الجمال وجوهر العقيدة الاسلامية..

لا ينحصر عالم الوجود بالعالم المحسوس.. بل أنه أكبر سعةً من العالم المرئي، ويسمي العالم المحسوس في القرآن الكريم بعالم  الشهادة  في مقابل عالم الغيب..  (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال) وفي حدود العالمين كائنات أما مجردة أو مادية أو مجردة متعلقة بالمادة،  فاذا كان المخلوق مجرداً تاماً، فأنه يتمتع بجميع كمالاته الوجودية في العالم الارضي ولا تحّول منه ولا تغيّر ولا انتقال وليس له نضج أو تكامل، وهذا ما اشار به القرآن الكريم على لسان الملائكة ( وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) وهذا ما يمثل عالم الغيب..  أما في حدود عالم الشهادة والمتمثل بالماديات والمجردات المتعلقة بالمادة مثل روح الانسان فهو بذاته مجرد، لكنه يتكامل في ظل ارتباطه بالمادة ولهذا فأن روحه لا تكون على مستوى من الكمال في وجوده حتى انفصاله عن البدن وهذه الماديات ومتعلقاتها قابلة للتغيير والتحوّل الكامل .

 أن هذا الكون المخلوق بما فيه من مخلوقات مادية ومجردة  ومجردة متعلقة بالمادة تسير كلها في طاعة الله واوامره ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)  وضمن قانون الارادة الالهية المتمثلة باتجاهين  كما هو معلوم..

الارادة التكوينية-  التي يسير بها الكون ومتعلقاته وبضمنها الانسان بحريته واختياره في الطاعة او المعصية.  الارادة التشريعية- والتي تتمثل بالأوامر والنواهي التي أراد بها الله من البشر الالتزام بها مع إعطاء الحرية في الموافقة او المخالفة المرتبطة بالهداية الالهية، ورغم احاطة الارادة التكوينية بالإرادة التشريعية فليس من مقتضاها أجبار الانسان أو إكراهه على فعل معين..

من هنا كانت حرية الفنان المسلم في استلهام النظرة الكونية ومحاكاة جمالها الكامن في الجوهر وليس الواقع بظواهره، من خلال فهم التوليفة الجمالية التي تقوم بها جواهر الاشكال والحروف والبحث عن كيفية تكوينها من حيث نظام بنائها .

ان علاقة الفن الإسلامي بروحية العقيدة الاسلامية علاقة لا انفكاك لها كونه يحتضن هذه الفنون في حنو حيث العمائر واشكالها الهندسية الرائعة والخطوط وعالمها الواسع والزخارف واغصانها واوراقها المنسابة على الورق وجدران المساجد وقبابها،  مما جعل  البعض  يستنتج إن الفنون في الإسلام تفضي إلى المساجد.. والمساجد تفضي إلى الصلاة  ومنها الى الله الخالق جل وعلا، وهذا يعني أن الفن الإسلامي يجذب الإنسان جذبا إلى الله تعالى، فيتوق إلى عبادته ويستلذ مناجاته رغبة في التخلص من كل عبودية لسواه. . فالفنان المسلم لا يكون فنه أصيلا إلا إذا ووقف بين يدي الله وتأمل قدرته في إخبات وتأمل وخشوع في أوقات الصلاة المكتوبة على الأقل، فيتأمل أسرار الوجود وحقيقة الحياة والموت.. ويتلقى إيقاعات لا حد لها تخاطب العقل والسمع لديه وتهز القلب والوجدان وتلامس الروح، وتحث الجسد على التسامي.. ففي العبادة يتساوق جمال الاستقامة مع جلال الخشوع لله وتصفو الارواح وتسمو في معارجها إلى الله تعالى، فكل سجدة لله أو ركعت رغبة أو رهبة محبة او تذللا، أو قراءة القرآن او الانصات اليه  وهو يتلى متدفقا الى القلوب..  تفيض الانفس حسنا وتشع ألقا وسناء و يسترشد الحائر ويهتدي الضال متوجهاً إلى سعادة الدنيا والفوز بنعيم الآخرة .

لقد اوجد المزخرف الاسلامي هوية فنه بواسطة شفرات وترميزات مميزة.. اصبحت فيما بعد هي اللغة الناطقة باسمه، وهي تتحرك بشكل ما لتسهم اسهاماً فاعلاً في بناء السياق الداخلي للتكوينات الفنية ونموها وازدهارها، وهي متغيرة متراكمة من جيل لآخر.. تتظافر فيها ابداعات كل جيل في تكوين شفرة ما تتميز عن سوابقها ليولد منها سياقاً جديداً الرموز والشفرات تعُد عند الاجيال اللاحقة سياقا متبعا في الفن الاسلامي، فقد توجه كثير من الفنانين وعبر مراحل التاريخ الاسلامي الطويلة إلى رصد وتوثيق الأحداث الهامة في حياة رسولنا الكريم وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم والامة الاسلامية، وذلك بتحويلها إلى مواضيع فنية ذات ابعاد جمالية خاصة تتوائم مع الفكر الاسلامي ومعتقداته التي اكدت على اظهار الحقيقة الباطنية للأشكال بعيدا عن تشخيصها وتجسيمها او محاكاتها الحرفية، فألتجأ الكثير منهم نحو دائرة ما يسمى بالفن المقدس بمحاكاته روحية الاشكال وعكس ابداعات الخالق المصور من خلال طرز العمارة الاسلامية التي زينت بالمخطوطات والمنظومات الزخرفية الرائعة  بعيدا عن التشبيهات الوثنية التي كانت سائدة في عصور ما قبل الاسلام، فضلاً عن تبني رسم بعض الشخوص المقدسة او تصوير وكتابة بعض الاحداث المهمة في حياتهم، لتحمل معها رموز ابتدعها الفنان المسلم بما يعكس جوهر شخصياتهم المقدسة.. كما الحال في رسوم المنمنمات المحمدية الاسلامية والمخطوطات المزينة بالرقوش والزخارف الاسلامية الرائعة الزاخرة بكلمات الله التامات او الاقوال والحكم التي وردت عن رسولنا الاعظم وآله الطاهرين صلوات الله عليهم..

 

 فالفكرة الاساس هي ان الفنان المسلم انتهل صفات وخصال الشخصيات المهمة من ما ذكر عنها في الكتب السماوية المقدسة او الروايات الموثوقة التي نقلت اليهم عبر الاجيال المتعاقبة وثقاتها.. فيقوم بأسقاطها امام المتلقي ليخرج اعمالاً ذات حضور جمالي روحي تحمل في ثناياها ارثا دينيا وثقافيا تتناقله الاجيال جيل بعد جيل.

اعداد

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات