الحديث عن هذا السيد الجليل العظيم الشأن يقتضي منّا الحديث عن الأوضاع المأساوية التي عاشتها الأمة الإسلامية بشكل عام والعلويون بشكل خاص وأجواء الرعب والإرهاب التي تعرّضوا لها وأساليب القتل والسجون والتشريد التي مارسها العباسيون ضدهم والتي أدت إلى هروب القاسم بن الإمام موسى بن جعفر (ع) من المدينة وخروجه منها خائفاً يترقّب وتوجّهه صوب العراق حيث هناك قبر جدّه أمير المؤمنين (ع) يحدوه الأمل في إيجاد بقعة من الأرض يأمن فيها على دمه, فترحّل في البلاد حتى آل الأمر إليه بالمجيء إلى مدينة سورا وهي المحطة الأخيرة في حياته والتي فاضت فيها روحه الطاهرة إلى بارئها لتصبح هذه المدينة قبلة للقلوب ومهوى للأفئدة العاشقة لآل محمد بعد أن أضاء سماءها نور من أنوار العترة الطاهرة.
دولة الرعب
يا ليتَ جور بني مروان دامَ لنا *** وليتَ عدل بني العباسِ في النارِ
يوجز هذا البيت حال المسلمين السيء وواقعهم المرّ في العهد العباسي المظلم والذي كانوا قد استبشروا به خيرا برفعه شعار الرضا من آل محمد لكن العباسيين غدروا بالعلويين وساموا الأمة سوء العذاب, فبعد أن ذاق المسلمون الويلات من الأمويين طوال عهدهم الذي أهلك الحرث والنسل، فإذا بهم يلاقوا أضعاف ما لاقوه من المآسي والمحن من قبل العباسيين.
وإذا كان الأمويون قد لطّخوا تاريخهم الدموي بأبشع جريمة في تاريخ الإسلام ألا وهي جريمتهم في كربلاء بقتلهم سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (ع) مع أهل بيته وأصحابه وحمل رؤوسهم من كربلاء إلى الكوفة فالشام وسبي نساء آل محمد, فإن العباسيين حذوا حذوهم وارتكبوا أكثر من جريمة بحق أهل البيت وأبنائهم وأتباعهم لا تقل عنها فظاعة ودموية.
لقد أكمل العباسيون سلسلة حلقات الإجرام بحق العلويين، فتاريخ الأسرة العباسية الإرهابية مليء بالمجازر الدموية منذ أن استلموا مقاليد الحكم وحتى سقوطهم، فقد افتتحت هذه الدولة بالدماء واستمرت على الدماء وانتعشت بالدماء, ولقِّب أول ملوكها بالسفاح لكثرة ما أسال من الدماء، وتابعه في السير على نهجه أخوه المنصور الذي مهّد السُّبل لأخيه ومن جاء بعده في مسلسل جرائمهم حتى امتلأ تاريخهم الأسود بالجرائم وعمليات الإبادة الجماعية والخزي والعار, والعجب كل العجب ممن يصفهم أو بعضهم بالصلاح والتقوى والزهد والعدل وغيرها من الألقاب التي وضعها المؤرخون المتزلّفون ممن باعوا ضمائرهم وأصبحوا أبواقاً للسلاطين وتستّروا على جرائمهم مقابل الأموال.
مسلسل الجرائم
إن التاريخ أكبر شاهد على كذبهم وزيفهم ودحض أباطيلهم، وكيف تنطبق الصفات التي أطلقها هؤلاء المرتزقة على من ارتكب من المجازر ما تقشعر لها الأبدان ويندى لها جبين الإنسانية ابتداءً من قتل إبراهيم وأخيه محمد ذي النفس الزكية، إلى مجزرة بني الحسن الذين قتلهم المنصور دون أي ذنب، إلى مجزرة (فخ) التي وصفها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) بقوله: (لم يكن لنا بعد يوم الطف مصرع أعظم من فخ)، إلى المجازر الكثيرة التي ارتكبها العباسيون بحق أهل البيت خاصة، إضافة إلى جرائمهم التي تعد بالمئات بحق المسلمين عامة في سياستهم الدموية.
لقد اتجهت سياسة العباسيين توجّهاً عدائياً مفرطاً لأهل البيت، ومارست كل ما لديها من قوة وبطش للتنكيل بالعلويين والشيعة ومطاردتهم وزجّهم في السجون, وبلغت تلك السياسة من عدائها حداً جعلت صفة التشيع ـ ولو كانت منحولة ـ تجرّ على المتهم بها أشدّ أنواع التعذيب والقتل والمطاردة ومصادرة الأموال وكل ما يملكه المتّهم (الشيعي), وكان أيسر على الرجل في ذلك الوقت أن يوصف بالزندقة والكفر والإلحاد ولا يوصف بالتشيع وهذه الحقيقة نراها جلية في وقائع التاريخ.
يقول عبد الرحمن بدوي: (إنّ الإتهام بالزندقة في ذلك العصر كان يسير جنباً إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب الرافضة) (1) وقال الطغرائي:
ومتى تولّى آلَ أحمدَ مسلمٌ *** قتلوه أو وصموهُ بالإلحادِ
وهذه بعض الفقرات مما جاء في كتب التواريخ عن السياسة الدموية لبني العباس:
السفاح
يقول الخوارزمي: وسلط السفاح على العلويين أبا مجرم لا أبا مسلم يقتلهم تحت كل حجر ومدر ويطلبهم في كل سهل وجبل (2)
ويقول أحمد أمين عن السفاح: (كانت حياته حياة سفك للدماء وقضاء على المعارضين. (3)
وقد سلّط السفاح على العلويين جلاوزته لقتلهم، وكان يضع عليهم الجواسيس والعيون.
المنصور الدوانيقي
أما المنصور فقد اتبع سياسة دموية هوجاء تجاه العلويين فكان يضعهم في الأسطوانات، ويبنيها عليهم، ويسمّرهم في الحيطان، ويتركهم يموتون جوعاً، ثم يهدم المطبق على من تبقى منهم حياً، وهم في أغلالهم، إلى كثير من الأساليب البشعة، وهو أول من هدم قبر الحسين (4) وتعد سياسة المنصور تجاه العلويين، من أقبح صفحات التاريخ العباسي ومن أقسى فترات العلويين في عهدهم.
يقول المسعودي: إنّ السرّ في تسمية نفسه بالمنصور، لأنّه انتصر على العلويين (5)
ويقول المقريزي والطبري: إنّه ــ أي المنصور ــ ترك خزانة فيها رؤوس من العلويين، وقد علّق في كلّ رأس ورقة كتب فيها ما يستدلّ على اسمه واسم أبيه ومنهم شيوخ وشبّان وأطفال. (6)
ويقول السيوطي: (قتل خلقاً كثيراً حتّى استقام ملكه). (7)
وكان المنصور يشعر بالنقص في نفسه وهو يقتل العلويين وقد بايعهم بالأمس فكان يقول:
آل أبي طالب لم تغمد سيوفهم ونحن بين قوم رأونا بالأمس سوقة واليوم خلفاء، فليس نتعهد هيبتنا إلاّ بنسيان العفو واستعمال القوّة. (8)
وبلغ من حقد المنصور على العلويين وشغفه بإراقة دمائهم أن قال أبو القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا إسماعيل الديباج والذي هرب بجلده من المنصور:
لم يروِهِ ما أراقَ البغيُّ من دمِنا *** في كلِّ أرضٍ فلم يقصرْ عن الطلبِ
وليس يشفي غليلاً في حشاهُ سوى *** أن لا يرى فوقها ابناً لبنتِ نبي
المهدي
أما المهدي ابن المنصور فلم تقل جرائمه كثيراً عن جرائم أبيه وافتتح خلافته بسجن الوزير يعقوب بن داود في مطبق وبنى على المطبق قبة حتى عُمِيَ وصار شعر بدنه كالأنعام وكان سبب ذلك انه امتحنه بأن وكّل إليه قتل أحد العلويين لكن يعقوب أطلقه وأعطاه بعض المال فوصل الخبر إلى المهدي فقبضوا على العلوي وواجهه به..
هكذا كان يختبر العباسيون أتباعهم ومدى إخلاصهم وقربهم منهم وكلما كان هؤلاء الأتباع مبغضين لآل علي كانوا قريبين من بني العباس ! وقد ابتدع المهدي ذرائع لقتل العلويين وأتباعهم ومحاربتهم ومنها اتهامهم بالزندقة ليبرر بذلك قتلهم أمام الرأي العام يقول الدكتور أحمد شلبي: إن الرمي بالزندقة اتخذ وسيلة للإيقاع بالأبرياء في كثير من الأحايين (9)
واتهم المهدي الشيعة وأصحاب الأئمّة بالزندقة لكي يسوّغ لنفسه قتلهم وتشريدهم ومطاردتهم، يقول الدكتور أحمد أمين: الحق أن بعض الناس اتخذوا الزندقة للانتقام من خصومهم سواء في ذلك الشعراء والعلماء والأمراء والخلفاء (10), وممن اتهم بالزندقة كذباً وزوراً شريك بن عبد الله القاضي وسبب ذلك إنه لم يجز الصلاة خلف المهدي وعدّها باطلة.
وكان من أساليب المهدي الدنيئة لتشويه صورة الشيعة وزرع الفتن بين المسلمين والمحاربة والنزاع بينهم أنه اخترع فرقاً ضالة ونسبها إلى أصحاب الإمام الصادق منها: الزرارية نسبة إلى زرارة بن أعين, والجواليقية والهشامية نسبة إلى هشام بن الحكم والراوندية والعمارية نسبة إلى عمار الساباطي, واليعفورية نسبة إلى ابن أبي يعفور (11)
وعقيدة هذه الفرق أن الخليفة بعد رسول الله هو العباس بن عبد المطلب ثم لابنه علي ثم ابنه محمد وهكذا حتى ينتهي إليه الأمر وقد شجع الناس على اعتناقها كما شجع الشعراء على الدعاية لها وكان أبرز الشعراء في ذلك مروان بن أبي حفصة.
الهادي
إننا في الحقيقة لا يمكن أن نطلق هذه الألقاب على هذه الشخصيات الشاذة والدموية إلا من باب الدلالة عليها وإلا فهم من أبعد الناس عنها كما قال تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
فهذا الخليفة الذي لقب نفسه بـ (الهادي) عاش أهل بيت النبوة في عصره عصر رعب وكان يتشدّد في طلبهم وقتلهم، يقول اليعقوبي عنه: أخاف الطالبيين خوفاً شديداً، وألحّ في طلبهم وقطع أرزاقهم وعطياتهم، وكتب إلى الآفاق يطلبهم (12). وقد جرت في عصره واقعة فخ الدموية التي حمل فيها أكثر من مائة رأس علوي إليه فأمر بصلبها وعرضها على الناس.
الرشيد
أما الرشيد فليس أدل من قول الخوارزمي في وصف سياسته القمعية الدموية تجاه العلويين حيث قال: الذي حصد شجرة النبوة واقتلع غرس الامامة. (13)
وقال الفخري: لم يكن يخاف الله وأفعاله بأعيان آل علي وهم أولاد بنت نبيه لغير جرم تدل على عدم خوفه من الله. وقال أيضاً كان يقتل أولاد بيت الرسول من غير جرم. (14)
وقال أحمد شلبي: كان الرشيد يكره الشيعة ويقتلهم. (15)
وقال ابن عبد ربه الأندلسي: وكان شديد الوطأة على العلويين يتتبع خطواتهم ويقتلهم (16) وقال أيضاً: إنه كان يقتل أولاد فاطمة وشيعتهم. (17)
وبلغ حقده على العلويين أقصى مداه حتى قال: حتام أصبر على آل بني أبي طالب، والله لاقتلنّهم ولاقتلنّ شيعتهم ولافعلنّ وأفعلنّ (18).
وعندما تولى الخلافة لم يطق أن يرى عَلَوِيّاً في بغداد فأمر بإخراج الطالبيين جميعاً من بغداد إلى المدينة كرهاً لهم (19).
وقد هدم قبر سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) وقطع السدرة التي يستظل بها الزائرون وسجن الإمام موسى بن جعفر وقتله بالسم. ومن أراد التوسّع في جرائم العباسيين بحق العلويين فليرجع إلى كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهاني الذي نقل بعض جرائم العباسيين بحق العلويين وغيره من المصادر لأن جرائمهم لا تعد ولا تحصى.
لقد واجه العلويون من ظلم العباسيين وجورهم ما لا طاقة لبشر على تحمله والصبر عليه، وبلغ الاضطهاد والظلم النفسي والجسدي أقصى حدوده مما اضطرهم إلى الهروب والنجاة بأنفسهم من القتل حتى قيل في ذلك البيت المشهور:
تالله ما فعلت أمية فيهم *** معشارَ ما فعلت بنو العباسِ
القاسم
كان ممن ناله ظلم وجور الرشيد العباسي من العلويين السيد القاسم بن موسى الكاظم (عليه السلام) مع أهل بيته وبني عمومته فخرج هارباً من بطش السلطة مُتخفِّياً يجوب البلاد ولا يستقر على حال حَذِراً من عيون السلطة حتى آل به المآل إلى مدينة سورا أو صورا وهذا اسمها الآرامي وهي الآن تسمى باسمه الشريف (مدينة القاسم ع)
ولد القاسم بن الإمام موسى الكاظم سنة (150هـ) في المدينة المنورة، أمه السيدة تكتم، وتُكنّى بأُمِّ البنين وهي أمُّ الإمام الرضا (ع) والسيدة فاطمة المعصومة (ع) وقد عاصر القاسم خمسة من الخلفاء العباسيين هم: المنصور الدوانيقي، المهدي، الهادي, وهارون.
نشأ القاسم في بيت الوحي وترعرع في أحضان الإمامة وكان أبوه الإمام الكاظم يحبه حباً جمّاً وتدلنا رواية الكليني على المنزلة العظيمة التي كانت للقاسم عند أبيه الإمام حيث يقول: كان الإمام الكاظم يحبّه حبّاً شديداً، حتّى أنّه أدخله في وصاياه، وقال في حقّه لأبي عُمارة: أُخبرك يا أبا عُمارة، أنّي خرجتُ من منزلي فأوصيتُ إلى ابني فلان ـ أي علي الرضا ـ وأشركتُ معه بنيّ في الظاهر، وأوصيته في الباطن، فأفردته وحده، ولو كان الأمر إليّ لجعلتُه ـ أي أمر الإمامة ـ في القاسم ابني؛ لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكنّ ذلك إلى الله عزّ وجل، يجعله حيث يشاء. (20)
ونحن نعلم أن الإمام لا يتكلم على سبيل العاطفة الأبوية في هكذا أمور ما لم يكن القاسم مستحقاً له, كما نعلم أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) منصوص عليهم من الله جل وعلا والإمام يعلم بذلك وكلام الإمام هنا للإشارة إلى فضل القاسم ومكانته عند أهل البيت.
أما قصة خروجه من المدينة نحو العراق فقد ذكر الشيخ محمد مهدي الحائري إنها كانت بسبب سطوة الرشيد على آل أبي طالب فقال ما نصه: لمّا أشتدّ غضب الرشيد جعل يقطع الأيدي من أولاد فاطمة، ويسمل في الأعين، وبنى في الأسطوانات حتّى شرّدهم في البلدان، ومن جملتهم القاسم ابن موسى بن جعفر، أخذ جانب الشرق لعلمه أنّ هناك جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام).
ووصل القاسم إلى مدينة سورا فاستضافه زعيم المدينة لمدة ثلاثة أيام فلمّا كان اليوم الرابع طلب من الشيخ أن يجد له عملاً يرتزق منه لأن الضيف ثلاثة وما زاد على ذلك فهو صدقة، فقال له الشيخ: أختر لك عملاً. فقال له القاسم: اجعلني أسقي الماء في مجلسك ولما رأى شيخ المدينة تقواه وورعه وزهده وعبادته زوجه ابنته فولدت له بنتاً سمّاها فاطمة وعندما بلغ القاسم من العمر ثلاث وأربعين سنة، مَرِض فلما أحس بدنو الأجل باح للشيخ بنسبه العلوي فبكى الشيخ بكاء مرّاً فلما مات دفنه حيث قبره الشريف الآن. (21)
مدينة القاسم (سورا)
كانت مدينة اسمها سورا أو صورا وهو اسم آرامي قديم وقيل هو عبري وتبعد هذه المدينة حوالي 35 كيلو متر عن مدينة الحلة وحوالي 70 كيلومترا عن مدينة كربلاء المقدسة جنوباً، وقد سمّاها ياقوت الحموي في معجم البلدان بـ (شوشه) حيث يقول: (شوشه) قرية بأرض بابل أسفلَ من حلّة بني مَزيد، بها قبر القاسم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، بالقرب منها مرقد نبي الله ذي الكفل أو حزقيل.
وقد أخطأ الحموي في ذلك فـ (شوشه) هي من نواحي الكوفة وهي تابعة للنجف الأشرف أو توابع محافظة النجف وليست في محافظة بابل.
وقد عقب الشيخ محمد حرز الدين في (مراقد المعارف) على كلام الحموي بالقول: هذا خلط منه بل اشتباه, لأنّ القبر الذي في شوشة هو قبر القاسم بن العبّاس بن موسى الكاظم (عليه السّلام)، وقد صرّح بذلك (النسّابة) ابن عنبة في كتابه (عمدة الطالب).
و(سورا) في الأصل مدينة أثرية قديمة سكنها السريانيون لخصوبة أرضها وعذوبة هوائها وكثرة الأنهار فيها والتي تتفرع من الفرات وكان أكبر هذه الأنهار نهر (سوراء) الدافق الذي ينقسم إلى نهري العلقمي وسورا فيمر الأول بالكوفة والثاني بمدينة سورا فالنيل والطفوف ثم يصل إلى واسط والبصرة وقد امتد فوق هذا النهر جسر سورا التاريخي الذي عرف أيام الفتوحات الإسلامية.
وقد جاء وصف مدينة سورا في العديد من كتب الرحالة الذين وصفوها بكثرة البساتين والنخيل والأشجار وكثرة الأنهار ومن الذين زاروها من الرحالة الإدريسي وابن حوقل الذي يعزو حفر نهر سوراء إلى زمن ملوك الطوائف الأردوانيين الأشغانيين (247ق.م/224م) (الإمبراطورية البارثية) التي خلفت الدولة السلوقية فيقول:
وفيها ــ أي في مدينة سورا ــ نهر ينسب إليها يُسمَّى (نهر سورا)، وهو أكبر أنهار الفرات، يرجع حفره إلى زمن ملوك الطوائف, إذ إنَّ مُلك الأردوان، وهم النبط، كان في السَّواد قبل مُلك فارس، ودام مُلكهم ألف سنة، وإنَّما سمُّوا نبطاً، لأنَّهم أنبطوا الأرض، وحفروا الأنهار العظام، ومنها الصراة العظمى، ونهر أبا، ونهر سورا، ونهر الملك.
وقد تقوّضت هذه الدولة على يد الإمبراطورية الساسانية وقد حكمها تسعة ملوك من ملوك الطوائف الأشغانيين الفرس كان آخرهم: (أرتابانوس الخامس (216–224 ق.م) ــ باليوناني ــ والذي استعان بالعرب للقتال معه ضد أردشير بن بابك مؤسس السلالة الساسانية (224ــ241ق.م) وهو الذي بنى (حيراً) فأنزل به من أعانه من العرب على قتال أردشير.... (22).
وتأتي أهمية مدينة سورا لموقعها الاستراتيجي المهم فهي تقع على طريق التجارة والمسافرين حيث أطلق عليها ابن حوقل لقب: المدينة المقصودة. لكثرة من يقصدها من التجار والمسافرين. ولأهميتها البالغة ولجودة أرضها وكثرة ثمارها اتخذها المزيديون مركزاً مهماً من مراكزهم مع مدينة النيل القريبة منها وقد برز منها كثير من أعلام الفكر الإسلامي ممن حمل لقب السيوري.
محمد طاهر الصفار
........................................................................................
1 ــ من تاريخ الإلحاد في الإسلام ص 37
2 ــ رسائل الخوارزمي ص 130
3 ــ ضحى الإسلام ج 1 ص 105
4 ــ تاريخ كربلاء عبد الجواد الكليدار ص 193
5 ــ التنبيه والأشراف ص 295 , طبيعة الدعوة العباسية ص 119
6 ــ النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم ص 52 , تاريخ الطبري ج 10 ص 446
7 ــ تاريخ الخلفاء ص 315
8 ــ تاريخ الخلفاء ص 323.
9 ــ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 ص 200
10 ــ ضحى الإسلام ج 1 ص 157
11 ــ رجال المامقاني ج 3 ص 296 , رجال الكشي ص 37 , ضحى الاسلام ج 1 ص 141 , مشاكلة الناس لزمانهم المسعودي ص 24
12 ــ تاريخ اليعقوبي: ج 3، ص 148
13 ــ رسائل الخوارزمي ص 132
14 ــ الآداب السلطانيّة ص 20
15 ــ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 ص 352
16 ــ العقد الفريد ج 1 ص 142
17 ــ نفس المصدر ج 2 ص 180
18 ــ أبو الفرج الاصفهاني الأغاني ج 5 ص 225
19 ــ تاريخ الطبري ج 10 ص 606 , ابن الاثير ج 5 ص 85
20 ــ الكافي 1 / 314 ح 14.
21 ــ شجرة طوبى 1/171.
22 ــ تاريخ الطبري حوادث سنة 12 هـ
اترك تعليق