رغم أنه كان أكبر أولاد أبيه الخليفة المُعز لدين الله الفاطمي، إلا أنه لم يتولّ الخلافة بعده على العادة المتبعة، فقد آثر أبوه عليه أخاه عبد الله وكان يعدّه للحكم بعده, لكن عبد الله توفي في حياة أبيه فرشح المُعز أبنه الآخر نزار الذي تولّى الخلافة بعده ولُقّب بالعزيز بالله !.
كان أبوه يرى له ولشخصيته مكاناً آخر غير مسؤولية الدولة والحكم والسياسة فأبعده عن هذه الأمور كلها وهيّأ له ما يلائم نفسيته وشخصيته، وبدوره (هوَ) فقد وجد لنفسه مملكته ودولته الأدبية فنظّم صفوف القوافي وحشّد جيوش الألفاظ والمعاني وأدار مقاليد البلاغة والبديع والبيان وحمل بها صولجان الشعر.
فهذا الأمير الذي حُرم من الخلافة والحكم تربّع على عرش الشعر والأدب في مصر الفاطمية وقدّر له أن يكون واحداً من كبار الشعراء في التاريخ الأدبي وقد منحته حياته داخل بيئة سياسية مليئة بالأحداث أن يكوّن وجوداً شعرياً من طراز رفيع حيث خلد مآثر أسرته وانتصارات الفاطميين على الصليبيين حتى لقب بأمير شعراء مصر في العصر الفاطمي, ومع ذلك فقد كان يجد في نفسه الكفاءة لتولي الحكم.
ولد الأمير أبو علي تميم بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي الفاطمي في المهدية بتونس سنة (337هـ/948م) وكان أبوه المعز حاكم المغرب والديار المصرية, وعندما بلغ تميم الخامسة والعشرين دخل مع أبيه المعز وأركان دولته إلى مصر بعد أن ضمّها جوهر الصقلّي إلى أملاك الدولة الفاطمية وبنى القاهرة عام (362هـ).
ويرجع نسب تميم إلى الإمام جعفر الصادق (ع) فهو تميم ابن الخليفة المعز لدين الله (معد) رابع الخلفاء الفاطميين ابن المنصور بنصر الله (إسماعيل) ابن القائم بأمر الله (محمد) ابن عبيد الله (المهدي) مؤسس الدولة الفاطمية ابن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
الشاعر المظلوم
ظهر ميل تميم منذ صغره إلى الشعر والأدب وتوزّع شعره على شتى الأغراض وأبرز ما يميز شعره هو الابتكار في المعنى والوصف، وقد أودع شعره من المعاني القديمة كل جميل ثم اظهرها في ثوب جديد مُحلى بالألفاظ العذبة المنتقاة.
وأجود شعره ما قاله في حق أهل البيت (ع) وإبراز فضلهم وعلمهم وإبداع البكائيات والمراثي فيهم وخاصة في سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) والرد على الشعراء المناوئين في قصائد كثيرة, كما ضمن هذه المواضيع حتى في مدائحه لأبيه وأخيه وأضاف إليها التفاخر بمكارم الفاطميين وآثارهم وبطولاتهم في رد الغزوات الصليبية عن بلاد الإسلام.
عُرف تميم بأنه شاعر مُكثر مُطيل، ألفاظه فصيحة وتراكيبه سهلة مقتدر في التشبيهات والاستعارات, يقول الأستاذ محمد عبد الغني حسن الذي درس حياة تميم وشعره في مقدمة كتابه عنه بعد أن بيّن أهمية دراسة هذا الشاعر:
(إنه شاعر مظلوم لم يأخذ حقه من التقدير حياً وميتاً ولم يُفرِد مؤلف قديم أو حديث له كتاباً مستقلاً إلا ما جاء مبعثراً في سطور نجدها في يتيمة الدهر للثعالبي, والمغرب في حلى المغرب لابن سعيد المغربي, ووفيات الأعيان لابن خلكان, وحسن المحاضرة للسيوطي, وإلا ما ذكره باحثون مصريون معاصرون وهم المرحومون محمود مصطفى, ومحمد كامل حسين استاذ الأدب المجمعي, وأحمد أحمد بدوي)
وقد أكد هذا الكلام السيد الأمين في أعيان الشيعة ج ١٤ ص ٣٠٨ : في ترجمة تميم حيث يقول (أديب شاعر من بيت الملك في ابان عزه ومجده ذكره صاحب اليتيمة ولم يذكر من أحواله شيئا سوى أشعار له أوردها وقالت مجلة الرسالة المصرية عدد ٣٣١ من السنة السابعة هو كما يعرف الأدباء أمير شعراء مصر في العصر الفاطمي)
ولسنا نريد تكرار دراسة هذا المضمون الملخص الذي أعطاه الأستاذ محمد عبد الغني حسن والسيد الأمين عن حياة تميم إلّا أنه يمكننا الاطلال على شعره فهو يعطي صورة أوضح عنه فقد كان شعره مطبوعاً خالياً من التكلف أكثر امتلاءً بالصدق الفني والتعبير عن نظرته إلى الحياة
شعره
أبرز شعر تميم في أهل البيت (ع) هو رده على عبد الله بن المعتز العباسي صاحب القصيدة التي يفضل فيها العباسيين على العلويين التي مطلعها:
ألا من لنفسي وأوصابِها *** ومن لدموعي وتسكابِها
وفيها يخاطب العلويين بقوله:
لكم حرمةٌ يا بني بنتِهِ *** ولكن بنــــو العمِّ أولى بها
فيتصدى له تميم بقصيدة طويلة مطلعها:
ألا قلْ لمنْ ضلَّ من هاشمٍ *** ورامَ اللحوقَ بأربابِها
أ أوساطها مثل أطرافِها *** أ أرؤسُـها مثلُ أذنابِها ؟
وفيها يقول بعد أن يعدد فضائل أمير المؤمنين (ع) ويثبت أنه أفضل الخلق بعد رسول الله:
أعباسُها كأبـــي حربِـــــــها *** عليٌ وقاتــــــــــل نصّابِها ؟
وأولهـــــا مؤمــــنٌ بــالإلـه *** وأول هـــــــــــــادمِ أنصابِها
بني هاشـــــــم قد تعــاميتـمُ *** فخلّوا المعالي لأصحــــــابِها
أعباسكمْ كان ســيفَ النبــيِّ *** إذا أبدتِ الحربُ عن نابِها ؟
أعبــــاسكمْ كــان في بَــدرِه *** يذودُ الــــكتائبَ عن غابِها ؟
أعباسكمْ قـــاتلُ المــشركين *** جهــــــاراً ومـالك أسلابِها ؟
أعباســـــكمْ كـــوصيِّ النبيِّ *** ومُعطي الرغابَ لطلابِها ؟
أعباسكمْ شــــرّحَ المشكلاتِ *** وفَتّحَ مُـــــــــــقفَل أبوابِها ؟
عجبتُ لمــــرتكبٍ بــــــغيه *** غوّي المقالةِ كـذّابِـــــــــها !
يقولُ فينـــــظمُ زورَ الكـلامِ *** ويحكمُ تنميــــــــــقَ إذهـابِها
(لكم حــــــرمة يا بني بنتِـهِ *** ولكن بنو الــعمِّ أولـى بها) !
وكيــــف يحوز سهامَ البنين *** بنو العــــــمِّ أُفٍّ لغـصّابِها ؟
بذا أنزل الله آي الكتـــــــابِ *** أتعمَون عن نص إسـهابها ؟
لقد جارَ في القولِ عبدُ الإله *** وقـــــــــاسَ المطايا بركابِها
ونحنُ لبســـــــنا ثيابَ النبيِّ *** وأنتم جذَبـــــــــــــتم بهدّابِها
ونحن بنـــــــــــــوه ووُرّاثه *** وأهل الــــــــوراثة أولى بها
وفينا الإمامة لا فــــــــــيكمُ *** ونحن أحقّ بـــــــــــــجلبابِها
ومن لكـــــــــمُ يا بنـي عمّه *** بمثلِ البتولِ وأنجـــــــــــابِها
وما لكمُ كوصــــــــيِّ النبيِّ *** أبٌ فتراموا بنشّـــــــــــــابها
ألسنا لُبابَ بني هــــــــــاشم *** وساداتكم عند نُسّـــــــابِها ؟
ألسنا سبقنا لغايــــــــــــاتِها *** ألسنا ذهبـــــــــنا بأحسابِها ؟
بنا صُـــــــــــلتمُ وبنا طُللتمُ *** وليس الولاة ككــــــــــــتّابِها
ولا تَسفَهوا أنـــفساً بالكذاب *** فذاكَ أشدُّ لإتعـــــــــــــــابِها
فأنتمْ كلحنِ قوافــــي الفَخار *** ونحن غــــــــدونا كإعرابِها
ولتميم قصيدة طويلة أخرى يرد بها على قصيدة لابن المعتز تحمل نفس الغرض يقول تميم فيها:
جادكَ الغيـث من محلّة دارِ *** وثوى فيكِ كــــل غادٍ وسارِ
ومنها :
يا بني هاشــــــمٍ ولسنا سواء *** في صغــارٍ من العلا أو كبارِ
إن نكن ننتمــي لجـــــــدٍ فإنا *** قد سبقناكـــــــــــــمُ لكلِّ فخارِ
ليس عـباسكــم كمثلِ علــــيٍّ *** هل تقـاسُ النجــــــومُ بالأقمار
مَــــن له قـــال: أنتَ مني كهــــــــــارونَ وموسى أكرم به من نجارِ
ثم يـومَ الغـــديرِ ما قد علمتم *** خصّة دون ســــــائرِ الحضّارِ
مَن لـــه قـــال: لا فتى كعليٍّ *** لا ولا مـنصلٍ سوى ذي الفقارِ
وبمن باهــــــــــلَ النبيُّ أأنتمْ *** جُهلاءٌ بواضـــــــــــحِ الأخبارِ
أبعبـــــــــــدِ الإلهِ أم بحسينٍ *** وأخيهِ ســــــــــــــلالة الأطهارِ
يا بني عـــمنا ظلمتمْ وطرتمْ *** عن سبيلِ الإنصـافِ كلَّ مطارِ
كيف تحـوون بالأكفِّ مكاناً *** لم تنالوا رؤيــــــــــاه بالأبصارِ
مَن توطّا الفراش يخلف فيه *** أحمداً وهو نحوَ يثــــــربَ سارِ
واسألوا يوم خيبر واسألوا مكـــــــــــة عن كــــــــــــرِّهِ على الفجّارِ
واسألوا يوم بدرَ مَن فارسُ الإســـــــلامِ ؟ فيه وطـــــالبُ الأوتار ؟
اســـــــألوا كل غزوةٍ لرســــــــــــــــــولِ اللهِ عمَّــن أغارَ كلَّ مُغارِ
ويقول في مطلع قصيدة والقصد منها إبراز عقيدته:
لا والمضـــرّج ثوبُه *** في كربلاءَ من الدماءِ
لا والوصي وزوجه *** وبنيه أصحاب الكساءِ
أولا فـــــإني للعُصــــــــــــــــاة الغاصبين الأدعياء
فهو يقسم بأقدس الأسماء عنده ويفخر بهم ومن ذلك قوله أيضاً:
لا والدمِ الجاري بكربلاء *** ومن بـــــها من دائمِ الثواءِ
بني علي وبــني الزهراء *** ذوي التناهي وذوي العلاء
ومن أشعاره في رثاء الإمام الحسين (ع) قوله من قصيدة طويلة:
أعاذل لي عن فسحةِ الصبرِ مـذهبُ *** وللهوِّ غيــــــــري مألفٌ ومصادُ
ثوَتْ ليَ أســـــــــلافٌ كرامٌ بكـربلا *** همُ لثغورِ المسـلميـــــــــــنَ سَدادُ
أصابتهمُ من عبدِ شـــــــمسٍ عـداوةٌ *** وعاجلهم بالنــــــــــاكثيـنَ حصادُ
فكيف يلذُّ العيشُ عفواً وقـــــد سـطا *** وجارَ على آلِ النبــــــــــــيِّ زيادُ
وقتلهمُ بغيـــــــــــــــاً عُبيدٌ وكــادَهم *** يزيدٌ بأنـــــــــــواعِ الشقاقِ فبادوا
بثاراتِ بدرٍ قاتلوهم ومـــــــــــــــكةٍ *** وكــــــــــادوهـم والحقّ ليسَ يُكادُ
فحكمت الأسيـــــافُ فيهــم وسُلّطت *** عليهم رماحٌ للنفاقِ حِــــــــــــــدادُ
فكم كربةٍ في كربــــــــــــلاءَ شديدةٍ *** دهاهمْ بها للناكثــــــــــــــــين كيادُ
تحكّم فيهم كل أنوك جــــــــــــــاهلٍ *** ويُغزون غــــــزواً ليس فيه محادُ
كأنهم ارتدّوا ارتـــــــــــــــــداد أمية *** وحادوا كمــــــا حادت ثمودُ وعادُ
ألم تُعظِموا يا قوم رهــط نبيــــــــكم *** أمــــــــــــــا لكم يومَ النشورِ معادُ
تداسُ بأقدامِ العصــــــــــاةِ جسومُهم *** وتدرسهم جُردٌ هناكَ جيــــــــــــادُ
تضيمهمُ بالقتلِ أمةُ جـــــــــــــــــدِّهم *** سفاها وعن ماءِ الفــــــــراتِ تُذادُ
فماتوا عطاشى صابرين على الوغى *** ولم يجبنوا بل جــــــالدوا فأجادوا
ولم يقبلوا حكــــــــــــــمَ الدعيِّ لأنهم *** تساموا وسادوا في المهودِ وقادوا
ولكنهم ماتوا كراماً أعــــــــــــــــــزةً *** وعــــــاش بهم قبـلَ المماتِ عبادُ
وكم بأعالي كربلا من حفــــــــــــائرٍ *** بها جُثــــــــتُ الأبــرارِ ليس تعادُ
بها من بني الزهراء كل سَميـــــــدعٍ *** جوادٍ اذا أعيـــــــــــــا الأنامَ جوادُ
وفيها يستذكر تلك الجثث الطواهر الزواكي وهي على الأرض معفرة بدمائها:
معــــفرةٌ في ذلـــك التــربِ منهم *** وجوهٌ بــــــــــــها كان النجاحِ يُفادُ
فلهفي على قـــتـلِ الحسينِ ومسلمٍ *** وخزيٌ لمن عاداهـــــــــــما وبعادُ
ولهفي علـــى زيـدٍ وبَثّاً مُـــــردِّدا *** إذا حان من بـــــــــثّ الكـئيبِ نفادُ
الا كبدٌ تــــفنى عليهم صبابـــــــة *** فيقطرُ حـــــــــزناً أو يذوبُ فؤادُ ؟
ألا مُــــقلة تهـمي ؟ ألا أذن تعي ؟ *** أكلُّ قلوبِ العالمينَ جــــــــــــمادُ ؟
تُقاد دماءُ المــــــــارقين ولا أرى *** دماءَ بني بيـــــــــــــــت النـبيِّ تُقادُ
أليس همُ الــــهادون والـعترة التي *** بها انجـــابَ شركٌ واضمحلَ فسادُ
تساقُ على الأرغامِ قسـراً نساؤهم *** سبايا إلى أرض الشــــــــــــآمِ تُقادُ
يُسقنَ الى دار اللعـــــين صواغرا *** كما سِيــق في عصف الراح جراد
كأنهم فيء النصــــــــــارى وإنهم *** لأكرم مـن قد عزّ منه قيــــــــــــادُ
يعــــــــزُّ على الزهراء ذلّة زينبٍ *** وقتلُ حسـينٍ والقـــــــــــلوبُ شِدادُ
وقرع يـــــــــــزيدٍ بالقضيبِ لسنّه *** لقد مجســــــــوا أهل الشآمِ وهادوا
قتلتم بني الإيمان والوحي والهدى *** متى صحَّ منكم فـــــــي الإلهِ مُرادُ
ولم تقتلوهم بل قــــــــــتلتمْ هداكـم *** بهم ونقصتــــــــم عند ذاكَ وزادوا
أمية ما زلتم لأبناءِ هاشــــــــــــــمٍ *** عِدى فاملؤوا طرق النفاقِ وعـادوا
إلى كم وقد لاحتْ براهين فضلـهم *** عليكم نِفارٌ منهمُ وعـــــــــــــــــنادُ
متى قط أضحى عبدُ شمسٍ كهاشمٍ *** لقد قلَّ أنصــــــــــافٌ وطالَ شِرادُ
متى وُزنـــت صمُّ الحجارِ بجوهرٍ *** متــــــــى شارفتْ شمُّ الجبالِ وِهَادُ
متى بعث الرحــــمنُ منكم كجدهم *** نبياً علت للحقِّ منه زنـــــــــــــــادُ
متى كان يوماً صــــخـركم كعليهم *** إذا عُدّ إيمــــــــــــــــانٌ وعُدّ جهادُ
متى أصبحتْ هندٌ كفـاطمةِ الرضا *** متى قِيــــــسَ بالصبحِ المنيرِ سوادُ
أآلُ رسولِ اللهِ ؟ سؤتــــــــمْ وكدتمُ *** ستجنى علـيكمْ ذلةٌ وكســــــــــــــادُ
أليسَ رسولُ الله فيهم خصيمكـــــمْ *** إذا اشتدَّ إبعــــــــــــــادٌ وأرملَ زادُ
بكم أم بهم جــــاءَ الكتابُ مُبشّـــراً *** بكـــــــــــــمْ أمْ بهمْ ديـنُ الإلهِ يُشادُ
سأبكيكمُ يا ســـــــــــــادتي بمدامعٍ *** غزارٍ وحـــــــــزنٍ ليـس عنه رقادٌ
وإن لم أعادِ عبدَ شمــــــسٍ عليكم *** فلا اتســـــــــعتْ بي مـا حييتُ بلادُ
وأطلبهمْ حتى يروحوا ومــــــالهم *** على الأرضِ من طولِ القرارِ مِهادُ
سقى حُفراً وارتكمُ وحوتــــــــــكمُ *** من المستهلاتِ العــــــــــذابِ عِهادُ
ومن روائع قصائده قصيدته اليائية في رثاء الحسين (ع) وفيها تطرق إلى كثير من تفاصيل كربلاء يقول فيها:
الحـــــرُّ لا يأتي الدنيه *** والمـــــجدُ للنفــــــــــــسِ الأبيّه
ومن المكـــارمِ والتقى *** حسنُ السريــــــــــــرةِ والطويّه
والمرءُ يستــــرُّ بالسخــــــــــــــاءِ معــــــــايبَ النــفـسِ السخيّه
والحــــلمُ أعظمُ ما يكـــــــــــــــونُ إذا تعـــــــــاظـمـتِ الخطيّه
والعقلُ أجمــــلُ زينة *** لأخي النبــــــــــــــــاهةِ والرويّه
والظلمُ من لـؤمِ الطبـــــــــــــــاعِ وعــــــــــــــادة النفسِ الرديّه
و البغيُ يـــؤذنُ بالبــــــــــــــــوارِ وبالدمـــــــــــــــارِ وبالمنيّه
أو ما ترى بالـبغي ما *** أفضت إليــــــــــــــــــه بنو أميّه
الـناكـبين عن الهـدى *** والجــــــــــــــائرين على الرعيّه
والـقاسطيـــن الـواثبيـــــــــــــن على ابنِ فـــــــــــاطمةِ الزكيّه
كفروا بـــــربِّ محمدٍ *** بغياً فمــــــــــــــــــا حفظوا نبيّه
وشفوا بسبطيـــه الحقـــــــــــــود وحاربوا ظـــــــــــلماً وصيَّه
ونَسُـوا مـقــــالَ نبيهم *** وهو المعـــــــــــدّلُ في القضيّه
من كـنــتُ مـولاه فقد *** أضحى أبو حســــــــــــــنٍ ولِيّه
جلّت بسفكِ دمِ الحسيـــــــــــــــنِ وقتله عنـــــــــــــدي الرَّزيّه
ماذا أبيــــــــــح بكربــــــــــــــلاء من النفــــــــــوسِ الهاشميّه
ماذا تخطّـــــفت الصــــــــــــــوارمُ منهــــــــــــــمُ والسَّمهريّه
بكت السمــاءُ لفقدِهم *** والأرضُ واحتـــــــــــذتِ البريّه
أهلُ الفضائلِ و المكـــــــــــــارمِ والـندى و الأريــــــــــــــحيّه
وذووا الـنبـــوةِ والهــــــــــــــدايةِ والـعــــــــــــلـى واللوذعـيّه
قتلـتْ أميـــةُ هاشـماً *** أعظمُ بذلكَ مـــــــــــــــــــن بليّه
بحقود بــــدر طالـبـــــــــــــــوهـمْ والدمــــــــــــــاءَ المشركيّه
خذلوا الـنبـيَّ بقتلـهم *** وتـعصّبــــــــــــــــــــوا للجاهليّه
هدموا الشريعة والشريـــــــــعة غـضّـــــــــــــــة المبدا طريّه
لم تخفِ عن ربِّ البريــــــــةِ مـن فعـــــــــــــــــــــالِـهم خفيّه
ما عذرهم يوم النشـــــــــــــورِ إذا تحـــــــــــــــاكمتِ الـبريّه
وأتى الـنبيُّ مطـالـبا *** بدمِ ابـن فـــــــــــاطمةِ الرضيّـه
ودمُ الحسينِ على البتـــــــــــول وعـيـــــــــــــــنهـا منه بكيّـه
نحروه غــــير مذمم *** نحـر الهــــــــــــــدايا للضحـيّـه
في كربلاء يجودُ بالنـــــــــــــفسِ المعـــــــــــــــطشة الصَّديّه
حتى انثنى لـسيـوفِهم *** وسهامِــــــــــــــــهم فيهـا دريّه
أعــــزز علي مـجاله *** ظمــــــــــــــآن في تلك الـثنيّـه
وبنـو أبيـــــــه حوله *** بين الـعــــــــــــــــداة الناصبيّـه
قد جـرَّدوا بيضَ المنـــــــــــــاصلِ واستعــــــــــــــدوا للمنيّه
حتى تفــــانوا حولـه *** وسقوا المنيـــــــــــــــة بالسويّه
والفاسـق ابن زيادٍ الــــــــــــــــملعون يطلبــــــــــــــــهم بنيّـه
لا يأتلــــي في قتلِ أبــــــــــــــــناء النبيِّ علــــــــــــــى حميّه
حـتى إذا مـــــــا عفّـــــــــــــــــروه على ثرى الأرضِ الثريّه
حثوا المطـــــايـا للشــــــــــــــآم بكـلِّ طــــــــــــــاهـرةٍ حييّـه
شـهروا نسـاءَ نبيهـم *** وتقــــــــــــــاسـمـوا بالـبغي فيّـه
أسرى يسقن كمـا تســـــــــــــاق الـمشـــــــــــركـاتِ بلا تقيّـه
حتى إذا جـاؤوا يزيـــــــــــــــدَ بهم واحتضـــــــــــــروا نديّـه
أبدى الشمـات وقال: ثـــــــــــارات الـرجـــــــــــالِ العبشميّـه
أعــزز عَـليَّ وقـــــــــــــــــــوفهن ثواكلــــــــــاً فـوق المطيّه
والرأسُ ملقى وهو يقــــــــــرعُ بالقضيـــــــــــــب على الثنيّه
يا عيـنُ جـودي بالـدمـــــــــوع على مصــــــــــابِ الفاطميّـه
آلـيتُ لا ذقـتُ الـمنــــــــــامَ ولا اضطجـــــــــعتُ على حشيّه
ولأهـجـرنَّ لـذيذَ كـــــــــــــــلِّ معيــــــــــــــشـةٍ عـندي هنيّـه
حـتـى أزور أمـية *** في كـــــــــــــــــــلِّ بلـقعـةٍ قصيّه
وأذيقهمْ كـأسَ الـمــنيــــــــــة بالغــــــــــــــــــــــدوِّ وبالـعشيّه
حتى أقـوم بثأر آبـــــــــــــائي من الـعُصــــــــــــــــبِ الشقيّه
إن لم أذُدْ طعــــــمَ الكرى *** عن أعـينِ منـهـــــمْ عميَّـه
حتـى تـــــــــــــروح أميةٍ *** لسوى أميـــــــــــة مدعـيّه
فبرئــــتُ من نسبِ الـوصـــــــــــــــــيِّ و من ولادتـهِ العليّـه
لهفي علـى الـنفرِ الـذيـــــــــــــــــــن مضوا ولم يبـــقـوا بقيّه
تـاللهِ لا بـرحتْ لـهـــــــم *** نفسي مولّـــــــــــهة شـجيّه
حتى أكـدّر عـيــــــش تلـــــــــــــــكَ الأنفس الصغرى الغبيّه
وتروح ثـــارات الـحسـيـــــــــــــــن أبي بسيـــــفـي محتميـه
أنى و آبـــــــــــائي و قــــــــــــــــــــومي والـكرامُ الأحمديـه
ذاقوا الـرَّدى وتخــرَّمـوا *** بيد الدعـــــيِّ ابن الـدعـيـه
بيد الغـــــــــوي ابن الـغـــــــــــــــوي ابن الغوي ابن الغويه
الـنـــــــــاقضين الـناكـثيــــــــــــــــــن على الشريعةِ والبريه
الـبائعيــــــــن صـوابهـمْ *** في كلِّ أمـــــــرٍ بالـخطـيـه
وهو يستذكر حادثة الطف حتى في بقية شعره فمن قصيدة في توثيق انتصارات أخيه العزيز على والي الشام يستذكر ما فعل أهلها بالحسين وزيد فيقول:
وأرهبتَ أهلَ الشامِ حتى تركتهم *** وليس لهم ســــرٌّ سواكَ ولا جهرُ
وسستهمُ حــــــزماً بما لم يسسهمُ *** بمعشــــارِهِ يـوماً زيادٌ ولا عمرو
فلو تسمع المـوتى لناديتَ مسمعاً *** يزيدُ بخـــــزيٍّ قم فقد أدركَ الوترُ
نهضتَ بثـــاراتِ الحسينِ وزيده *** نهوضاً به من زينبٍ شُفي الصدرُ
وفي قصيدة في رثاء أخيه يعدد آباءه وأجداده من بني هاشم الذين تفانوا وهو ذكور لهم دائما لكن لهم ذكر خاص في المصائب فيقول:
وتذكَّـــــرتُ بــالمصائبِ قـومي *** وجُدودي إنّي لقــــومي ذكـورُ
أين قـومـــي الأُلى الذين بهم كــــــــــان يـموتُ الخَنا ويحيـــــــا الـفقيرُ
لو حَمى مـــعشراً مِن القوم حامٍ *** لَحَمَتْ قومي العُلى والــــــخِيرُ
أيـن آبائـيَ الـذيــــــــــن تَفـانَـوْا *** وبهم كانـت الليالي تُــنـــــــــيرُ
أيـن جدّي حسينٌ بـنُ عــــــــليٍّ *** أين زيدُ المُفجَــــــعُ الــمَــوْتورُ
أيـن مهديُّنـا الـمُــــــــــمَلَّكُ والقـــــــــــــــائمُ أين المُعـزُّ والمنــصـــــورُ
أيـن تلك الحُلومُ والفضلُ والألْـــــــــــــــــبابُ بَل أين ذلــــــــكَ التـَّدبيـرُ
أيـن ذاك السلطانُ والمُلكُ والمَنْــــــــــــــــعَةُ والبَطْشُ والعُلى والـظُهورُ
أين تلك الجيوشُ والعــزَّةُ القَـعْـــــــــــــــــساءُ والجمعُ والعـديــــدُ الكثيرُ
فرَّقَتْهـُم يــــــدُ المَنــونِ فَـبادوا *** وحَوَتْهُم بعد القُصــــــورِ الـقبورُ
سَلَفٌ صالحٌ وأمــــلاكُ صـِدْقٍ *** بهـمُ تستوي وتُلـــــــــوى الأُمورُ
وهو لا يفتأ يندد بما فعلته بنو أمية من الجرائم وخاصة جريمتهم الكبرى في كربلاء:
دَعْ عبـدَ شمسِ و أبـــاطيلها *** فـقـد بـدا اللهُ بتَـنْــــــــــــكيسها
قبيلـةٌ ما طَهَّـــــــــرَ اللهُ مـَن *** شايَعَها مِن إثـمِ تنـْجيــــــــسها
طافَتْ بحربٍ وَهْوَ فرعونُها *** طَوْفَ النّصارى حول قِسّيسِها
دمُ النبيِّ المصطفى ظــاهـرٌ *** يلـوحُ في بُنيانِ تأســـــــيـسهـا
سَقَتْ بَنيه بالرَّدى واغْتَدَتْ *** نساؤه سَـبياً عــــــــلى عـيسِهـا
قبيلـةٌ أفضَـــــــــــلُها شَـرُّها *** لا شَرُفَتْ عـن حالِ مرؤوسـها
فإنّهـا أولى بإتْعـــــــــــاسها *** ولَعْنُها مِــــــــن لعـنِ إبليـسِهــا
ومن قوله متفاخرا بنسبه العلوي قوله من قصيدة طويلة:
سما بي مـــــعد إلى غاية *** من المجدِ ما فوقها مرتقى
فرحتُ بها فاطمي النجار *** حسينيـــــــه علوي الجنى
وقوله أيضاً من قصيدة طوية :
شرفٌ بنته لنا البتولُ وبعلُها *** وأبنــــاهما حتى رسا وتمنعا
واستودعوه بعــدهم أبناءهم *** فبنوا عليه وشيدوا المستودعا
ومن أغراض شعره الأخرى التظلم من الدنيا بعد أن حُرم من نعيم الملك وسلطانه فيضع نفسه في موضع المقارنة بينه وبين أخويه في مجال المفاضلة فيقول:
أنا فردُ النهى وربُ المعالي *** وحسامُ الكفــاحِ يومَ الكفاحِ
أنا مفتـــــــاح قفلِ كل نوالٍ *** يومَ يغــدو الندى بلا مفتاحِ
أنا كالجدِّ في الأمور إذا ما *** كان غيري فيهنَّ مثل مزاحِ
ولكنه كان يكتم ألمه ولا يظهر ذلك بل يظهر التبسم والرضا رغم أن الألم المرير في داخله:
أما والذي لا يمــلك الأمر غيره *** ومن هو بالسرِّ المكتَّمِ أعلمُ
لئنْ كان كتمانَ المصائبِ مؤلماً *** لأعــــلانِها عندي اشدّ وآلمُ
وبي كل ما يبكــــي العيون أفلّه *** وإن كــنتُ منه دائما اتبسّمُ
توفي تميم بن المعز سنة 374هـ - 985م بمصر ودفن بالحجرة التي فيها قبر ابيه المعز
محمد طاهر الصفار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق