المؤمن ينبغي له أن يحذر من الأعمال التي تحطّ من مكانته وتقديره الاجتماعيّ
النص الكامل للخطبة الاولى
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله خالق السماوات والأرض، ومالك البسط والقبض، ومدبّر الإبرام والنقض، الذي أظهر قدرته ببديع صنعته، وخلق عباده لما كلّفهم من عبادته، وهداهم بكرم فضله الى سبيل طاعته، وأشهد أن لا إله إلّا الله عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم، وأشهد أنّ محمداً(صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على دينه، صلّى الله عليه وآله مهابط الوحي وخزّان العلم ومنتهى الحلم.. أوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي بتقوى الله تعالى والاتّعاظ بمواعظه، والاعتبار بعبره والانتفاع من كلمات حججه، الذين اختارهم خلفاء له في أرضه، فإنّ هذه المواعظ ليست أحاديث تُتلى للاستماع ولكنّها مناهج تُلقى للاتّباع، فطوبى لمن أصغى اليها بسمعه وعقلها بلبّه ثمّ اتّخذها منهاجاً لعلمه، يسير على رشدها ويهتدي بضوئها، يتّبع ما أمرت ويقف عمّا حذّرت ويقتدي بها فيما قدّمت وأخّرت، أولئك الذين استحقّوا البشرى من الله سبحانه وتعالى حيث يقول (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).
أيّها الإخوة والأخوات نتعرّض في الخطبة الأولى من صلاة الجمعة لهذا اليوم الى مقطعٍ آخر من كتاب أمير المؤمنين(عليه السلام) الى الحارث الهمداني، هذا الكتاب يشتمل على دورةٍ في علم الأخلاق وقد تضمّن ثلاثاً وثلاثين توصية دينيّة وأخلاقيّة في عباراتٍ موجزة وبليغة في نفس الوقت، وقد قدّمنا المقطع الأوّل منها وها نحن ذا نذكر في هذه الخطبة مقطعاً آخر من كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام)، فنستمع اليه ونعقلها كما بيّنها، ونحاول أن نعمل بها لصلاح أمورنا في ديننا ودنيانا، فيحذّر الإمام(عليه السلام) في المقطع الثاني من ثلاثة أعمال فيقول: (واحذر كلّ عملٍ يرضاه صاحبه لنفسه ويُكره لعامّة المسلمين، واحذر كلّ عملٍ يُعمل به في السرّ ويُستحى منه في العلانية، واحذر كلّ عملٍ إذا سئل عنه صاحبه أنكره واعتذر منه...) ثمّ يقول(عليه السلام): (..ولا تجعل عرضك غرضاً لنبال القوم، ولا تحدّث الناس بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذباً، ولا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلاً).
نتعرّض الى الأعمال الثلاثة التي حذّر منها الإمام(عليه السلام)، العمل الأوّل (واحذر كلّ عملٍ يرضاه صاحبه لنفسه ويُكره لعامّة المسلمين) لماذا؟ أوّلاً صاحب العمل لماذا يرضى هذا العمل لنفسه لكنّه مكروه لبقيّة المسلمين؟!! هذا العمل فيه مصلحةٌ ومنفعة ذاتيّة لشخص العامل به، ولكن فيه ضرر وأذيّة على بقيّة المسلمين، نجد أنّ بعض الأشخاص لا تهمّهم إلّا مصالح أنفسهم ومنافعهم، فهم يقومون بأيّ عمل طالما أنّ فيه مصلحة ومنفعةً لأنفسهم، ولكن فيه ضررٌ وأذيّة لبقيّة المسلمين، لذلك يكون مكروهاً منهم، المؤمن الصادق في إيمانه والحقيقيّ في إيمانه من علامات ومعايير صدق الإيمان أنّه ما لا يرضاه للآخرين لا يرضاه لنفسه وما يُكره للآخرين يُكره لنفسه، لذلك العمل الذي تكون فيه منفعة، نعم.. فيه منفعة ومصلحة لنفسه لكن في نفس الوقت هو فيه ضررٌ وأذيّة لبقيّة المسلمين، ينبغي على هذا الإنسان المؤمن أن يجتنب مثل هذه الأعمال، ونضرب أمثلة الآن مخالفة النظام العام قد أحياناً فيه مصلحةٌ لنفسه باعتبار أنّ فيه مصالح اجتماعيّة لعامّة الناس، ولكن فيه ضرر وأذيّة على الآخرين، المؤمن الصادق في إيمانه عليه أن يجتنب مثل هذا العمل، استخدام الأمور التي يكون الغرض منها منافع عامّة للآخرين كالشوارع والأرصفة ولكن يأتي ويتوسّع في بنائه أو يستخدمها لأغراض فيها مصلحة شخصيّة أو منفعة شخصيّة له، ولكن في نفس الوقت فيه ضرر وأذيّة لبقيّة المسلمين.. وهكذا، قاعدة عامّة أنّ الإمام(عليه السلام) يحذّر من كلّ عمل فيه مصلحة ذاتيّة أو فيه منفعة ذاتيّة لكن هو في نفس الوقت فيه ضررٌ وأذيّة للآخرين، المشكلة أيضاً أنّ بعض هؤلاء الأشخاص إذا رأى مثل هذا العمل من الآخرين لا يرضاه منهم ويعاتبهم وربّما يؤنّبهم على القيام بهذا العمل، ولكن حينما يكون هذا العمل لنفسه باعتبار أنّ فيه مصلحة ومنفعة شخصيّة لنفسه يأتي به، في الواقع هذا يكشف عن عدم صدق الإيمان، لذلك الإمام(عليه السلام) يحذّر يقول: (واحذر كلّ عملٍ يرضاه صاحبه لنفسه..) لأنّ فيه منفعة ومصلحة شخصيّة (..ويُكره لعامّة المسلمين) لماذا يكره؟ لأنّ فيه ضرراً وأذيّة لبقيّة المسلمين، لذلك ينبغي أن نحذر من مثل هذه الأعمال ونأتي بها من معايير الإيمان الحقيقيّ، ما لا نرضاه للآخرين لا نرضاه لأنفسنا وما يُكره للآخرين لابُدّ أن يكون مكروهاً لأنفسنا.
ثمّ يقول: (واحذر كلّ عملٍ يُعمل به في السرّ ويُستحى منه في العلانية) أحياناً بعض الأشخاص يأتون بأعمال وأفعال في السرّ، ولكن لو أرادوا أن يُظهروا هذا العمل أمام أنظار الآخرين وأمام أسماعهم وفي المحلّات العامّة يستحون ويخجلون من إتيانها، ينبغي للمؤمن أن يحذر من مثل هذه الأعمال، لماذا؟ السبب في ذلك هو أنّه ينبغي للإنسان المؤمن أن تكون لديه مجموعة من الخصال، شعوره وقوّة الإيمان وصدق الإيمان نابع من هذه الأمور، شعوره بالرقابة الإلهيّة وأن يكون لديه حياء كافٍ من الله تعالى، أيضاً التفاته الى أنّ كلّ شيءٍ يصدر منه حاضر أمام الله تعالى، فهو يعرف ما هو شاهد وما هو غائب، بعض الناس لا يشعرون بهذه الرقابة الإلهيّة وليس لديهم الحياء الكافي من الله تعالى، لديهم حياء وخجل من الناس أكثر من حيائهم وخجلهم من الله تعالى، ولذلك يأتون بمثل هذه الأعمال القبيحة، استحياء الإنسان من إظهار عمله أمام الآخرين دليل على قبحه، وإلّا لما استتر به عن أعين الناس، وهذا القبيح إمّا أن يكون معصية فهو حرام، وإمّا أن يكون من الأعمال الدنيئة التي لا ينبغي للإنسان المؤمن والعاقل أن يأتي بها، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول احذروا العمل الذي تأتون به في السرّ ولكن لو أظهرتموه أمام أعين الآخرين استحييتم منهم، مثل هذا العمل اجتنبوه لأنّ استحياءكم من إظهاره أمام الناس دليلٌ على قبحه، وهذا القبيح إمّا أن يكون معصية وإمّا أن يكون عملاً دنيئاً لا ينبغي للمؤمن أن يأتي به، لذلك احذروا مثل هذه الأعمال لأنّ هذا يكشف عن ضعف الإيمان بالله تعالى وضعف الشعور بالرقابة الإلهيّة وعدم وجود حياء وخجل كافٍ ينبغي للمؤمن أن يتحلّى به من الله تعالى، وحينما تستحي منه في العلانية ولكن في السرّ تأتي به هذا يكشف أنّه ليس لديك توجّه كافٍ الى أنّ الله تعالى يراقبك وليس لديك الحياء والخجل الكافي، المؤمن ينبغي أن يكون خجله وحياؤه من الله تعالى أكثر من حيائه وخجله من الناس، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول: (واحذر كلّ عملٍ يُعمل به في السرّ ويُستحى منه في العلانية).
ثمّ يحذّر (عليه السلام) من العمل الثالث (واحذر كلّ عمل إذا سُئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه)، أحياناً يأتي الإنسان بعملٍ ثمّ ينكشف للآخرين ولبقيّة الناس، فيسألونه هل أنت أتيت بهذا العمل؟ هو يضطرّ إمّا أن ينكر هذا العمل إذا تمكّن من إنكاره، لأنّه لا يوجد دليل واضح على أنّه بنفسه قد أتى به، أو لا هناك دليلٌ واضح أنّه قد أتى به وانكشف أمام الآخرين بعدها لا يتمكّن من إنكاره، ماذا يفعل؟ سيضطرّ الى الاعتذار!! ولا شكّ أنّ العمل الذي يُنكر إذا سُئل عنه من قبل الناس أو اعتذر منه دليل على أنّه قبيح ومستهجن من الناس، وإلّا لو لم يكن قبيحاً ومستهجناً لا يضطرّ الى الإنكار أو الاعتذار، والمؤمن الحقيقيّ لا يأتي بمثل هذه الأعمال القبيحة والمستهجنة من قبل الآخرين، لذلك ينبغي له أن يتجنّب مثل هذه الأعمال التي لو انكشفت للناس وسُئل عنها يضطرّ الى إنكارها لقبحها واستهجانها، إذا أنكر وبعد مدّة شهر أو شهرين أو سنة انكشف أمام الآخرين، لاحظوا تحذير الإمام من أين يأتي، إذا انكشف أمام الآخرين وهو قد أنكره هذا يؤدّي الى اعتقاد الناس بأنّه كاذب قد كذب عليهم سوف لا يثقون به، أو لا.. من وضوحه لم يتمكّن من إنكاره فاضطرّ الى الاعتذار، الاعتذار ماذا سيؤدّي هنا؟ الى الانتقاص من شخصيّته والى أن يكون وضعه ومكانته الاجتماعيّة وضيعة بين الآخرين، سيحتقره الآخرون ربّما لأنّه عمل عملاً مستهجناً، ففي كلّ الأحوال الإنكار أو الاعتذار يؤدّي الى إمّا أنّ الآخرين يعتقدون بأنّه قد كذب عليهم، أو أنّه حينما يعتذر وقد صار واضحاً أمام الآخرين حينئذٍ هذا الإنسان مكانته الاجتماعية موقعه الاجتماعي سيُحطّ من شأنه وتقديره واعتباره الاجتماعيّ، لذلك المؤمن ينبغي له أن يحذر من الأعمال التي تحطّ من مكانته وتقديره الاجتماعيّ.
ثمّ يقول (عليه السلام) -نلتفت إخواني الى هذه التوصية الاجتماعيّة المهمّة- (ولا تجعل عرضك غرضاً لنبال القوم) نفسّر بعض الكلمات هنا "العرض" ما معنى العرض؟ وهي ترد في كثيرٍ من الأقوال للمعصومين(عليهم السلام)، هل هي بهذا المعنى الأضيق وهو الشرف الذي نفهمه بالمعنى العرفي؟! لا.. المعنى أوسع، معنى العرض هنا هو السمعة والاعتبار الشخصيّ والمكانة الاجتماعيّة وناموس الإنسان وشرف الإنسان وحَسَب الإنسان بهذا المعنى الواسع، الغرض هنا بمعنى الهدف، لنبال القوم هي الأقوال والطعون التي تصدر من الآخرين بسبب حصول كلام أو قول أو فعل أو سلوك من الإنسان، جعلت الآخرين يتكلّمون ويطعنون في شخصيّة هذا الإنسان، الإمام يشبّه هذه الأقوال والطعون الصادرة من الآخرين مثل السهام التي تتوجّه الى هذا الإنسان، بحيث جعل هذا الإنسان هدفاً تتوجّه اليه نبال وسهام أقوال الناس، هذا معنى الكلمات، نأتي الى معنى العبارة بتمامها الإمام ينصح يقول: لا تجعل نفسك أو لا تصدر منك كلمات وأقوال وسلوك وتصرّفات تجعل نفسك في مواضع التهمة وسوء الظنّ والاغتياب من قبل الآخرين والاتّهام منهم، لا تجعل نفسك في هذه المواضع بحيث أنّ الآخرين يوجّهون اليك الطعون والاتّهامات والافتراء وسوء الظنّ بك، بحيث تكون هدفاً لنبال القوم التي تؤدّي الى هذه النتائج، جنّب نفسك في مسألة العلاقات -رجلاً كان أو امرأة-، طبيعة الأشخاص الذين تخالطهم، اجتنب أن تخالط فلاناً أو فلانة بحيث أنّ الناس يطعنون في شخصيّتك، الأفعال السلوك التصرّفات التي تصدر منك اجتنب ما يكون سبباً لغيبة الآخرين لك، المواقع التي تسبّب سوء الظن والاغتياب من الآخرين اجتنبها لأنّه أحياناً كثيرة الناس عليهم الظاهر، قلّة من الناس يدقّقون ويتثبّتون والكثير يأخذون بظواهر الأمور لا يدقّقون ولا يتثبّتون عن هذا التصرّف والسلوك والقول وهذا الموقع الذي فيه، هذا الإنسان جعل نفسه في هذا الموقع لماذا؟ قد يكون هناك سبب مقبول شرعاً أو عرفاً إلّا أنّهم لا يدقّقون، الكثير يأخذ بظاهر الأمور فيوجّه الطعون وسوء الظنّ والتهمة للآخرين ويطعنون في شرفه وفي عرضه وفي شخصيّته وينتقصون منه.
الإمام يقول اجتنب لا تجعل نفسك في هذه المواقع والمواضع ولا يصدر منك سلوك وتصرّفات وأقوال تجعل الآخرين يسيئون الظنّ بك ويتّهمونك ويطعنون بك، حافظ على سمعتك وحافظ على ناموسك وحافظ على نسبك وعلى شرفك وعلى موقعك الاجتماعيّ من خلال اجتناب هذه الأمور، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول (ولا تجعل عرضك) وقد وضح العرض بأيّ معنى، هو المعنى الواسع (ولا تجعل عرضك غرضاً لنبال القوم).
ثمّ يقول الإمام(عليه السلام): (ولا تحدّث الناس بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذباً)، نلتفت إخواني فهذه التوجيهات توجيهات عظيمة وكبيرة جدّاً لو نلتزم بها نصل الى السعادة والعلاقات الاجتماعيّة الطيّبة، ونجنّب أنفسنا كثيراً من المشاكل والتقاطعات والأزمات وتهديم العلاقات الاجتماعيّة لو أنّنا التزمنا بمضامين هذه التوصيات، (ولا تحدّث الناس بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذباً)، نجد الكثير منّا كلّ ما يسمع به من الآخرين يسرع الى التصديق به ويتسرّع فيصدّق به مباشرة، التفتوا هناك نكتة مهمة في لفظ (كل)، كل ما يسمعه من الآخرين يصدّق به ويتسرّع الى التصديق به هذا أوّلاً، ثانياً لا يتثبّت من كونه صحيحاً أو ليس بصحيح، هذا الذي سمعه من الآخرين صدق أم كذب، لا يتثبّت بل يتسرّع في الحديث به أمام الآخرين فيذهب الى فلان وفلان وهذه المجموعة وهذه المجموعة ويتحدّث بهذا الحديث، يعني مثلاً يسمع خبراً أنّ فلاناً فعل كذا أو المجموعة الفلانيّة فعلت كذا أو فلاناً صدر منه كذا، وهذا الشخص المتحدّث غير متأكّد فيتسرّع ويقول فلان عمل كذا!! لو كان يقول مثلاً -وهذا هو الصحيح- سمعتُ فلاناً أو سمعتُ من الناس يقولون كذا وكذا وأنا لا أدري، ربّما يكون هذا صحيحاً أو خطأً صادقاً أو كاذباً لكان الأمر أهون.
شاهدوا ما هي النتيجة إخواني، الإمام(عليه السلام) يقول ليس كلّ ما تسمع به مباشرةً تتسرّع الى التصديق به وتتحدّث به أمام الآخرين، هذا عبارة عن خبر وإخبار من الآخرين، هذا يحتمل الصدق والكذب، تحتاج أنت أن تتأنّى وتتريّث وتتأكّد منه وتتثبّت منه، قد يتبيّن أنّه كاذب فأنت إذا تسرّعت ونقلت هذا الخبر على أنّه واقع وصادق وانكشف فيما بعد أنّه كذب ماذا تفعل؟!! الآخرون صدّقوا بك سيعتبرونه كذباً وسيتّهمونك بأنّك كذبت كما أنّ المتحدّث الأوّل كذب، وربّما يترتّب عليه تشويه سمعة وطعن في إنسان آخر، كيف ستُصلح الأوضاع؟!! لا تستطيع أن تصلح الأوضاع، وربّما يتبيّن أنّه كذب وتترتّب عليه آثار سيّئة جدّاً، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول في هذا الحديث (لا تحدّث الناس بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذباً)، نلتفت الى العبارات الدقيقة للإمام(عليه السلام) يقول: (بكلّ) ما هو معناها؟ لماذا قال: "بكل"؟ احتمال أنّ البعض وليس كلّ ما يتحدّث به الناس كذب، بل بعضه كذب وبعضه صدق!! يقول ليس كلّ شيء تأخذه أنت هو صدق، بل بعضه صدق وبعضه كذب، تأكّد وتأنّ قليلاً وتأكّد من الصدق والكذب (فكفى بذلك كذباً)، كلّ كلامٍ -نلتفت الى العبارة- يكفي بهذا الذي تتحدّث بكلّ ما سمعت به أن يكون كذباً، لاحتمال أنّ البعض منه يتبيّن كذباً، يقول كأنّ الأصل هنا كما يقولون: كلّ كلامٍ لا تعرف الصدق فيه بسبب عدم وجود دليل أو قرائن خارجيّة على صدقه فإنّه يكون على أصله كاذباً، لذلك الإمام يقول (فكفى بذلك كذباً).
وفي نفس الوقت أيضاً من طرف ثانٍ قال: (ولا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به...) أيضاً قال الإمام (كلّ) (...فكفى بذلك جهلاً)، ما هو معناها؟ أحياناً بعض الناس كلّ ما يسمعه من الآخرين يردّه ويُنكره يقول: لا.. أنت متوهّم، هذا ليس صحيحاً، هذا غير ممكن، أنت لست متأكّداً، كلّ ما يسمع يُسيء الظنّ بكلام الآخرين، هذا لا يصحّ فليس كلّ ما نسمعه الآن نقول هذا كذب ونسيء الظنّ بإخبارات الآخرين ونُنكر عليهم، لاحتمال أنّ بعضه صدق، لاحظوا السابق لاحتمال أنّ بعضه كذب وهذا لاحتمال أنّ البعض من كلّ ما يتحدّث به الناس صدق، فإذا أنا رددتُ عليهم وهذه حادثة مهمّة عليّ أن أنتبه اليها وأرتّب عليها النتائج والآثار، يقول النتيجة الآن إذا رددتَ على كلّ ما تسمع به وبعضها حقائق سيكون لديك جهل بهذه الحقائق، وتترتّب عليك الآثار السلبيّة على ردّك، لذلك لا تشكّك في كلّ ما يُنقل اليك، البعض يشكّك كلّما تأتي اليه بشيء يشكّك في صدقه، الإمام يقول: لا.. (ولا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلاً)، فعندنا جهتان (لا إفراط ولا تفريط) ليس كلّ ما أسمعه يكون عندي تسرّع بأن أصدّق به، خصوصاً إخواني في القضايا التي تمسّ شرف الناس وسمعة الناس.
التفتوا أحياناً الحديث -نسمع أحياناً- توجد أشياء نقرأها فهذا مثل السماع، الإنسان يتحدّث اليك وأنت أيضاً تستمع اليه من خلال الفيس بوك والواتساب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعيّ، تقرأ كأنّه يتحدّث اليك وأنت تسمع منه، فلا تتسرّع في التصديق بكلّ ما تسمعه من الناس –انتبهوا- لأنّه ربّما هذا الذي تسمعه من الناس فيه طعن في شخصيّة إنسان مؤمن أو طعن في كيان أو طعن في شخصيّة دينيّة مهمّة أو طعن في مجتمع وترتّب عليه الآثار وتتحدّث به أمام الآخرين، أنت أيضاً تتسرّع ماذا تفعل؟ تنقله الى (الكروب) -كما يُطلق عليه- الى المجموعة التي هي معك في الفيس بوك وغيره، ونقلته الى عشرة أو مائة وربّما في المستقبل يتبيّن كلّ ذلك كان كذباً، وأنت تسرّعت في التصديق وتسرّعت في الحديث، ونقل هذا الأمر الى بقيّة الناس، انتبه بعد ذلك يتبيّن كذباً وتصبح مسؤولاً أمام الله تعالى وأمام الناس عن هذا الذي تسرّعت فيه، لذلك الإمام يوصينا أن لا نتحدّث بكلّ ما نسمع به، وفي نفس الوقت لا نردّ على الناس بل نتريّث نتأنّى نتأكّد نتثبّت من أنّ هذا الأمر صحيح أو كذب، إذا كانت توجد مصلحة ننقله ونتحدّث به أمام الآخرين للحفاظ على مصالحهم ودفع الأضرار والمفاسد عنهم، لذلك (لا إفراط ولا تفريط).
هاتان نقطتان ليس كلّ ما نسمعه نتسرّع الى التصديق به والحديث به، وليس كلّ ما يتحدّث به الناس نردّه، بعضه أيضاً نتأكّد ونسمع من الآخرين وما يتحدّثون به، ربّما يكون صادقاً لابُدّ أن نرتّب عليه الأثر إذا لم نصدّق به، ربّما نضرّ وتترتّب عليه مفاسد وأضرار إذا رددنا كلّ شيء وكلّ ما يتحدّث به الناس، لذلك الإمام(عليه السلام) في هاتين العبارتين عبّر بكلّ، نلتفت الى لفظ كلّ، يعني ليس كلّ ما نسمعه من الآخرين نصدّقه وليس كلّ ما يتحدّث به الناس أيضاً نردّه، (ولا تحدّث الناس بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذباً، ولا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلاً)..
نُكمل إن شاء الله بقيّة المقاطع في الخطب القادمة من هذا الكتاب وفيه ثلاث وثلاثون توصية مهمّة من الإمام(عليه السلام)، نكملها إن شاء الله في الخطب القادمة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
اترك تعليق