حسن البغدادي: (1298 ــ 1367 هـ / 1881 ــ 1948 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
ولكن للألى جـــزروا عطاشاً بعرصةِ (كربلا) جزرَ الأضاحي
بـيومٍ ليسَ أســــوأ مـنـه يـومٌ عـلا فـيـــــه الفسادُ على الصلاحِ
لقد صبروا بذاك اليومِ صبراً به ظـفروا بجــــــــــامحةِ النجاحِ (1)
الشاعر
السيد حسن البغدادي شاعر وخطيب وأديب ولد في بغداد وينتمي في نسبه إلى السيد جعفر المعروف بـ (الطويل) الذي يرجع إلى السيد محمد الحائري المعروف بـ (العكار) ابن الإمام الباقر والمدفون في واسط وله قبر يُزار، وقد نظم الخطيب والشاعر السيد عباس ــ والد الشاعر ــ المتوفى سنة ١٣٣١ هـ نسبه كاملاً في أرجوزة له وهو:
السيد حسن بن عباس بن علي بن حسين بن درويش بن أحمد بن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد بن نصر الله بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي بن محمد بن جعفر ــ جد السادة آل الطويل ــ بن علي بن الحسين بن محمد الحائري ــ العكار ــ بن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ولد السيد حسن في بغداد ونشأ في ظل أجواء المنبر الحسيني واستنشق منذ صغره النفحات الروحية فقد كان والده خطيباً كبيراً فاقتفى ابنه أثره ونهل منه ثقافته وزاد عليها ما اكتسبه من قراءاته ومطالعته حتى فاق مجايليه من الخطباء ثقافة وأسلوباً وصار لمنبره صدى واسعا في المجتمع.
يقول أحد معاصريه ومن روّاد منبره، وهو السيد جواد شبر في ترجمته مبسطاً الحديث عن منهجه العلمي في الخطابة ومدى ثقافته الواسعة:
(وجهه ــ أبوه ــ للخطابة والخدمة الروحية من طريق المنبر الحسيني، وكان كريم الطلعة بهي المنظر تنمّ عليه السيادة وتزدهيه الشمائل العلوية قد أوتي بسطة في العلم والجسم واسع الاطلاع ملماً بالتاريخ العربي والإسلامي بل والتاريخ الأممي.
وعقيدتي انه بزّ أقرانه فكان منبره من أغزر المنابر مادةً، استمعتُ إليه أكثر من مرة فرأيته متثبتاً كل التثبّت فيما يقول وكلامه كاللؤلؤ المنظوم، فإنه يذكر الآية الشريفة ثم يأتي بما يناسبها من الأحاديث النبوية والأقوال الحكمية والشواهد الشعرية.
وكان يحفظ الكثير من شعر العرب، أمّا ديوان المهيار الديلمي فيكاد أن يستظهره حفظاً وقال لي مرة: أن هذا الديوان الذي طبعته دار الكتب بمصر وزعمت أنها شرحته وحققته ودققته فإني سجّلت أغلاطها والمؤاخذات عليها ولعله في كل صفحة من الصفحات عشر مؤاخذات، واستمعتُ إليه يتكلم منبرياً في موضوع الإمامة وإذا ممن أشبع الموضوع بحثاً.
وصادف مرة أن قصد زيارة الإمامين العسكريين بسامراء وكان هناك المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وأكثر الحوزة العلمية بخدمته، فجاء خطيبنا للسلام عليه فطلب منه التحدث منبرياً فاستجاب وتحدث أكثر من ساعة بما لذّ وطاب عن الآل الأطياب وسلالة داحي الباب وشنف الأسماع والألباب وهكذا استمر كل يوم صباحاً يحضر ويرقى المنبر حتى أكمل شهراً كاملاً كله حول أهل بيت الرحمة السادة الأئمة وفي كل يوم يزداد السيد أبو الحسن إعجاباً به أكثر من سابقه
ولم يقتصر النشاط الديني للسيد حسن على المنبر بل دخل عالم التأليف من أوسع أبوابه فألف ثروة علمية وأدبية ومن مؤلفاته:
١ ــ الدر المنظوم في الحسين المظلوم وهو مقتل الحسين وما يدور حول فاجعة الطف والشعر وهو بـ ١٥٠٠ صفحة
٢ ــ المطالب النفيسة: في تراجم عظماء الإسلام.
٣ ــ سفينة النجاة في الأئمة الهداة.
٤ ــ الدر النضيد: في رثاء الشهيد يشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد في الإمام الحسين (عليه السلام).
٥ ــ كنانة العلم: وهو جمع للنوادر الأدبية والتاريخية.
٦ ــ مجموع كبير يجمع الشعر والنثر، وفيه (إنجيل برنابا) المطبوع
وإضافة إلى هذه المؤلفات فللشاعر حوالي 12 مخطوطا في مختلف العلوم والآداب والشعر والنثر وقد بقيت عند ولده السيد شمس الدين الخطيب.
وقد شاء الله أن يكرمه ويعلي شأنه في حياته ومماته فقد توفي ببغداد في مستشفى المجيدية ونقل إلى كربلاء وصادف نقله ليلة زيارة الأربعين حيث مواكب الزائرين من جميع العراق فاشتركت جميع المواكب بتشييعه وشيّعه ما لا يقل عن ربع مليون نسمة. وكان أهالي البصرة في طليعة المشيعين لأنه كان خطيبهم في شهر محرم طوال ٣٦ عاماً.
وبعد أن طيف بنعشه حول مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن عند رأس الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قرب قبر الشاعر السيد حيدر الحلي رحمهما الله.
وذكر شبر أيضاً: أنه كتب عنه البحاثة السيد الشريف المعاصر السيد جودت القزويني وجمع أكثر شعره ونثره
توفي البغدادي في بغداد ودفن في النجف الأشرف بالصحن العلوي الشريف
شعره
قال من قصيدة في رثاء عقيلة الطالبيين السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام):
يا قلبُ زينبَ ما لاقيـتَ من محنٍ فيـــــــكَ الرزايا وكلُّ الصبرِ قد جُمعا
لو أنّ ما فيكَ من حزنٍ ومن كمدٍ في قلبِ أقوى جبالِ الأرضِ لانصدعا
يـكـفـيـكَ فخراً قـلوبُ الناسِ كلّهمُ تـقـطّــــــــعـتْ لـلـذي لاقـيـتـه جـزعا
وقال من قصيدة أخرى في عبد الله الرضيع (عليه السلام)
وكلُّ رضـــــيعٍ يغتذي درّ أمه ويرضعُ من ألبـانِها ثم يُفطَمُ
سوى أن عبد الله كان رضاعُه دماهُ وغــذّته عن الدرِّ أسهمُ
تـبـسّـمَ لمَّا جــــــاءَه سهمُ حتفِه وكـلُّ رضــيـعٍ للحلوبةِ يبسمُ
تـخـيّـلـه ماءً ليـــــــروي غليلَه فـفـاضَ عـليه الغمرُ لكنه دمُ
وقال في وصف (نهج البلاغة) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
نهجٌ له كـــــــلُّ الأنامِ قد غدتْ خرساً وأهدى للطريقِ الأعدلِ
لم نجد أفصحَ منطقاً منه سوى بلآلئٍ للمصحفِ الغضِّ الجلي
هذا كلامٌ قاله المـــــولى العلي وذا كــــلامٌ قـالـه المولى علي
وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
لقد صبروا بذاكَ اليومَ صبراً به ظـــفروا بجامحةِ النجاحِ
تأسُّوا في أبيِّ الضــيمِ مَن قد أقــامَ الدينَ حيّ على الفلاحِ
ولمّا أن دنـا الـمقــــدارُ منهمْ هووا ما بين مشتبكِ الرماحِ
وعادَ ابنُ الـنبيِّ هنــاكَ فرداً يـعـالجُـها ابن معتلجِ البطاحِ
جلا ليلَ القتامِ بـحــــرِّ وجـهٍ كـأنَّ جـبـيـنـه فـلـقُ الصباحِ
ومُـذ نــورُ الإلــهِ له تـجـلّـى ونـاداهُ فــــــلـبّـى بــالـرواحِ
بوادي الـطفِّ آنسَ نارَ قدسٍ فخرّ مُكلّماً دامــــي الجراحِ
وباتَ معــانقاً سـمرَ العوالي وبيضَ الهندِ في ليـلِ الكفاح
وقال على نسق قصيدة ابنة الشهيد حجر بن عدي (رضوان الله عليه) التي قالتها في رثائه (4)
وذبحُ السبطِ شـابَه ذبحَ حـــجرٍ وكـلٌّ ذبـــــــــحُـه إثـمٌ كـبـيـرُ
ولكن أينَ حـجــرٌ من حـــسينٍ وهلْ رُضَّتْ لمن معه صدورُ
وهلْ سـلبـوا إلى حـــجرٍ نساءً وهـلْ هـتـكتْ لنســـوتِه خدورُ
وهلْ ذبحوا له طـــفلاً صغيراً ألا بـأبي وبي الطفـلُ الصغيرُ
وهلْ تركوه في الرمضا ثـلاثاً تريبَ الجسمِ يصهــره الهجيرُ
وهلْ حـمـلـوا لـه رأسـاً قطيعاً كـأن جـبـينه الـقمــــــرُ المنيرُ
وهلْ قـادوا لـه مـضنىً عـليلاً على الأقتابِ في غلٍّ يـــــسيرُ
وهلْ نكثوا له بالعـودِ ثــــغـراً وهـلْ سكبتْ بجانبه الخـــمورُ
.....................................................................
1 ــ ترجمته وشعره في: أدب الطف ج 9 ص 322 ــ 326
2 ــ أبيات ابنة حجر هي:
تُرفّع أيّها الـقـمرُ المنيـــــــرُ لعلّك أن تــــرى حجراً يسيرُ
يسيرُ إلى معـاويةَ بن حربٍ ليقتـــــــــــله كما زعمَ الأميرُ
ترفّعتِ الجبابرُ بــــعدَ حجرٍ وطابَ لها الخورنقُ والسديرُ
وأصبحتِ البــــلادُ له محلاً كأن لم يغنِها مـــــــزنٌ مطيرُ
ألا يا حجر حجر بني عديٍّ تلقتكَ السلامةُ والســــــــرورُ
فإن تهلك فكــــلُّ زعيمِ قومٍ عن الدنيا إلى هلكٍ يصــــــيرُ
ألا يا ليتَ حجراً ماتَ موتاً ولم يُنحر كما نُحرَ البعيــــــرُ
وقد ذكرها السيد عبد الحسين شرف الدين في (صلح الحسن عليه السلام) ص ٣٣٥ ونسبها لابنة حجر ولم يسمها، وجاء في المجالس العاشورية في المآتم الحسينية للشيخ عبدالله حسن آل درويش ص 601 : فلمَّا صار ــ أي حجر ــ على أميال من الكوفة يراد به دمشق أنشأت ابنته تقول ــ ولا عقب له من غيرها ــ، ثم ذكر الأبيات، كما نسبها لابنة حجر ابن عبد المنعم الحميري في كتابه الروض المعطار في خبر الأقطار ص 536 والشيخ جعفر النقدي في الأنوار العلوية ص ٤٦٧ عن المسعودي في تاريخه مروج الذهب
وذكر الأبيات أبو الفرج الإصفهاني في الأغاني ج 17 ص 103 ونسبها لامرأة من كندة، ونسبها السيد الأمين في أعيان الشيعة ج 4 ص 585 لهند بنت زيد بن مخرمة الأنصارية
اترك تعليق