رُوِي أن معاوية ذكر الإمام أمير المؤمنين (ع) بسوء وكان الإمام الحسن (ع) حاضرا فرد عليه قائلاً: (إيها الذاكر عليّا! أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة، وجدتك فُتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً وألأمنا حسباً، وشرّنا قديماً وحديثاً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً) تثير هذه الفقرة الأحكام التاريخية التي أطلقها المؤرخون حول صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية، وتشكّل عندها منعطفاً مهماً يصحِّح معايير تلك الأحكام التي غضّت أو أغفلت الفارق الشاسع بين الشخصيتين. فهذه الفقرة التي ميَّزت تمييزاً واضحاً ضخامة الفروقات بين النسب النبوي الذي تقلّب في الساجدين وانتقل من الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة وبين النسب المشبوه الذي يتنازع على كل وليد منه أربعة أو خمسة رجال، وضعت كل منهما في مستواه الطبيعي، وكان الأحرى أن يلتفت إليها المؤرخون ويأخذوها بنظر الاعتبار قبل أن يطلقوا العنان لأهوائهم في رسم الصورة الرسمية السلطوية لهذا الصلح والذي عقد له أغلب المؤرخين والكتاب قديماً وحديثاً حفلاً بهيجاً على شرف الخليفة ليباركوا الصلح المنعقد بين (الأقارب) و(الأحباب) و(المؤمنين) وسط أجواء يعمّها التزييف والتدليس!!!. إن أغلب من تعرض لهذا الصلح من المؤرخين تناولوه بهذه (البساطة) دون أن يجعلوا لأحكامهم أي معيار منطقي أو اعتبار تاريخي رغم أن من الضروري بل من الضروري جداً لمن أراد أن يكتب عن هذا الصلح أن يجعل معياره في الحكم انطلاقاً من هذا الفارق والتمييز الجذري والجوهري وإخراجه من مظلة المقارنة (الأقاربية والأحبابية) المستحيلة التي لا يقبلها الدين والعقل والمنطق إلى ساحة التحقيق في تاريخ وسيرة ونسب كل منهما باستخدام التحقيق التاريخي والبحثي المنطقي السليم والرؤية المحددة التي تنفذ إلى الماضي بعمق وتفحّص لرسم صورة حقيقية تتطلع إليها الأجيال. الإمام الحسن (عليه السلام) في القرآن الكريم والسنة الشريفة نص القرآن الكريم على عصمة النبي (ص) وأهل بيته المطهرين (ع) بقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، والإمام الحسن (ع) كان في صميم هذه الآية. كما نص على أن الإمام الحسن من الأبرار المقربين إلى الله في سورة الإنسان، فهو (ع) من صلب المعنيين بهذه الآية: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا) والإمام الحسن هو ابن النبي محمد بنص القرآن أيضاً، وهو المعني مع أخيه الحسين بـ (أبناءنا) في قوله تعالى في آية المباهلة: (فمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ). ولم يأت النبي بأحد للمباهلة سوى علي (أنفسنا), وفاطمة (نساءنا), والحسن والحسين (أبناءنا), وهؤلاء الخمسة الذين لم يخلق الله ولن يخلق أفضل منهم قد اصطفاهم على جميع خلقه، وقد رأى أسقف نجران النور الإلهي متجسداً في هذه الوجوه المقدسة فامتنع عن المباهلة وقال: (إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله) ! قال رسول الله (ص): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) هذا حديث من لا ينطق عن الهوى وقال (ص): (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، اللهم إني أحبهما فأحب من يحبهما) وقال (ص) للحسين: (أنت سيد، ابن سيد، أخو سيد، أنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، أنت حجة، ابن حجة، أخو حجة). وقال (ص): (الحسن والحسين ابناي، من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار) معاوية في القرآن الكريم والسنة الشريفة نص القرآن على أن بني أمية هم الشجرة الخبيثة التي لم ولن تؤمن بالله ومعاوية كان من صميمهم: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾. ورأى رسول الله أبا سفيان قد أقبل ومعه معاوية، فقال (ص): (اللهم العن التابع والمتبوع .., اللهم عليك بالأقيعس). فقال ابن البراء لأبيه الذي روى الحديث: من الأقيعس ؟ قال: معاوية وأرسل (ص) في طلب معاوية فقيل له: هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع ؟ وخرج (ص) من فج فنظر إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق فلما نظر إليهم قال: (اللهم العن القائد والسائق والراكب). وكان (ص) يعلم أن الأمة ستغدر بأهل بيته ويعلم أن بني أمية سينزون على منبره نزو القردة فقال: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه) كما وصف أمير المؤمنين (ع) معاوية بالغدر والفجور بقوله: (وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاللهِ مَا أَسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ) وهذا القول لا يحتاج إلى تفسير وقال (ع) عن بيعة عمرو بن العاص لمعاوية واتفاقهما على قتاله: (وَلَمْ يُبَايعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهِ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً، فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ، وخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ). وكتب الإمام الحسين (عليه السلام) إلى معاوية كتاباً جاء فيه: أوَلست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقتْ وأبلتْ وجهه العبادة؟ فقتلته من بعدما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصْم نزلت من شُعَف الجبال ؟ أوَلست المدّعي زياداً في الإسلام، فزعمت أنّه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الولد للفراش وللعاهر الحَجَر؟ ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم على جذوع النخل. سبحان اللَّه يا معاوية ! لكأنّك لست من هذه الاُمّة، وليسوا منك. أوَلستَ قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنّه على دين علي عليه السلام، ودين عليّ هو دين ابن عمّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّمُ الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها اللَّه عنكم بنا منّة عليكم. وقلت فيما قلت: لا تُرْدِ هذه الاُمّة في فتنة. وإنّي لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها، وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد. وإنّي واللَّه ما أعرف أفضل من جهادك؛ فإن أفعل فإنّه قربة إلى ربّي، وإن لم أفعله فأستغفر اللَّه لديني، وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى. الإمام الحسن في أقوال الأعلام (سيد الشباب، شبه رسول الله وحبيبه، سليل الهدى، وحليف أهل التقى، خامس أهل الكساء، وابن سيدة النساء، الحسن بن علي بن أبي طالب) .. الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (لا أسود ــ أي أعلى سيادة ــ ممن سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيداً، كان حليماً ورعاً فاضلاً...).. ابن عبد البر (هو سبط رسول الله وريحانته وأحد سيِّدي شباب أهل الجنة) .. ابن عساكر الدمشقي (ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن) .. محمد بن اسحاق (كان من كبار الأجواد وله الخاطر الوقاد وكان رسول الله يحبه حباً شديداً).. سبط ابن الجوزي (كان الحسن له مناقب كثيرة، سيداً حليماً ذا سكينة ووقار وحشمة، جواداً ممدوحاً).. السيوطي الإمام الحسن سيرة السماء لا يسعنا في هذا المجال الضيق أن نتناول بالتفصيل السيرة العظيمة المعطاء لسيد شباب أهل الجنة فسيرته غير خافية ولكن إلماماً بالموضوع نستعرض قبسات من نور هذه السيرة التي كانت أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قدوة وعظيمة. كانت سيرته باختصار مدرسة تفيض بالعطاء وتشع بالعلم والأدب والأخلاق الفاضلة والصفات النبوية والخصال العلوية الفريدة، فهو الأمين، والخليفة، والوصي بعد أبيه بنص حديث النبي (ص): (أني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير، أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فأنهم أعلم منكم). والامام الحسن كان ثاني الأوصياء المنصوص عليهم بهذا الحديث الشريف. فما ظنك بمن يخلفه رسول الله على أمته ؟ جسّد الإمام الحسن المثال الأعلى للنبوة والإمامة بأخلاقه الفاضلة وصفاته العظيمة، واشتهر بالكرم حتى سمِّي بكريم أهل البيت، وبلغ من الكرم ذروته أنه لم يقل لسائل (لا) قط ! فقيل له: لا نراك تردُّ سائلاً ؟ فقال: (إني لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإن الله عوّدني عادة أن يفيض نعمه علي، وعوَّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة). لقد شَمِل كرمه الصغير والكبير والأسود والأبيض والرجل والمرأة والطفل والعجوز وحتى الحيوان..! روى ابن كثير في البداية والنهاية (ج8ص38): (إن الحسن (ع) اجتاز يوماً على غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة أخرى، فقال له الإمام: ما حملك على ذلك ؟ فقال الغلام: إني لأستحي أن آكل ولا أطعمه !! كم هو كريم هذا الغلام الأسود الذي ربما كان هذا الرغيف الذي بيده هو كل قوته وكل ما يمتلكه ؟ ولكنه لا يستطيع أن يأكله فهو يستحي من أكله أمام الكلب الجائع ..!! لو مرّ أي أنسان من أمام هذا الغلام لما أثار اهتمامه بل لم يلتفت إليه وربما حسبه مجنوناً ولكن من حسن حظ الغلام أن الذي مرّ به كان سيده وسيد الكرماء وسيد الكرم نفسه .. لقد مرّ به الحسن. لقد وجد الإمام في هذا الغلام خصلة كريمة وصفة نبيلة فأراد أن ينمِّيها ويجعل لصاحبها حافزاً لبذل المزيد منها فقال له: لا تبرح من مكانك.. فذهب الإمام الحسن إلى سيد هذا الغلام واشتراه منه وأعتقه ! ولم يكتف الإمام بذلك بل أراد أن تكون الصفة النبيلة في الغلام فاعلة ومتواصلة فأطلق لها حرية وامتيازات لتنمو فاشترى البستان الذي هو فيه وملّكه إياه !! كان هدف الإمام من هذا العمل هو بناء مجتمع فاضل تسوده الرحمة والإنسانية وهذا دأب جميع أئمة أهل البيت (ع) ونكتفي بهذه الرواية للدلالة على شخصية الإمام (ع) ومقوّماته الأخلاقية التي انسجمت تماماً مع رسالته فجسدها على مستوى قمة الكمال الانساني وأرتفع بها الى مشارف العظمة الذاتية معاوية .. سليل الكفر والنفاق معاوية .. ابن آكلة الأكباد، ربيب الجريمة والغدر والعهر، وملتقى كل رذيلة وجريمة وبائقة، الفاجر والغادر والمنافق الذي ارتكب ما لا يحصى من الجرائم والبوائق وحارب الله ورسوله ووصيه وقتل كبار الصحابة الأجلاء وأهرق دماء الناس الأبرياء. معاوية .. ابن أبي سفيان عدو الله ورسوله، وابن عدو الله ورسوله، وابن عدوة الله ورسوله، قائد الفئة الباغية والزمرة الضالة المتوحشة المجرمة التي أبادت البلاد والعباد وأهلكت الحرث والنسل وعاثت فساداً في الأرض وسامت الناس سوء العذاب ولطخت أيديها بدماءِ الآلاف من الأبرياء وزرعت الرعب في القلوب فقتلوا ونهبوا وسبوا واستباحوا المحرمات وهتكوا الحرمات... معاوية .. صاحب النفسية الدموية والنزعة السادية .. رأس الكفر والنفاق وقاتل الصحابة الأجلاء من أصحاب بدر والعقبة وبيعة الرضوان قاتل عمار بن ياسر (الطيب المطيب) الذي قال له رسول الله: ستقتلك الفئة الباغية قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) (ج 3 ص 484): (كان مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة ممن شهد بيعة الرضوان وقد قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا منهم عمار) وقال ابن حجر في (الإصابة) (ج 2 ص 388): (قتل من أصحاب بيعة الرضوان مع علي ثلاثة وستون رجلا منهم عمار) قال رسول الله (ص): (يموت معاوية على غير ملتي) وقال (ص): (ويل لهذه الأمة من معاوية ذي الأستاه) قال أمير المؤمنين (ع) (أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ ويَطْلُبُ مَا لا يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ ولَنْ تَقْتُلُوهُ أَلا وإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي والْبَرَاءَةِ مِنِّي). وقال الإمام الحسين (ع): (إنا أهل بيت رسول الله (ص)، والحق فينا وبالحق تنطق ألسنتنا، وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان، وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فو الله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد، زاده الله في النار عذابا) وقال محمد بن عقيل (لقد ترك لنا معاوية في كل زمن فئة باغية) وقال الحسن البصري: (ثلاث عملها معاوية، لو كانت واحدة لكانت موبقة: استلحاقه زياداً، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجراً مع أصحابه، وكان صحابياً جليلاً حتى سمّي بحجر الخير، وتوليه يزيد، وهو فاسق قاتل، وشارب للخمر). ودخل رجل على معاوية فسمع منه حديثاً يسب فيه النبي (ص)، فخرج منه متذمراً، وقال لولده: إنّي جئت من عند أخبث الناس، ونقل له حديثه. وقال الجاحظ: (أن معاوية استولى على الملك واستبد برأيه وقهر بذلك بقية الشورى والمهاجرين والأنصار فسمّوه عام الجماعة، وما كان عام جماعة، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً، والخلافة منصباً قيصرياً، ولم يعد ذلك أجمع الضلال والفسق، ثمّ ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا، وعلى منازل ما رتّبنا، حتّى ردّ قضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ردّاً مكشوفاً، وجحد حكمه جحداً ظاهراً في ولد الفراش وما يجب للعاهر، مع إجماع الأمّة...) أظن أن في هذه الروايات والأحاديث (الموجزة) يتضح الصبح لذي عينين وهي تقطع أية مقارنة ولو ضئيلة بين الشخصيتين فكل منهما من عنصر مختلف تماماً عن العنصر الآخر وليس هناك أي صفة أو صلة مشتركة بينهما، إذن فإن كل ما دونه المؤرخون من أن الصلح كان عن تراضٍ واصطفاء و(أحباب) و(أقرباء) فهو محض هراء نفثته أهواؤهم الشخصية وتبعياتهم السلطوية. إذن ... لماذا رضي الإمام الحسن بالصلح؟ قبل الشروع في بيان أسباب الصلح وعرض المواقف التي اضطر بها الإمام إلى عقد الصلح ينبغي الإشارة إلى أن الإمام الحسن (ع) كان له دور فاعل ومؤثر في الحروب الثلاث التي خاضها أمير المؤمنين (ع) ــ الجمل وصفين والنهروان ــ وأبدى فيها مع أخيه الحسين (ع) شجاعة فائقة وكانا مستعدين للتضحية من أجل كلمة الحق وشهد لهما الميدان صولات وجولات حتى خشي عليهما أبوهما (ع) وطلب من أصحابه أن يمنعاهما من القتال واشتهرت في صفين قولته المعروفة: (اِمْلِكُوا عَنِّي هَذَا اَلْغُلاَمَ ــ أي الحسن ـــ لاَ يَهُدَّنِي فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ يَعْنِي اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ (عليهما السلام) عَلَى اَلْمَوْتِ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اَللَّهِ). فالحسن سليل أبيه أشجع العرب، وعمه جعفر بطل مؤتة، وعم أبيه أسد الله وأسد رسوله، ونسبه وشجاعته يقطعان لسان كل من تطاول أو حاول أن يتطاول بصورة مباشرة أو غير مباشرة من قداسة الإمام الحسن وشجاعته وثباته ومنهجه المستقيم في السير على خطى أبيه في قتال أهل البغي والضلال. حاشا الإمام الحسن أن يحيد طرفة عين عن نهج أبيه في حرب الباطل وقتال أهل البغي والكفر والنفاق، ولكن مرضى النفوس المصابين بحول التاريخ وزهايمر الخلط والتخبط من كتاب السلطة والأهواء يرون الحقائق بالمقلوب. الاستعداد للحرب بعد استشهاد أمير المؤمنين (ع) بايع أهل الكوفة الإمام الحسن (ع) خليفة للمسلمين، وأول شيء فعله (ع) هو أنه (زاد المقاتلة مائة مائة) وفي هذا العمل دلالة واضحة على عزمه على قتال معاوية والمضي على نهج أبيه حتى يزهق الباطل، ثم رتب العمّال، وأمّر الأمراء، ولما علم معاوية بذلك لجأ إلى أساليبه الدنيئة والجبانة ليفسد الأمور ويربك الأوضاع في الكوفة، فبعث جاسوساً إلى الكوفة ليستطلع الأخبار، لكنه اكتشف أمره وقتل فبعث الإمام برسالة إلى معاوية يقول فيها: (أما بعد فإنك دسست إلي الرجال كأنك تحب اللقاء، لا أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله..) لقد كان الإمام مصراً على مواصلة مسيرة أمير المؤمنين..، ولكن ماذا حصل ؟ هيأ معاوية جيشه وسار لحرب الإمام فأعلن الإمام النفير العام وأمر مناديه بالتعبئة لقتال معاوية ولكنه وجد أن أغلب القبائل قد اشتراها معاوية فباعت له ضمائرها ودينها بثمن بخس، فقام (ع) يدعو الباقين إلى القتال فلم يجد من يجيبه !! ورأى عدي بن حاتم الطائي هذا الموقف المتخاذل من أهل الكوفة فصعد الدم في وجهه من الغضب وصاح بهم: (أنا ابن حاتم، سبحان الله، ما أقبح هذا المقام ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم ؟ أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جد الجد فروّاغون كالثعالب؟ أما تخافون مقت الله، ولا عيبها ولا عارها) ؟! هذه المقالة من عدي تعطي صورة واضحة على مدى التخاذل والتثاقل الذي دبّ في جيش الإمام، وزاد هذا التخاذل الشائعات التي كان يطلقها جواسيس معاوية لتثبيط معنويات جيش الكوفة، كما إن وجود كثير من المنافقين في الكوفة وعلى رأسهم الأشعث بن قيس قد ساعد على التخلف عن جيش الإمام الحسن إضافة إلى إغراءات معاوية التي كان يعرضها على زعماء القبائل وقادة الكوفة مقابل التخلي عن الإمام والالتحاق به وهي كثيرة جداً لا يسع المجال لعرضها، ووصلت هذه الإغراءات إلى قائد جيش الإمام الحسن عبيد الله بن العباس الذي تخلى عن الجيش والتحق بمعاوية مقابل مليون درهم !!! كيف تم الصلح؟ فتحت خيانة هذا القائد الباب لخيانات كثيرة يطول شرحها وحتى القادة الأوفياء الذين كانوا ثقة الإمام الحسن وثقة أبيه فقد أشاع معاوية بأنهم قد التحقوا به كقيس بن سعد بن عبادة ! وغير خافٍ على الجميع ما تشكله حرب الإعلام من إرباك واضطراب في الناس، وفيما كان الإمام الحسن في معسكره وهو يريد تنظيم جيشه إذ سمع ضوضاء في معسكره !! كان معاوية قد أرسل بعض من عرفوا بحسن الظاهر وممن لهم صلات قرابة مع بعض جيش الإمام الحسن لإشاعة أن الإمام الحسن قد قبل بالصلح فكانوا ينادون بأعلى أصواتهم: (إن الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكن الفتنة وأجاب إلى الصلح) فصدقهم الناس فاضطرب الجيش وكثرت الجلبة والهياج فهجموا على خيمة الإمام وحاولوا قتله فخرج (ع) من المدائن إلى ساباط وفي الطريق كمن له أحدهم فضربه بمعول على فخذه فسقط جريحاً !! وحتى أمام هذه الضغوط والتحديات الخطيرة لم يقبل الإمام بالصلح حتى صاح أهل الكوفة البقية البقية بعد أن حرّضهم على القتال وقد فسّر (ع) موقفه في كثير من أقواله التي دلت على لم يقبل بالصلح إلا بعد أن اشتدت عليه الضغوط الداخلية والخارجية وسدت بوجهه أبواب المواجهة، ومن أجوبته التي أكدت أنه لا يمكن أن يقبل بالصلح لولا تلك الضغوط التي يستحيل معها القتال: قال له رجل من أصحابه: يا ابن رسول الله لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه وأنّ معاوية ضال باغ ؟ فقال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ... ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل. وقال للذي خاطبه بـ (مُذل المؤمنين): ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معزّ المؤمنين، إنّي لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم. وقال سليم بن قيس الهلالي: قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي لها أهلاً وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعتم فيها يا معاوية... وقال (ع): (لو وجدت أعواناً ما سلمت له ــ أي لمعاوية ــ الأمر لأنه مُحرَّمٌ على بني أمية). وقال (ع): والله ما سلمت الأمر إليه إلا أنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً. محمد طاهر الصفار
اترك تعليق