4 ــ إبراهيم العطار (1160 ــ 1230 هـ /1744 ــ 1814 م)

إبراهيم العطار الكبير (1160 ــ 1230 هـ / 1744 ــ 1814 م)

قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (27) بيتاً:

وإذا تمثلتُ الحسيــــــــنَ بـ (كربلا)    أصبحتُ ذا قــــــــلقٍ ودمعٍ جارِ

لم أنسه فرداً يجـــــــــولُ بحومةِ الـ    ـهيجاءِ كالأسَـدِ الهَزَبرِ الضاري

لا غروَ إن أضحى يكرُّ على العدى    فهوَ ابنُ حيدرةَ الــــــفتى الكرارِ (1)

وقال من قصيدة أخرى تبلغ (48) بيتاً:

ما سارَ عن دارِ الفناءِ مســـــــارعاً    إلا ليغتنـــمَ النعيـــمَ السرمـدا

ومن اغتدى جار الشهيدِ بـ (كربلا)    أضحى بجناتِ النعيـمِ مُخلّــدا

ليقرّ عيناً حيـــــــــــــثُ حـلَّ ببقعـةٍ    أمسى ثــــراها للنواظرِ إثمدا (2)

وقال في قصيدة حسينية أخرى أيضاً لم نعثر سوى على مطلعها:

هي (كربلاء) فقِــــفُ بأربعِها معي    نبكِ الشهيــــــــدَ بأعينٍ لم تهجعِ (3)

الشاعر:

السيد إبراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين بن رضاء الدين بن سيف الدين بن رميثة بن رضاء الدين بن محمد علي بن عطيفة بن رضاء الدين بن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن أبي نمي محمد نجم الدين الشريف – من أمراء مكة – وينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن (عليه السلام) من جهة الأب وإلى الإمام الحسين (عليه السلام) من جهة الأم. وهو والد السيد حيدر (جد الأسرة الحيدرية) (4)

ولد في بغداد ونشأ بها وتتلمذ على يد والده السيد محمد الذي كان من أعلام العلماء وكبار الأدباء فعني بتربيته وغذاه بعلمه فاقتفى سيرته وبقي ملازماً له حتى توفي السيد محمد عام (1171 هـ) فهاجر ولده السيد إبراهيم إلى النجف الأشرف مقتفياً أثر آبائه وسيرة أجداده في طلب العلم فحضر دروس أعلام عصره ولازم أستاذه السيد محمد مهدي بحر العلوم واتصل بأعلام ذلك العصر من العلماء والأدباء أمثال: محمد رضا النحوي، والسيد محمد زيني، والسيد صادق الفحّام، والشيخ جعفر صاحب كتاب كشف الغطاء وجد أسرة آل كاشف الغطاء، والشيخ محمد بن يوسف الجامعي، فبزغ نجمه بينهم وأحتل مكانة متميزة في صفوفهم.

عاش العطار في أواخر حياته ضريراً، فكان في هدأة الليل الطويل الذي يزحف بطيئاً.. ثقيلاً يناجي أحزانه بعد أن تساوى عنده الجديدان فأصبح لا يبالي بالصبح إذا أسفر فهو لا ينتفع بنور الشمس بعد أن كفّ بصره. كان الليل يحمل إليه بعض الراحة قبل أن يفيق على مأساة الدنيا كلها. صار شيخاً مريضاً عاجزاً أقعدته الشيخوخة وأنهكته العلة ولكنه مع كل هذه الآلام فقد كان مطمئن النفس هادئ الضمير أضفت عليه أعوامه السبعون وقاراً وجلالة فكان يصارع الداء وهو على يقين من حبه لأهل البيت (عليهم السلام) وتمسكه بهم فيسترسل في نجوى هادئة:

أيبريني السقــامُ وحسنُ ظنّي    ببرئي فيكمُ لا بل يقيني

وأخشى أن أضامَ وفي يقيني    وعلمـي أن حبَّـكمَ يقيني

وتتصاعد نفثاته من روحه المتأوّهة:

على مَ صددتمُ عـني وأنتمْ    على الإحسانِ قد عودتموني

لقد عجزتْ أطبائي ومـالي    سواكمْ منقــــــذٌ فاستنقذوني

وتغرورق عيناه بالدموع وهو يخاطب أئمته الطاهرين:

أبيت وللأسى نــــــــــارٌ بقلبي    فهل مـــن قائـــــلٍ يا نارُ كوني

متى يُجلى قذى عيني وتحظى    عقيب الفحــــــصِ بالفتحِ المبينِ

فدونكمو بني الزهــــراء نظماً    يفوقُ قـــــــــــــلائدَ الدرِّ الثمينِ

أرومُ به جلاءَ العينِ منــــــكمْ    بعينِ عنـــــــــــــــايةِ اللهِ المعينِ

عليكمْ أشرفُ الصلواتِ ما أن    شدتْ ورقٌ على ورقِ الغصونِ

وما ســـــــــارت مهجّنَةٌ إليكمْ    وسارَ بذكرِكمْ حــــادي الظعونِ (5)

كان هذا ديدنه كل ليلة، وفي إحدى الليالي من شهر شعبان من عام (1230 هـ) كان قد قضاها على نفس الوتيرة تطلع الليل إليه من بين النجوم تاركاً خلفه ما تبقى من ركام القتام وإذا هبط الفجر وتسللت خيوط الصبح الأولى أو كادت كان هذا الرجل في إحدى حجرات بيته في بغداد وقد أغمض عينيه كلياً متخطياً عتبة العالم الفاني وعلى شفتيه رجاء بأن ينعم بالنور الأبدي الذي ليس له انطفاء وهو شفاعة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام).

