الخطبة الدينية للسيد أحمد الصافي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 6 صفر 1439 هـ الموافق 27 /10 /2017 م

الكثير من الأطروحات التي يتبناها الظلمة مبنية على سياسة التجهيل

يتحتم على المصلح أن يبحث دائماً عن الوسائل الناجعة لإيقاظ الامة

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره ابصرته قلوب المؤمنين وبعظمته عاداه الجاهلون، وابتغى من في السموات ومن في الارض اليه الوسيلة.

اخوتي ركني وسندي ابنائي رياحين الدنيا آبائي وقاري وهيبتي، اخواتي حسناتي وثوابي بناتي بنات العفة والتقى امهاتي يا من الجنة تحت اقدامكن السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

اوصيكم احبتي جميعاً ونفسي الآثمة بتقوى الله تبارك وتعالى والامتثال للأوامر والانزجار عن نواهيه، سائلين الله تبارك وتعالى ان يوفقنا وإياكم دائماً وابداً الى مراضيه، عظم الله لكم الأجر بشهادة الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) سائلين الله تبارك وتعالى ان يرزقنا شفاعته في الآخرة وان يرزقنا زيارته في الدنيا، ونسأله سبحانه وتعالى ان يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال في هذا الشهر - شهر صفر الخير- الذي يكون امتداداً لشهر الحسين (عليه السلام) هو شهر محرَّم الحرام، وايضا في الفاجعة الكبرى وهي شهادة النبي المصطفى، نسأل الله تبارك وتعالى ان نُشمل في شفاعة المصطفى وآل بيته وان يوفقنا لزيارته في الدنيا.

بيَّنا سابقاً بإيجاز أن ادعية الإمام السجاد (عليه السلام) هي ثمرة يانعة من ثمار واقعة الطف بعد شهادة ابيه، ومن أهم المضامين التي احتوتها هو الاهتمام الكبير في تربية الامة وإيقاظها من غفلتها وتركيز تلك المعارف الإلهية في جسد هذه الامة بعد شهادة الامام الحسين(عليه السلام)، فبعد شهادة الامام أصبحت الأمة مصابةً بنوع من الخنوع ونوع من الشعور بأنها فقدت إرادتها، ان الامة إذا فقدت ارادتها لا تستطيع ان تدافع حتى عن نفسها، ولا تستطيع ان تتعاطى مع الاحداث تعاطياً بناء، وانما تعيش مستسلمة ذليلة لما اصابها، ويأتي من يتحكَّم بها، ويحاول أن يسومها الأمرّين.

ولذلك تحتم على المصلح أن يبحث دائماً عن الوسائل الناجعة لإيقاظ الامة، فاذا كانت خانعة سواء تحت سيف او سلطان جائر أو تحت فقر أو جهل،

في بعض الأحيان يكون الجهل أخطر موارد الخنوع، فإذا كان الانسان جاهلا غير عالم فتكون قيادته سهلة، فالكثير من الأطروحات التي يتبناها الظلمة مبنية على سياسة التجهيل، وسياسة المغالطات وقلب الحقائق العلمية، لغرض القيادة.

فكانت مهمة الامام السجاد(عليه السلام) جراء ذلك مهمة شاقة؛ فاذا نما الانسان على باطل واعوجاج فمن الصعب جداً ان يُنصح ويُعاد الى الحق، ومن الشواهد على ذلك، في مثل هذه الايام -ايام محرم وصفر- كان دخول السبايا الى الشام، وكان أغلب الناس يضنون دخولهم عيدا والبعض منهم لا يعرف أي عيد هذا، بمجرد أن امر السلطان الناس بالخروج، خرجت فهي لا تعرف من دينها الا من خلال ما قاله السلطان، أهدي رأس الامام الحسين عليه السلام ورأس اخوته واهل بيته الى مركز السلطة في الشام والناس فرحون، فكل ما في ظن هؤلاء ان رجلا قد خرج على الخليفة، والخليفة انتصر عليه وهم يشكرون الله تعالى على نصرته الخليفة، فمن الصعب ان يأتي الانسان بطريقة ما لإعادة مثل هؤلاء الى نصابهم، فالمسألة ليست مسألة نصح فحسب، فالجهد الذي بذله الامام السجاد (عليه السلام) جهد شاق.

أحيانا يبخل علينا التاريخ مع أهميته الكبرى، وأحيانا يجود علينا، ويرجع ذلك الى من يكتب عنه وظرف من يقوم بالكتابة، التاريخ مهم وفي بعض الحالات يكون بخيلاً وفي بعض الحالات يكون جواداً بحسب من يكتب وبحسب ظرف من يكتب لكن مع ذلك ترى بين الحين والآخر أمورا تلفت انتباه الناس من قضايا مغيبة وأحداث مغلوطة، لكي يفهم الانسان التاريخ بشكل صحيح.

فالصحيفة تاريخها مهم جداً فمن طبيعة المعارف التي احتوتها وطريقة طرحها باعتبار أن هذا العمل لم يكن علنيّا، ولم يكن مأذوناً له لكون الامام هو المسؤول الاول.

قال (سلام الله عليه) من جملة ما قاله في دعائه عند الشدة (اللهم انك كلفتني من نفسي ما انت املكُ به مني وقدرتك عليه وعلي اغلب من قدرتي) اود هنا اوضح مطلبا، تعلمون ان البشر يتقدم في بعض العلوم ويتطفل على علوم أخرى، ويأتي بنظريات وافكار غريبة ولابد ان تواجه هذه النظريات بمطالب علمية، بعض النظريات تميل الى مبدأ الجبر اي انها ترى ان الله اجبرنا على فعل الاشياء وليس لنا اي سلطنة حالنا حال اي آلة وهذه النظرية بصرف النظر عن أسبابها ودوافعها يجب ان تواجه بمطلب علمي لبيان انها نظرية غير صحيحة وهنالك نظرية على العكس تنكر وجود الله، وهذا الالحاد يأخذ مساحات تارة يتوسع وأخرى يضيق وايضا له من يتصدى له والحمد لله،  بعض النظريات تتكلم بواقع وأخرى على العكس منها مع أن الواقع لا يتغير له ثوابته.

فالإمام يتكلم في صلب العقيدة ويبين على شكل دعاء ما هو الشيء الذي نبيِّنه عقائدياً لاشك ولاريب ان الله تبارك وتعالى اعطانا بعض الافعال والصلاحية والقابلية بحيث نكون نحن مسؤولين عن الفعل، وينسب الفعل لي انا فعلت وانا لم افعل، انا كتبت وانا لم اكتب والله سبحانه يحاسبنا على ما جرحنا يعني على ما عملنا، الانسان المؤمن يرى ان الله تعالى بعد ان هيَّأ له هذه الادوات وسخرها له وهو مختار في بعضها لكن في نفس الوقت يعلم ان الوجود كله لولا الله تبارك وتعالى لما كان ، فالله مسؤول عن الخلق و متفضل عليه، فأي فعل افعله نعم، أنا مسؤولا عنه لكن عندما أتأمل أقول الله تعالى هو الذي وفقني هو الذي خلقني هو الذي ارشدني، اعطاني عينا وعقلا وأذنا.

لذلك الإمام قال (اللهم انك كلفتني من نفسي ما انت املك به مني..) واقعاً انا مملوك لك حتى في هذا العمل الذي أعمله، فالمسألة مثل تأجير شخص معين لمدة ساعة أو ساعتين مقابل اجر معين، فالمستنتج من هذا الفعل ان عمل هذا الرجل مملوك للمستأجر وهو صاحبه، فالله تبارك وتعالى هو المالك، الله تبارك وتعالى ملكه ليس ملكا اعتباريا بل هو ملكا حقيقيا اما أنا فملكي للأشياء ملكا اعتباريا، وهذا الموضوع عندما يمس شغاف القلب والفكر كيف ستكون طريقة الدعاء؟

الانسان عندما يتأمل بهذه الطريقة سيتوفق في الدعاء لان الله تعالى حاضر دائما عنده والله تعالى هو الذي يمكن العبد في ان يستفيد من وقته بأن يتقرب اليه، الحديث الشريف يذكر (ان الله تعالى أولى بحسنات العبد منه) لان الله تعالى هو مسبب الاسباب ولذلك لاحظوا هذه المفارقة مع ان الله هو صاحب الفضل والانعام وقديم الاحسان لكن الله تبارك وتعالى يعبر (من يقرض الله قرضا حسنا) يعني انت اعطي لله والله تعالى يعتبره قرضا ويرده لك.

في واقعة الطف يقول: نعم الرب ربنا لاحظوا هذه المدرسة عندما تتكون معطياتها الفكرية تكون بشيء واحد، مع ذلك يضاعف الله الحسنة بعشر امثالها بعض الاعمال الله يكافئ عليها لكن لا يبين كيف يكافئ كالصوم مثلاً قال الصوم لي، ما هو حجم المكافأة لا نعلم.

عندما تأتي الى الادعية جميعاً ترى ان هناك فارقا مهما بين شعار رفع في مقابل امير المؤمنين وشعار رفع في مقابل الامام الحسن وشعار رفع في مقابل الامام الحسين وتجد ان تاريخ وكلام ومفاهيم الائمة عليهم السلام تختلف عن ذلك جملة وتفصيلا، يقول معاوية: انما قاتلتكم لا لتصوموا ولتصلوا وانما لأتأمر عليكم.

وفي واقعة الطف نادى المنادي: احرقوا بيوت الظالمين، كل هذه الشعارات كانت ترفع ضد أهل البيت عليهم السلام.

الشيء المهم لابد ان نعرف كيف نعتقد بالله تعالى لابد للإنسان ان يتواضع وان يعي ان هناك مسألة، لاحظوا النسق الذي تتعامل به الصحيفة المباركة فهو نسق تربوي ورابطة مع نهج البلاغة تجده نسيجا واحدا واربطة مع حديث النبي وتجده نسيجا واحدا، هذه الاشكالات بعض ما جاد بها التاريخ ومن المشاكل الكبرى القوة التي كانت يفرضها السلطان، وهناك فرق بين أمر يفرضه السلطان وأمر يفرضه الحق، خصوصاً الاشياء التي لها علاقة بحياة الناس، فالإمام (عليه السلام) يتعامل مع قضية التكليف ويقول انت كلفتني بما انت أعمل به مني، وقال: قدرتك عليه اغلب من قدرتي وهذه المسألة المهمة.

كانت في عصر النبي داوود (عليه السلام) امرأة فقيرة لا والي لها وهذه تنسج النسيج وتبيعه، وفي بعض الايام نسجت نسيجاً على ان تبيعه فجاء غراب واخذ هذا النسيج وطار لم يبق عندها اي شيء، فذهبت الى نبي الله داوود وقالت له: يا نبي الله أليس الله تعالى عادلاً؟ قال بلى، قالت: فأين عدل الله في ذلك، اطرق نبي الله داوود وفي هذه الاثناء دخل رجل وقال هناك ثلاثة نفر في الباب يطلبون الدخول، فدخلوا ومعهم صرة من الذهب، قالوا نحن في مركب وهذا المركب انثقب ثقباً وبدأ الماء يصعد الينا، فكل واحد منا نذر نذراً، إن الله نجانا سنتصدق بهذا الذهب، وفي هذه الاثناء جاء غراب ورمى هذه النسيج وسددنا هذا الثقب وسلمنا، وانت نبي ضعه حيث تشاء، فقال النبي داوود للمرأة: هذا عدل الله.

الغرض من ذلك عندما نؤمن ان الله قادر على كل شيء، ولذلك التأمل الصادق الجاد في الكثير من هذه المطالب العلمية، من تساوى يوماه فهو مغبون غير الانسان الذي يتأمل.

نسأل الله تعالى ان يشد على ايادينا واياديكم ويوفقنا لطاعته وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين،

بسم الله الرحمن الرحيم (قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد).

 

المرفقات