13 ــ ابن التعاويذي (519 - 583 هـ / 1125 - 1187 م)

ابن التعاويذي (519 - 583 هـ / 1125 - 1187 م)

قال من قصيدة تبلغ (76) بيتاً:

لطيبةَ والبقيـــــــــعِ و(كربلاءٍ)     وســــامـراءَ تغدو والغريِّ

وزوراءِ العراقِ وأرضِ طوسٍ     سقاها الغيثُ من بلدٍ قصيِّ

فحيـــــــا اللهُ من وارته تلكَ الـ     ـقبابُ البيضُ من حبرٍ نقيِّ (1)

الشاعر:

أبو الفتح محمد بن عبيد الله بن عبد الله المعروف بـ (ابن التعاويذي) وبـ (سبط ابن التعاويذي) ولد في بغداد وتوفي فيها، شاعر العراق في وقته (2) والكاتب الكبير، وكان كاتبا بديوان الاقطاع ببغداد (3)، لُقِّب بابن التعاويذي نسبة إلى جدّه لأمّه وهو المبارك بن علي بن نصر السراج الجوهري الزاهد (توفي 533 هـ) المعروف بابن التعاويذي أيضاً والذي كفله وربّاه. وجاء هذا اللقب نسبة إلى كتابة التعاويد (الأحراز) (4)

قال الشيخ الأميني: (أبو الفتح محمد بن عبيد الله البغدادي يعرف بابن التعاويذي وبسبط ابن التعاويذي وكلاهما نسبة إلى جده لأمه أبي محمد المبارك بن المبارك الجوهري. المعروف بابن التعاويذي المولود بالكرخ سنة 496، والمتوفى في جمادي الأولى سنة 553 ودفن بمقبرة الشونيزية) (5)

وجاء في ترجمة جده لأمه المبارك: (المبارك بن المبارك السراج البغدادي المعروف بابن التعاويذي، كان شيخاً صالحاً سديد السيرة يقعد في سوق الجوهريين ببغداد، وكان الناس يتبركون به، ولعل والده كان يرقي ويكتب التعاويذ) (6)

قال ابن خلكان في ترجمة أبي الفتح سبط ابن التعاويذي: (أبو الفتح محمد بن عبيد الله بن عبد الله الكاتب المعروف بابن التعاويذي الشاعر المشهور كان أبوه مولى لابن المظفر واسمه نشتكين فسماه ولده المذكور عبيد الله وهو سبط أبي محمد المبارك بن المبارك بن علي بن نصر السراج الجوهري الزاهد المعروف بابن التعاويذي وإنما نسب إلى جده المذكور لأنه كفله صغيرا ونشأ في حجره فنسب إليه وكان أبو الفتح المذكور) (7)

وقد تولى هذا الجد تربية سبطه فعُرِف به، أما أبوه فلم يذكر التاريخ عنه شيئاً سوى: (أنه كان مولى لبني المظفر واسمه (نشتكين) ثم أطلق عليه اسم عبيد الله). و(نشتكين) هو اسم فارسي (8)

ويقول الدكتور شوقي ضيف ويبدو أنه توفى وابنه لا يزال صغيرا، فكفله جده لأمه أبو محمد المبارك الزاهد المعروف بابن التعاويذى وكان صالحا، فقام على تربيته خير قيام، إذ ألحقه بكتّاب، ثم بحلقات العلماء فى المساجد، ولم يلبث أن استيقظت موهبته الشعرية، ولم تشمله عناية جده فحسب، فقد عنى به أيضا بنو المظفر مواليه، إذ أسبغوا عليه وعلى جده من أفضالهم الكثير، وكان لهم شأن كبير فى الدولة، إذ كان منهم وزراء وكتاب مختلفون، فألحقوه بدواوين الخلافة، واختاروا له الكتابة بديوان الإقطاع، وجعلته وظيفته فى هذا الديوان يتصل بكبار رجال الدولة وموظفيها المختلفين من غير بنى المظفر) (9)

في أقوال الأعلام

قال عنه ابن خلكان: (كان شاعر وقته لم يكن مثله، جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وهو في غاية الحسن والحلاوة، وفيما أعتقده لم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه ولا يؤاخذني من يقف على هذا الفصل فإن ذلك يختلف بميل الطباع) (10)

وقال عنه الشيخ عبد الحسين الأميني: (كان المترجم في الصدر من شعراء الشيعة، وفي الطليعة من كتابها الافذاد، يزدهي العراق بشعره المبهج وأدبه المبتلج، كما أن الكتب ضاءت بألق من كلمه، وضاعت بعبق من نشر فمه، وقد أصفقت المعاجم على الثناء عليه وذكر فضله الظاهر ومآثره الجمة) (11)

وقال السيد محسن الأمين: (وكل شعر أبي الفتح غرر وديوانه كبير يدخل في مجلدين جمعه بنفسه قبل أن يضرّ، وافتتحه بخطبة لطيفة ورتبه على أربعة أبواب، وما حدث من شعره بعد العمى سمّاه الزيادات، وهي ملحقة ببعض نسخ ديوانه المتداولة وبعض النسخ خلو منها، وله كتاب سماه (الحَجَبَة والحُجَّاب) في مجلد كبير ونسخه قليلة) ثم قال عنه: (مات ببغداد ودفن في مقبرة باب أبرز) (12)

وقال عنه معاصره العماد الأصبهاني: (هو شاب فيه فضل وآداب ورياسة وكياسة ومروة وأبوة وفتوة، وجمعني وإياه صدق العقيدة في عقد الصداقة، وقد كملت به أسباب الظرف واللطف واللباقة ...) (13)

وقال عنه السماوي: (كان فاضلاً جامعاً إلى الفضل الكمال، ومتحلياً بزينة كرم الخصال، وكان شاعراً جمع شعره العذوبة والرقة والفخامة والجزالة والانسجام) (14)

شعره وتشيّعه

قال ابن خلكان: (عُمي في آخر عمره سنة تسع وسبعين، وله في عماه أشعار كثيرة يرثي بها ويندب زمان شبابه وتصرفه، وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل العمى، وعمل له خطبة طريفة، ورتبه أربعة فصول) (15)

وقال ياقوت الحموي: (وكل شعره غُرَرْ) (16)

أما تشيُّعه فقد أثبته علماؤنا الأعلام فذكره السيد الأمين في الأعيان (17) وقال الشيخ عباس القمي: (أورده بعض علمائنا في رجال الشيعة. ونقل عن نسمة السحر قال: إنه من كبار الشيعة وذكر قصيدته في رثاء الحسين عليه السلام وأبياته المرسلة إلى ابن المختار نقيب مشهد الكوفة التي فيها التصريح بتشيّعه) (18)

حقق ديوان ابن التعاويذي المستشرق مرجليوث (19) وطبع في القاهرة سنة (1905)، وكتب نوري شكري الآلوسي دراسة عن حياته وشعره طبعت في كتاب ببغداد سنة (1975) بعد عثوره على نسخة مخطوطة سنة (585 هـ) واستدرك عليها (1590) بيتاً.

يقول ابن التعاويذي في القصيدة الحسينية التي تبلغ (76) بيتاً:

ولو أكـــرمتَ دمــــعَكَ يـا شؤوني     بكيتَ على الإمـــــــــــامِ الفاطميِّ

على المقتـــــــــولِ ظمـآناً فجودي     على الظمــــــــــآنِ بالدمعِ الرويِّ

على نجمِ الهدى الساري وبحرِ الـ     ـعلومِ وذروةِ الشــــــــــرفِ العليِّ

على الحامي بأطـــــرافِ العـوالي     حِمَى الإسلامِ والبطــــــــلِ الكميِّ

على الباعِ الرحيــــــــبِ إذا ألمّتْ     يدُ الأزمـــــــــــاتِ والكفِّ السخيِّ

على أندى الأنـــــــــامِ يداً ووجهاً     وأرجحهــــــــــــمْ وِقاراً في النديِّ

وخيرِ العــــــــــــــــالمينَ أباً وأمّاً     وأطهرهمْ ثــــــــــرىً عرقٍ زكيِّ

فما دفعوهُ عن حســــــــــبٍ كريمٍ     ولا ذادوهُ عن خُـــــــــــلقٍ رضيِّ

لئن دفعوهُ ظلمــاً عن حــقـوقٍ الـ     ـخلافةِ بالوشيــــــــــــجِ السمهريِّ

فما دفعوهُ عن حســــــــــبٍ كريمٍ     ولا ذادوهُ عـــــــــــن خُلقٍ رضيِّ

لقد فصموا عُرى الإســـلامِ عوداً     وبدأً في الحسيـــــــــــنِ وفي عليِّ

ويومُ الطفِّ قامَ ليـــــــــــــومِ بدرٍ     بأخذِ الثأرِ مــــــــــــــــن آلِ النبيِّ

فثنّوا بالإمامِ أما كــــــــــــــــفاهمْ     ضلالاً ما جـــــنوهُ على الـوصيِّ؟

رموهُ عن قلـوبٍ قاسيــــــــــــاتٍ     بأطــــــــــــــرافِ الأسـنَّةِ والقَسِيِّ

وأسرى مقدمـــــاً عــمـرُ بن سعدٍ     إليهِ بكلِّ شيطـــــــــــــــــانٍ غويِّ

سفوكٍ للدمــــــــاءِ على انتهاكِ الـ     ـمحـــــارمِ جـدّ مقـــــــــدامٍ جريِّ

أتاهُ بمحنقينَ تــجيــــــــــشُ غيظاً     صدورُهـــــمُ بـجيــــــــشٍ كالأتيِّ

أطافوا محدقــينَ به وعــــــــاجوا     عليهِ بكــــــــــــلِّ طـرفٍ أعوجيِّ

وكلِّ مثقـــــــــــــفٍ لدنٍ وعضبٍ     سريـــــــــــــــجـيٍّ ودرعٍ سابريِّ

فأنحوا بالصــــــــوارمِ مشرعاتٍ     على البرِّ التـــــــــقيِّ ابــــن التقيِّ

وجوهُ النارِ مظلــــــــــــمةٌ أكـبَّتْ     على الوجـــــــهِ الــهلاليَّ الوضيِّ

فيا لكَ من إمــامٍ ضرَّجـــــــوهُ الـ     ـدمَ القاني بخـــــــــــرصانِ القُنيِّ

بكتهُ الأرضُ إجــــلالاً وحـــــزناً     لمصـــــــــــرعِهِ وأمـلاكُ السميِّ

وغُودرتِ الخيــــامُ بــــــغيرِ حامٍ     يناضــــــــــــــلُ دونهـنَّ ولا وليِّ

فما عطفَ البغاةُ عـــــلى الفتاةِ الـ     ـحَصَانِ ولا عـلى الطـفلِّ الصبيِّ

ولا بذلوا لخــــــــــــــــــائفةٍ أماناً     ولا سمحـوا لظـمــــــــــــآنٍ بريِّ

ولا سفروا لثـــــــــــاماً عن حياءٍ     ولا كـــــــــــــرمٍ ولا أنــفٍ حميِّ

وساقوا ذودَ أهــــــــلِ الحقِّ ظلماً     وعُدواناً إلى الــــــــــــوِردِ الوبيِّ

تذودهمُ الرمـــــــاحُ كما تــذادُ الـ     ـركابُ عن المـــــــواردِ بالعصيِّ

وساروا بـالكرائمِ مــــــــن قريشٍ     سبايا فوقَ أكـــــــــــــوارِ المَطِيِّ

فيا للهِ يومَ نـــــــــــــــــــعوهُ ماذا     وعى سمعُ الرســــــولِ من النعيِّ

ولو رامَ الحـــــياةَ ســــــعى إليها     بعزمتِهِ نجاءَ المـــضـــــــــــرحيِّ

ولكنَّ المـــــنيَّةَ تــــحتَ ظـــلِّ الـ     ـرقاقِ البيضِ أجــــــــــدرُ بالأبيِّ

فيا عُصبُ الضلالةِ كـــيف جرتمْ     عـناداً عن صــــــــراطكمُ السويِّ

وكيفَ عـــدلتمُ مولــــودَ حجرِ الـ     ـنبوُّةِ بالغــــــــــــــويِّ ابنِ الغويِّ

فألقيتمْ ــ وعهــــــدكـــمُ قريبٌ ــ     وراءَ ظهـــــــــــوركمْ عهدَ النبيِّ

وأخفيتمْ نفـــــــــــــــــاقكمُ إلى أن     وثبتمْ وثبةَ الليــــــــــــثِ الضريِّ

وأبديتمْ حــــــــــــــــقودكمُ وعدتمْ     إلى الدينِ القديـــــــــــــمِ الجاهليِّ

ولولا الضغنُ ما ملتمْ على ذي الـ     ـقرابةِ للبعيـــــــــــــــــدِ الأجنبيِّ

كفى حرباً ضمــــــــــانكمُ لقتلِ الـ     ـحسينِ جـــــــــوائزَ الرفدِ السنيِّ

وبيعكمُ لأخراكمْ سِفـــــــــــــــاهاً     بمنزورٍ من الدنــيــــــــــــــــا بليِّ

وحسبكمُ غداً بأبيـــــــــــهِ خصماً     إذا عُرف السقيــــــــــمُ من البريِّ

صَليتمْ حربَه بغيـــــــــــــــاً فأنتمْ     لنارِ اللهِ أولــــــــــــــــــى بالصليِّ

وحرَّمتمْ عليهِ المــــــــــــاءَ لؤماً     وإقبـــــــــــالاً علـــى الخلقِ الدنيِّ

وأوردتمْ جيادَكمُ وأظمــــــــــــــأ     تموهُ شربــــــــــــــــتمُ غيرَ الهنيِّ

وفي صفينَ عانــــــــــــــدتمْ أباهُ     وأعرضتـــــــمْ عـــن الحقِّ الجليِّ

وخادعتمْ إمامَكمُ خـــــــــــــداعاً     أتيتمْ فيهِ بالأمــــــــــــــــــرِ الفَرِيِّ

إماماً كان ينصفُ في القضـــايا     ويأخذُ للضعيـــــــــــــفِ من القويِّ

فأنكــرتمْ حــديثَ الـشمسِ رُدَّتْ     له وطويتـــــــــــــــــمُ خبرَ الطويِّ

فجُـــوزيتمْ لبغضِكمُ عــــــــــلياً     عذابَ الخــــــلدِ في الـدركِ القصيِّ

سأهدي للأئمةِ مــــن ســــلامي     وغرِّ مدائحـي أزكـــــــــــــى هديِّ

سلاماً أتبعَ الوســـــــــــميَّ منه     على تلكَ المـشاهدِ بـــــــــــــــالوليِّ

وأكسو عـــــاتقَ الأيــــــامِ منها     حبائرَ كــــــــــــــــالرداءِ العـبقريِّ

حســـــاناً لا أريدُ بـــــــــهنَّ إلّا     مساءةَ كلِّ باغٍ خـــــــــــــــــارجيِّ

يضـــــوعُ لها إذا نُشـرتْ أريجٌ     كنشرِ لطــــــــــــائمِ المسـكِ الذكيِّ

كأنفاسِ النسيمِ ســــــــرى بَلِيْلاً     بهنَّ ذوائبَ الـــــــــــــــوردِ الجنيِّ

لطيبةَ والبقيـــــــــعِ و(كربلاءٍ)     وســــــــــــــامـراءَ تغــدو والغريِّ

وزوراءِ العراقِ وأرضِ طوسٍ     سقـاها الغيثُ مـن بــــــــــلدٍ قصيِّ

فحيــــــا اللهُ من وارتـه تلكَ الـ     ـقبابُ البيضُ من حبـــــــــــــرٍ نقيِّ

وأسبلَ صــــوبَ رحمتهِ دراكاً     عليها بالغــــــــــــــــــــدوِّ وبالعشيِّ

فذخري للمـعــــــــادِ ولاءُ قـومٍ     بهمْ عُرفَ السعيـــــــــــدُ من الشقيِّ

كفاني علمهـمْ أنّي معـــــــــــادٍ     عدوَّهمٌ، مـــــــــــــــــــــــوالٍ للوليِّ

......................................................................

1 ــ أدب الطف ج 3 ص 222 ــ 225 عن الديوان المطبوع بمطبعة المقتطف بمصر سنة ١٩٠٣ / الطليعة ج 1 ص 222 ــ 223 / الغدير ج ٥ ص ٣٩١ ــ 395

2 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 123 /

3 ــ معجم الأدباء للحموي ج 7 ص 31

4 ــ الأنساب للسمعاني ج ١ ص ٤٦٨

5 ــ الغدير ج ٥ ص ٣٨٦

6 ــ الأنساب للسمعاني ج ١ ص ٤٦٨

7 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 123

8 ــ . الأعلام ج ٦ ص ٢٦٠

9 ــ تاريخ الأدب العربي ج 5 ص 351 ــ 352

10 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 123

11 ــ الغدير ج ٥ ص ٣٨٦

12 ــ أعيان الشيعة ج 9 ص 395

13 ــ خريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء العراق) ج 3 ص 82

14 ــ الطليعة ج 1 ص 222

15 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 123      

16 ــ معجم الأدباء ج 2 ص 410

17 ــ أعيان الشيعة ج 9 ص 395

18 ــ الكنى والألقاب ج ١ ص ٢٣٥

19 ــ الأعلام ج ٦ ص ٢٦٠

كما ترجم له:

الصفدي / الوافي بالوفيات ج 4 ص 11

ابن تغري بردي / النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج 4 ص 11

ابن كثير / تاريخ ابن كثير ج 3 ص 80

ابن شحنة / روض المناظر في علم الأوائل والأواخر ص 291

ابن العماد الحنبلي / شذرات الذهب شذرات الذهب في أخبار من ذهب 4 ص 281

الصنعاني / نسمة السحر في من تشيع وشعر ج 2 ص 151

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 3 ص ٢٢١

جرجي زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية ج ٣ ص ٢٤

اليافعي / مرآة الجنان ج 2 ص 304 و 429

فريد وجدي / دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 777

المرفقات

: محمد طاهر الصفار