(اَللّهُمَّ ارْزُقْني فيهِ رَحمَةَ الأَيْتامِ وَاِطعامَ الطَّعامِ وَاِفْشاءَ السلام وَصُحْبَةَ الكِرامِ بِطَوْلِكَ يا مَلْجَاَ الأمِلينَ)
رحمة الأيتام
قال تعالى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)[الضحى – 6] الإيواء هنا هو : وضعه في مكان آمن وشموله بالرعاية، هكذا عبر القرآن الكريم في تعامل الخالق عز وجل مع سيد الخلق صلى الله عليه وآله؛ لأنه صلى الله عليه وآله كان يتيم الأبوين، فهذه الكلمة (آوَى) دقيقة يجب أن تكون نصب أعيننا في التعامل مع اليتيم، لأنها تعني توفير الأمان والرعاية، ففي عالمنا اليوم ندر تحققهما لليتيم، نعم نوفر له المأكل والملبس وبعض الاحتياجات، وهذه أمور يشكر فاعلها ويثاب، ولكن الأمان والرعاية هما شعور وإحساس يزرع في اليتيم، وهذان الشعوران متوفران عند الأب ويفتقدهما الأبن عند فقدان الأب، فالمطلوب منها هو أخذ دور الأب في التعامل مع اليتيم، وصرح بذلك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله : (كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنّك تزرع كذلك تحصد)[ بحار الأنوار ج ٧٤ ص ١٧١]، وتعبير دعاء اليوم بـ (رحمة الأيتام) تعبيرٌ دقيق، فلم يقل أرزقني فيه كفالة الأيتام؛ بل عَبر بالرحمة، ليكون التعامل مع اليتيم مبني على الأساس الروحي والنفسي، وليس على المادة، وفي رواية أمير المؤمنين عليه السلام بيان في غاية الجمال الإنساني، قال عليه السلام : (أدّب اليتيم ممّا تؤدّب منه ولدك واضربه مما تضرب منه ولدك)[الوسائل ج ١٥ ص ١٩٧]، أي لا تفرق بين اليتيم وولدك حتى في التأديب والعقوبة، وهما نظام للمحافظة والرعاية يضمن سلامة مستقبل الطفل.
آثار رعاية اليتيم
وإن لرعاية الأيتام آثار جمة وعظيمة نذكر جملة منها:
أن راعي مستحق الجنة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : (من عال يتيماً حتّى يستغني، أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة...) [الكافي ج ٧ ص ٥١]. رعاية أبناء راعي اليتيم، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال : (من رعى الأيتام، رُعي في بنيه) [مستدرك الوسائل ج 15 ص 167]. دخول دار الفرح في الجنة، قال صلى الله عليه وآله : (إنّ في الجنّة داراً يقال لها: دار الفرح لا يدخلها إلّا من فرّح يتامى المؤمنين)[ كنز العمال ح6008]. رفع العذاب عن اب الراعي والغفران له، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مرّ عيسى ابن مريم عليه السلام بقبر يُعذّب صاحبه ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو لا يُعذّب، فقال: يا ربّ مررت بهذا القبر عام أوّل فكان يعذب ومررت به العام فإذا هو ليس يُعذّب؟ فأوحى الله إليه أنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيماً فلهذا غفرت له بما فعل ابنه)[ بحار الأنوار ج ١٤ ص ٢٨٧].وهنالك غيرها من الآثار لرعاية اليتيم، وآثار أخرى ليست للرعاية فقط؛ بل يتم الحصول عليها بمجرد التعامل مع اليتيم برحمة وعطف، كلين القلب، وقضاء الحاجة.
إشارة مهمة
بقي موضوع مهم ينبغي الإشارة إليه، وهو هنالك حديث مشهور عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة) فحتماً الأبوة هنا ليست نسبية؛ بل روحية ودينية، وكذلك باقي الأئمة عليهم السلام هم آباء لشيعتهم روحاً، فعند فقدان الإمام يكون المؤمن يتيماً، كما نحن في زماننا هذا نعيش غيبة أمامنا عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهل يتيم الإمام كيتيم الأب؟
الجواب صريح في الرواية الشريفة التالية، عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (أشدّ من يُتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه، يتم يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى)[بحار الأنوار ج2 ص2]، نعم فقد الإمام أشد من فقد الأب، وما أشده من فقد.
(وَاِطعامَ الطَّعامِ وَاِفْشاءَ السلام)
هنالك أمور يجهلها الإنسان إذا فعلها تعود عليه بأمور تفوق ما فعله بأضعاف مضاعفة، منها إطعام الطعام وإفشاء السلام، فقد ورد من المدح فيهما ما ورد، حتى أنهما عدا من أوليات سيرة الأنبياء والأولياء، قال تعالى في الإطعام (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)[الإنسان – 8]، وقد ذكرت الروايات الشريفة آثار إطعام الطعام، فمنها 1: - الإطعام موجب للمغفرة، 2- المُطعم يكون من الأخيار 3- الإطعام ينجي المؤمن 4- الإطعام أحب الأعمال عند الخالق 5- الإطعام يسرع في الرزق.
وأما عن السلام فقال تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)[الاحزاب – 44]، فيكفي في السلام فضلاً أنه تحية أهل الجنة، وكما عبرت بعض الروايات الشريفة هو خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة، وأن البادئ بالسلام له سبعون حسنة.
(وَصُحْبَةَ الكِرامِ)
وهذا الأمر من الأمور المهمة في حياة الإنسان، ولعل البعض يعتقد أن الصحبة تعني الصداقة فقط؛ بل هي أوسع من ذلك، فتشمل الزوجة ورفيق العمل ورفيق السفر والصديق وغيرهم ممن تصدق عليهم الصحبة، وقد خصت الصحبة هنا بالكرم، لأن من عادة الكريم حسن الخلق ولين التعامل وغض البصر عن العيوب وغيرها من صفات الكريم، وصحبة الكريم ليست فقط للحصول على راحة البال؛ بل أن صفات الصحبة تنتقل إلى الصاحب، فإن كان كريماً فتزيد في كرمه، وإن كان بخيلاً تشفيه من بخله.
(بِطَوْلِكَ يا مَلْجَاَ الأمِلينَ) أي بقدرتك الواسعة.
فالخلاصة:
1- أن رعاية اليتيم من أفضل الأعمال، والوجه الأمثل لرعايته هو في توفير الأمن والرعاية الأبوية.
2- أن المنقطع عن إمامه يتيم الروح، وهو أشد يتماً من فاقد الأب.
3- أن للإطعام والسلام فوائد عظيمة تعود على المؤمن بخير الدنيا والآخرة.
4- أن صحبة الكريم راحة للبال وحسنٌ للحال.
إبراهيم السنجري
مؤسسة الإمام الحسين عليه السلام للإعلام الرقمي
اترك تعليق