وقفات تأملية في سورة القارعة

﴿الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث(4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)﴾

اولاً: تسميتها : تعرف هذه السورة بالقارعة في القرآن الكريم  لان فيها اثبات وقوع البعث وما سبق ذلك من الاهوال، وافتتاحها بلفظ القارعة افتتاح مهول، لان فيه تشويق الى معرفة ما سيخبرُ به([1]) واتفقت كتب التفسير والسنة على تسميتها ولم يذكر لها المفسرون أسماء اخرى غير هذا الاسم، وكذلك لم يرو عن الصحابة والتابعين في تسميتها شيء بغير هذا الاسم( [2]).

 ثانيا: وضع السورة في المصحف : عدت هذه السورة الثلاثين في اعداد نزول السور، حيث نزلت بعد سورة قريش وقبل سورة القيامة. اما وردها في المصحف ففي الجزء الثلاثين من اجزاء القرآن الكريم وتسلسل الواحد بعد المائة في تسلسل ترتيبها في القرآن الكريم، سبقتها سورة العاديات ولحقتها سورة الكوثر.

ثالثاً: عدد آيات السور وكلماتها وحروفها:  وهي أحدَى عشرَة  آية وكلماتها ست وثلاثون كلمة، وحروفها مئة واثنان وخمسون حرفاً. اما مكان نزولها فهي  مكية بإجماع اهل العلم([3])، ولا يعرف مخالف في ذلك.

رابعاً : شرف السورة وفضلها : للسورة الكريمة شرف عظيم كونها من كلام الباري "عز وجل"، زيادة على ذلك ما  اشتملت علية السورة من فضل الله لعباده ، فقال الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآلة"،  "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْقَارِعَةِ، ثَقَّلَ‏ اللَّهُ‏ بِهَا مِيزَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَمَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ النَّوْمِ، كُفِي"‏ ([4] ). وفـــي كتـاب ثواب الأعمال للصدوق بإسناده عن أبي جعفر، "عليه السلام"، قال:" مَنْ قَرَأَ وَأَكْثَرَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقَارِعَةِ، آمَنَهُ اللَّهُ- عزَّ وَجَلَّ - مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ وَمِنْ قَيْحِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ إِنْ شَاءَ اللَّه"([5])

خامساً: موضوع السورة وما اشتملت عليه: تتمحور السورة حول موضوع مهم الا وهو موضوع القيامة والاخبار عن بعض أهوالها، وجزاء السعداء والاشقياء، ثم ذكر في هذه السورة علة استحقاق النار وهو الانشغال بالدنيا عن الدين، واقتراف الآثام، وهدد المسؤولية في الاخرة عن أعمال الدنيا، واشتملت هذه السورة المكية ايضا على ذم العمل للدنيا فقط، والتحذير من ترك الاستعداد للآخرة، وعليه أن يزيد من صالح أعمالــه ما يثقل ميزانه؛ وإلا فإن مصيره الى نار حامية، متى ؟ عندما تُقْرَع ساعة القيامة، وعندها يكون الناس كالفَرَاش المبثوث، وكالجراد المنتشر، وتكون الجبال كالصوف المنفوش؛  لذا من خلال النظر في هذه السورة يمكن ان نجمل ما تناولته هذه السورة الكريمة من مقاصد([6]).

بيان اثبات وقوع البعث وما يسبق ذلك من الاهوال، وبيان هيبة العرصات وتأثيرها في الجمادات والحيوانات، ففصلت الحديث عن اهوال القيامة وبيان حال الناس فيها بقول تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث﴾([7]). أشارت السورة الى بعض أمارات الساعة، وهي نسف الجبال وجعلها كالصوف المندوف، مما يوجد الذعر والهلع والتأثير الشديد في قلوب الناس بقولة تعالى  بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾([8]). اثبات الجزاء على الاعمال، وان اهل الاعمال الصالحة المعتبرة عند الله تعالى في نعيم، وشرح عيش اهل الدرجات، واهل الاعمال السيئة في قعر الجحيم، وبيان حال اهل الدركات، ونصب الموازين لوزن الحسنات والسيئات بقولة تعلى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾([9]). التهديد برؤية الجحيم يقينا، ومجابهة أهوال النار بقولة تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾([10]).

 

سادساً: خصائص السورة من الناحية البيانية: من الظواهر البيانية العامة في هذه السورة المباركة نجد ما يأتي:

التكرار: التكرار لغة يعني الاعادة([11])، وفي الاصطلاح: الاتيان بشي مرة بعد مرة([12])، ويمكن القول ان التكرار مألوف في مواقف الاطناب والاطالة، لكنه حين يأتي في مواقف الايجاز الحاسمة، يكون لافتاً ومثيراً في مقام التهويل، ففي سورة القارعة على ايجازها وقصر آياتها، نجد التكرار في اربعة مواضع ﴿الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴾ وقولة : ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث(4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ وقولة: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾، وهذه ظاهرة اسلوبية في القران الكريم يعمد فيها الى التكرار مع الايجاز والقصر ترسيخاً للمعنى وتقريراً واقناعاً، وهذا التكرار اعطى معنى مهما الا وهو التعظيم([13]) السجع المرصع: وهو ما اتفقت فيه الفاظ احدى الفقرتين، وكانه الذهب السبيك او الدر والياقوت في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث(4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ وقولة: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ وتعد من المحسنات البديعة. المقابلة: هي ان يؤتى بمعنين متوافقين او معان متوافقة ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب والمقابلة في قولة تعالى  بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ وتعد من المحسنات البديعة.

اعداد: جعفر رمضان

 

([1]) محمد الطاهر التونسي، التحرير والتنوير،( تونس: دار سحون للنشر والتوزيع، 1997)، ج 30، ص509

([2] ) علي نايف الشحود، المفصل في موضوعات سور القرآن، ص1571.

([3] ) علي بن فضال بن علي القيرواني، النكت في القران الكريم، تحقيق عبد الله القادر،(بيروت: دار الكتب العلمية، 2007) ، ص100

([4])خليل رزق، التفسير الهادي للقرآن الكريم، (دار الهادي للطباعة و النشر و التوزيع، 2006)، ج2، ص510.

([5]) عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج4، ص658.

([6] ) ابراهيم بن عمر البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور،( بيروت: دار الكتب العلمية، 1415ه) ، ج8، ص513.

([7]) سورة القارعة: الآيات 1-4

([8]) سورة القارعة: الآية 5                              

([9]) سورة القارعة : الآية 6-9

(([10]سورة القارعة: الآية 10-11

(([11]  محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب،(بيروت: دار صادر، 1414ه)، ج5، ص135

([12]) محمد علد الرؤوف،  التوقيف على مهمات التعاريف،( بيروت، دار الفكر 1410ه) ، ج1، ص107

([13]) للمزيد من التفاصيل ينظر: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 20/349؛ احمد بن ابراهيم الغرناطي، البرهان في تناسب سور القرآن، تحقيق محمد شعباني،  ص374.

المرفقات