18 ــ ابن هانئ الأندلسي: 326 ــ 362 هـ / 938 ــ 973 م

ابن هانئ الأندلسي: (326 ــ 362 هـ / 938 ــ 973 م)

قال من قصيدة:

للهِ أيِّ شهــــــــــــابِ حربٍ واقدٍ     صحبَ ابنَ ذي يزنٍ وأدركَ تُبَّعَا

في كفِّ يحيى منه أبيضُ مرهفٍ     عرفَ المعزَّ بــــــــــــآلهِ فتشيَّعا

وجرى الفرنـدُ بصفحتيــــهِ كأنّما     ذَكرَ القتيـــــلَ بـ(كـربلاء) فدمَّعا

يكفيكَ ممّا شِـئتَ في الهيجـاءِ أنْ     تَلقَى العِدى فتسُــــــلُّ منه إصبعا (1)

وقال من قصيدة أخرى تبلغ (122) بيتاً:

سمّاهُ جدُّكَ ذا الفقــــــــارِ وإنّما     سمّاهُ منْ عــــــــــاديتَ عزرائيلا

وكأن به لم يبقَ وتراً ضــــائعاً     في (كربلاءَ) ولا دمـــــــاً مطلولا

أو ما سمـعتمْ عن وقــائعهِ التي     لم تبقِ إشـــــــــــــراكاً ولا تبديلا (2)

الشاعر:

أبو القاسم محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي ولد بقرية (سكون) من قرى إشبيلية، ينتهي نسبه إلى المهلب بن أبي صفرة، كان أبوه من إحدى قرى المهدية (تونس حالياً) وكان شاعراً معروفاً فيها، فانتقل إلى الأندلس فولد له ابنه هناك.

نشأ ابن هانئ على حفظ وافر من الشعر والأدب ومهر فيهما وأبدع، وكان حافظاً لأشعار العرب وأخبارهم، فحفلت قصائده بالكثير من الإشارات إلى وقائع العرب وذكر شعرائهم وساداتهم وأجوادهم والأماكن التي ذكرها الشعراء الأقدمون، وكان ملازماً لدار العلم بقرطبة فبرع في الكثير من العلوم إضافة إلى الشعر كعلم الهيئة وغيرها، ثم استوطن (ألبيرة) فعرف بالشاعر الألبيري. (3)

كما عُرف ابن هانئ بتشيُّعِه وكان مجاهراً به ويُصنّف ضمن أشهر شعراء الشيعة (4) وهو القائل:

لي صارمٌ وهوَ شيعيٌّ كحاملِهِ     يكادُ يسبقُ كرّاتي إلى البطلِ (5)

والقائل:

وما نقموا إلّا قديمَ تشيّعي      فنجا هزبراً شدّه المتداركُ (6)

يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن: (لقد ذهب به التحمس إلى أن ينسب لحسامه صفات التشيع ما نسبه إلى نفسه) (7)

وقد ورث ابن هانئ هذا التشيع عن والده الذي: (يُرجَّح كونه من دعاة الفاطميين أرسِل إلى الأندلس لنشر مبادئ الدعوة الفاطمية) (8)

وكانت قضية أهل البيت (عليهم السلام) ومظلوميتهم تملأ جوانحه فصدح بها غير آبهٍ بما يتهدّده من خطرٍ، وكان شاعراً فخماً جزلاً (خرج من الأندلس فشهر شعره في الغربة) (9) حتى قال فيه الشاعر الصنوبري:

إن تكن فــارساً فكُنْ كعليٍ     أو تكنْ شاعراً فكُنْ كابنِ هاني

كل من يدَّعي بما ليس فيه     كذّبــــــــــــته شواهدُ الامتحانِ (10)

وقد اتَّهم الناسُ أبنَ هانئ بمذهب الفلاسفة حتى هموا بقتله فأشار عليه ملك إشبيلية بالغيبة عن البلدة مدة يُنسى فيها خبره فانفصل عنها وعمره يومئذ نحو 27 عاماً، يقول الفتح بن خاقان الإشبيلي: (سلك مسلك المعري وتجرَّدَ من التديُّن وعُريَ وأبدى الغلوَّ وتعدّى الحق المجلو فمجته الأنفس وأزعجته الأندلس...) (11)

وقال بنفس هذا الكلام ابن بسام (12) وابن دحية (13) وابن شرف القيرواني (14)

والحقيقة إن تهمة الناس له بالإلحاد كانت بسبب تشيعه كما قال هو بذلك:

وما نقموا إلّا قديمَ تشيُّعي      فنجا هزبراً شدُّه المتداركُ

(فلم تكن الأندلس بيئة صالحة للفكر الإسماعيلي لأنها كانت أموية الهوى) (15) (حيث كانت في تلك المرحلة تخوض مجابهة رسمية واسعة ضد الفاطميين في شمال أفريقيا) (16)

ويبرئ الأستاذ محمود عبد الجبار عاشور ابن هانئ من تهمة الإلحاد ويعزو ذلك إلى تشيعه فيقول: (وما أظن الآراء الفلسفية التي اتهم بها ابن هانئ إلا تشيعه كما يقول هو صادقا، ولا يوجد في ديوانه نص شعري قاله في الأندلس يلقي الضوء على أفكار فلسفية وأي فلسفة عند شاب في أوائل العشرين من عمره وهي تهمة أموية ألصقت به ضمن تلك الحرب الإعلامية بين الدولتين الأموية والفاطمية) (17)

ومن صور تلك الحرب الإعلامية ما رواه ابن عذاري المراكشي: (أن الناصر أمر بإطلاق اللعن على ملوك الشيعة في أفريقيا بجميع منابر الأندلس وذلك سنة 244 هـ) (18)

ودعايات الأمويين ضد الشيعة والتشيع في الأندلس كثيرة جدا لا يسعنا الحديث عنها واستعرض بعضها الدكتور كاظم عبد نتيش الخفاجي وأشار إلى كتاب من تأليف مجموعة من الأندلسيين الموالين للبيت الأموي فيه آراء سلبية تجاه التشيع (19)

وتبرز أهمية ابن هانئ وشعره وما يشكله من خطورة على الدولة الأموية في اقوال المؤرخين التي دلت على شاعرية تضاهي شاعرية المتنبي في المشرق.

يقول فيه ابن خلكان: (ليس في المغاربة من هو أفصح منه لا مقدميهم ولا متأخريهم, بل هو أشعرهم على الإطلاق وهو عند المغاربة كالمتنبي عند المشارقة). (20)

ويقول الذهبي: (ليس يلحقه أحد في الشعر من أهل الأندلس وهو نظير المتنبي، ونظمه بديع في ذروة، وكان حافظاً لأشعار العرب وأيامها...) (21)

وقال أحمد حسن بسبح: (يمتلك ابن هانيء قدرة فائقة في التصوير، فينقل المشاهد بطريقة مثيرة يضفي علیها من اللمسات بحسب مقتضى الحال...) (22)

وقال السيد الأمين: (وكان مع مهارته في الشعر عارفاً بعلوم أخرى لا سيما علم الهيأة كما يظهر من قصيدته الفائية، وكان له حذق ثاقب في فك المعمى) (23)

وقال لسان الدين بن الخطيب: (كان ابن هانئ من فحول الشعراء وأمثال النظم وبرهان البلاغة لا يدرك شأوه ولا يشق غباره مع المشاركة في العلوم والنفوذ في فكِّ المعمّى) (24)

وقد ترجم المستشرق فان كريمر بعض أشعاره إلى الألمانية وقال عنه: (قوة البيان وكثرة التمثيلات وجودة الألفاظ التي لا يكاد يقدر عليها من الشعراء الا القليل هي الأوصاف التي نشرت صيته ورفعت ذكره فلذلك سمته المغاربة متنبي الغرب فلا شبهة في كونه مستحقا لذلك اللقب) (25)

وقد شبهه ابن الأبار القضاعي البلنسي بأبي تمام فقال: (هو وأبو عمرو بن دراج القسطلي نظيران لحبيب والمتنبي). (26)

وقال الفتح بن خاقان: (هو علق خطير وروض أدب مطير غاص في طلب الغريب حتى أخرج دره المكنون وبهرج بافتتانه فيه كل الفنون وله نظم تتمنى الثريا ان تتوج به وتقلّد ويود البدر أن يكتب فيه ما اخترع وولّد). (27)

ويقول أحمد أمين: (إن شعره فخم ضخم مملوء بالقعقعة جاهلي الأسلوب يشبه في ذلك المتنبي غير أن المتنبي أدق معنى وابن هانئ أطول نفسا) (28)

ويقال: إن المتنبي كان يريد الذهاب إلى المغرب فلما سمع قول ابن هانئ:

تقدَّمْ خطى أو تأخَّر خطى     فإنَّ الشبابَ مشى القهقرى (29)

رجع وقال: سدَّ علينا ابن هانئ طريق المغرب. (30)

وسواء صحّت هذه الرواية أم لم تصح لكنها في الحالين تدل على شاعرية كبيرة تضاهي شاعرية المتنبي، فكان من الطبيعي أن يلتفت ملك إشبيلية إلى مواهب ابن هانئ فقرّبه من بلاطه فأعزه وأكرمه لكنه سرعان ما عصفت ريح الحسد والحقد بهذه العلاقة لأن الناس عرفوا تشيّع ابن هانئ فاتهموه بالكفر والإلحاد وهموا بقتله وأساؤوا القول في مَلِكهم بسببه، فأشار عليه الملك بالرحيل ريثما ينسى الناس أمره فرحل إلى البلاد المغربية وعمره (27) عاماً ووصل خبره إلى المعز الفاطمي فطلب منه المجيء.

وكان الأمويون في الأندلس قد شددوا من قبضتهم على الشيعة وحاربوا كل ما يمت إلى التشيع بصلة، يقول محمود علي مكي: (إن الأمويين لم يقفوا مكتوفي الأيدي من الدعوات الشيعية التي ظلت تلح على الأندلس إلحاحاً شديداً فوقفوا منذ اللحظة الأولى موقفاً عدائياً صارماً وواصلوا في الأندلس السياسة التي رسمها لهم أسلافهم في المشرق والقضاء على كل نزعة تمت إلى التشيع بصلة) (31)

وفد ابن هانئ على المعز في المنصورية بقرب القيروان ومدحه، ولما توجّه المعز إلى مصر بعد أن فتحها جوهر الصقلّي شيّعه ابن هانئ ورجع إلى المغرب وتجهّز ثم التحق به حاملاً معه عياله ولما وصل إلى برقة وكان ذلك عام (362هـ)، كانت المنية تنتظره إذ وُجد مخنوقاً فيها ولما وصل خبر وفاته للمعز وهو بمصر تأسّف عليه وقال:

(هذا الرجل، كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدَّر علينا ذلك)، (32) وكان عُمر ابن هانئ يوم قتل 36 سنة.

أما عن سبب قتله فيقول السيد محسن الأمين: (إن بني أمية كانوا من أعدائه وإنهم بذلوا ما في وسعهم واستفرغوا مجهودهم في منعهم إياه عن الوصول إلى المعز فلا يبعد ان يكون بعضهم قد استعمل الحيلة في قتله بإنزاله معه ضيفاً وفتكه به) (33)

ويقول الدكتور أحمد أمين: (إن دعاة الأمويين خافوا من دعوته الشيعية الفاطمية وكرهوا ذلك فقتلوه) (34)

ويقول الدكتور زاهد علي الهندي: (إن بني أمية كانوا من أعدائه وأنهم بذلوا ما في وسعهم واستفرغوا مجهودهم في منعهم إياه عن الوصول إلى المعز فلا يبعد أن يكون بعضهم قد استعمل الحيلة في قتله بإنزاله معه ضيفاً وفتكه به) (35)

شعره

عُرِف ابن هانئ بنفسه الشعري الطويل فقليل من قصائده تجاوزت السبعين أو الثمانين بيتاً أما جُل قصائده فقد أربت على المائة ومنها ما بلغ المائتين ولكن هذا الاكثار لم ينقص من قوة القصيدة ولا حطّ من متانتها وسبكها وقوة نسجها

عقد أغلب المؤرخين والنقاد قديماً وحديثاً مقارنة بين ابن هانئ والمتنبي, يقول الشاعر العراقي فالح الحجية عن ابن هانئ: (إن ابن هانئ شاعر ذو قريحة شاعرية مزيجية من شجاعة المتنبي ونفسية وتعبير أبي تمام ومعاني البحتري وفلسفة المعري, فهو شاعر غربي أندلسي حذا حذو شعراء الشرق، لذا فهو شاعر عبقري متوقّد الذاكرة متفلسف بارع في صياغة الشعر وبلاغة الكلام تجد في شعره المدح والهجاء والرثاء وإنه خاض غمار جل الفنون الشعرية وقصائد المدح عنده شبيهة بمدح المتنبي من حيث بناء القصيدة وقوة العبارة وغلبة روح الشجاعة فيها فقد اختار الألفاظ الصحراوية البدوية في بيئة رياضية جميلة). (36)

التشيّع في شعره

طفح شعر ابن هانئ بمدح أهل البيت (ع) ورثائهم في بطون قصائده يقول في إحداهن مادحاً أمير المؤمنين (ع) وتبلغ (88) بيتاً:

أبنيْ لؤيًّ أيـنَ فضـــــلُ قديمِكم؟     بل أينَ حلمٌ كالجبالِ رصـينُ؟

نازعتـــــــمُ حقَّ الوصيَّ ودونـه     حرمٌ وبْرٌ مــــــــانعٌ وحـجونُ

ناضـلتمـــــوهُ على الخلافةِ بالتي     ردَّتْ وفيكم حدُّهــــا المسنونُ

حرَّفتموها عن أبي السبطينِ عن     زمعٍ وليسَ من الهجانِ هجينُ

لو تتقونَ اللهَ لــــــــــم يطمحْ لها     طرفٌ ولم يشمخْ لها عـرنيــنُ

لكنكمْ كنتمْ كأهلِ الـــــــــعجلِ لم     يُحفظْ لمـــــوسى فيهمُ هارونُ

لو تسألونَ القبرَ يومَ فرحـــــــتمُ     لأجابَ إنَّ مُــــــحمّداً محزونُ

ما ذا تريدُ مِن الكتــابِ نواصبٌ     وله ظهورٌ دونـهــــــا وبطونُ

هيَ بغيةٌ أظللتـموهــــا فارجعوا     في آلِ ياسينٍ ثـوتْ يــــــاسينُ

ردّوا عليهمْ حــكمَهـــــــمْ فعليهمُ     نزلَ البيــــــــانُ وفيهمُ التبيينُ

البيتُ بيــــــــــتُ اللهِ وهو معظّمٌ     والنورُ نورُ اللهِ وهــــــو مبينُ

والسترُ سترُ الغيبِ وهوَ مُحجّبٌ     والسرُّ سرُّ اللهِ وهوَ مــــصونُ (37)

ومن أروع قصائده وأطولها والتي جمع فيها بين الإطالة وغاية الجودة ميميته التي فيها أوضح الدلالات على تشيعه وهي تقع في مائتي بيت يقول منها يذكر الإمام الحسين (ع) وما جرى على أهل بيته:

فلا حملتْ فرسانُ حــــربٍ جيـادَها     إذا لم تزرهمْ مـــن كميتٍ وأدهمِ

ولا عذِبَ المــاءُ القــــراحُ لشـاربٍ     وفي الأرضِ مـــروانيةٌ غيرُ أيّمِ

ألا أنَّ يومــــــــاً هــــاشـمياً أضلّهم     يُطيرُ فراشَ الهـامِ عن كلِّ مـجثمِ

كيومِ يزيدٍ والسبــــــــــــــايا طريدةٌ     على كلِّ مـــــوَّارِ الملاطِ عـثمثمِ

وقد غصَّــــت البيداءُ بالعيسِ فوقها     كرائمُ أبنـــــــــــاءِ النبيِّ الـمكرَّمِ

فمــــا في حريمٍ بعدهـــا من تحرُّجٍ     ولا هـتكُ ستـــــــرٍ بعدها بمحرَّمِ

فإن يتخرَّم خيــــــــرُ سبطي محمّـدٍ     فإن وليَّ الثـــــــــــــأرِ لم يتخرَّمِ

ألا سائلوا عـــنه البـتـولَ فتخبــروا      أكــــــــانتْ له إمَّاً وكان لها ابنمِ

وأولى بيــــومٍ من أميـــــــــــةَ كلها     وإن جــــــلَّ أمرٌ عن سلامٍ ولرَّمِ

أناسٌ هم الداءُ الدفينُ الــــذي سرى     إلى رمــــمٍ بالــطفِّ منكمْ وأعظمِ

همُ قدحوا تــــلك الزنادَ الــتي ورتْ     ولو لم تشــــــبُّ النارُ لم تتضرمِ

وهم رشــــحوا تيماً لأرثِ نبيِّـــــهم     وما كان تيميٌّ إليــــــــــه بمنتمي

عـــــلى أيِّ حكمِ اللهِ إذ يأفـــــــكونه     أحلَّ لهم تقـديــــــــــمَ غير المقدمِ

وفي أيِّ دينِ الوحي والمصطفى له     سقوا آلَه مــــــمزوجَ صابٍ بعلقمِ

ولكنَّ أمراً كــــــــــــــانَ أبرِمَ بينهمْ     وإن قالَ قومٌ فــــــــلتةٌ غيرُ مُبرمِ

بأسيـــــــــافِ ذاكَ البـغي أوّل سلّها     أصيبَ عليٌّ لا بسيـــفِ ابنِ ملجمِ

وبالحقدِ حقدُ الجــــــــــــــــاهليةِ إنّه     إلى الآنَ لـــــم يظعنْ ولمْ يتصرَّمِ

وبالثأرِ في بـــــــدرٍ أريقـتْ دماؤكمْ     وقيدَ إليكمْ كــــــــــلّ أجردَ صلدمِ

ويأبى لـــــــكم من أن يطـلّ نجيعَها     فتوٌّ غِضابٌ من كــــــــميٍّ ومعلمِ

يَرِيعُونَ فــي الهَيجا إلى ذي حَفيظَةٍ     طـــويلِ نِجادِ السيْفِ أبلَجَ خِضرم

قليلِ لقاءِ البيضِ إلّا من الـــــــــظبا     قليلِ شـــــرابِ الكأسِ إلا مِن الدمِ

سبقتمْ إلى المجدِ القـديـــــــــمِ بأسرِهِ     وبؤتم بعــــــاديٍّ على الدهرِ أقدمِ

إذا ما بناءٌ شــــــــــــــاده اللهُ وحـدُه     تهدَّمتِ الدنــــــــــــــــيا ولم يتهدَّمِ

بكمْ عَــــــــزّ ما بين البقيـعِ ويثـربٍ     ونُسِّــــــكَ ما بين الحطيمِ وزمزمِ

فلا برحتْ تترى عليكم مـن الـورى     صلاةُ مصـــــــــلٍّ أو سلامُ مسلمِ

وأقسم أنّي فيــــــــــكَ وحديْ لشيعةٌ     وكنتُ أبرَّ القــــــــــــائلين بمقسمِ (38)

وتبرز في قصائده حجم المخاطر التي خاضها في سبيل التخلّص من بني أمية الذين منعوه من الوصول إلى المعز وحالوا دون ذلك لكنه استطاع الوصول إليه يقول في ذلك:

دعـاني لكــمْ ودٌّ فلبّـت عزائمي     وعنسي وليلي والنجومُ الشوابكُ

ولو علـــــــــقته مـن أمية أحبلٌ     لجبَّ سنامٌ مـن بني الشعرِ تامكُ

ولما التــقت أسيـــافُها ورماحُها     شراعاً وقد سُـدَّتْ عليَّ المسالكُ

أجــزتُ عليها عـــابراً وتركتها     كأنَّ المنايا تحــــتَ جنبيْ أرائكُ

وما نقموا إلا قـديــــــــمَ تشيّعي     فنجى هزبـــــــراً شدّه المتداركُ

بني هـاشمٍ قد أنـجزَ اللهُ وعــــدَه     وأطلعَ فيـكـم شمسَـه وهيَ دالكُ

ونادتْ بثاراتِ الحسـيـنِ كـتائبٌ     تمطّى شراعاً في قناها المعارك (39)

ومن قصائده يخاطب بني العباس ويذكرهم بفضل أهل البيت (عليهم السلام) عليهم وأنهم أولى بالأمر منهم وهي تبلغ أكثر من مائة بيت:

أفي ابنِ أبي السبطيــنِ أمْ في طليقكمْ     تنزّلتِ الآيــــــــــــاتُ والسُّوَرُ الغُرُّ

بني نثــــــــــــــــلةٍ ما أورثَ اللهُ نثلةً     وما ولدتْ هــل يستوي العبدُ والحرُّ

وأنّى بهذا وهــــــــــــيَ أعدتْ برقِّها     أباكمْ فإيـــــــــاكمْ ودعوى هيَ الكفرُ

ذروا الناسَ ردُّوهم إلى من يسوسُهم     فما لكمُ في الأمرِ عــــــرفٌ ولا نكرُ

أسرتمْ قروماً بالعـــــــــــــراقِ أعزَّةً     فقد فُكَّ من أعنـــــــــاقِهمْ ذلكَ الأسرُ

وقد بزَّكمْ أيــــــــامكمْ عُصبُ الهدى     وأنصارُ ديـــــنِ اللهِ والبيضُ والسمرُ

ومقتبلٌ أيــــــــــــــــــــــــامه متهلّلٌ     إليهِ الـشبـــابُ الغضُّ والزمنُ النضرُ

أدارَ كما شــــــــاءَ الورى وتحيَّزتْ     على السبعـــــــةِ الأفلاكِ أنملُه العشرُ

تعالوا إلى حكّــــــــــــــــامِ كلِّ قبيلةٍ     ففي الأرضِ إقبــــــــــالٌ وأنديةٌ زهرُ

ولا تعدلوا بالصيـــــــدِ من آلِ هاشمٍ     ولا تتركوا فهـــــــراً وما جمعتْ فهرُ

فجيئوا بمن ضمَّتْ لـــؤي بن غالبٍ     وجيئوا بمــــــــــنْ أدّتْ كنانةُ والنضرُ

أتدرونَ منْ أزكى البـــــريّةِ منصباً     وأفضــــــــــلها إن عُدِّدَ البدوُ والحضرُ

ولا تذروا عُليا معدٍّ وغيـــــــــــرها     ليُعـــــــــرفَ منكمْ من له الحقُّ والأمرُ

ومن عجبٍ أنَّ اللســـــانَ جرى لهم     بذكرٍ على حين انقضوا وانقضى الذكرُ

فبادوا وعفّى اللهُ آثارَ مــــــــــــلكهمْ     فلا خبرٌ يلقــــــــــــــاكَ عنهم ولا خُبْرُ

ألا تلكمُ الأرضُ العريضةُ أصبحتْ     وما لبني العبــــــــاسِ في عرضِها فترُ

فقد دالتِ الدنيـــــــــــــــا لآلِ محمدٍ     وقد جرَّرتْ أذيالهـــــــــــا الدولةُ البكرُ

وردَّ حقوقَ الطالبييــــــن مَن زكتْ     صنـــــــــــــــــائعُه في آلهِ وزكا الذخرُ (40)

ومنها:

فكلُّ إمـــــــــــــــــاميٍّ يجيءُ كأنّما     على يدهِ الشـــــــعرى وفي وجههِ البدرُ

ولمّا تولّتْ دولةُ النصـــــــبِ عنهمُ     تولّى العمى والجــــــــهلُ واللؤمُ والغدرُ

حقوقٌ أتتْ من دونِها أعصرٌ خلتْ     فما ردَّها دهرٌ عــــــــــــــليهِ ولا عصرُ

فجرَّد ذو التاجِ المقـــــــاديرَ دونَها     كما جُرِّدتْ بيـضٌ مضــــــــــاربُها حمرُ

فأنقذها من بُرثنِ الدهرِ بعدمــــــــا     تواكلها القِـــــــــــــرسُ المنيِّبُ والهِصرُ

وأجرى على ما أنــــزلَ اللهُ قسمَها     فلم يتخـــــــــــــــــــــرّمْ منه قِلٌّ ولا كُثرُ

وقال من قصيدة أخرى تبلغ (62) بيتاً:

أبناءَ فاطمَ هل لنــا في حشرنا     لجأُ سواكم عاصمٌ ومُجارُ؟

أنتمْ أحِبّــــــــــــــاءُ الإلهِ وآلُهُ     خُلفاؤهُ في أرضـــهِ الأبرارُ

أهلُ النبَوةِ والرِّســالةِ والهدى     في البيّناتِ وســــادةٌ أطهارُ

والوحيِ والتأويــــلِ والتَّحريمِ     والتَّحليلِ لا خُلْفٌ ولا إنكارُ

إن قيلَ مَن خيرُ البريّة لم يكنْ     إلاّكمُ خلقٌ إليــــــــــه يُشارُ (41)

وقال من أخرى تبلغ (85) بيتاً:

هو الوارثُ الأرضَ عن أبوين     أبٍ مُصْطفى وأبٍ مُرتَضَى

وما لامرئٍ مــــــــــــعهُ سهمةٌ     تُعدُّ ولا شــــــــــركةٌ تدّعَى

فما لقريشٍ وميــــــــــــــراثكم     وقد فـــــــرغَ اللّهُ مـمّا قضى

لكم طورُ سَيناءَ من فــــــوقهمْ     وما لهــــــــمُ فيه من مُرتقى

بمكَّة سَمّى الطليقَ الطليــــــقَ     ففـــــرّقَ بيــن القَصا والدَّنى

شهِيدي على ذاكَ حكمُ النبــيّ     بين المَقامِ وبيــــــــــن الصّفا

وإنْ كان يجمــــــــعُكمْ غالبٌ     فإنّ الوشـــــــائظَ غير الذُّرى

ألا إنَّ حقَّاً دعوتـــــــــــم إليهِ     هو الحــــقّ ليــسَ به من خَفا

لآدَمَ من ســـــــــرّكمْ مَوضِعٌ     بهِ استوْجَبَ العَــفوَ لّما عَصى

فيومُكُمُ مثلُ دهرِ المــــــلوكِ     وطِفــــــلُكُمُ مثلُ كــهلِ الورى

يلاحظُ قبلَ الثّـــــلاثِ اللّواء     ويَضـــرِب قبل الثّمــانِ الطُّلى (42)

ولكربلاء حزن لا ينتهي في صدر ابن هانئ يقول:

للهِ أيّ شـهــــــــــابِ حـربٍ واقـدٍ     صحبَ ابنَ ذي يزنٍ وأدركَ تُبَّعا

في كفِّ يحيى منه أبيضُ مرهفٍ     عرفَ الـمعزُّ حقيــــقـة فتشيَّعــــا

وجرى الفرندُ بصفحتيــــهِ كأنمـا     ذكــرَ الـقتـيلَ بكــــربـلاءَ فدمَّـعـا

يكفيكَ ممَّـا شئتَ في الهيـجاءِ أن     تلقـــى العدى فتـسـلُّ مـنـه إصبعا

شرفٌ بنتـه لنا البتـولُ وبعـــــلُها     وابناهـــما حـــــتـى رسا وتـمنَّعـا

واستودعوهُ بعـــــــــدهـمْ أبناءهمْ     فبنوا علـــيه وشيَّـدوا المستــودعا (43)

وقال من قصيدة تبلغ (122) بيتاً وقد قدمناها:

سمّــــاه جدُّك ذا الفقار وإنما     سمّاهُ مـن عاديتَ عزرائيلا

وكأنْ به لم يبقَ وتراً ضائعاً     في كربلاءَ ولا دماً مطلولا

وقال:

هو السيفُ سيفُ الصدقِ أمّا غرارُه     فعضـبٌ وأما متنه فصقيلُ

يشيعُ له الإفـــــــــــــرند دمعاً كأنما     تذكّر يومَ الطفِّ فهوَ يسيلُ (44)

وقال من قصيدة تبلغ (59) بيتاً:

فكأنَّ جدَّكَ في فــــــــــوارسِ هاشمٍ     منهم بحيث يرى الحسين ذبيحا (45)

.......................................................................

1 ــ ديوان ابن هاني ــ دار بيروت للطباعة والنشر 1980 تحقيق: كرم البستاني ص 201

2 ــ ديوانه ص 265 ــ 274

3 ــ أعيان الشيعة ج ١٠ ص ٨٥ / الرثاء الحسيني في الأندلس لمحمود عبد الجبار عاشور ص 72 / مقدمة الديوان ص 5

4 ــ أثر التشيع في الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني ص 104 ، 154 ، 159

5 ــ ديوانه ص 306

6 ــ ص 245 من قصيدة تبلغ (78) بيتاً

7 ــ تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي ج 3 ص 370

8 ــ ابن هانئ الأندلسي.. درس ونقد لمنير ناجي ص 50 / ابن هانئ الأندلسي لعارف تامر ص 8

9 ــ جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس لمحمد بن فتوح الحميدي ص 158 / بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس لأبي جعفر الضبي ص 130

10 ــ أدب الطف ج 2 ص 80 ولم ينسب البيتين / موقع بوابة الشعراء بتاريخ 3 / 2 / 2012

11 ــ مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس ص 84

12 ــ الذخيرة ص 211

13 ــ المطرب من أشعار أهل المغرب ص 192

14 ــ الذخيرة ص 211

15 ــ الرثاء الحسيني في الأندلس لمحمود عبد الجبار عاشور ص 72

16 ــ نفس المصدر ص 73

17 ــ نفس المصدر والصفحة

18 ــ البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي ج 2 ص 220

19 ــ التشيع في الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة للدكتور كاظم عبد نتيش الخفاجي ص 86

20 ــ وفيات الأعيان وفيات الأعيان ج 4 ص 422

21 ــ سير أعلام النبلاء ج 16 ص 132

22 ــ ابن هانئ الأندلسي عصره وبيئته وحياته وشعره ص 67

23 ــ أعيان الشيعة السيد محسن الأمين ج ١٠ ص 85

24 ــ الإحاطة في أخبار غرناطة ج 2 ص 186

25 ــ أعيان الشيعة ج 10 ص 86

26 ــ أعيان الشيعة ج 10 ص 86

27 ــ نفس المصدر ص 85

28 ــ ظهر الإسلام ج 3 ص 137

29 ــ ديوانه ص 20

30 ــ أعيان الشيعة السيد محسن الأمين ج ١٠ ص 87

31 ــ التشيع في الأندلس إلى نهاية ملوك غرناطة ص 24

32 ــ ابن خلكان / وفيات الأعيان ص 421

33 ــ أعيان الشيعة ج 10 ص 86

34 ــ ظهر الإسلام ج 3 ص 136

35 ــ مقدمة تبيين المعاني في شرح ديوان ابن هانئ الأندلسي لزاهد علي الهندي ص 22

36 ــ في مقال عن ابن هانئ منشور بتاريخ 20 / 12 / 2012

37 ــ ديوانه ص 355

38 ــ ديوانه ص 313 ــ 328

39 ــ ديوانه ص 245 ــ 246

40 ــ ديوانه ص 131 ــ 139

41 ــ ديوانه ص 146 ــ 152

42 ــ ديوانه ص 20 ــ 26

43 ــ ديوانه ص 201

44 ــ ديوانه ص 307

45 ــ ديوانه ص 73 من قصيدة تبلغ (59) بيتاً

كما ترجم لابن هانئ وكتب عنه كثير من الأعلام منهم:

ابن خلدون / العبر ص 103

الصفدي / الوافي بالوفيات ج 3 ص 352

ابن سعيد / المغرب في حلى المغرب ج 2 ص 97

الحر العاملي / أمل الآمل ج ٢ ص ٣١١

السيد حسن الصدر / تأسيس الشيعة ص 206 ــ 207

السيد جواد شبر / أدب الطّف ج 2 ص 78

مصطفى آيدن ــ ابن هانئ الأندلسي حياته وشعره

زياد طارق لفتة ــ ابن هانئ الأَندلسي / دراسة موضوعية فنيَة

سمية ذوقيان ــ شعر ابن هانيء، دراسة في الشكل

حيدر محلاتي ــ ابن هانيء الأندلسي تأمّلات في سيرته وأدبه / مجلة آفاق الحضارة الإسلامية عدد 12

عباس علي جلوان الجعيفري، عباس عرب ــ الإشهار السياسي في شعر ابن هانئ الأندلسي / مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية المجلد (1) العدد (44) السنة (2022)

منير عبيد نجم ــ الأساليب البديعية في شعر ابن هانئ الأندلسي

الدكتور ستار جبار رزيج ــ الحضور الشعبي في شعر ابن هانئ الأندلسي، دراسة موضوعية / مجلة القادسیة في الآداب والعلوم التربویة ــ المجلد ٩ العددان ٣ ــ ٤ سنة ٢٠١٠م

أبو القاسم محمد ــ ابن هانئ الأندلسي متنبي المغرب: دراسة، مختارات

وفاء غضبان، فاطمة الزهراء حيدوسي، يمينة سعودي ــ البنية الإيقاعية في ديوان إبن هانئ الأندلسي

هجيرة لعور ــ الظلال الشيعية في شعر ابن هانئ الأندلسي

خليفي حاج أحمد ــ جمالية الوصف في شعر ابن هانئ الأندلسي

فاتح حمبلي ــ صورة الممدوح في معزيات ابن هانئ المغربي الأندلسي

أسماء سوسي ــ التشكيل الإيقاعي في معزيات ابن هانئ المغربي الأندلسي - قراءة جمالية –

محمد بو علاوي ــ التصوير بالمثل في مسيليات ابن هانئ الأندلسي

حسن جاسب فاتح المحمداوي ــ الحقول الدلالية في شعر ابن هانئ الاندلسي

بشرى قاسم ــ الحذف في شعر ابن هانئ الأندلسي

عمر فاروق الطباع ــ ديوان ابن هانئ الاندلسي / شرح

الدكتورة جنان قحطان فرحان / فن المعارضة الشعرية بين بائيتي ابن هانئ الأندلسي والطغرائي، دراسة نقدية موازنة

الدكتور أبو بكر بهشة، الدكتور محمد إسـماعيل بن عبد السلام / أثر القرآن الكريم في شعر ابن هانئ الأندلسي

لمى عبد الهادي حسن، سناء ساجت هداب ــ تبيين المعاني في شرح ديوان ابن هانئ الأندلسي المغربي، دراسة في ضوء نظرية التلقي

رميسة زغمار - وفاء مزياني ــ الصورة الشعرية في ديوان ابن هاني الأندلسي

المرفقات

: محمد طاهر الصفار