كان ذلك هو إبراهيم العطار من أبرز علماء وأدباء بغداد في عصره والذي سخر قلبه وقلمه لخدمة الدين ونصرة مذهب أهل البيت (ع).

قالوا فيه

قال الشيخ جعفر النقدي: (كان من ذوي الفضيلة والكمال أديباً جيد الشعر حي الشعور له مطارحات كثيرة مع أهل عصره وشعره الغالب عليه الحسن والرقة). (6)

وقال محمد السماوي: (كان فاضلاً فقيهاً مشاركاً، وتقياً زاهداً ناسكاً، وله شعر إلى أدب ومعرفة باللغة، ومحاضرات لأدباء وقته). (7)

ووصفه السيد جواد شبر بأنه: (شاعر مجيد تجول في مختلف أغراض الشعر ونجد في شعره صوراً لا نجدها عند غيره حتى ذاع صيته) (8)

وقال علي الخاقاني: (شاعر مجيد معروف، تجول في مختلف أغراض الشعر، وأصاب منها الحظ الأوفر..) (9)

وقال عنه الشيخ أغا بزرك الطهراني: (من علماء زمانه الأعلام وأدبائه المشاهير) (10)

وعرفه الأدباء شاعراً عقائدياً تفانى في الدفاع عن العقائد الحقة التي هي العامل المطلق الذي يسمو بالأخلاق وقد سخر قلمه للتعبير الصادق عن حبه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام).

والسيد العطار هو والد السيدين العلمين باقر وحيدر من أعلام العراق، والسيد حيدر هو الجد الأعلى لأسرة الحيدري المعروفة وهو الذي جمع ديوان والده الضخم الذي يحتوي على أربعة آلاف بيت أغلبه في مدائح ومراثي أهل البيت (عليهم السلام) وهو موجود بمكتبة السيد هادي الحيدري (11)

قال العلامة أغا بزرك الطهراني في ترجمة ابنه: (رأيت له في مكتبة الشيخ محمد السماوي مجموعة بخط المترجم جمع فيها مراثي والده ومنها مرثية له) (12)

وقد أعيدت كتابة الديوان حيث ذكر السيد جواد شبر: (أن ديوان العطار مخطوط بخط الوجيه السيد عبد العزيز ابن السيد عباس ابن السيد ابراهيم ابن السيد حيدر ابن الشاعر، ومن جملة مراثيه التي رثى بها الإمام الحسين قوله في مطلع قصيدة:

بكت عيني وقل لها بكاها    ولو مزجت بأدمعِها دماها

وقال في مطلع قصيدة أخرى:

هي (كربلاء) فقف بأربعها معي    نبك الشهيدَ بأعينٍ لم تهجعِ (13)

شعره

زخر شعر العطار بمآثر أهل البيت ومدائحهم ومراثيهم وخاصة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) يقول في إحداها

لم أبكِ ذكرَ معالمٍ وديـــــــــــــــــــارِ    قد أصبحتْ مـمـــــــحوةَ الآثارِ

واستوحشتْ بعد الأنيـــــسِ فما ترى    فيهنَّ غيرَ الــــــوحشِ من ديَّارِ

كلا ولا وصلُ العـــــــــذارى شاقني    فخلعتُ فــي حبِّي لهنَّ عـذاري

كلا ولا بــــــــــــــرقٌ تألّقَ من ربى    نجدٍ فهيَّــــجَ مُذ سَرى تذكـاري

لكن بكيـــــــــــتُ وحقَّ أن أبكي دماً    لمصابِ آلِ المصطفى الأطـهارِ

وإذا تمثلتُ الحـــــــــسينَ بـ (كربلا)    أصبــــــحتُ ذا قلقٍ ودمعٍ جـارِ

لم أنسَه فــــــــــرداً يجولُ بحومةِ الـ    ـهيجاءِ كالأسدِ الهزبرِ الضاري

لا غروَ إن أضحى يكرُّ على العدى    فهوَ ابنُ حيــدرةِ الفـــتى الـكرارِ

حتى أحِـــــــــــيطَ بهِ وغُودرَ مُفرداً    خلواً من الأعــــــوانِ والأنصارِ

يا للحماةِ لمصـــــــــــــــــعبٍ تقتادُه    أيدي الرَّدى بـــــــــأزمَّةِ الأقدارِ

يا للمــــــــــــــــــلا لدمٍ يـطلّ مُحَللاً   بمحرَّمٍ لمحمــــــــــــــــدِ المختارِ

وبنوهُ صرعى كالأضـــــاحي حوله    ما بين بدرِ دجىً وشــــمسِ نهارِ

أينَ الخضارمةُ القماقمُ مِـــــــن بني    مضرٍ وأيـــــنَ ليـوثُ آلِ نـزارِ؟

كمْ مِن مــــــــــــــــخدَّرةٍ لآلِ محمدٍ    قد أبرِزتْ حــسـرى من الأستارِ

نحرٌ له الهــــــــــــــادي النبيُّ مقبِّلٌ    أضحتْ تقبِّله شفـــــــــــــاهُ شفارِ

صدرٌ يرضَّضُ بالخيـــــــــولِ وإنّه    كنزُ العلــــــــــومِ وعيبةُ الأسرارِ

يا جدّ هل خُبِّرتَ أن حمــــــــــــاتَنا    قد أصبحوا خــــــبراً من الأخبارِ

يا مدركَ الأوتــــــــــــارِ أدركنا فقد    عظمَ البلا يا مــــــــدركَ الأوتارِ

فإليكَ يا غوثَ العـبــــــــادِ المُشتكى    ممَّا ألمَّ بنا من الأشــــــــــــــرارِ

والمؤمنونَ علـى شفا جرفِ الرَّدى    فبدارِ يا ابنَ الأكـــــــــرمينَ بدارِ

يا سيِّداً بكتِ الوحوشُ عليـه في الـ    ـخلواتِ والأطيارُ في الأشـــــجارِ

يا منيــــــةَ الكرارِ بل يا مـهجةَ الـ    ـمختارِ بل يا صفـــــــــــوةَ الجبارِ

أتزلُّ بي قـــــــــــــــدمٌ ومثلك آخذٌ    بيدي وأنتَ غداً مُقيـلُ عِثــــــاري

ويذوقُ حرَّ النارِ مـن يُنمى إلى الـ    ـكرار وهو غــــــــــــداً قسيمُ النارِ

أو يختشي منـــــــــــها ونارُ سميةٍ    بكمُ خبتْ في ســـــــالفِ الأعصارِ

ولقد بذلتُ الجــــهدَ في مدحي لكم    طمـــــــعاً بأن تُمحى بكمْ أوزاري

صلّى الإلهُ عليـــــــــــــكمُ وأحلّكمْ    دارَ الســــــــــلامِ فنعمَ عُقبى الدارِ (14)

ومن قصيدة حسينية أخرى يبدأ كل بيت فيها بمفردة (لهفي) يقول:

لهفيْ لتلكَ الــــرؤوسِ يرفعُها    على رؤوسِ الرمــاحِ أوضعُها

لهفيْ لتلكَ الجـســـــومِ عاريةٌ    وذارياتُ الصبــــــــــــــا تلفِّعُها

لهفيْ لتلكَ الصـدورِ توطأ بالـ    ـخيلِ ومنها العـــــــلـومُ أجمعُها

لهفيْ لتلكَ الأسـودِ قد ظـفرتْ    بها كلابُ الشقا وأضـبــــــــعُها

لهفيْ لتلكَ الأوصالِ تنهبُها الـ    ـسمرُ وبيضُ الظـبــــــا تقطعِّهُا

لهفيْ لتلكَ البدورِ تـأفلُ في الـ    ـتربِ وأوجُ الجـمـالِ مـــطلعُها

لهفيْ لتلكَ البـحورِ قد نضبتْ    وكم طما دافــــــــــــــــقاً تدفُّعُها

لهفيْ لتلكَ الجبـــــــالِ تنسفُها    من عاصفاتِ الضلالِ زعزعُها

لهفيْ لتلكَ الغصـــــونِ ذاوية    ومن أصــــــــولِ التقى تـفرُّعُها

لهفيْ لتلكَ الديارِ مــــــوحشة    تبكي لفقدِ الأنيـــــــــــسِ أربعُها (15)

.............................................................................................

1 ــ أعيان الشيعة ج ٢ ص ٢١٤

2 ــ نفس المصدر ص 215

3 ــ أدب الطف ج 6 ص 194

4 ــ موسوعة شعراء الكاظميين ج 1 ص 32

5 ــ أدب الطف ج 6 ص 189 / شعراء بغداد للخاقاني ج 1 ص 99

6 ــ الروض النضير في شعراء وعلماء القرن المتأخر والأخير ص 346

7 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 85

8 ــ أدب الطف ج 6 ص 191

9 ــ شعراء بغداد ج 1 ص 110

10 ــ الكرام البررة ج 1 ص 22

11 ــ موسوعة شعراء الكاظميين ج 1 ص 34

12 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين للكرباسي ج 1 ص 293 عن البارقة الحيدرية للطهراني

13 ــ أدب الطف ج 6 ص 194

14 ــ أدب الطف ج 6 ص 187 ــ 189

15 ــ موسوعة شعراء الكاظميين ج 1 ص 56 ــ 57

كما ترجم له:

جعفر محبوبة / ماضي النجف ج 3 ص 457

معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 1 ص 288 ــ 297 بالرقم 35

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 247

السماوي / الطليعة ج 1 ص 85 ــ 87

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 1 ص 50

المرفقات

: محمد طاهر الصفار