إذا أمكنَ أن يُؤطّر عمرُ الشمسِ بمدى نهارٍ واحد بـ أشرقت وغربت، فيمكن أن نحصرَ عمرَ فاطمةٍ بـ ولدتْ وتوفيت.
فكما لا تموت الشمس، ولا تهرم، ولا تنمحي وهي تتسلل بأشعتها في تضاريس الكون، فكذلك اسم فاطمة، وصوت فاطمة، وذكر فاطمة، يتغلغلُ في تخومِ التاريخ ليمدّه بإشراقاتِ الخلودِ التي لا تخبو، فهي كالشمسِ أو أبهى.
وإذا أمكنَ أن يندثرَ البحرُ ويلتقي ساحلاه وهو يشقُّ الأرضَ بالأنهارِ والجداولِ الدافقة ليرسمَ الخصبَ والنماءَ في أرجائِها، فيمكن أن يقال: غِيضَ الكوثر وهو يمتد بملامح السماء في الأرض, وينبجسُ بينابيع الخير والعطاء.
وإذا أمكنَ أن لا ينجبَ السحابُ المطر، ولا يمتزجَ العطرُ بالزهر، ولا يبزغَ في الليلِ القمر، ولا يحملُ الشجرُ رفيفَ الثمر، فيمكن أن يقال: إن نورَ فاطمة الذي انبثق من السماءِ في القرآنِ ورتّله الوحيُ يمكنُ أن يندثر.
لقد أشرق نورُ فاطمة .. فهل تخبو مشكاة الإله ؟
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم.
لقد ولدت فاطمة .. فهل ماتت ؟؟
ألا إن كل سبب ونسب منقطع إلى يوم القيامة الا سببي ونسبي
لقد جاءت فاطمة مع الوحي، ورافقت الوحي، وستبقى مع بقاء الوحي، وفي أنفاس القرآن، وتراتيل الملائكة، فهل نستدل عليها بـ (روى)، و(ذكر)، و(نقل)، و(قال)، و(أسند)، و(حكى)، و(عن) ؟؟
إنا أعطيناك الكوثر ...
وهل كانت حياتها ثمانية عشر سنة فقط ؟؟ أم كان عمرها العمر الأزلي المقدس الذي لا يموت ولا يفنى ؟؟
إنها فاطمة .. صلاةُ النبوّة، وكُنهُ الإمامة، ورفيفُ الوحي، وعبقُ القرآن، ومنارةُ الإسلام، وقبلةُ الإيمان، وبوصلة الصراط.
فاطمة .. العطاء والرجاء .. البسمة والرحمة .. الندى والهدى
لطالما مُجِلت يداها لتشبعَ مسكيناً أو يتيماً أو أسيراً ... وتباتُ على الطوى
لطالما خفق قلبُها في محرابِها فتفيضُ بالدعاءِ لأهلِ القرى
لطالما كفكفتْ دموعَها كفّا عليٍّ حزناً على سيد الورى
حتى جاء اليومُ الذي خرقه المسمارُ وأسدلته النار
اليوم الذي اختضبَ صباحُه بدماء النبي ؟ وامتزجَ مساؤه بغضب السماء ؟
إن الله يغضبُ لغضبِ فاطمة
وخيَّمَ ظلالُ الوحي
وانسابَ شلالُ الجرحِ يستنطقُ متحفَ التأريخ
التحفتْ بالصبرِ، ورافقت غصصَ فدك وهي تتأهّبُ للرحيل.
إنه ليل الجاهلية الذي عاد مرة أخرى.
الشمسُ حجبتها السقيفة.
محمد طاهر الصفار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق