استمدت كربلاء عظمتها منذ أن شهدت أول صرخة ثورية دامية للمسلمين ضد الظالمين, فأصبحت منذ ذلك اليوم منبع حزن لا يزول, وفورة غضب لا تهدأ وأصبحت منبعاً للثورات ضد المتسلطين والظالمين وقد استلهم الثوار فيها من ثورة الإمام الحسين (ع) أسمى معاني الإباء والرفض للخنوع والاستسلام.
الحسين وقف وحده مع قلة قليلة ليموت هو ومن معه ليعلم الناس كيف تعيش وكيف تموت..، ففي الزمن الذي يطغى فيه الظلم ويسود فيه الإرهاب والقمع لابد من صوت يوقظ الضمائر ويستنفر الهمم، لا بد من يد تقوّم الأود والاعوجاج، لا بد من رجل يوقف المهزلة ويرجع الأمة إلى جادة الصواب، لا بد من ثورة...
ومن هذا المنطلق استلهمت الانتفاضة الشعبانية المباركة أهدافها وغاياتها حينما رفع الثوار راية الثورة في سماء كربلاء مجسدين أعظم التضحيات وهم يستمدون من أبي الأحرار الإمام الحسين (ع) وقفته الخالدة بوجه الظلم الأموي وكأن صوته (ع) يهتف في أسماع الثوار (لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد).
الانتفاضة الشعبانية
في عام (1991م) قامت ثورة عارمة ضد النظام الصدامي الدكتاتوري البعثي لتشمل أربع عشرة محافظة من أصل ثمان عشرة سُمِّيت بالانتفاضة الشعبانية لوقوعها في شهر شعبان المعظم, انطلقت شرارة هذه الانتفاضة من البصرة وتحديداً يوم (3/3/1991) ووصلت إلى كربلاء يوم (5/3/1991), والتي حررها الثوار من عناصر البعث الفاسدة واستمرت إلى يوم (16/3/1991) وخلال هذه الفترة أبدى الثوار شجاعة فائقة وهم يقاتلون بأسلحة تقليدية بسيطة جيشاً مستكمل السلاح، وكبّدوه خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
واستمرت المعارك الدامية لأيام عديدة، وجرت مصادمات طاحنة يطول شرحها أبدى فيها الثوار من الشجاعة ما أبهر العدو نفسه، رغم قلة عددهم وعدتهم الحربية أمام جيش متكامل العدة والعدد، وقد اعتمد الثوار في قتالهم على شجاعتهم وعدالة موقفهم ومبدئية ثورتهم فقاتلوا ببسالة نادرة أفقدت العدو سيطرته على زمام الأمور، وأصابته بالذهول والشلل الممتزج بالرعب.
العمليات البطولية
وإضافة إلى استمرار المعارك بدون توقف فقد خاض الثوار عمليات بطولية أحرقوا فيها دبابات للجيش وأسقطوا فيها مروحيات فكان الثوار يقتحمون غمار الحرب، ويتسابقون لورود حياض المنايا تدفعهم غيرتهم على دينهم والدفاع عن وطنهم ومقدساتهم.
وهناك شواهد كثيرة جداً وشهادات شهود عيان كثيرة أيضاً وثقها الكتاب وسجلها التاريخ عن تلك الشجاعة التي تشبه المعاجز حتى لجأ النظام الصدامي إلى استخدام الأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً لقمع الثوار واستهدافهم من الجو بالرشاشات ومن الأرض بقذائف المدفعية في الوقت الذي كانت ذخيرة الثوار ومؤونتهم توشك على النفاد.
ولكن الثوار استقتلوا حتى آخر نبض في صد هجومات الجيش حتى تم قمع الانتفاضة بوحشية من قبل سلطة النظام بالطائرات والمدفعية الثقيلة وجميع أنواع الأسلحة التي يمتلكها النظام, ولا يتصوّر مقدار الرعب الذي دبّ في قلوب النساء والأطفال من هذا القصف العشوائي على البيوت والأحياء السكنية والذي خلف مئات القتلى.
ودخل الجيش كربلاء لتبدأ التصفية الجماعية للأهالي من قبل المجرم (حسين كامل) صهر صدام حسين, فكانوا يصفون الرجال صفوفاً ويطلقون عليهم الرصاص بدم بارد ثم يحفرون بالجرافات حفراً كبيرة ليتم ملؤها بالقتلى بل وأعدموا حتى النساء والأطفال, وسِيق كثيرون إلى المعتقلات وتم تصفية كثير منهم هناك, وكان من بقي يتمنى أنه التحق بمن قُتل من جرّاء التعذيب الذي تعرّض له, المعتقلات كانت عبارة سجون صفيحية كبيرة يقبع في كل واحد منها مئات السجناء, وجرت معاقبة هذه المدينة مرة أخرى فتم تدمير البساتين والأبنية والمساجد والحسينيات والبيوت وقد تعرض مرقدا الإمام الحسين وأخيه العباس (ع) إلى القصف وظهرت آثار القذائف على القبتين.
محمد طاهر الصفار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق