الأُسس المنهجية لتزكية النفس في مرويات الإمام السجاد - دراسة تأصيلية -

أ.م.د ضرغام كريم كاظم الموسوي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

         الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد

إن الاسلام بما لديه من مقومات معرفية تجعله قادرا على قيادة الانسان والمجتمع بل العالم نحو سعادة ابدية , فيما لو طبقت هذه النظم المعرفية, التي جاء بها القرآن والعترة, فان الاسلام يمتلك ما لا تمتلكه أي منظومة معرفية من قيم واساليب للنهوض بواقع الامة , ومن الاساليب التي يمكن من خلالها النهوض بواقع الامة هو البرنامج الالهي في تزكية النفس, الذي نجده حاضرا في مرويات أهل البيت عليهم السلام , وخطبهم ورسائلهم, وكل ما يحتاجه هو ابرازه, وتقنينه لأبنائنا الذين يعيشون اليوم في غربة معرفية, وتيه فكري , تجعلهم اتباع لبرامج اخلاقية تنتجها ايدي مسمومة للنيل من الاسلام واهله, واليوم وعلى هامش مهرجان تراتيل سجادية الذي تقيمه الامانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة دام شرفها , في ذكرى استشهاد الامام السجاد علي بن الحسن عليه السلام, الذي يعد سابقة فريدة في نوعها للتعريف بأئمة اهل البيت عليهم السلام ومكانتهم العلمية, اتقدم بهذا البحث الموسوم ( الاسس المنهجية لتزكية النفس في مرويات الامام السجاد دراسة تأصيلية) .

وانطلاقا من حاجة المجتمع لتعزيز القيم الاسلامية التي بها نطوّر واقعنا؛ لان الامم تسمو باخلاقها , وقيمها, ومن خلال مراجعة مرويات الامام السجاد عليه السلام وخاصة الصحيفة السَّجادية, وجدت أن هناك منهجا قد قرره الامام عليه السلام بين اثناء كلامه, يحتاج الى عملية تقنين, وبعقلي القاصر حاولت ان صوغها على شكل بحث منهجي فاتحا الباب الى من يأتي بعدي للبحث والتنقيب حول تلك الاسس, فبعد التوكل على الله , والبحث في تلك الروايات شرعت في كتابة هذا البحث , ومن الامور التي واجهتها في خلال البحث أني لم اجد اتفاق حول المنهج العلمي للتزكية, فمنهم من ركز اولا على مبدأ التخلي , ثم التحلي , أو بالعكس , وبعضهم ركز مثلا على العيوب النفسية وتركها والتحلي بمحاسن الاخلاق, فلم اجد هناك منهجا متبعا يصور لي حركة السالك ومن اين يبدأ وما هو النسق الذي يتبع حتى لا يكون السالك مضيعا للوقت والحقيقة .

واقتضت منهجية البحث ان يكون على مقدمة , وثلاثة مباحث كان نصيب البحث الاول هو بيان الاطار النظري لمفاهيم البحث التي هي الاسس, والمنهجية , والتزكية , والنفس الانسانية, من خلال تعريف تلك المصطلحات لغة واصطلاحا , وهذا ما بينته في المطلب الاول,  ثم عرجت في المطلب الثاني على فائدة تزكية النفس على الفرد والمجتمع , ثم انتقلت في المطلب الثالث الى المقومات التي تقوم عليها عملية التزكية, وكان التركيز على اهم المقومات التي خلت منها بعض الابحاث الا وهو المنهج الصحيح , واهميته في التزكية, اذ كلما كان المنهج صحيحا وسليما كلما وصل الى اقرب نقطة من القرب الالهي, أما اذا حصل خلل في تلك المنهجية فانه يزدد بعدا, فكلما ابحر فيه بعيدا عن شاطئ المعرفة كلما ابتعد عن الله عز وجل .

اما المبحث الثاني فقد وسمته بـ (الاسس المنهجية النظرية لتزكية النفس ) , فقد تعرضت الى الجانب النظري لتلك الاسس وبيانها من خلال كلمات الامام السجاد عليه السلام, وكان على مطالب تعرضت في المطلب الاول الى معرفة النفس ومحوريتها في عملية التزكية. اما المطلب الثاني وهو معرفة الله عز وجل الذي لو تمت تتم جميع المعارف الاخرى , وهذا من الامور المهمة التي تبدأ بها الرحلة للسالك , ولها مقامات متعددة وكثيرة نبينها في اثناء البحث. ويعد هذا المطلب ( معرفة الله عز وجل) تتمة للمطلب الاول ؛ لان معرفة النفس اساس معرفة الله عز وجل فقد ورد في الاثر: " مَنْ‏ عَرَفَ‏ نَفْسَهُ‏ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّه"‏([1]) , وهذا ما وجدناه حاضرا وشاخصا في مرويات الامام السجاد عليه السلام.

اما المطلب الثالث وهو معرفة الشيطان , هذا الاصل المهمة في عملية التزكية ونلاحظ ان جل كتب التزكية لم تتعرض له بالبيان او التفصيل وماهيته وكيف التعامل معه كعدو , فان اساس الانتصار في أي حرب قائم على معرفة العدو , وكيفية التخلص منه, وجميل ما صوره الامام الصادق عليه السلام في التخلص من الشيطان بقوله : " فَكُنْ مَعَهُ – اي الشيطان- كَالْغَرِيبِ مَعَ كَلْبِ‏ الرَّاعِي‏ يَفْزَعُ إِلَى صَاحِبِهِ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ كَذَلِكَ إِذَا أَتَاكَ الشَّيْطَانُ مُوَسْوِسا"([2]).

 اما المبحث الثالث فانه تعرض الى اسس تزكية النفس اجرائيا , وهي الاسس ذاتها التي قدمنها في المبحث الثاني, لكن هنا على المستوى العملي والآليات الكفيلة في اعداد النفس ازاء تلك المتطلبات عمليا, فتعرضنا في المطلب الاول للأمور التي تساعدنا في تصور واعداد منهج قويم وصحيح من خلال ما بينه الامام السجاد في سيرته العلمية والعملية, في اعداد النفس وتزكيتها, اما المطلب الثاني فقد تعرض الى ما يعزز العلاقة ما بين العبد وربه والسبل التي توصل الانسان الى المعرفة المطلوبة عن المعبود , وهذا ما تجلى في كتاب التوحيد للإمام السجاد عليه السلام, اما المطلب الثالث فكان ميدانا عمليا للتخلص من مزالق الشيطان وشباكه . وختام البحث بنتائج وقائمة بأهم المصادر التي استعنت بها

 

 

تمهيد

عندما اتأمل نفسي من خلال مرويات الامام السجاد عليه السلام اجدها قد احيطت بقوتين الاولى هي الله عز وجل , والاخرى الشيطان لعنه الله , فهنا حصل لي تصور اولي حول تزكية النفس واسسها المنهجية, واظن انها جديدة في بابها , إذ أن وجدت الامام السجاد عليه السلام يركز على محاور ثلاثة وهي: الله عز وجل , والنفس, والشيطان, فلكي احصل على اقرب تصوير لهذا المنهج كان عليَّ ان أقرا مرويات الامام وخصوصا ما يتعلق بالأدعية المأثورة عنه عليه السلام , لاستنطاقها في كيفية تزكية النفس وما هي الطرائق المنهجية التي يمكن ان تكون منهجا علمية لتزكية النفس.

ورب سائل يسأل لماذا مرويات الامام السجاد عليه السلام؟ اقول: لانَّ هذه المرويات قد اشتملت على ضروب من المعارف, والتي إذا ما التمسها أو تذوقها القارئ يجد نفسه امام بحر كبير من المعارف التي ترسم للإنسان مسيرة حياته, وتقربه من الله عز وجل, فالملحوظ فيها هو نسبة المعلولات الى علتها, وهو الله عز وجل, لتعزيز هذا الامر في نفس الانسان , وخاصة بعد ان تذعن نفسه بأن كل هذه المعلولات ترجع الى الله عزوجل, فاشتمال الادعية على هذه الانماط من المعارف والعلوم يقوي يقين السالك واستشعاره الى تلك العلة المسيطرة على هذا الكون.

اضف على ذلك ان هذه الادعية التي أُثرت عن الامام السجاد نجد أنها بينت منازل السائرين الى الله وخصوص في المناجاة الخمس عشرة , فهي لم تكن اعتباطية , أو من غير قصد , فقد ذكرها الامام عليه السلام لتأسيس منهج تربوي للعباد, لمعالجة العيوب التي تعتري النفس الانسانية , فكل واحد من تلك المناجاة تعالج ثغرة من الثغرات التي يخرج منها ابليس على النفوس فيقهرها.

وكان المحور الآخر والاساس الذي بينته هذه المنظومة المعرفية التي أسسها الامام عليه السلام, هو تعريفه بالعدو الازلي والقديم , فمن خلال النظرة الاولى لمرويات الامام يظهر لنا كيف ان الامام حث وحذر, وبين اساليب التعامل مع هذا العدو الذي يحتاج الى العدة والاستعداد والمرابطة المستمرة , ومرابطته تختلف عن مرابطة العدو الخارجي ,إذ مرابطته تحتاج الى عدم الغفلة دوما .

فرأيت ان هذه المحاور الثلاث (معرفة الله , ومعرفة النفس , ومعرفة الشيطان) اذا ما روعيت فإنها تقود الانسان الى بر الامان, وتجعله دوما في دائرة رضا الله عز وجل.

المبحث الاول الاطار النظري لمفاهيم البحث واهمية تزكية

المطلب الاول معنى مفردات العنوان

أولا: الاسس لغة واصطلاحا.

الاسس لغة : الاسس جمع أس وهو ما يقوم عليه غيره من بناء([3]), فبعدمه العدم, ووجوده لا يلزم وجود ما يقوم عليه ,  فهو يحدد نوع البناء وقوته , وقد ذهب ابن فارس الى انه يدل على ما ثبت من الاشياء وتوطد([4]).

ومن خلال الحيثيتين التي ذكرتا من قِبل الخليل, وابن فارس, نستطيع ان نقول: انه ما ثبت وتوطد لبناء غيره عليه.

الاسس اصطلاحا: هو مجموعة مفاهيم مستوحاة من مرويات اهل البيت عليهم السلام تعد قاعدة لبناء الانسان والانطلاق به الى اعلى مراتب الرقي الانساني.

ثانيا: معنى المنهج لغة واصطلاحا .

المنهج لغة : المنهج من نهج, وهو الوضوح والاتساع, ويقال طريق نهج أي واضح([5]) . الا ان ابن فارس اطلقه على الطريق فقال " النهج الطريق" ([6]) . والذي عليه اليوم المعاجم انه الطريق.

المنهج اصطلاحا: هو الطريق الذي يتبع إجرائيا للوصول بالإنسان الى اسمى مراتب الانسان الكامل.

ثالثا: معنى التزكية لغة واصطلاحا.

التزكية لغة : اختلف في دلالتها فمنهم من قال : إن زكا هو الطهارة, ومنهم من قال: هو النماء([7]) , اذ يراد به مطلق الانماء وتكون بحسب القيد الذي تضاف له, وذكر ابن منظر معنى آخر وهو الصلاح . وذهب السيد حسن مصطفوي الى أن اصله ليس النماء, وانما هو تنحية كل ما يلزم تنحيته([8]).

اقول ان معنى التزكية من خلال ما تقدم يتفق كثيرا مع الصلاح ؛ لان كل المعاني التي ذكرت تتفرع عنه .

التزكية اصطلاحا: لا يبتعد المعنى الاصطلاح عن المعنى اللغوي المختار إذ المراد منه اصلاح الانسان نفسه وتوجيهها الى ما يسمو بها ويرفعها.

رابعا: معنى النفس لغة واصطلاحا.

النفس لغة: جاء في لسان العرب ان النَّفْسَ في كلامِ العَرَبِ يَجْرِي على  نحوين: " أَحَدُهما قولُك: خَرَجَتْ نَفْسُه أَي رُوحُه, الآخر: مَعْنَى النَّفْسِ فيه جُملةُ الشْيءِ وحقِيقتُه أو ذاته"([9]).

ووقع تسامح في استعمال النفس عند الاعلام , فقد اطلقوها على الروح , واطلقوا النفس على الروح, واستعملوا احدهما مكان الاخرى, على حين نجد ان نفس تغاير الروح . وإنْ ذهب بعض الى أنهما مترادفان, مثل أبي بكر بن الأنباري: إذ قال الرُّوح والنَّفس واحِدُ، غيرَ أن الرُّوح مذكَّر والنفس مؤنثة عند العرب([10]).

النفس اصطلاحا: ان النفس تختلف عن الروح فهي القوة المريدة في الجسم والمختارة ولها شهوات ورغبات وهي التي تحاسب وتعاتب وعليه ظاهر النص القرآني وهي التي تقبض عند النوم , وهي التي تكتسب الحسنات والسيئات, وهي التي تُأمر وتنهى , أما الروح فهي ما يقوم بها البدن وهي اشبه بالكهرباء المحركة للجسد , وهي لا تغادر الجسد الا عند الموت ولم يعاتب القرآن أو يوبخ الروح , وانما كان الكلام كله للنفس .

فهي غير العقل , وغير الروح , وهي تنتج من اجتماع الروع بالجسد , وهي التي تعرف بـ(الانا). فهي صاغية للعقل وتوجه البدن فان كان اصغاؤها حق فان تصرفها يكون حق, وان لم تمتثل للعقل كانت موجهة للبدن الى الهلاك .

خامسا: معنى تزكية النفس كمصطلح:

من خلال مراجعة القرآن الكريم نجد أن مصطلح تزكية النفس مصطلح قرآني قد ورد في اكثر من آية, منها قوله تعالى:" أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتيلا" ([11]) , وقوله تعالى: " فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ "([12]) , وقوله تعالى :" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها"([13]).

فوجدت تعاريف كثيرة لهذا المصطلح , ولكن قد كفانا السيد محمد باقر السيستاني دام عزه في تعريف تزكية النفس بتعريف قد جمع ما كان يجول في الذهن وهو : " تخليص الانسان نفسه من الحواجز النفسية التي تحول دون تدفق المشاعر الحكمية المناسبة لعلومه وادراكاته الذهني"([14]).

فان قوام التزكية يقوم على نوع المُدرك وفهمه, والتصرف على وفق اهمية المُدرك وخطورته , فالإنسان عندما يدرك أن في الحجرة عقربٌ فانه يجب أن يتصرف مع ذلك الادراك بما بتناسب معه, وإلا اعاب عليه العقلاء تجاهله لذلك الادراك, فان قدرة الانسان على تجاوز الحواجز التي تمنع سريان الادراك يعد فتحا؛ لأنه بدا بعملية واعية في النزوع الايجابي عن الرغبات والميول التي تزاحم الإدراك.

المطلب الثاني : فائدة معرفة النفس .

ان الديانات السماوية تُجمِع بعد التوحيد على امر واحد وهو تزكية النفس, فهي مدار بعثة الانبياء, ورسالتهم التي جاهدوا في ارسائها.

وللتزكية فوائد معنوية ومادية لا يمكن ان تنكر من خلال تتبع النصوص القرآنية والروائية, وبما انا قيدنا بحثنا في خصوص مرويات الامام زين العابدين عليه السلام يمكن أن نصور هذه الفوائد بالنقاط الآتية:

ان تزكية النفس طريق الى نيل حب الله عز وجل, والفوز بالدارين قال الامام السجاد عليه السلام: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُكُمْ عَمَلًا, وَ إِنَّ أَعْظَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَمَلًا أَعْظَمُكُمْ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ رَغْبَةً, وَ إِنَّ أَنْجَاكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لِلَّهِ وَ إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنَ اللَّهِ أَوْسَعُكُمْ خُلُقاً وَ إِنَّ أَرْضَاكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَسْبَغُكُمْ عَلَى عِيَالِهِ‏, وَ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَلَى اللَّهِ أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ)([15]). ان تزكية النفس اساس كل خير, قَالَ السجاد عليه السلام:  (الْخَيْرُ كُلُّهُ صِيَانَةُ الْإِنْسَانِ‏ نَفْسَهُ‏)([16]), فالحديث ظاهر في ان صيانة النفس عن الهوى واتباع سبل الصلاح فيه كل الخير والالف واللام في الخير دلالة على العموم. وقال عليه السلام في حديث آخر قريب من هذا المعنى : (‏ ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ, وَ مَا كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّكَ, وَ مَا كَانَ الْخَوْفُ لَكَ شِعَاراً, وَ الْحَذَرُ لَكَ دِثَاراً, ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَيِّتٌ, وَ مَبْعُوثٌ, وَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَأَعِدَّ لَهُ جَوَابا)([17]). تجنب المعاصي , والفوز برضى الله عز وجل, قَالَ عَلِيُ‏ بْنُ‏ الْحُسَيْنِ‏ عليه السلام: (‏ الْعَقْلُ دَلِيلُ الْخَيْرِ وَ الْهَوَى مَرْكَبُ الْمَعَاصِي)([18]), إذ من يتجنب الهوى فلا يركب المعاصي, وهو دلالة باللازم فان من لجم هواه بعقال التدبر فلا يركب المعاصي. من آثار التزكية أن الله تعالى يمنحه الطافه , ويسخر له الكون وما فيه , ويجع غناه في نفسه, فعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ, عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عليه السلام يَقُولُ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ‏: وَ عِزَّتِي وَ عَظَمَتِي وَ جَلَالِي وَ بَهَائِي وَ عُلُوِّي وَ ارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ‏ عَلَى‏ هَوَاهُ‏ إِلَّا جَعَلْتُ هَمَّهُ فِي آخِرَتِهِ وَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَ كَفَفْتُ عَلَيْهِ صَنِيعَتَهُ وَ ضَمَّنْتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ رِزْقَهُ وَ آتيه [أَتَتْهُ‏] الدُّنْيَا وَ هِيَ رَاغِمَةٌ)([19]). وقال عليه السلام: (‏ مَنْ‏ كَرُمَتْ‏ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا ), وَ قِيلَ لَهُ: ( مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ خَطَراً؟ فَقَالَ عليه السلام : مَنْ لَمْ يَرَ الدُّنْيَا خَطَراً لِنَفْسِه‏)([20]).  التزكية دليل على الذنوب, فبها يتجنب الوقوع بالذنوب , يقول الامام السجاد عليه السلام: (إذا نصح العبد لله في سرّه أطلعه الله على مساوئ عمله ، فتشاغل بذنوبه عن معايب الناس)([21]). فالذي يتأمل يجد أنَّ ارشاد الله عز وجل له الى عيوبه وفعاله السيئة من النعم العظام والتوفيق؛ لان التعرف الى ما لا يريده الله ليس متاح لكل انسان.   ان العمل خلاف التزكية مضر للدين وممحق له , وان قيمة المرء بدينه قال الامام السجاد عليه السلام: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ اتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللَّهِ وَ مَا أَعْلَمُ إِلَّا كَثِيراً مِنْكُمْ قَدْ نَهَكَتْهُ‏ عَوَاقِبُ الْمَعَاصِي فَمَا حَذَرَهَا وَ أَضَرَّتْ بِدِينِهِ فَمَا مَقَتَهَا)([22]). التزكية طريق الى التطهير من الذنوب , ومعراج السالك, قال الامام السجاد عليه السلام: (وأن نتقرب إليك فيه من الاعمال الزاكية بما تطهرنا به من الذنوب). التزكية اساس قبول الاعمال , فمن لم تكن نفسه طاهرة فان ما يأتي به من اعمال لا يقبل منه, قال الامام السجاد عليه السلام: (ولا تحبط حسناتي بما يشوبها من معصيتك)([23]). ان العاقبة الحسنة هي مصير من زكيت نفسه وطابت قال الامام عَلِي‏ بْنِ‏ الْحُسَيْنِ‏ عليه السلام قَالَ: ( طُوبَى لِمَنْ طَابَ خُلُقُهُ وَ طَهُرَتْ سَجِيَّتُهُ وَ حَسُنَتْ عَلَانِيَتُهُ وَ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ وَ أَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ)([24]).

المطلب الثالث: مقومات تزكية النفس.

يجب توفر مجموعة من الامور حتى تتم عملية التزكية بنجاح وهذه الامور انتزعت من مرويات الامام السجاد ويمكن ان نوردها على شكل نقاط كالآتي:

موازنة وتحديد الامور المدركة واهميتها وخطورتها, والصدور والنزوع حسب ذلك الادراك اهمية وخطورة, وخصوصا فيما يتعلق بمصيرنا كبشر, فالإمام عليه السلام يحذر من الغفلة ,كما في قوله : (وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ الْغَافِلَ وَ لَيْسَ مَغْفُولًا عَنْهُ إِنَّ أَجَلَكَ أَسْرَعُ شَيْ‏ءٍ إِلَيْكَ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ حَثِيثاً يَطْلُبُكَ وَ يُوشِكُ أَنْ يُدْرِكَكَ فَكَأَنْ قَدْ أَوْفَيْتَ أَجَلَكَ وَ قَدْ قَبَضَ الْمَلَكُ رُوحَكَ وَ صُيِّرْتَ إِلَى قَبْرِكَ وَحِيداً )([25]).

فان من ادرك ان الموت يطلبه يقتضي منه كعاقل ان يتأهب ويأخذ العدة للاستعداد لذلك اليوم, فان الادراك يحرك المرء العاقل على مقتضى اهمية وخطورة المدرك والا كان كالبهيمة او اضل سبيلا, فقال الامام السجاد عليه السلام في هذا المعنى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلَاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ، وَ أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ، لَتَصَرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَ تَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ. وَ لَوْ كَانُوا كَذَلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)([26]))([27]).

فلذلك تختلف محاسبة من ادرك عمن لا يدرك, قال الامام السجاد عليه السلام: ( إِذَا عَصَانِي‏ مَنْ‏ يَعْرِفُنِي‏ سَلَّطْتُ‏ عَلَيْهِ‏ مَنْ‏ لَا يَعْرِفُنِي‏ )([28]).

الشوق الى بلوغ الغاية الاسمى في الكمال الانساني, والسعي الجاد والحثيث اليها , والا مجرد الاماني لا تنال بها أي رغبة او دعوى, فجميل ما رسمه الامام بريشة العاشق الولهان بأبهى الون الحب السرمدي إذ يقول: ( إِلَهِي فَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ تَوَشَّحَتْ‏ أَشْجَارُ الشَّوْقِ‏ إِلَيْكَ‏ فِي حَدَائِقِ صُدُورِهِمْ وَ أَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجَامِعِ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ إِلَى أَوْكَارِ الْأَفْكَارِ, يَأْوُونَ وَ فِي رِيَاضِ الْقُرْبِ وَ الْمُكَاشَفَةِ يَرْتَعُونَ وَ مِنْ حِيَاضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلَاطَفَةِ يَكْرَعُون‏)([29]). تحديد الهدف : ان اساس التزكية مرتبط ارتباطا مباشر بالغاية التربوية والكون في ركب العبيد , فعند تخلف هذا الشرط فان عملية التزكية تسقط من رأس , ولا يبقى لصاحبها الا التعب والحسرة والندامة, فالذي يتأمل قوله تعالى يعرف ان اساس المجاهدة هو في الله وفي سبيله, قال تعالى: " وَ الَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنين‏ "([30]). فليحذر من طلب بالتزكية الرياء والسمعة, أو ارد منها المكاشفات والخوارق وقراءة الافكار وغيرها مما يرجوه من لا عقل له منها, فانه مصيره الانكشاف والوقوع وانها لا تؤتي ثمارها, فالمطالبة بالحظوظ النفسية فليس هذا سلوك حق . الصبر والتحمل : عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : "‏ لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام الْوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ يَا بُنَيَ‏ أُوصِيكَ‏ بِمَا أَوْصَانِي‏ بِهِ أَبِي حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ, وَ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ بِهِ يَا بُنَيَّ اصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ مُرّاً"([31]).

وقال عليه السىلام: "الصَّبْرُ مِنَ‏ الْإِيمَانِ‏ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ‏ مِنَ‏ الْجَسَدِ وَ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ" ([32]), وقال عليه السلام: " الصَّبْرُ وَ الرِّضَا عَنِ‏ اللَّهِ‏ رَأْسُ‏ طَاعَةِ اللَّهِ‏ وَ مَنْ صَبَرَ وَ رَضِيَ عَنِ اللَّهِ فِيمَا قَضَى عَلَيْهِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ لَمْ يَقْضِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ"([33]). ومما ضرب مثالا للصبر من سيرة الامام السجاد عليه السلام أنَّ خادما للامام اسْتَعْجَلَ " فَأَخْرَجَ‏ شِوَاءً مِنَ‏ التَّنُّورِ وَ أَقْبَلَ‏ الْخَادِمُ عَجِلًا وَ بِيَدِهِ السَّفُّودُ وَ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ وَلَدٌ لَهُ صَغِيرٌ فَسَقَطَ السَّفُّودُ عَلَى الصَّغِيرِ فَنَشَّ وَ مَاتَ فَبُهِتَ الْخَادِمُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عليه السلام وَ قَالَ: أَنْتَ لَمْ تَتَعَمَّدْ هَذَا أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَمَرَ بِمُوَارَاةِ الْوَلَدِ"([34]), ففي هذا المورد المفزع الذي يذهل العقل عند كل ابٍ عطوف, نجد ان الامام قد حزم كل مشاعره وربطها بحبل التعقل ,ثم اخجل العقلاء بتحريره ذلك العبد فسلام عليك ياسيدي يا جبل الصبر .

اتباع المنهج الصحيح والتخطيط المنهجي السليم: ان سبل النجاح في كل جوانب المعرفة مقرون بالتخطيط المنهجي, فكذلك تزكية النفس , فلا يمكن ان تصل الى المستوى المرجو ما لم تتم على منهج صحيح يكفل لنا الوصول الى الله عز وجل, وفي معرفة النفس هناك مناهج كثيرة , بعضها صحيح , وبعضها غير صحيح, وتكمن الخطورة في ان السير على وفق المنهج الخاطئ تزيد الانسان بعدا عن الله كلما ابتعد فيه عن نقطة الشروع, ولا بد لمن ارد خوض هذا المضمار ان يلجه من بابه وسبله, التي اسسها اهل البيت عليهم السلام , وقد بين الامام السجاد عليه السلام هذا من خلال ما يرويه عن موسى النبي عليه السلام : " اذ مرَّ برجل يدعو وهو رافع يديه إلى السماء يدعو، فغاب‏ في‏ حاجته سبعة أيّام، ثمّ رجع إليه و هو رافع يده إلى السماء يدعو فقال: يا ربّ، هذا عبدك رافع يديه إليك يسألك حاجة و يسألك المغفرة منذ سبعة أيّام لا تستجيب له!! قال: فأوحى اللَّه إليه: يا موسى، لو دعاني حتّى تسقط يداه أو تنقطع يداه أو ينقطع لسانه لم أستجب له حتّى يأتيني من الباب الذي أمرته" ([35]). إذ حبست الاجابة لعدم اتباع المنهج الذي يريده الله عز وجل, فالتزكية يجب ان تقوم على منهج علمي صحيح , كما ان لا نغفل انه لا منهج من دون التسديد وطالما كان الامام يسـأل الله عز وجل التسديد والهداية والاخذ باليد لطريقة النجاة , فكان من دعائه : " وَ اهْدِنَا لِمَا اخْتُلِفَ‏ فِيهِ‏ مِنَ‏ الْحَقِ‏ يَا رَبِ‏ إِنَّكَ‏ تَهْدِي‏ مَنْ‏ تَشَاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيم‏"([36]).  التطبيق العملي : ان العلوم الانسانية على ضربين : احدهما العلوم النظرية , والآخر العلوم التطبيقية, فالأول منهما ما يحصل بالفكر والنظر, والآخر ما يكون وجوده في عالم الخارجي , فالتزكية من العلوم التي لها الحيثيتان, فله مستوى نظري وهو ما يقرره العقل النظر, والآخر ما يقرره العقل العملي, فالاول يقرر ما يجب ان يُعلم والثاني يقرر ما يجب ان يُعمل, فالتزكية غايتها العمل, قال الامام السجاد عليه السلام : "يَا ابْنَ آدَمَ ارْضَ بِمَا آتَيْتُكَ تَكُنْ مِنْ أَزْهَدِ النَّاسِ, ابْنَ آدَمَ اعْمَلْ بِمَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكَ تَكُنْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ ابْنَ آدَمَ اجْتَنِبْ مِمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ تَكُنْ مِنْ أَوْرَعِ النَّاس"([37]). يجب ان يرافق جميع ما تقدم, وهو ما لا تنفك عنه جميع مراتب عملية التزكية وهو الاقتداء باهل البيت عليهم السلام والاعتقاد بمنزلتهم, وانهم باب لكل توفيق وهذا ما نجده واضحة وسمة بارزة في ادعية الامام السجاد اذ حاول ان يبين مكانتهم , وانها انتقال في ادعية أهل البيت اذ توجهت الى التوسل وبيان مكانتهم وهذا ما نجده واضحة وسمة بارزة في ادعية الامام السجاد اذ حاول ان يبين مكانتهم , إذ انها انتقال في ادعية أهل البيت عليهم السلام وجاءت هذه عقيب فاجعة كربلاء وبعد التجري على اهل البيت عليهم السلام, فكانت تأسيسا لإرجاع الامور الى نصابها من خلال تأكيد الامام السجاد عليه السلام على أهل البيت عليهم السلام في جل ادعيته ان لم نقل باجمعها, وانه عليه السلام جعل ذلك ميدانا تطبيقيا لكل ما اورده, فقد توسل في أكثر من 400 مورد من خلال  بمحمد صلى الله عليه واله وسلم. المبحث الثاني : الاسس المنهجية النظرية لتزكية النفس .

المطلب الاول: معرفة النفس:

ان معرفة الانسان بنفسه من أهم اسس عملية تزكية النفس ؛ لأنها بمقام العملية التربوية لها, وان أي عملية تربوية لا تتم الا بمعرفة المربِي بحقيقة وطبائع من يريد تربيته, كما أنها من اصعب المراحل التي يمر بها السالك هو معرفة النفس ؛ لما لها من جهات متعددة , ومراتب مختلفة , ولطالما نجد ان الامام السجاد يشكو الى الله النفس , فهذا خير دليل على عظيم خطرها , ولمعرفة النفس لا بد من المرور على النفس في القرآن الكريم من خلال مراجعة ما كتبه المفسرون حولها, ففي تفسير قوله تعالى: " وَ نَفْسٍ‏ وَ ما سَوَّاها "([38]), نعرف سبب عدّ النفس هي الاصل الاول في عملية التزكية ؛ لان الغاية من اصل الخلق والتسوية بنظام متقن للنفس الملهمة هو الوصول الى التزكية([39]), ثم ان الله عز وجل قدم لفظ (النفس) على مسوِّيها لحكمة دقيقة بينها الامام علي عليه السلام بقوله: " مَنْ‏ عَرَفَ‏ نَفْسَهُ‏ عَرَفَ رَبَّهُ" ([40]) , كما ان الامام السجاد عدَّ النفس هي اعدى الاعداء فقال: " وَ اللَّهَ‏ اللَّهَ‏ فِي‏ الْجِهَادِ لِلْأَنْفُسِ‏ فَهِيَ‏ أَعْدَى‏ الْعَدُوِّ لَكُمْ فَإِنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي"([41])وَ إِنَّ أَوَّلَ الْمَعَاصِي تَصْدِيقُ النَّفْسِ وَ الرُّكُونُ إِلَى الْهَوَى"([42]).

ومن هنا ارتأى الباحث تقديم اصل معرفة النفس حتى يكون الانسان على معرفة تامة بها, ويصونها عما يخرجها من حد الانسانية الى حد البهيمية([43]), كما يجب ان نعرف ان النفس لها قدرة فطرية في معرفة التقوى والفجور, بل ان لها شأن قانوني معتبر عن خالقها من حيث التنجيز والتعذير, وهذا صريح الكتاب الكريم وكما قال تعالى: " بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصيرَة"([44]), وعندما بيّن اهل البيت عليهم السلام هذه الآية المباركة كانت لهم وقفات معها حول كيفية امتثال الانسان التكاليف الموجه اليه, وكيف يحدد موقفه العملي اتجاهها, وكيف انها اوكلت الى الانسان اعترافا بتلك القوة الموجودة عند الانسان في تحديد ما هو الواقع , فمثلا عندما سئل الامام ابو عبد الله عليه السلام "عَنِ الْخَفْقَةِ وَ الْخَفْقَتَيْنِ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا الْخَفْقَةُ وَ الْخَفْقَتَانِ, إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: " بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ"([45]), فاوكل الامر الى النفس في معرفة ذلك.

 وأخرى يحيل الامام ابو عبد الله عليه السلام الامر الى النفس في تحديد الموقف العملي إذ قال: " إمَا حَدُّ الْمَرَضِ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَ الْمَرَضِ الَّذِي يَدَعُ صَاحِبُهُ الصَّلَاةَ قَائِماً قَالَ‏: " بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" وَ قَالَ: ذَاكَ إِلَيْهِ هُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ"([46]).

ان تركيبة النفس تقتضي منا معرفة تامة حتى نستطيع التعامل معها وسياستها على الوجه الذي يضمن لنا السلامة في الدارين, فكلما كان الانسان على معرفة بمركبه الذي يسافر فيه كلما كان اجتيازه الطريق بسهولة ويسر, قال الامام علي عليه السلام: " إِنَ‏ نَفْسَكَ‏ مَطِيَّتُكَ إِنْ أَجْهَدْتَهَا قَتَلْتَهَا وَ إِنْ رَفَقْتَ بِهَا أَبْقَيْتَهَا، إِنَّكَ إِنْ أَخْلَلْتَ بِهَذَا التَّقْسِيمِ فَلَا تَقُومُ فَضَائِلُ تَكْسِبُهَا بِفَرَائِضَ تُضَيِّعُهَا"([47]). فلنرجع الى النفس الانسانية ونلاحظ مم تتكون, وكيف تتحرك , وما هي اهم خصائصها التي يجب ان نعرفها وهذه الامور يمكن ان نصورها بما يأتي:

اولا: مِمَّ تتكون النفس الانسانية :

النفس حقيقة واحدة , وليست متعددة الاجزاء, لكن لها ابعاد مختلفة , والناظر اليها من جهات متعددة يحسبها خليط من الكمال ويتجسد بالعلم والادراك, وجهة نقص متجسدة بالشهوة والغضب , و محل للانفعالات الادراكية ومحل للانفعالات غير الادراكية, ويراها مطمئنة من جهة, واخرى يراها امارة, وأخرى يراها لوامة, واخرى يراها مسوّلة , وهكذا, لكن حقيقة الامر ان النفس هي حقيقة واحدة كما تقدم , وان الله سواها بنظام متقن ملهم بالتقوى والخير.

ثانيا: كيف تتحرك النفس:

يصور احد العلماء حركتها من خلال وجود جيشين جيش للعقل , وجيش للنفس, فعندما يريد الانسان ان يتصرف ازاء مسألة ما تحصل هناك معركة بين هذين الجيشين فايهما انتصر كان السلوك والتصرف ازاء تلك القوى المنتصرة([48]), وطبيعي ان هذا بمرور الزمن يصبح طبيعيا؛ لان احتلال قلاع الخير من قبل جنود الشر يسبب استسلام جنود الخير وخنوعهم وعدم تصديهم لاي عملية تغيير, فهذا تقريب, لحركة النفس, فلذلك نجد كل انسان لم يصل الى معرفة النفس التامة يواجه اختلاجات في اي تصرف, بل نجد لديه اقدام واحجام في ما يريد ان يفعله , وهذا قد مرَّ به كل منا, فمن خلال السيرة العقلائية نجد ان السحرة عندم ايقنت انفسهم ان ما جاء به موسى عليه السلام ليس سحرا كانت ردة فعلهم غير مسبوقة او مقرونة بأي اختلاج او تردد, فهذا يحتاج منها ان نلاحظ هذا في انفسنا وكيف تكون حالنا عند اي تصرف ازاء اي مسألة حتى نتأكد من هذه الدعوى,

ثالثا: خصائص النفس:

تميزت النفس الانسانية بمجموعة من الخصائص, صورها الامام السجاد عليه السلام بأروع صور البيان الادبي, إذ يقول: " إِلَهِي‏ إِلَيْكَ‏ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً, وَ إِلَى الْخَطِيئَةِ مُبَادِرَةً, وَ بِمَعَاصِيكَ مُولَعَةً, وَ بِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً, تَسْلُكُ بِي مَسَالِكَ الْمَهَالِكِ, وَ تَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هَالِكٍ, كَثِيرَةَ الْعِلَلِ, طَوِيلَةَ الْأَمَلِ, إِنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ, وَ إِنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ, مَيَّالَةً إِلَى اللَّعِبِ وَ اللَّهْوِ, مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَ السَّهْوِ, تُسْرِعُ بِي إِلَى الْحَوْبَةِ, وَ تُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ "([49]), ويمكن جعل الخصائص المتقدمة على شكل نقاط كالآتية:

انها تأمر بالسوء وتسوِّل له, وان الامام وظف النص القرآني في انتزاع هذه الصور من قوله تعالى: " وَ جاؤُ عَلى‏ قَميصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً " ([50]). وهذا يقتضي نظريا الحذر كل الحذر من تسويلها؛ لانَّه سهم من سهام الشيطان على مرِّ العصور . ان النفس مسوفة, من الامور الخطيرة التي تنتهجها النفسُ في تسكين واعية العقل التسويف بل تجعله مخدرا , ولا يلحظ ذلك الا بعد فوات الاوان, وتسويفها على نحوين :

       احدهما : تسويف العمل يقول الامام السجاد عليه السلام: " فَقَدْ أَفْنَيْتُ‏ بِالتَّسِّوِيفِ‏ وَ الْآمَالِ‏ عُمُرِي‏ "([51]).

       الآخر التسويف في التوبة: يقول الامام السجاد عليه السلام " وَ تُسَوِّفُنِي‏ بِالتَّوْبَة"([52]).

انها ميالة الى اللعب . قابلة للاستعمال المتعدد , فلذا قال الامام زين العابدين: " وَ حَقُ‏ نَفْسِكَ‏ عَلَيْكَ‏ أَنْ‏ تَسْتَعْمِلَهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ‏ عَزَّ وَ جَل‏ "([53]). وفي قبال ذلك ممكن ان تستعمل في غير طاعة الله , فيجب الحذر من هذه القابلية. انها متحسرة قال الامام زين العابدين عليه السلام: " من لم يتعزّ بعزاء اللّه تقطعت نفسه على الدنيا حسرات "([54]). انها خدوع يقول الامام : " إِنَ‏ نَفْسَكَ‏ لَخَدُوعٌ إِنْ تَثِقْ بِهَا يَقْتَدِكَ الشَّيْطَانُ إِلَى ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ"([55]).

وهناك كثير من الصفات التي ذكرها الامام صراحة في الدعاء المتقدم.

وقد جمع حديث الاسراء والمعراج للرسول الاكرم هذه الامور : " يَا أَحْمَدُ .... إِنَّ النَّفْسَ مَأْوَى كُلِّ شَرٍّ وَ رَفِيقُ كُلِّ سُوءٍ تَجُرُّهَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ تَجُرُّكَ إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَ تُخَالِفُكَ فِي طَاعَتِهِ وَ تُطِيعُكَ فِيمَا تكره [يَكْرَهُ‏] وَ تَطْغَى إِذَا شَبِعَتْ وَ تَشْكُو إِذَا جَاعَتْ‏ وَ تَغْضَبُ إِذَا افْتَقَرَتْ وَ تَتَكَبَّرُ إِذَا اسْتَغْنَتْ وَ تَنْسَى إِذَا كَبِرَتْ وَ تَغْفُلُ إِذَا آمَنَتْ وَ هِيَ قَرِينَةُ الشَّيْطَانِ وَ مَثَلُ النَّفْسِ كَمَثَلِ النَّعَامَةِ تَأْكُلُ الْكَثِيرَ وَ إِذَا حُمِلَ عَلَيْهَا لَا تَطِيرُ وَ كَمَثَلِ الدِّفْلَى لَوْنُهُ حَسَنٌ وَ طَعْمُهُ مُرٌّ يَا.."([56]).

المطلب الثاني : الاصل الثاني في تزكية النفس معرفة الله تعالى:

بعد ان تعرفنا على الاصل الاول وهو معرفة النفس, الذي به يترقى الانسان في التزكية نأتي لبيان الاصل الثاني, اذ الاخلاق وحدها لا تفي بالغرض يقول السيد الطباطبائي: " الأخلاق لا تفي بإسعاد المجتمع, ولا تسوق الانسان إلى صلاح العمل الا إذا اعتمدت على التوحيد, وهو الايمان بأن للعالم ومنه الانسان الها واحدا سرمديا لا يعزب عن علمه شيء, ولا يغلب في قدرته عن أحد خلق الأشياء على أكمل نظام لا لحاجة منه إليها وسيعيدهم إليه فيحاسبهم فيجزى المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بإساءته ثم يخلدون منعمين أو معذبين "([57]).

فالمعرفة بالله عز وجل كلما اتسعت كلما كان صدور الانسان عن تلك المعرفة منضبطا وممنهجا ووفق تعاليم الله عز وجل واحكامه , والمعرفة في اعتقادي يمكن ان نجعل لها حدود:

الاول: المعرفة القائمة على الحب:

فمن عرف الشيء على حد الحب كان مطيعا لمن يحب, قال الصَّادِق عليه السلام :‏ " مَا أَحَبَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَنْ عَصَاهُ" ثُمَّ تَمَثَّلَ فَقَالَ-

تَعْصِي الْإِلَهَ وَ أَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ‏

هَذَا مُحَالٌ فِي الْفِعَالِ بَدِيعٌ‏

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَهُ‏

إِنَّ الْمُحِبَ‏ لِمَنْ‏ يُحِبُ‏ مُطِيع‏([58])

 

 

فهذا الامام السجاد عليه السلام نلاحظه قد جعل من الحب شراعا لقارب الامل, في بحر الاهواء المضطرب معلقا آماله بذلك الحب, فنراه وهو يخاطب الله تعالى بهذه الكلمات الجميلة, التي تبعث الاطمئنان في النفوس إذ يقول: " يَا غَايَةُ آمَالِ الْمُحِبِّينَ أَسْأَلُكَ‏ حُبَّكَ,‏ وَ حُبَ‏ مَنْ‏ يُحِبُّكَ‏ وَ حُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إِلَى قُرْبِكَ, وَ أَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا سِوَاكَ وَ أَنْ تَجْعَلَ حُبِّي إِيَّاكَ قَائِداً إِلَى رِضْوَانِكَ وَ شَوْقِي إِلَيْكَ ذَائِداً عَنْ عِصْيَانِك‏"([59]).

فمن الاثار المترتبة على المحبة ان المُحب لا يبتغي بديلا عن المحبوب , وهو عين ما قرره الامام السجاد عليه السلام إذ يقول: " إِلَهِي‏ مَنْ‏ ذَا الَّذِي‏ ذَاقَ‏ حَلَاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرَامَ مِنْكَ بَدَلا " ([60]).

كما نجد أنَّ الامام السجاد عليه السلام يبين لنا سلوك المحبين, الذين لا يثنيهم النصب والتعب, بل يكون محبوبا لهم؛ لأنه في سبيل الله, يقول الامام السجاد عليه السلام : " الْقَلْبُ الْمُحِبُ‏ لِلَّهِ‏ يُحِبُ‏ كَثِيراً النَّصَبَ لِلَّهِ  "([61]). فهذا منهج يأسسه الامام لنا بأن ما كان من التكاليف والالتزامات والسلوكيات متعبا يجب ان نوطن انفسنا على حبه؛ لأنه من الله عز وجل.

فالمحبة باعث الى احياء القلوب, الذي بدوره يجعل الافكار تكسر قيود التحجر, ونجد ان الامام رسم لنا هذا المعنى بريشة ذائب في حب الله عز وجل إذ يقول: " فَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ تَوَشَّحَتْ أَشْجَارُ الشَّوْقِ إِلَيْكَ فِي حَدَائِقِ صُدُورِهِمْ, وَ أَخَذَتْ‏ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ‏ بِمَجَامِعِ قُلُوبِهِمْ, فَهُمْ إِلَى أَوْكَارِ الْأَفْكَارِ يَأْوُونَ وَ فِي رِيَاضِ الْقُرْبِ وَ الْمُكَاشَفَةِ يَرْتَعُونَ, وَ مِنْ حِيَاضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلَاطَفَةِ يَكْرَعُونَ وَ شَرَائِعِ الْمُصَافَاةِ يَرِدُونَ "([62]).

الثاني: المعرفة القائمة على أساس الخوف.

أما من عرف الشيء على حد الخوف كان منه على حذر شديد, فمن عرف الله كان احرى به ان يخشاه؛ لأنه شديد العقاب, وإنَّ الخوف يجب أنْ يكون حقيقيا لا مجرد تمظهر, وان له آثار خارجية تدفع الانسان عن هاوية المهالك, قَالَ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: "‏ وَ لَيْسَ‏ الْخَوْفُ‏ مَنْ‏ بَكَى‏ وَ جَرَتْ دُمُوعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَ إِنَّمَا ذَلِكَ خَوْفٌ كَاذِب‏"([63]).

وحدود معرفة الله عز وجل عند الامام السجاد عليه السلام : هي ( أَنْ‏ يُعْرَفَ‏ بِالْوَحْدَانِيَّةِ, وَ الرَّأْفَةِ, وَ الرَّحْمَةِ, وَ الْعِزَّةِ وَ الْعِلْمِ, وَ الْقُدْرَةِ, وَ الْعُلُوِّ عَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ, وَ أَنَّهُ النَّافِعُ الضَّارُّ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ, الَّذِي‏ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ, وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ, وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)([64]).

فهذه الحدود لو تمت بأدنى مستوى لكان العبد على حذر مع الله عز وجل, فبها اقرب ما يكون الى التزكية , والابتعاد عن كل ما لا يرضي الله عز وجل وهنا يذكر الامام ابيات تجمع هذا المعنى إذ يقول:

مَنْ عَرَفَ الرَّبَّ فَلَمْ تُغْنِهِ‏

مَعْرِفَةُ الرَّبِ‏ فَذَاكَ‏ الشَّقِيُ‏

مَا ضَرَّ فِي الطَّاعَةِ مَا نَالَهُ‏

فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ مَا ذَا لَقِيَ‏

مَا يَصْنَعُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ التُّقَى‏

وَ الْعِزُّ كُلُّ الْعِزِّ لِلْمُتَّقِي([65])‏

     

 

ونلاحظ ان الخوف لا يتأتى بسهولة, وانما هناك مجموعة من الامور التي بتمامها يحصل الخوف, وهذا ما ذكره الامام السجاد عليه السلام بقوله: " وَ أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمُبَارَكَاتِ تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى, وَ عَمَلَ أَهْلِ الْيَقِينِ, وَ مُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ, وَ عَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ, وَ عَزْمَ أَهْلِ‏ الْخَشْيَةِ, وَ شَوْقَ‏ أَهْلِ‏ الْجَنَّةِ, وَ طَلَبَ‏ أَهْلِ‏ الرَّغْبَةِ, وَ عِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَ تَقِيَّةَ أَهْلِ الْوَرَعِ حَتَّى أَخَافَكَ اللَّهُمَّ مَخَافَةً تَحْجُزُنِي بِهَا عَنْ مَعَاصِيك‏ "([66]).

والمخافة التي نريدها في نهاية المطاف هي مخافة تحجزه عن المعاصي, فهذه كلها دروس مباشرة وغير مباشرة شرع الامام عليه السلام ان يبثها بين شيعته حتى يؤسس مجتمع الفضيلة الذي قوامه التزكية.

الثالث : المعرفة على حد كون الانسان مفتقرا :

وهذا المستوى عرضه الامام كثيرا في ادعيته واحاديثه, وخطبه, وهو ان يستحضر الانسان كل عناصر الافتقار الى الله عز وجل , واظهار الكمالات الالهية التي توجب على الانسان العاقل ان لا ينصرف الى غير الله عز وجل, ثم يجعل هذه التصورات نقطة للانطلاق الى معرفة الكامل الغني الذي نحتاج اليه في كل امورنا , فلنتأمل في كلامه عليه السلام إذ يقول: " الهي ... كَيْفَ‏ أَرْجُو غَيْرَكَ,‏ وَ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ, وَ كَيْفَ أُؤَمِّلُ سِوَاكَ وَ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ لَكَ, أَ أَقْطَعُ رَجَائِي مِنْكَ وَ قَدْ أَوْلَيْتَنِي مَا لَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِكَ أَمْ تُفْقِرُنِي إِلَى مِثْلِي‏ "([67]).

الرابع : المعرفة على حد اهلية الله عز وجل للعبادة :

هذه المعرفة هي اسمى درجات المعرفة , وهي تعبير عن الكمال الانساني , وهذه المعرفة ليست متاحة لكل احد, وانما هي مختص بفئة معينة , استطاعت من الوصول لها من خلال تجريد النفس عن كل ما يشوبها, وهذا نجده واضح في كلام سيد الموحدين, وأمير المؤمنين علي عليه السلام اذ يقول : "  مَا عَبَدْتُكَ‏ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ, وَ لَا خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَ لَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك"([68]), فنجد ان سنة اهل البيت عليهم السلام واحدة , فذا سيد الساجدين عليه السلام يجعل المعيار الامثل للمعرفة هو كونه اهلا لما هو فيه من الشأن والجبروت, يقول الامام زين العابدين عليه السلام : " إِنِّي‏ أَكْرَهُ‏ أَنْ‏ أَعْبُدَ اللَّهَ لَا غَرَضَ لِي إِلَّا ثَوَابَهُ، فَأَكُونَ كَالْعَبْدِ الطَّمِعِ الْمُطِيعِ، إِنْ طَمِعَ عَمِلَ وَ إِلَّا لَمْ يَعْمَلْ. وَ أَكْرَهُ أَنْ أَعْبُدَهُ [لَا غَرَضَ لِي‏] إِلَّا لِخَوْفِ عِقَابِهِ، فَأَكُونَ كَالْعَبْدِ السَّوْءِ إِنْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْمَلْ. قِيلَ لَهُ فَلِمَ تَعْبُدُهُ قَالَ: لِمَا هُوَ أَهْلُهُ بِأَيَادِيهِ عَلَيَّ وَ إِنْعَامِه "([69]).

المطلب الثالث : معرفة العدو وهو الشيطان:

الاصل الثالث الذي يجب ان يعرفه المزكي لنفسه بل يجب أن يعرفه كل انسان هو الشيطان ؛ لأنه العدو الذي ينبغي على العبد الاشتغال بدفعه عنه وعن اهله, وما يحتاجه من سلاح ناجع لدفعه, ونستطيع ان نعرفه من خلال الكتاب الكريم, وكيف ان الله عز وجل بين لنا ما يتمتع به من قدرات توسل بها الى الانسان ليضله, وحتى نتخلص منه نرجع الى بارئه ؛ لأنه خالقه ويعرفه كل المعرفة , ونرى كيف صوره لنا, وهو الصادق الحق, ويسعفني هنا حديث عن الامام الصادق عليه السلام بيَّنَ فيه اسلوب التخلص من الشيطان برجوع الى خالقه , إذ شبه الشيطان بكلب الراعي فقال: " فَكُنْ مَعَهُ - اي الشيطان- كَالْغَرِيبِ مَعَ كَلْبِ‏ الرَّاعِي‏ يَفْزَعُ إِلَى صَاحِبِهِ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ كَذَلِكَ إِذَا أَتَاكَ الشَّيْطَانُ مُوَسْوِسا"([70]).

فالمتأمل الحصيف للقرآن الكريم يرى طبيعة العلاقة بين الانسان والشيطان , والعداء التاريخي بينهما, والمنهج القرآني الواضح في أسلوب التعامل معه , وفنون الشيطان التي يتبعها في اغواء الانسان , وجاءت الروايات والادعية والخطب التي نقلت عن الامام السجاد عليه السلام مؤكدة لما ذكره القرآن ومبينة لها بزيادة في الإيضاح والتوكيد, حتى ان الامام السجاد عليه السلام بين ان الشيطان هو السبب الرئيس في وجود العصاة, فيقول الامام السجاد عليه السلام: " فَلَوْ لَا أَنَ‏ الشَّيْطَانَ‏ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاصٍ، وَ لَوْ لَا أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الْبَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِكَ ضَالٌّ "([71]), فكان حري بأي شخص له عدو ان يعرف كثيرا عن عدوه, وخصوصا ان كلا من القرآن والسنة قد اسفرت لنا عن وجهه القبيح , ولكن ما انتفع بهذا الا قليل نفعنا الله تعالى بما قدمه لنا اولياؤنا, فنأتي الى ذكر هذا الاساس على شكل نقاط:

اولا: في تعريف الشيطان ودوره:

الشيطان لغة : قيل مشتق اما من الشطن وهو البعد , فهو يبعد بين العبد وربه , وقيل ان النون فيه ليست اصلية واصله شاط, وهو الاحتراق غضبا, فكان الشيطان يحترق اذا ذكر الله تعالى([72]).

الشيطان اصطلاحا: هو اسم جنس للشرير من الجن([73]) , ويعرفه العلامة المجلسي بقوله: " أجسام‏ لطيفة يرون في بعض الأحيان و لا يرون في بعضها و لهم حركات سريعة و قدرة على أعمال قوية و يجرون في أجساد بني آدم مجرى الدم و قد يشكلهم الله بحسب المصالح بأشكال مختلفة و صور متنوعة كما ذهب إليه السيد المرتضى رضي الله عنه أو جعل الله لهم القدرة على ذلك كما هو الأظهر من الأخبار و الآثار"([74]).

واختلف في الشيطان هل هو من الملائكة أم من الجن , ونستعين برواية تبين لنا حقيقة الشيطان, فعن جميل بن دراج, عن أبي عبد الله عليه السلام, قال: "‏ سألته عن إبليس أ كان من الملائكة أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء؟ قال: لم يكن من الملائكة, و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء " و كانَ مِنَ الْجِنِ"([75])‏، و كان مع الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها، و كان الله يعلم أنه ليس منها، فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان‏"([76]).

اما دوره فلا يخفى على اي مطلع على القرآن الكريم , إذ قد حصل الشيطان على وعد من الله عز وجل بالامهال الى يوم القيامة , وقد اقسم الشيطان بعزة الله تعالى ان يغوي عباده جميعا الا المخلصين , وهنا يبين الامام هذا الدور بقوله: " وَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيَ‏ عَدُوُّكَ‏ الَّذِي‏ اسْتَنْظَرَكَ لِغَوَايَتِي فَأَنْظَرْتَهُ، وَ اسْتَمْهَلَكَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ لِإِضْلَالِي فَأَمْهَلْتَهُ"([77]).

ثانيا: خصائص الشيطان التي يجب على الانسان معرفتها:

لمعرفة شيء ما فهناك طريقان لمعرفته احدهما: هو الطريقة المباشرة , اي من دون واسطة , وهذا يكاد يكون متعسر لمعرفة الشيطان لطبيعة خلقه؛ لان القرآن صرح بأنه لا يرى قال تعالى: " يا بَني‏ آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطينَ أَوْلِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤْمِنُون "([78]).

الاخرى: وهو المعرفة عن طريق الآثار والمعالم, وهذا ما نعول عليه. ففي ما يأتي بيان لخصائص الشيطان التي ادركت بالآثار التي ذكرها الامام السجاد عليه السلام وهي: 

ان الشيطان عدو للإنسان, وعداوته قديمة وشديدة ؛ لأنها أخرجته مما كان فيه من مقام, قال الامام زين العابدين عليه السلام: " إِلَهِي إِنَّ الشَّيْطَان .. شديد الخصومة، قديم العداوة، كيف ينجو من يكون معه في دار وهو المحتال؟.."([79]). ان الشيطان توسل بالوسوسة : قال الامام زين العابدين عليه السلام : " الشَّيْطَانَ‏ يُوَسْوِسُ‏ إِلَى ابْنِ آدَمَ أَنَّ لَهُ فِي جَمْعِ ذَلِكَ الْمَالِ رَاحَةً وَ إِنَّمَا يَسُوقُهُ إِلَى التَّعَبِ فِي الدُّنْيَا وَ الْحِسَابِ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة"([80]). ان الشيطان اعتمد التضليل والغواية : يقول الامام السجاد عليه السلام: " إِلَهِي أَشْكُو إِلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّنِي‏ وَ شَيْطَاناً يُغْوِينِي"([81]). وقال الامام الصادق عليه السلام : " وَ لَا يَغُرَّنَّكَ تَزْيِينُهُ - اي الشيطان- الطَّاعَاتِ عَلَيْكَ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ لَكَ تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ بَاباً مِنَ الْخَيْرِ لِيَظْفَرَ بِكَ عِنْدَ تَمَامِ الْمِائَةِ فَقَابِلْهُ بِالْخِلَافِ وَ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ الْمُضَادَّةِ بِاسْتِهْوَائِه"‏([82]). ان الشيطان مسلط على القلوب : " إلهي، جعلت لي عدوا يدخل قلبي، ويحل محل الرأي والفكرة مني، وأين الفرار إذا لم يكن منك عون عليه؟ "([83]). ان الشيطان لا يغفل عنا ونحن عنه غافلون : قال الامام السجاد عليه السلام" لَا يَغْفُلُ إِنْ غَفَلْنَا، وَ لَا يَنْسَى‏ إِنْ‏ نَسِينَا"([84]), فهذا يوجب على كل انسان ان يكون متيقظا, وان يتعامل مع الشيطان كالعدو في ساحة المعركة, التي توجب على الجندي التيقظ. كما انه لا ينسى ما اصابه من دحور من جراء عدم امتثاله لآدم عليه السلام فذلك المشهد حاضر لديه . ان الشيطان مخادع وماكر محتال : يقول الامام زين العابدين: " فَلَوْ لَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاصٍ، وَ لَوْ لَا أَنَّهُ‏ صَوَّرَ لَهُمُ الْبَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِكَ ضَال "([85]) , ويقول : " إلهي، إن الشيطان فاجر خبيث، كثير المكر"([86]). ان الشيطان وعلى مر الزمان يتخلى عن اتباعه, قال تعالى: " وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَري‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَ اللَّهُ شَديدُ الْعِقاب‏"([87]), ويؤكد الامام السجاد عليه السلام على هذه الخاصية بقوله : " إِذَا قَارَفْتُ‏ مَعْصِيَتَكَ، وَ اسْتَوْجَبْتُ بِسُوءِ سَعْيِي سَخْطَتَكَ، فَتَلَ عَنِّي عِذَارَ غَدْرِهِ، وَ تَلَقَّانِي بِكَلِمَةِ كُفْرِهِ، وَ تَوَلَّى الْبَرَاءَةَ مِنِّي، وَ أَدْبَرَ مُوَلِّياً عَنِّي، فَأَصْحَرَنِي لِغَضَبِكَ فَرِيداً، وَ أَخْرَجَنِي إِلَى فِنَاءِ نَقِمَتِكَ طَرِيداً لَا شَفِيعٌ يَشْفَعُ لِي إِلَيْكَ، وَ لَا خَفِيرٌ يُؤْمِنُنِي عَلَيْكَ، وَ لَا حِصْنٌ يَحْجُبُنِي عَنْكَ، وَ لَا مَلَاذٌ أَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْكَ "([88]). فنلاحظ عظيم الوصف الذي بينه الامام عليه السلام لخسة هذا المولى, فمن عرف صفات هذا المولى وجب عليه ان يعيد النظر والفكر قبل ان يتولاه.

ثالثا : منهج الامام السجاد عليه السلام في التحذير من الشيطان:

 بما ان الناس يختلفون في الافهام والطبائع والثقافات بل حتى في العقيدة , مما دفع الامام الى ان يتصرف في منهج بيانه للشيطان ويمكن ان نصورها بالشكل الآتي:

الاولى: ما كان  منها بصورة مباشرة, كما في رواية أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: " أَتَيْتُ بَابَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام, فَوَافَقْتُهُ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ, فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ آمَنْتُ بِاللَّهِ, وَ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ‏, ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا خَرَجَ‏ مِنْ‏ مَنْزِلِهِ‏ عَرَضَ‏ لَهُ‏ الشَّيْطَانُ,‏ فَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: الْمَلَكَانِ كُفِيتَ. فَإِذَا قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ قَالا: هُدِيتَ, فَإِذَا قَالَ‏: تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ‏ قَالا : وُقِيتَ فَيَتَنَحَّى الشَّيْطَانُ, فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَيْفَ لَنَا بِمَنْ هُدِيَ وَ كُفِيَ وَ وُقِي.."([89]).

فالإمام بيَّن لابي حمزة مباشرة ان الشيطان يعرض لابن آدم, وعليه ان يأخذ الحيطة والحذر, وهذا ديدنه وهمته منذ خلق آدم عليه السلام, وفي حديث آخر للإمام السجاد عليه السلام يقول: " وَ لَا تَأْمَنُوا مَكْرَ اللَّهِ وَ تَحْذِيرَهُ وَ تَهْدِيدَهُ عِنْدَ مَا يَدْعُوكُمُ‏ الشَّيْطَانُ‏ اللَّعِينُ‏ إِلَيْهِ مِنْ عَاجِلِ الشَّهَوَاتِ وَ اللَّذَّاتِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ‏ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ‏ مِنَ الشَّيْطانِ‏ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُون‏ "([90]). فان دعوة الشيطان قائمة لا بد للإنسان ان يتنبه ولا ينجرف وهذا ايضا اسلوب مباشر من الامام يحذر فيه اصحابه من دعوات الشيطان .

الثانية : ما كان على شكل الدعاء، إذ قد نهج الامام اسلوبا مؤثرا يلامس مشاعر الانسان من خلال الالتجاء الى الله في بيان خطر الشيطان : (وأعذني فيه من الشيطان الرجيم، وهمزه ولمزه، ونفثه([91]), ونفخه، ووسوسته وتثبيطه([92]), وبطشه وكيده، ومكره وحبائله, وخدعه وأمانيه، وغروره وفتنته، وخيله ورجله، وأعوانه وشركه(7) وأتباعه وإخوانه، وأحزابه وأشياعه، وأوليائه وشركائه، وجميع مكائده.).

المبحث الثالث : اسس تزكية النفس اجرائيا

في هذا المبحث حاولت ان اتبين ما قدمه الامام عليه السلام اجرائيا على ارض الواقع وما يمكن ان يكون منهجا علميا وواقعيا في تزكية النفس وايضا قسمت هذا المبحث على ما بيناه سابقا من الاصول الثلاثة ( معرفة النفس, معرفة الله, معرفة الشيطان) , وهي كما يأتي:

المطلب الاول : الاسس الاجرائية لمعرفة النفس

هنا مجموعة من الامور التي يقوم بها العبد عمليا لتجنب مخاطر النفس ونجملها بالنقاط الآتية:

اولا: مع اتفاق كلمة الامامية على عصمة الامام عليه السلام, وانه لا ذنب له الا انه رسم لنا من باب التعليم منهجا عمليا واضحا في الرجوع الى الله عز وجل في الدعاء والتماس الصبر على التغلب عليها, وعدم تخويل انفسنا الى ما تحب وترغب, فنجد ان الامام زين العابدين عليه السلام يدعو من الله عز وجل ان لا يحول بيننا وبين اختيار نفوسنا شيء إذ يقول: " وَ لَا تُخَلِّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ‏ نُفُوسِنَا وَ اخْتِيَارِهَا، فَإِنَّهَا مُخْتَارَةٌ لِلْبَاطِلِ إِلَّا مَا وَفَّقْتَ، أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمْت‏"([93]). فعلينا ان نمتثل هذا المنهج وتلهج السنتنا بالدعاء حتى يحول الله تعالى بيننا وبين نفوسنا واختيارها.

ثانيا: التعزيز لخاصية الوعظ والمحاسبة : قال على بن الحسين (عليهما السلام): " ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَكَ‏ وَاعِظٌ مِنْ‏ نَفْسِكَ‏ وَ مَا كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّكَ وَ مَا كَانَ الْخَوْفُ لَكَ شِعَاراً وَ الْحَذَرُ لَكَ دِثَاراً  ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ مَبْعُوثٌ وَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَأَعِدَّ لَهُ جَوَابا " ([94]) . وان من لطف الله عز وجل انه قدم لنا بالموعظة , وانه ارسلنا رسائل الوعظ في متجلية في غيرنا , فقال الامام السجاد عليه السلام: " لَقَدْ وَعَظَكُمُ اللَّهُ بِغَيْرِكُمْ وَ إِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ "([95]).

ومن صور المحاسبة التي بينها الامام السجاد عليه السلام : " يَا نَفْسُ حَتَّى مَ إِلَى الْحَيَاةِ سُكُونُكِ وَ إِلَى الدُّنْيَا وَ عِمَارَتِهَا رُكُونُكِ‏ أَ مَا اعْتَبَرْتِ بِمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلَافِكِ وَ مَنْ وَارَتْهُ الْأَرْضُ مِنْ أُلَّافِكِ وَ مَنْ فُجِّعْتِ بِهِ مِنْ إِخْوَانِكِ وَ نَقَلْتِ إِلَى دَارِ الْبِلَى مِنْ أَقْرَانِكِ"([96]).

ثالثا: المشارطة : وتعني ان يشترط العبد على نفسه ان لا يعود الى ما كان يفعل من الموبقات , وهي نوع من العهد مع الله عز وجل , يقول الامام السجاد عليه السلام : " وَ لَكَ- يَا رَبِ‏- شَرْطِي‏ أَلَّا أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ، وَ ضَمَانِي أَنْ لَا أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ، وَ عَهْدِي أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ مَعَاصِيك"([97]), ومن الطبيعي ان المشارطة لا تكون على نحو الكلام فقط وانما تحتاج الى الديمومية في تحمل هذا الشرط والاستحضار له عند كل عمل.

رابعا : المجاهدة : على وزن مفاعلة وهذه الصيغة (مفاعلة) تفيد الاشتراك اي ان النفس لها ايضا رغبات تسعى الى تحقيقها وتناضل في سبيله, وان الله يريد من الانسان ان يمنعها ما حرم عليها فتقع هنا المصادمة التي تحتاج الى قول فصل , فيوصي الامام عليه السلام بها بقوله: " اللَّهَ‏ اللَّهَ‏ فِي‏ الْجِهَادِ لِلْأَنْفُسِ‏ فَهِيَ‏ أَعْدَى‏ الْعَدُوِّ لَكُمْ فَإِنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي"([98]), وَ إِنَّ أَوَّلَ الْمَعَاصِي تَصْدِيقُ النَّفْسِ وَ الرُّكُونُ إِلَى الْهَوَى"([99]). كما نلاحظ من متن الحديث ان النفس هي اعدى الاعداء , فلابد من اخذ الحيطة من رغباتها.

خامسا: المراقبة : ان ما تقدم من مشارطة ومجاهدة وتعزيز تحتاج الى عنصر يبقى مرافقا لهن الا وهو المراقبة , إذ يجعل لنفسه خطا بيانيا يتابع فيه التقدم والتأخر عما يريد ان يقرره في ذاته , فالمراقبة هي ان يراعي الانسان بين الباطن والظاهر من سلوكه, وجعلهما يتوردا على مورد واحد, في الافكار والنوايا من جهة ومن الافعال والسلوك من جهة اخرى.

سادسا: اتهام النفس دوما حتى يتأكد انها لم يخالجها ما يخرجها عن طهارتها, قال الامام زين العابدين عليه السلام :" وَ إِنَ‏ أَوَّلَ‏ الْمَعَاصِي‏ تَصْدِيقُ‏ النَّفْسِ‏ وَ الرُّكُونُ إِلَى الْهَوَى‏"([100]).

سابعا : جعل المنظر الاخروي حاضرا في النفس , ومذكرا للنفس به وهذا ما كان الامام السجاد عليه السلام يواظب عليه في ادعيته بل يستجير بالله من وهو من هو , يقول : " اللَّهُمَّ فَارْحَمْ‏ وَحْدَتِي‏ بَيْنَ‏ يَدَيْكَ، وَ وَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَ اضْطِرَابَ أَرْكَانِي مِنْ هَيْبَتِكَ، فَقَدْ أَقَامَتْنِي- يَا رَبِّ- ذُنُوبِي مَقَامَ الْخِزْيِ بِفِنَائِكَ، فَإِنْ سَكَتُّ لَمْ يَنْطِقْ عَنِّي أَحَدٌ، وَ إِنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ الشَّفَاعَةِ "([101]).

المطلب الثاني : اسس معرفة الله عز وجل اجرائيا:

وهنا ذكر الامام عليه السلام صور عدة في المقام الاجرائي في معرفة الله نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

اولا: سبل المعرفة على حد محبة الله : تقدم في مبحث معرفة الله انواع المعرفة لله عز وجل وتعرضنا الى المعرفة التي على حد الحب, وهنا نبين كيف يتم نيل ذلك عمليا , فمن الامور الموجبة للمحبة هو حب آل البيت عليهم السلام واتباعهم؛ لأنَّ مجرد الحب لا يكفي للظفر بحب الله عز وجل, فالذي يراجع روايات اهل البيت يجد ان الله عز وجل قرن بحه بحبهم .

ثانيا: التوبة : من الامور التي توجب المحبة من قبل الله عز وجل التوبة, يقول الامام السجاد عليه السلام: " وَ اجْعَلْ‏ نَدَامَتِي‏ عَلَى‏ مَا وَقَعْتُ‏ فِيهِ مِنَ الزَّلَّاتِ، وَ عَزْمِي عَلَى تَرْكِ مَا يَعْرِضُ لِي مِنَ السَّيِّئَاتِ، تَوْبَةً تُوجِبُ لِي مَحَبَّتَكَ، يَا مُحِبَّ التَّوَّابِينَ "([102]).

ثالثا: الدعاء: من الامور التي تعزز المحبة بين العبد وربه الدعاء, هذا السلاح الذي يسميه النبي بسلاح الانبياء, فالإمام زين العابدين عليه السلام يطلب داعيا من الله عز وجل ان يجعل قلبه خصبا لكي تنبت المحبة فيه  : " و أغرس في أفئدتنا أشجار محبّتك "([103]). المواظبة على الدعاء في خصوص طلب التبصرة في الدين .

رابعا: استشعار الخوف من الله عز وجل وان يتذكر الانسان عذاب الله للاقوام السابقة, وما حل بهم يقول الامام زين العابدين في هذا الاساس: " وَ أَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ خَوْفَ اللَّهِ‏, وَ تَذَكَّرُوا مَا قَدْ وَعَدَكُمُ اللَّهُ فِي مَرْجِعِكُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ كَمَا قَدْ خَوَّفَكُمْ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ فَإِنَّهُ مَنْ خَافَ شَيْئاً حَذِرَهُ وَ مَنْ حَذِرَ شَيْئاً تَرَكَهُ وَ لَا تَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ الْمَائِلِينَ إِلَى زَهْرَةِ الدُّنْيَا الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ- فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ- " أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ‏ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ‏ الْأَرْضَ‏ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ‏ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ‏ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ‏ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ‏ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى‏ تَخَوُّفٍ"([104])‏, فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ بِمَا فَعَلَ بِالظَّلَمَةِ فِي كِتَابِهِ وَ لَا تَأْمَنُوا أَنْ يُنْزِلَ بِكُمْ بَعْضَ مَا تَوَاعَدَ بِهِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فِي الْكِتَابِ وَ اللَّهِ لَقَدْ وَعَظَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِغَيْرِكُمْ فَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَ لَقَدْ أَسْمَعَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا قَدْ فَعَلَ بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى قَبْلَكُمْ حَيْثُ قَالَ‏ وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ إِنَّمَا عَنَى بِالْقَرْيَةِ أَهْلَهَا "([105]).

خامسا: التأمل في الآيات الكونية , والحقائق العلمية التي تلتمس من الكون على أنَّ له خالقا ومدبرا , فالامام السجاد عليه حاول تعزيز هذه المسألة من خلال ضراعته لله عزوجل بهذه الايات الكونية, التي بحد ذاتها خير دليل على معرفة الله عز وجل يقول الامام السجاد في هذا الصدد :" سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ السَّمَاوَاتِ سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الْأَرَضِينَ سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ‏ وَزْنَ‏ الظُّلْمَةِ وَ النُّورِ سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الْفَيْ‏ءِ وَ الْهَوَاءِ سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الرِّيحِ كَمْ هِيَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ سُبْحَانَكَ سُبُّوحٌ قُدُّوسُ سُبْحَانَكَ عَجَباً لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ لَا يَخَافُك‏"([106]).

فالحقائق العلمية التي ذكرها الامام عليه السلام قبل 1400 سنة من (وزن الظلمة, ووزن الضوء, ووزن الفيء) تعد اليوم من ابرز الاكتشافات الحديثة التي على وفقها تقدم معطيات علمية لكافة مرافق الحياة, فالضوء ووزنه يأخذ بيعن الاعتبار في الرحلات المكوكية بل ان الاشرعة الضوئية التي تجهز بها السفن الفضائية تقوم على هذا الاساس, أما مسألة الفيء فهذه الظاهرة ما منا الا ولمس هذه الظاهرة من خلال المطبات الهوائية التي تتعرض لها الطائرات يوميا بسبب اختلاف وزن الهواء في منطقة الفيء عن غيرها , اذا الهواء في منطقة الفيء اكثر وزنا بسبب كثافته لان جزئيات الهواء الباردة تنكمش وهكذا .

سادسا: التمسك بالقرآن الكريم والالتجاء اليه في معرفة الله عز وجل واعتماد ما جاء من كبريات التوحيد فيه , والتأمل للايات القرآنية؛ لان ما من آية الا واشتملت على الترغيب والترهيب الذي يتعلق بالذات الالهية.

المطلب الثالث : الاسس الاجرائية في تزكية النفس ضد الشيطان :

اولا: التذكر وعدم الغفلة يقول الامام السجاد عليه السلام: "عِنْدَ مَا يَدْعُوكُمُ الشَّيْطَانُ اللَّعِينُ إِلَيْهِ مِنْ عَاجِلِ الشَّهَوَاتِ وَ اللَّذَّاتِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ‏ "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ"([107]).."([108]).

ثانيا: الحفاظ على الاذكار والادعية التي رووها أئمة اهل البيت عليهم السلام, ففي رواية أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: " أَتَيْتُ بَابَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام, فَوَافَقْتُهُ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ, فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ آمَنْتُ بِاللَّهِ, وَ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ‏, ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا خَرَجَ‏ مِنْ‏ مَنْزِلِهِ‏ عَرَضَ‏ لَهُ‏ الشَّيْطَانُ,‏ فَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: الْمَلَكَانِ كُفِيتَ. فَإِذَا قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ قَالا: هُدِيتَ, فَإِذَا قَالَ‏: تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ‏ قَالا : وُقِيتَ فَيَتَنَحَّى الشَّيْطَانُ, فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَيْفَ لَنَا بِمَنْ هُدِيَ وَ كُفِيَ وَ وُقِي.."([109]).

ومن الاذكار التي تطرد الشيطان هي بسم الله الرحمن الرحيم , فقد جاء في عَنْ أَبِي حَمْزَةَ, قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: ‏ " يَا ثُمَالِيُّ إِنَّ الصَّلَاةَ إِذَا أُقِيمَتْ جَاءَ الشَّيْطَانُ إِلَى‏ قَرِينِ‏ الْإِمَامِ‏ فَيَقُولُ هَلْ ذَكَرَ رَبَّهُ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ ذَهَبَ وَ إِنْ قَالَ لَا رَكِبَ عَلَى كَتِفَيْهِ فَكَانَ إِمَامَ الْقَوْمِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا قَالَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَيْسَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ قَالَ بَلَى لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ يَا ثُمَالِيُّ إِنَّمَا هُوَ الْجَهْرُ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم‏"([110]).

ثالثا : الالتزام الفعلي والعملي بالتكاليف الموجه الى الانسان, من صلاة وصوم وحج وغيرها؛ لان بها يردع الشيطان وينهزم , قال عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عليهم السلم َقالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى اللّه عليه و آله)‏ " لَا يَزَالُ الشَّيْطَانُ هَائِباً ذَعِراً مِنَ الْمُؤْمِنِ مَا حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِذَا ضَيَّعَهُنَّ تَجْرِي عَلَيْهِ فَأَلْقَاهُ فِي الْعَظَائِمِ"([111]).

رابعا: التوسل بمقام اهل البيت عليهم السلام في دحض الشيطان وجنوده, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ صلى الله عليه وآله وسلم: " هَذِهِ نُصْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْيَهُودِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِذِكْرِهِمْ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ. أَلَا فَاذْكُرُوا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مُحَمَّداً وَ آلَهُ عِنْدَ نَوَائِبِكُمْ وَ شَدَائِدِكُمْ لِيَنْصُرَ اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَكُمْ عَلَى الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَقْصِدُونَكُمْ"([112]).

خامسا : الِالْتِجَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى واستشعار الِاضْطِرَارُ بِصِحَّةِ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ امر .

سادسا : عدم الانصياع للشيطان من خلال استصغار الذنوب لان الذنوب الصغار هي مزالق لذنوب اكبر, وبها يستدرج الله المصرين.

سابعا : حث الناس على التفقه وتبني من يتوسم به روح الاخلاص من الفتية واعداده للفقاهة, لان الفقهاء هم الجنود الذين يربضون على الثغر الذي يخرج منه ابليس على ضعفاء الشيعة , قَالَ الامام جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام: "‏ [عُلَمَاءُ] شِيعَتِنَا مُرَابِطُونَ فِي الثَّغْرِ- الَّذِي يَلِي إِبْلِيسُ وَ عَفَارِيتُهُ، يَمْنَعُونَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا، وَ عَنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ وَ شِيعَتُهُ النَّوَاصِبُ, أَلَا فَمَنِ انْتَصَبَ لِذَلِكَ مِنْ شِيعَتِنَا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ جَاهَدَ الرُّومَ وَ التُّرْكَ وَ الْخَزَرَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ، لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ أَدْيَانِ مُحِبِّينَا، وَ ذَلِكَ يَدْفَعُ عَنْ أَبْدَانِهِمْ‏"([113]).

 الخاتمة في نتائج:

الحمد لله حق حمده وجعلما الله من العاملين بما يحب ويرضى فبعد قد سطرت هذه الكلمات على عجالة من الامر , وضيق الوقت وانشغال البال , لكن اجد نفسي قد وضعت اصابعي على بعض النقاط البسيطة التى يمكن ان تكون مشروعا اكبر في المستقبل اذا من الله علينا بالبقاء, ومن النقاط التي توصلت اليها بعقلي القاصر هي:

ان الامام السجاد عليه السلام وانطلاقا من وحدة الهدف وتعدد الادوار وجدته قد نحى منحا خاص وهو التهذيب الخلقي والتزكية النفسية, وهذا ما لوحظ على مروياته اذا كانت تركز على هذا الجانب , واعتقد ان المرحلة التي مرَّ بها الامام كانت تعاني من نقص في هذا الجانب, مما دفع الامام عليه السلام ومن مهمته كامام ان يوجه الامة الى النظام الامثل في بنائها . حاولت ان اسس رؤيا مبتنية على المحاول التي تعد الاساس في تزكية النفس فوجدتها متكاة على ثلاث دعائم وهي معرفة النفس ومعرفة الله ومعرفة الشيطان , وهذا في حدود مطالعتي للمصادر لم اجد من تعرض الى هذه الاصول او الدعائم. ابراز معرفة الشيطان, وهو من مميزات هذا البحث إذ عُدَّ التعرف عليه اصلا مهما في عملية التزكية؛ لان من عرف عدوه وحركته وسلاحه استطاع ان يعد العدة له وان يواجهه , وهذا ما لم اجده في كتب التزكية التي بين يدي. ان منهج التزكية الذي اعتمده الامام السجاد عليه السلام قائم على اصول معرفية , وحقائق علمية, لم تجعل منه مجرد تصوف معزول عن المعرفة الواقعية , فالذي يتأمل الروايات فيما يتعلق بالادعية لم تكون مجرد توسل او الفاظ مسجوعة, وانما كانت عبارة عن مناجم للمعرفة فنلاحظ على سبيل المثال التجرد العالي في التوحيد وكيف ينزه الامام عليه السلام ربه من كل ما لا يليق به. انماز منهج الامام السجاد عليه في تزكية النفس بمسألة تكاد يتفرد بها الامام, وهي التأكيد على آل البيت عليهم السلام من خلال الاكثار من ذكر الصلاة على محمد وآل محمد , وهذا في اعتقادي يرجع الى اسباب مهمة جدا منها رفع المظلومية التي تبعت واقعة كربلاء على اهل البيت عليهم السلام, وبيان مقامهم وبيان مقدار التجري الذي حصل عليهم, فجعله الامام المدخل الاساس في كل دعاء وكل وصية او مكاتبة.

 

 

المصادر والمراجع:

ابن أبي جمهور:  محمد بن زين الدين‏: عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية , ط1- 1405 هـ الناشر: دار سيد الشهداء للنشر, ايران – قم, ابن حيون : نعمان بن محمد المغربي: دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والاحكام ت 363هـ , الناشر : مؤسسة آل البيت ع , ايران-قم, الطبعة الثانية 1427هـ ابن طاووس : علي بن موسى‏ : إقبال الأعمال (ط - القديمة), الطبعة: الثانية , تاريخ الطبع: 1409 ه‏ـ, الناشر: دار الكتب الإسلاميه‏ مكان الطبع: طهران‏. ابن فارس : أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا : معجم مقاييس اللغة, المحقق : عبد السلام محمد هارون الطبعة : 1399هـ - 1979م., الناشر : دار الفكر. ابن فهد الحلي : أحمد بن محمد: عدة الداعي و نجاح الساعي , تاريخ وفاة المؤلف: 841 ه‏ـ, محقق / مصحح: موحدي القمي، أحمد, الطبعة: الأولى‏-تاريخ الطبع: 1407 ه‏ـ, الناشر: دار الكتب الإسلامي‏ ابن قولويه : جعفر بن محمد, ت367هـ : كامل الزيارات : الطبعة الاولى 1397هـ الناشر: دار المرتضوية, العراق- النجف الاشرف. ابن منظور : جمال الدين محمد بن مكرم : لسان العرب, ط1-1405هـ, نشر وطبع: نشر أدب الحوزة, قم – إيران. ابو الحسن : احمد بن فارس بن زكريا : معجم مقاييس اللغة , تح: عبد السلام هارون , ط1- 1404هـ , طبع ونشر: مكتب الاعلام الاسلامي, قم - ايران. ابو هلال العسكري : الحسن بن عبد الله بن سهل : الفروق اللغوية, ط1-1412هـ, تح ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين. قم – ايران. الاشعث : محمد بن محمد ت القرن الرابع : الجعفريات(الاشعثيات): الطبعة الاولى, الناشر: مكتبة النينوى الحديثة , ايران-طهران. الاصفهاني : الحسين بن محمد المعروف بالراغب: المفردات في غريب القرآن, ط2-1404هـ , الناشر: دفتر نشر الكتاب, طهران - ايران. البرقي : احمد ابن محمد ابن خالد ت (274هـ او280هـ) : المحاسن : الناشر: دار الكتب الاسلامية , ايران-قم, الطبعة الثانية 1371هـ الجوهري : اسماعيل بن حماد : الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية, تح : احمد عبد الغفور عطار. ط4- 1987م, طبع ونشر : دار العلم للملايين . بيروت لبنان . الحائري : جعفر عباس: بلاغة الإمام علي بن الحسين عليه السلام المؤلف, تحقيق : جمع وتحقيق : جعفر عباس الحائري,ط1 -1425 - 1383ش, طبع ونشر : دار الحديث للطباعة والنشر:167. الحر العاملي : محمد بن حسن ‏: الجواهر السنية في الأحاديث القدسية, المترجم: كاظمي خلخالي، زين العابدين‏, الطبعة: الثالثة تاريخ الطبع: 1422 هـ, الناشر: منشورات دهقان‏, مكان الطبع: طهران‏. الحر العاملي : محمد بن حسن, ت 1104هـ : تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائيل الشريعة: الطبعة الاولى, 1409هـ الناشر: مؤسسة آل البيت,لبنان:بيروت. الحراني : ابن شعبة,  الحسن بن علي, القرن الرابع : تحف العقول عن آل الرسول عليهم السلام : الناشر: جماعة المدرسين قم , ايران-قم, الطبعة الثانية , 1404هـ الحلي : رضي الدين علي بن يوسف بن المطهر( أخ العلامة الحلي): العدد القويّة لدفع المخاوف اليومية, تاريخ وفاة المؤلف: 703 هـ, محقق / مصحح: الرجائي، مهدي والمرعشى، محمود, الطبعة: الأولى - تاريخ الطبع: 1408 هـ‏, الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏, مكان الطبع: قم‏. الخميني : روح الله : جنود العقل والجهل :. الدليمي : حسن بن محمد , ت 841هـ : ارشاد القلوب الى الصواب : الناشر: الشريف الرضي, ايران-قم, الطبعة الاولى 1412هـ الديلمي : حسن بن محمد: أعلام الدين في صفات المؤمنين : محقق / مصحح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام‏, الطبعة: الأولى‏ تاريخ الطبع: 1408 هـ,الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام‏, مكان الطبع: قم‏ الرضا : علي بن موسى الرضا (ت203هـ) : الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام ‏: الإمام الثامن ع‏, , الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام , ايران- مشهد, الطبعة الاولى 1406هـ الزبيدي : محمد مرتضى : تاج العروس من جواهر القاموس, ط1- 1994م, تح : علي شيري, طبع ونشر: دار الفكر, بيروت - لبنان. السجاد : الامام علي ابن الحسين (ت95هـ) : الصحيفة السجادية : الناشر: الهادي, ايران-قم, الطبعة الاولى 1418هـ. السيستاني: محمد باقر: اصول تزكية النفس و توعيتها,ط1-2017, دار البذرة – النجف الاشرف. الصادق عليه السلام : مصباح الشريعة : المنسوب الى الامام الصادق(ت148هـ), الناشر:الأعلمي, بيروت-لبنان, الطبعة الاولى, 1400هـ الصدوق : ابن بابويه, محمد بن علي : الخصال, ت 381هـ , الناشر: جماعة المدرسين بقم, ايران-قم, الطبعة الاولى 1403هـ الصدوق : ابن بابويه, محمد بن علي, ت 381هـ : الامالي : الناشر: كتابجي, ايران-طهران, الطبعة السادسة 1418هـ الصدوق : ثواب الاعمال وعقاب الاعمال: ابن بابويه, محمد بن علي, ت 381هـ , الناشر: دار الشريف الرضي, ايران-قم, الطبعة الثانية 1406هـ الصدوق : محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه ط2- 1413 هـ,‏ تحقيق / مصحح: غفاري، علي أكبر, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم, ايران. الطباطبائي : محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن, ط1-1997م, طبع ونشر: مؤسسة الأعلمي, بيروت لبنان . الطبرسي : احمد بن علي ت 588هـ : الاحتجاج على اهل اللجاج , الناشر: نشر المرتضى , ايران-مشهد, الطبعة الاولى 1403هـ الطوسي : محمد بن الحسن ت 460هـ: تهذيب الاحكام :, تحقيق: الخرسان, الناشر: دار الكتب الاسلامية, ايران-طهران, الطبعة الرابعة 1407هـ الطوسي : محمد بن الحسن, مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: ت 460هـ, الناشر: مؤسسة فقه الشيعة, لبنان-بيروت, الطبعة الاولى 1411هـ العسكري : الامام الحسن بن علي(ت260هـ) : التفسير الامام العسكري :, الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجة الشريف,ايران-قم,‏ الطبعة الاولى (1409هـ) العياشي : محمد بن مسعود (ت320هـ) : تفسير العياشي, الناشر: المطبعة العلمية ايران طهران الطبعة الاولى 1422هـ العياشي : محمد بن مسعود (ت320هـ): تفسير العياشي: تح : الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي, الناشر : المكتبة العلمية الإسلامية - طهران الفراهيدي : خليل بن أحمد, كتاب العين‏: تاريخ وفاة المؤلف: 175 هـ‏, الطبعة: الثانية- تاريخ الطبع: 1409 هــ الناشر: نشر الهجرة,مكان الطبع: قم‏. القمي : ابن بابويه, محمد بن علي: من لايحضره الفقيه, ت 381هـ, الناشر:مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم , ايران-قم, الطبعة الثانية 1413هـ القمي : علي بن ابراهيم, (ت القرن الثالث) : تفسير القمي : الطبعة الثالثة (1404هـ) , الناشر: دار الكتاب, ايران-قم . الكفعمي : المصباح للكفعمي (جنة الأمان الواقية). الكليني : محمد بن يعقوب: الكافي, ط5- 1404هـ , تح: علي أكبر الغفاري, مطبعة: حيدري, نشر: دار الكتب الاسلامية, طهران – ايران. الليثي : الواسطي : علي بن محمد عيون الحكم والمواعظ ( لليثي), محقق / مصحح: الحسني البيرجندي، حسين‏, الطبعة: الأولى‏ تاريخ الطبع: 1418 هـ , الناشر: دار الحديث‏, مكان الطبع: قم‏ المجلسي : محمد باقر, ت 1110هـ : بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار, الناشر: دار احياء التراث العربي, لبنان-بيرت, الطبعة الثانية 1403هـ مصطفوي : حسن: التحقيق في كلمات القرآن الكريم, ط1- 2006م, المطبعة: اعتماد, الناشر: مركز نشر آثار العلامة المصطفوي. طهران- ايران. النوري : الحسين بن محمد التقي : مستدرك الوسائل ومستنبط الوسائل , ت 1320هـ الناشر: مؤسسة آل البيت , ايران-قم, الطبعة الاولى 1408هـ ورام بن ابي فراس :  مسعود بن عيسى 605هـ : تنبيه الخواطر ونزه النواظر (مجموعة ورام): الناشر: مكتبة الفقيه ,ايران-قم, الطبعة الاولى 1410هـ.

 

([1]) مصباح الشريعة ؛ ص13.

([2]) مصباح الشريعة ؛ ص79.

([3]) ظ: كتاب العين، ج‏7، ص: 334.

([4]) ظ: معجم مقاييس اللغة، ج‏1، ص: 14.

([5]) ظ: كتاب العين، ج‏3، ص: 392.

([6]) معجم مقاييس اللغة، ج‏5، ص: 361.

([7]) ظ: كتاب العين، ج‏5، ص: 394.

([8]) ظ: التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج‏4، ص: 337.

([9]) ظ: ابن منظور: لسان العرب 6: 233.

([10]) المصدر نفسه 2: 462.

([11]) سورة النساء : 49.

([12]) سورة النجم:32.

([13]) سورة الشمس : 9.

([14]) السيستاني: محمد باقر: اصول تزكية النفس و توعيتها1 : 43

([15]) تحف العقول ؛ النص ؛ ص279.

([16]) تحف العقول ؛ النص ؛ ص278.

([17]) تحف العقول ؛ النص ؛ ص280.

([18]) إرشاد القلوب إلى الصواب (للديلمي)، ج‏1، ص: 59.

([19])ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ؛ النص ؛ ص168.

([20]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏75 ؛ ص135.

([21]) الحائري: جعفر عباس: بلاغة الإمام علي بن الحسين عليه السلام المؤلف, تحقيق : جمع وتحقيق : جعفر عباس الحائري,ط1 -1425 - 1383ش, طبع ونشر : دار الحديث للطباعة والنشر:167.

([22]) تحف العقول ؛ النص ؛ ص273.

([23]) الصحيفة السجادية، ص: 232.

([24]) أعلام الدين في صفات المؤمنين ؛ ص119.

([25]) تحف العقول، النص، ص: 249.

([26]) سورة الفرقان: 44.

([27]) الصحيفة السجادية ؛ ص28.

([28]) إرشاد القلوب إلى الصواب (للديلمي)، ج‏1، ص: 83.

([29]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏91 ؛ ص150.

([30]) سورةالعنكبوت : 69.

([31]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏2 ؛ ص91.

([32]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏2 ؛ ص89.

([33]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏2 ؛ ص60.

([34]) العدد القوية لدفع المخاوف اليومية ؛ ص319.

([35]) الجواهر السنية في الأحاديث القدسية (كليات حديث قدسى) ؛ ص142.

([36]) إقبال الأعمال (ط - القديمة) ؛ ج‏1 ؛ ص146.

([37]) تحف العقول، النص، ص: 281.

([38]) تحف العقول، النص، ص: 281.

([39]) ينظر: الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن 20: 148.

([40]) عيون الحكم و المواعظ (لليثي) ؛ ص430.

([41])سورة يوسف :  53.

([42]) دعائم الإسلام ؛ ج‏2 ؛ ص352.

([43]) الصحيفة السجادية ؛ ص28.

([44]) سورة القيامة : 14.

([45]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏3 ؛ ص37.

([46]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏4 ؛ ص118.

([47]) عيون الحكم و المواعظ (لليثي)، ص: 155.

([48]) الخميني: جنود العقل والجهل :30.

([49]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏91 ؛ ص143.

([50]) سورة يوسف : 18.

([51]) مصباح المتهجد و سلاح المتعبد، ج‏2، ص: 591

([52]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏91 ؛ ص143.

([53]) من لا يحضره الفقيه، ج‏2، ص: 619.

([54]) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام، ص: 364.

([55]) عيون الحكم و المواعظ (لليثي) ؛ ص151.

([56]) إرشاد القلوب إلى الصواب (للديلمي)، ج‏1، ص: 201.

([57]) الطباطبائي: محمد حسين: تفسير الميزان, الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة11: 157.

([58]) الأمالي( للصدوق)، النص، ص: 489.

([59]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏91 ؛ ص149.

([60]) بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏91، ص: 148.

([61]) مجموعة ورام ؛ ج‏2 ؛ ص87.

([62]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏91 ؛ ص150.

([63]) عدة الداعي و نجاح الساعي ؛ ص176.

([64]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏5 ؛ ص36.

([65]) الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي) ؛ ج‏2 ؛ ص317.

([66]) إقبال الأعمال (ط - القديمة) ؛ ج‏1 ؛ ص230.

([67]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏91 ؛ ص144.

([68]) عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية ؛ ج‏1 ؛ ص404.

([69]) التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام ؛ ص328.

([70]) مصباح الشريعة ؛ ص79.

([71]) الصحيفة السجادية ؛ ص164.

([72]) كتاب العين، ج‏6، ص: 236, مفردات ألفاظ القرآن، ص: 454.

([73]) الفروق في اللغة ؛ ص271.

([74]) بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏60 ؛ ص283.

([75]) سورة الكهف: 50.

([76]) تفسير العياشي، ج‏1، ص: 34.

([77]) الصحيفة السجادية ؛ ص148.

([78]) سورة الأعراف : 27.

([79]) بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏91، ص: 141.

([80]) الخصال ؛ ج‏1 ؛ ص64.

([81]) بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏91، ص: 143.

([82]) مصباح الشريعة ؛ ص80.

([83]) بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏91، ص: 141.

([84]) بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏91، ص: 141.

([85]) الصحيفة السجادية ؛ ص164.

([86]) بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏91، ص: 141.

([87]) سورة الانفال : 48.

([88]) الصحيفة السجادية ؛ ص148.

([89]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏2 ؛ ص541.

([90]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏8 ؛ ص74.

([91]) نفثه: ما يلقيه في القلب.

([92]) ثبيطه: إعاقته.

([93]) الصحيفة السجادية ؛ ص58.

([94]) تحف العقول ؛ النص ؛ ص280.

([95]) تحف العقول، النص، ص: 251.

([96]) مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل ؛ ج‏11 ؛ ص254.

([97]) الصحيفة السجادية ؛ ص142.

([98]) سورة يوسف :  53.

([99]) دعائم الإسلام ؛ ج‏2 ؛ ص352.

([100]) دعائم الإسلام ؛ ج‏2 ؛ ص352.

([101]) الصحيفة السجادية ؛ ص144.

([102]) الصحيفة السجادية ؛ ص166.

([103]) بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏91، ص: 153.

([104]) سورة النحل: 44 إلى 47.

([105]) الكافي (ط - الإسلامية)، ج‏8، ص: 74.

([106]) المصباح للكفعمي (جنة الأمان الواقية)، ص: 83.

([107]) سورة الأعراف : 201 .

([108]) تحف العقول، النص، ص: 250.

([109]) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج‏2 ؛ ص541.

([110]) تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان)، ج‏2، ص: 290.

([111]) الجعفريات (الأشعثيات)، ص: 39..

([112]) التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام ؛ ص396.

([113]) التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام ؛ ص343.

المرفقات