هل أتى؟! قصة "عائلة" أجزل الله لها العطاء والشكر معاً

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}

قبل ثلاثة أيام من نزول هذه الآية وآيات أخر، عاشت عائلة  "علي " عليه السلام -الإمبراطور الإسلامي الأول بلا منافس- الجوع والحرمان من أجل الوفاء بالنذر، والمحافظة على مصداقيتهما أمام الله كبشر.

بعد هذا الدرس البليغ الذي قدمته هذه العائلة يجزل الله الشكر والعطاء لها في آن واحد، كيف حدث ذلك ومتى؟

إليكم القصة وفقاً لما ينقله العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار:

مرض الحسن والحسين عليهما ‌السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عز وجل، وكذلك قالت فاطمة عليها ‌السلام، وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتم فضة، فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.

إلى شمعون اليهودي

فانطلق علي عليه ‌السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع  من شعير؟ قال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها ‌السلام فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرصا، وصلى علي عليه ‌السلام مع النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله المغرب.

مسكين

ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه‌ السلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع اللقمة وطلب من فاطمة عليها السلام تجيب السائل.

وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح.

يتيم

ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعا من الشعير و طحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرص لكل واحد قرصا، وصلى علي المغرب مع النبي صلى الله عليهما ثم أتى منزله فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه ‌السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد  أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع علي عليه ‌السلام اللقمة من يده ثم طلب من فاطمة عليها السلام أن تدفع الطعام إلى اليتيم.

أسير

ثم عمدت فأعطته عليها ‌السلام جميع ما على الخوان، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها ‌السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا، وصلى علي عليه ‌السلام المغرب مع النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ثم أتى منزله، فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه‌ السلام إذا أسير من اسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا؟  فوضع علي عليه ‌السلام اللقمة ودعا فاطمة عليها السلام إلى تكرار ما قامت به في اليومين الماضيين وهو دفع الطعام إلى السائل الذي كان أسيراً هذه المرة.

وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ.

سعيكم مشكورا..

قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين عليهم ‌السلام نحو رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وهما يرتعشان كالفرخ من شدة الجوع، فلما بصربهم النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أرى بكم!؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله؟ أنتم منذ ثلاث فيما أرى؟ فهبط جبرئيل فقال: يا محمد خذ ما هيا الله لك في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: "هل أتى على الانسان حين من الدهر "حتى إذا بلغ "إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ".

النبي يبكي

وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله حتى دخل منزل فاطمة عليها‌ السلام فرأى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم؟ فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات: "إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا "قال: هي عين في دار النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله يفجر إلى دور الانبياء والمؤمنين "يوفون بالنذر "يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌ السلام وجاريتهم "ويخافون يوما كان شره مستطيرا "يكون عابسا كلوحا "ويطعمون الطعام علي حبه "يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له

 "مسكينا "من مساكين المسلمين "ويتيما "من يتامى المسلمين "وأسيرا "من اسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا "قال: والله ما قولوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبرالله بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به، ولكن إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه قال الله تعالى ذكره "فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة "في الوجوه "وسرورا "في القلوب "وجزاهم بما صبروا جنة "يسكونها "وحريرا "يفترشونه ويلبسونه "متكئين فيها على الارائك "والاريكة: السرير عليه الحجلة "لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا "قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذا رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة: يا رب إنك قلت في كتابك: "لايرون فيها شمسا "؟! فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت "هل أتى "فيهم إلى قوله تعالى: "وكان سعيكم مشكورا".

المصدر: كتاب بحار الأنوار - حررها: حسين الخشيمي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات