تناولت المصادر التاريخية بإطناب حركة أهل المدينة "ثورة الحرة" التي ظهرت كرد فعل لسوء سياسة يزيد والتي لم تتميز بالطابع الانتقامي بل كانت تستهدف القضاء على سلطان الامويين، وكان هناك سببان مباشران لاشتعال الثورة الاول قيام عبد الله بن الزبير بإعلان حركته في مكة المكرمة وخلعه ليزيد بن معاوية بن ابي سفيان.
اما السبب الثاني والمباشر للحركة هو أن والي المدينة " عثمان بن محمد" قام بإرسال وفد من اشراف اهل المدينة الى يزيد في اواخر سنة 62 للهجرة ، وكان على رأس هذا الوفد عبدالله أبن حنظلة الانصاري، ومع ذلك لم يحظ يزيد بتأييد وعطف هؤلاء اذ اعلنوا على رؤوس الاشهاد قائلين:" انا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمرة ، ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر الغراب والفتيان وانا نشهدكم ، انا قد خلعناه فتابعهم الناس"[1].
وعلى اثر هذه المعطيات قام اهل المدينة بخلع يزيد وطرد عامله "عثمان بن محمد" وباقي بني امية ومن كان على رأيهم من قريش، وبايعوا عبدالله بن حنظلة الانصاري، على اثر ذلك كتب عامل يزيد بن معاوية كتاباً الى يزيد يستغيث به، فأرسل يزيد جيشاً الى الحجاز بقيادة مسلم بن عقبة المري، الذي قاتل أهل المدينة في ذي الحجة سنة 63 للهجري، وانهزم اهل المدينة ، ونهبت المدينة من قبل ذلك الجيش واستباحها ثلاثة أيام، فلاذ الناس بقبر النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) لكن جيش يزيد بن معاوية ما راعى لقبر النبي الاكرم حرمته، ودخلوه بخيلهم وقتلوا الناس، حتى بلغ عدد قتلى من قريش والانصار والمهاجرين ووجوه الناس الفاً وسبعمائة وسائر الناس عشرة الاف[2].
ولم يكن موقف الامام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام) واضحاً منذ بداية الامر، فهو غير مستعد للمشاركة ، في الوقت نفسه كان مروان بن الحكم الذي تم حصره مع اهل بيته من قبل أهل المدينة فكان يعلم ان الامام زين العابدين قد التزم موقف الحياد فكلمه مروان: " يا ابا الحسن ان لي رحماً ، وحرمي تكون مع حرمك" فقال الامام (عليه السلام): " افعل فبعث بحرمه اليه... فخرج الامام بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم في ينبع "، وكان مروان شاكراً للإمام زين العابدين[3]، يمكن القول ان اعتزال الامام زين العابدين علي بن الحسين لأهل المدينة ليس معناه انه كان غير راضٍ على انتفاضتهم، ولا كان على ود بينه وبين الخليفة في دمشق ، بل كان عملاً اقتضته الكياسة وحتمه حسن الرأي وعمق التجربة.
وعليه فان موقف الامام زين العابدين من هذه الحركة كان موقف المنجي للمدينة المنكوبة ولأهلها الذين استباح حرماتهم الجيش ولم تكن حركة الحرة تتبع امر الامام زين العابدين (عليه السلام) بل كان الامام في استجماع لقواه وتهيئة وضعه والتاهب لخططته المستقبلية.
فضلا عن ذلك قد استفاد اهل المدينة من موقف الامام زين العابدين بان اصبح (عليه السلام) من المنقذين لأكثر العوائل المنكوبة وتقديم المساعدات اليهم هذا من جانب ومن جانب اخر عمل من خلال موقفه هذا الى ابعاد الشك من لدن السلطات الاموية اليه بعدم مشاركة اهل المدينة بثورتهم وكان هذا الموقف ينم عن الدهاء والحكمة والتدبير للإمام (عليه السلام).
جعفر رمضان
[1] للمزيد من التفاصيل ينظر : محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك , تحقيق : محمد ابو الفضل ابراهيم ، (مصر: دار المعارف، 1968م) ، ج5 ، ص480 ؛ ابن الاثير ، الكامل في التاريخ , (بيروت: دار الكتاب العربي, 1967م)، ج3 ، ص307.
[2] ابن قتيبة ، الامامة والسياسة ، تحقيق : خيري سعيد, (بيروت : المكتبة التوفيقية , 2000م) ج2، ص14؛ ابو الفلاح عبد الحي الحنبلي ، شذرات الذهب في اخبار من ذهب ، ( بيروت: دار الكتب العلمية، 2000م )، ج1 ، ص ص70 ـ 71.
[3] محمد بن جرير الطبري ،المصدر السابق ، ج5 ، ص485 ؛ ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج3 ، ص311.
اترك تعليق