعليق