لقد كانت السياسة المعتمدة في البلاط العباسي في زمن المأمون قائمة على تأييد المعتزلة والشيعة وتقديم بعض الدعم لرجالاتها خوفا على السلطة من أي انقلاب سياسي او فكري، مما وفرّ الأرضية المناسبة لتحرك العلويين سياسياً، إلاّ أنّ تسنم المتوكل للسلطة قلب الأمور على عقب فهو شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم مهتماً بأمورهم وكثير الغيظ والحقد عليهم، فعادت السطحية في التفكير والتضييق على المفكرين والمبدعين مرة أخرى حيث قرب المتوكل إليه أهل الحديث، وأقصى الاتجاه المعاكس لهم المتمثل بالمعتزلة والشيعة مع التضييق عليهم بشدة.
حاول خصوم الامام علي الهادي كما هو ديدنهم ان يقنعوا المتوکل بان الهادي سلام الله عليه قد اصبح يشكل خطرا يهدد کيان المتوکل وبات يعد قوة ترهبه وترهب حاشبته.. حيث يعد ويهيئ للثورة ويجمع المال والسلاح والانصار لمحاربتهم، لذا عمد المتوکل الى استدعاء الامام وجلبه من المدينة المنورة الى سامراء ليکون تحت رقابته ومتابعته.
وحضر عليه السلام الى سامراء لتبدأ اعمال الضغوط السياسية والرقابة المشددة من قبل المتوکل العباسي وارکان سلطته ضده وضد من يتبعوه، فتارة يحاولون النيل من شخصيته واخرى يعمدون لسجنه واغتياله وثالثة بتفتيش بيته ويقاد ليلا الى المتوکل بتهمة الاعداد للثورة والمواجهة.. وتارة اخرى يسعون لإيجاد زعيم بديل عنه، ولكن کل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع إذ کانت عناية المولى القدير ترعى الامام وتدفع عنه فيعلو مقامه ويفرض وجوده على الظلم وحواشيه وتزداد كراهية المتوكل له و لآل البيت عليهم السلام.
لقد استمرت محنة الامام الهادي عليه السلام مع المتوکل العباسي وصراعه المرير حتى قتل المتوکل وهو ثمل في قصر خلافته، حيث اشترك ابنه المنتصر في القضاء عليه، ثم تمت البيعة للمتنصر حتى مات سنة (248) وجاء بعده المستعين وفي زمنه اشتدت الفتن وتعاظم تذمر الناس فهجموا على سجون بغداد وسامراء واخرجوا السجناء منها، وانتهى المستعين مقتولا کالمتوکل وحمل راسه الى المعتز لينصب نفسه خليفة بلا عنه ولم يکن بأفضل من اسلافه بني العباس فالأوضاع السياسية في عهده کانت اسوأ من سابقها.
خلال هذه الفترات المتعاقبة کان الامام علي الهادي عليه السلام يرقب الحوادث، ويسعى لکف العدوان العباسي ويبذل جهده في مجال العلم والمعرفة والدفاع عن مبادئ ال بيت النبوة الاطهار وقيمها السامية، وتوعية الناس على مفاهيم الدين الصحيحة لا الصورة المشوهة التي کان يعرضها بني العباس ويتصرفون بالدين وفقا لأهوائهم وشهواتهم ونزعاتهم الدنيوية في الحکم، حيث واصل امامنا الهادي عليه السلام تيار اهل البيت العلمي في کل مجال وعلم من علوم الشريعة ومعارفها فهو امتدادا لجهود الائمة في السعي على احياء معالم الدين وتنزيهها من التحريف والتزييف الذي الحقه بها حکام بني العباس ومن سبقهم ومن اصحاب البدع والأفكار الضالة المشوهة للدين.
لقد کان الامام الهادي عليه السلام مرجع اهل العلم والفقه والشريعة في عصره فقد ذکر الشيخ الطوسي في کتابه الرجالي، مائه وخمسة وثمانين تلميذا وراويا اخذوا و رووا عن الامام الهادي عليه السلام، حيث کانت حياته عليه السلام حياة علم وعمل ودعوة الى کتاب الله وسنَة رسوله صلى الله عليه واله الى جانب کونها حياة کفاح وصراع سياسي من اجل الحق والعدل ونصرة المظلوم والانتصار على الظالم.
لاقى امامنا من حکام عصره الملاحقة والارهاب والتضييق.. واخرج من مدينة جده رسول الله واجبر على الاقامة في سامراء ليکون تحت الرقابة المباشرة وليعزل عن قيادة تحرك الامة المتجهة نحو اهل البيت عليهم السلام، وهناك في سامراء قضى شطرا کبيراً من حياته حتى استشهد مسموما فيها في الثالث من رجب سنة 254 للهجرة في ظروف غامضة وکان عمره الشريف يوم استشهاده احدى واربعين سنة، وقد دفن في داره وقبره اليوم ينافس السماء علواً وازدهاراً، تعلوه أكبر قبة ذهبية في العالم...
فسلامٌ عليك ايها الناصح التقي الخالص يومَ ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعثُ حيّا ورحمة الله وبركاته ..
اعداد: سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق