ايها الاخوة والاخوات..
موضوعنا في الخطبة الثانية..
كيف نوظّف معطيات وبركات شهر رمضان المبارك لنصلح منظومة العلاقات الاجتماعية؟
الانسان في حياته الدنيوية بحاجة الى اصلاح منظومة العلاقات مع ارحامه ومع اصدقائه ومع اخوانه ومع بقية افراد المجتمع..
نلاحظ في كثير من الاحيان ان المعصومين (عليهم السلام) في احاديثهم عن شهر رمضان يذكرون العبارة التالية : (لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك)، لماذا يكرر الائمة عليهم السلام هذه العبارة؟ وما هو مقصودهم؟
كأنه هُنا شهر رمضان فيه خصوصية وهذه الاجواء الايمانية والبركات والفضل الالهي يجعل فيه القلوب رقيقة والنفوس لديها سرعة التأثر والاستجابة للمواعظ والنصائح وقابلة للتأثر اكثر من بقية الاشهر، ونحن في حياتنا نتعرض الى الاخطاء والزلاّت والعثرات ونتخلف عن جادة الاصلاح والاستقامة في حياتنا، نحتاج ان نراجع ذاتنا فرداً ومجتمعاً بصورة دائمية وننظر في اخطائنا وزلاتنا وعثراتنا وذنوبنا وآثامنا وما يعتري هذه المسيرة من اخفاقات وفشل..
نراجع الذات نقيّم مسيرة حياتنا ونُصلحها..
شهر رمضان فيه فرصة افضل من بقية الشهور كما نلاحظ ذلك..
من جملة الامور التي تهددنا هي مسألة التقاطع والهجران والتباعد والشقاق بين المؤمنين، والسبب ان هذه الحياة فيها التنافس والصراع وفيها مشاكل كثير من الازمات خلاف الافكار في الاراء وفي المعتقدات وهذا الاحتكاك بين الناس يولّد الكثير من الاحقاد والحسد وكثير من المشاكل والازمات فيؤدي الى التقاطع في العلاقات والتدابر والهجران..
ما هي المشكلة في ذلك اخواني؟
ان الانسان والمعصومين عليهم السلام ارادوا من المجتمع الاسلامي ان يكون قوياً متماسكاً في علاقاته الاجتماعية حتى تكون له القدرة على تجاوز المشاكل والازمات والمِحن بنجاح وان يواجه الاعداء بقوّة فالاعداء اذا وجدوا مجتمعاً ضعيفاً غير متماسك استطاعوا اختراقه والتأثير فيه..
الشيء الآخر ان المعصومين عليهم السلام ارادوا ان نُظهر للاخرين مبادئنا وقيمنا في التراحم والتكاتف والتعاون والتآزر ولم يريدوا مِنا ان نظهر للاخرين اننا متقاطعون متدابرون متهاجرون ضعفاء علاقاتنا الاجتماعية يشوبها التقاطع والعداء والحقد والحسد، ارادوا ان نُظهر للاخرين صِفة التراحم بيننا وهذا التكاتف والصفح والعفو وهذه الاخلاق السامية ونُظهر حقيقة الاسلام للاخرين.. لذلك يحثوا في كثير من الاحاديث على ان نتجنب في علاقاتنا هذه حالة التقاطع والهجران..
اذا كانت في علاقاتكم مع ارحامكم ومع جيرانكم ومع اخوانكم المؤمنين تقاطع وهجران وتباعد فاصلحوا هذه العلاقة واغتنموا فرصة شهر رمضان المبارك وراجعوا علاقاتكم مع الاخرين واصلحوا هذه العلاقة..
لذلك في دعاء الامام السجاد (عليه السلام) اذا دخل شهر رمضان، نلتفت الى هذا المقطع في الدعاء وهو يصب في كيفية اصلاح منظومة العلاقات الاجتماعية بيننا التي يشوبها خلال شهور السنة من التقاطع والحسد والعداوة والاحقاد فيقول (عليه السلام) :
(وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالاِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ، و نُطَهِّرَهَا بِإخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَـا وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا وَأَنْ نُسَـالِمَ مَنْ عَادَانَا حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيْكَ وَلَكَ، فَإنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لاَ نُوالِيهِ، وَالحِزْبُ الَّذِي لاَ نُصَافِيهِ).
يقول الامام (عليه السلام) : (وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ)
التفتوا اخواني صِلة الرحم في بعض الاحاديث لدينا صِلة رحم ولدينا قطيعة رحم..
لنبين الان اهمية صلة الرحم في حياتنا الاجتماعية وطبعاً صلة الرحم مبدأ وقيمة دينية وخلق ديني ومبدأ وقيمة انسانية ليس فقط المؤمنون والمسلمون يحتاجون الى صِلة الرحم حتى الذين من الكافرين فهذا مبدأ وقيمة انسانية عامة وفي نفس الوقت قطيعة الرحم مُضرة في الدنيا والآخرة للجميع مؤمنين وغير مؤمنين..
ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) : (ايها الناس انه لا يستغني الرجل وان كان ذا مال عن عشيرته، ودفاعهم عنه بأيديهم والسنتهم، وهم اعظم الناس حيطة من وراءه، والمهّم لشعثه، واعطفهم عليه عند نازلة ان نزلت به).
امير المؤمنين (عليه السلام) يقول انت ايها الانسان حتى وان كنت ذا مال ذا سلطة ذا جاه لا تستغني ابداً عن رحمك، هؤلاء هم الذين سند لك وعون لك في ملمات الحياة ومشاكلها وازماتها وهم الذين يدافعون عنك وهم الذين يمثلون حصنا اجتماعياً يحفظونك وهم اعطف الناس بك ان نزلت بك الملمات والمصاعب بك في الحياة، انت بحاجة اليهم دائماً في حياتك فلابد ان تكون العلاقات بينك وبينهم صافية متواصلة..
وان الاحاديث والروايات الشريفة حثّت على صِلة الرحم ولأهمية هذا الخلق والمبدأ الله تعالى جعل هناك الاجر العظيم في الاخرة والمعطيات الكبيرة في الحياة الدنيا..
ورد عن الامام الباقر (عليه السلام) : (صلة الارحام تزكي الاعمال، وتنمّي الاموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الاجل).
في مقابل قطعية الرحم في بعض الاحاديث تأتي بعد الشرك بالله وفي حديث عن امير المؤمنين (عليه السلام) يقول : ( اقبح المعاصي قطيعة الرحم).
هنا يأتي دور شهر رمضان نحن الواحد منا كيف يتعامل مع ارحامه؟ تارة الانسان يتعامل مع ارحامه اذا وصلوه وصلهم واذا زاروه زارهم واذا اهدوا اليه شيء اهدى اليهم واذا احسنوا اليه احسن اليهم فهذا يبادلهم وهذه المرتبة ليست هي المطلوبة..
احياناً الانسان لا يصلهُ ارحامه هو يصلهم ولا يزوروه هو يزورهم، المرتبة الاعلى التي يقابل فيها الاسائة والتجاوز بالصفح والعفو ولا يصدر منه ما يقابل الاساءة والتجاوز وهذه اعلى المراتب التي دعا اليها الاسلام وسأبين لكم هذه المرتبة..
المشكلة لدينا ان الانسان احياناً تضغط عليه الاهواء والشيطان والاجواء الاجتماعية تدفعه الى ان يقابل هؤلاء الارحام بالقطيعة والاذى وغير ذلك من الامور ولا يتجاوز عن سيئاتهم وزلاتهم واخطائهم وايذائهم بحقّه..
ورد ان رجلا ً اتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : فقال: يا رسول الله إنّ لي اهلاً قد كنت اصلهم وهم يؤذونني، وقد اردت رفضهم، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اذاً يرفضكم الله جميعاً.
قال وكيف اصنع : قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : تعطي من حَرَمك، وتصل من قَطعك، وتعفو عمّن ظلمك، فاذا فعلت ذلك كان الله عزوجل لك ظهيراً.
البعض يفكّر يقول هؤلاء يؤذونني ولي معهم مشاكل فحتى اتخلص من هذه الامور اقاطع هؤلاء الارحام فهؤلاء يتجاوزون عليَّ وانا اصفح عنهم واسكت فهذا يقلل شأني وهذا الشيء يذلني ويهينني امام المجتمع.. فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له تخلّق بهذه الاخلاق فإن الله تعالى يكون لك ظهيراً..
ان انت التزمت فإن الله تعالى سيكون ناصراً لك وسانداً لك ويجعلك في علو وارتفاع..
الله تعالى حينما يكون لك ظهير سيرفع من مقامك ومنزلتك عند ارحامك وعند الناس وعند المجتمع، فلا تتصور انهُ سيقل شأنك وتُذل وتُهان امام الناس وتُهان كرامتك..
لذلك نحن في هذا الشهر المبارك ايها الاخوة والاخوات علينا ان نفكّر وقلوبنا الان تتوجه ونفوسنا تقبل هذه النصيحة والموعظة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل واحد منا ينظر الى هذا الواقع الاجتماعي الذي يعيشه ويحاول ان يتواصل مع ارحامه فاذا فعلت ذلك كان الله عزوجل سيكون لك ظهيراً..
لذلك في هذا المبارك الذي ندعو بهذا الدعاء للامام السجاد (عليه السلام) : ((وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ)، وان نقف مع ارحامنا في محنتهم وفي مشكلتهم ونعينهم على تجاوز ازمات ومشاكل ومحن الحياة الدنيا وهذا ايضاً من البِر والاحسان..
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لإكمال هذه المنظومة الاجتماعية وان نبني منظومة علاقات اجتماعية صالحة وناجحة حينئذ نصل الى التقوى التي ارادها الله تعالى..
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لذلك وان يديم النعمة علينا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
حيدر عدنان
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق