الموضوعية هي المعرفة المتعلقة بالمظهر الخارجي للوجود من قبل الذات، وتدرك عادة عن طريق الحواس وهي خاضعة للتجربة.. وتكون مستقلة عن أرادة أو معرفة أو ميول الإنسان لها، أي انها اشبه ما تكون بالقوانين الفيزيائية المرتبطة بطبيعة المادة في الكون فلا تتأثر بمعرفة أو عدم معرفة الإنسان لها.
تهدف الموضوعية وبشكل دائم للوصول إلى حالة او فكرة المثالية المطلقة، وتدافع عن هذه الفكرة لأنها الحجر الأساسي في بنائها الفكري، وذلك عن طريق الحفاظ على مبادئها الرئيسية التي يمكن أن تصل إلى أهدافها وهي وحدة الوجود و النظام، فالموضوعية واقعا تصف الأشياء كما هي ماهيتها بالضبط، دون تأثرها بأي من المصالح أو رغبات الفرد نفسه، فمقياس الحقائق عندها هي مقولات العقل، لذلك فهي تؤمن بحقائق قائمة خارج الواقع المادي الملموس لها، مثل الله جل وعلا والسماء والأخلاق والعدالة والحق والخير والشر والجمال والإنسانية، ونرى ذلك واضحاً في الافكار والمبادئ التي قامت عليها المدرسة الكلاسيكية في الفن، حيث انها لم تتخذ الفرد كأساس او وحدة للبناء الاجتماعي والموضوعي، وإنما تتمثل جعلت هذه الوحدة تتكرس وتكمن في المجموعة، فالكلاسيكية أكدت على ان الموضوع الفني هو ظل الفكرة التي هي الموضوع الحقيقي، وان الاحاسيس تخدعنا، يجب أن يكون هدفنا هو إدراك العالم الحقيقي الخاص بالأفكار الجوهرية وعلاقتها وتجلياتها بالنسبة للفنان.
في حين عمد رواد المدرسة الواقعية الى الانحياز الى تبني راي آخر يميل نحو الخبرة المادية وان الموضوع يأتي أولا.. شريطة ان يتمثل الموضوع في ضوء أفكارنا عنه، وان قوى الواقع تتحرك كتعارضات داخلية متصارعة ينشط بعضها دون البعض الاخر، وهنا تكون العلاقات الفنية غير مقدرة مسبقا أو محددة من قبل، ولكنها تنتزع أو تستخلص بطريقة أصيلة من نسيج الاشكال الماثلة امام الفرد والمجتمع وذلك من خلال الوعي الاجتماعي انطلاقاً من الواقع الفردي، وهذا بالطبع يؤكد على المعنى الاجتماعي للفن، وقد اكد ذلك بعض رواد المدرسة الواقعية في الفن انطلاقاً من رؤاهم بضرورة تصوير الأشياء الواقعية القائمة في الوجود خارج الإنسان، مع التزام الفنان في هذا التصوير باختيار موضوعه من واقع الحياة اليومية.. ويعالج هذا التصوير الموضوعية التي تلتقط الصفة الذاتية من الفنان فيجعل من عمله الفني وسيلة اتصال بالجماهير، وبالتالي فهي تعكس خصائص الواقع مع حياة فئات مختلفة من الناس، وهنا نستطيع القول ان العالم الموضوعي ان بحثنا عنه فأننا نجده في الاعمال الفنية الناجحة، حتى وان كانت مجردة فالموضوعية هنا توجد متماهية منصهرة داخل الاعمال الفنية، فهي كعصارة خالصة بالامكان تناولها بالحس المرهف الذي تحرر من الشكل وغاص في الجوهر.
ركزت المدرسة الواقعية على الاتجاه الموضوعي، وجعلت المنطق الموضوعي أكثر أهمية من الذات فصور الرسام الحياة اليومية بصدق وأمانة، دون أن يدخل ذاته في الموضوع، بل يتجرد الرسام عن الموضوع في نقلة كما ينبغي أن يكون، اذ يعالج مشاكل المجتمع من خلال حياته اليومية ويبشر ببعض الحلول الناجعة لها، وقد اختلفت الواقعية عن بعض المدارس الفنية الاخرى من حيث ذاتية الرسام، إذ ترى هذه المدرسة الفنية أن ذاتية الفنان يجب أن لا تطغي على الموضوع كون الموضوع هو الاساس المؤثر وهو الموصل الاسرع للرسالة المبتغى ايصالها، في حين تتبنى مدارس فنية اخرى رأي اخر مفاده ان العمل الفني يمثله الفنان بإحساسه الذاتي وينقله بطريقته الخاصة الى الجمهور المتلقي وهذا مناف لمبدأ الموضوعية، فالموضوعية واقعاً ترى أن العقل يجب أن يدور في أفكار الفنان وإنتاجه على السواء، ليتطابق مع الوجود الخارجي، والصورة الحسية العامة التي يتفق عليها كل المتلقين.
وبهذا فإن الوجود الموضوعي يعني الوجود الذهني بما هو غير ذاتي، لكي يكون صالحاً في تذوقه عند المجموع بعيداً عن انفرادية الفنان.. فالفنان جزء من المجموع مؤثراً ومتأثراً، وعليه أن يشابه القانون العلمي الموضوعي بحقائقه البعيدة عن الواقع المادي الماورائية، والذي ينطبق على جميع الظواهر المماثلة التي يشير إليها هذ القانون او المبدأ، وهذا يعني أنه يجب على الفن أن يتعلق بأفكار المجتمع، وقيمه وعمومياته واعتيادياته، وكل ما له علاقة بالحيادية وعدم الانحياز في الحكم على الظواهر الفنية، أي أنها تجعل الشكل والمضمون في متناول إدراكات الآخرين بالتساوي، وهنا يكون الفنان والعالم الموضوعي بمختلف مستوياته على مستوى واحد من الإدراك المجتمعي .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق