ان مصطلح الذكاء في مجال علم النفس الحديث هي لفظة عامة واسعة المدلول فهي تارة تعنى بسرعة الفهم وتارة اخرى تعنى بقوة النقد والابداع والاختراع.. اضافة الى المقدرة على حل المشكلات واجتياز العقبات والمنغصات والتكيف مع الحالات الجديدة القائمة.
لقد ركز كثير من الباحثين في هذا المجال جل اهتمامهم وعن طريق البحث العلمي على ان يفصلوا هذا المفهوم العام – الذكاء – ويميزوا بين انواع عديدة منه بحسب من يتمتع بها دون غيره من الافراد.. فقسمه البعض الى ذكاء عملي- وهو مختص بذكاء الصانع المبدع او الشخص الاداري - ، وذكاء تأملي الهامي او ما اطلق عليه فيما بعد تسمية الذكاء الفني – وهو مختص بالفنانين التشكيليين والشعراء والخطباء وغيرهم-، هذا فضلاً عن الذكاء التخيلي المختص بالمهندسين والعلماء والذكاء التفكيري المجرد الملازم لرجال التشريع والتحليل، وهناك من رشح مسميات اخرى من الذكاء.. فمنهم من ذهب الى وجود الذكاء الادبي والذكاء العلمي، وذهب آخر الى وجود الذكاء المادي الصناعي المتعلق بمهارة اليدين ودقة الانتاج والحركة، وهناك ايضاً من حدد مسميات اخرى من الذكاء كالذكاء النقدي والذكاء الابداعي والذكاء الشامل المتنوع والذي يتميز بتنوعه ويدفع بصاحبه الى الحيرة في الابداع بفرع ما دون الاخر من الذكاء الذي يحمله.
ويتميز الفنان عن غيره من المبدعين ان له نوعاً من الذكاء الى جانب نوع اساسي آخر الا وهو الذكاء التأملي او ما يسميه البعض بالذكاء الإلهامي البديهي، فالفنان يحمل الذكاء الخالق المبدع بالدرجة الاساس فيكون حاذقاً مبدعاً متميزاً في فنه وما يحيط به ، وقد يكون خاملاً في غير فنه في بعض الاحيان حينما يبتعد عن مقادير العلم والفلسفة والعالم المحيط به اي يبتعد بمقدار معين عن فلسفة النقد والتحليل المنطقي، وبما ان الفن معتمد بشكل اساس على البداهة والذكاء الإلهامي بعيداً عن العلم المعتمد على الذكاء التفكيري فنجده ينمو ويتطور سريعاً عند في الشعوب الفطرية، وقد اكد ذلك اغلب الباحثين في مجال الفن القديم حينما عثروا على قطع فنية رائعة من تركات الشعوب الشرقية العربية وغير العربية وتركات الشعوب الاوروبية الفنية الاولى وبعض قبائل افريقيا، والتي يبدو من خلالها انهم قد فهموا الفن فهماً بديهياً لأصول الفن والتي انطلق منها اليوم الفن الحديث متجهاً نحو الابتعاد عن الواقع ومحاكاة اشكاله باتجاه تبسيط الاشكال والخطوط كما هي الاشكال الاولى التي ينشأ عن اشكالها الغموض والايحاء والتوازن والايقاع الفني السليم المحاكي لبواطن الروح الانسانية.
من هذا المنطلق نستطيع القول ان بعض مفاصل الفن الحديث قد استمدت القوة والحياة الجديدة من خلال العودة الى الوراء واستلهام الية اشتغال واشكال الفن البدائي، والتي ازدهرت فنونها في اوروبا ودول الشرق العربي على وجه الخصوص، وذلك بعد السيل العلمي الكبير الذي رافق الثورة التقنية والتكنولوجية الحديثة التي كادت ان تودي بمسيرة الالهام والابداع الفطري وتقتلع جذورها الفنية، وهذ ما ايده اغلب الباحثين من خلال متابعتهم للفن العربي الشرقي انطلاقاً من ان الفنان الشرقي يرسم شعوره ولا يتقيد بالواقع.. وان الصورة الفنية لدى الفنان الشرقي ماهي الا قناع مموه تختفي خلفه حقيقة الاشكال، فهو ان صور غصناً انما اراد به دعوة المشاهد الى شحذ خياله ليتصور شجرة باسقة تفيض بفرح العيش.. تلك هي فطرة الانسان وتلك هي فطرة فناننا العربي وذكاءه الفني الالهامي المميز.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق