ممثل السيد السيستاني يحذر من حرمان "المرأة المتزوجة" من الإرث  

اعتبر ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة، السيد أحمد الصافي، أن المال الذي يُحصل عليه جراء حرمان المرأة من إرثها "من أموال السحت".

وانتقد سماحته في جانب من خطبته الأولى لصلاة الجمعة، ظاهرة حرمان المرأة من الإرث بحجة أن "المرأة تلحق زوجها" ولا بد منعها من الإرث.

وقال سماحته أحذّر هؤلاء لأنّهم لا يُعطون للمرأة أيّ شيء خصوصاً إذا كانت المرأة قد تزوّجت.

وأبدى الصافي استغرابه حول ذلك بالقول: "عندهم مصطلحٌ سمعتُه كثيراً لا أعلم من أين منشأه هو (أنّ هذه المرأة تلحقُ زوجها)".

ورأى سماحته أن هناك من يستغلّ هذه الحالة ويجمع من أموال السُّحْت، تتراكم هذه الأموال وفجأةً يطرقه ذلك الطارق الذي لابُدّ أن يطرق بيوتنا جميعاً، في إشارة منه إلى الموت.

 

إليكم النص الكامل للخطبة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين والصلاةُ والسلام على خير خلق الله أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله الذي جعل الحمدَ مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله، ودليلاً على آلائه وعظمته.. إخوتي أهل الإيمان أبنائي أمل الأمّة آبائي أهل الوقار، أخواتي ربيبات العفّة بناتي بنات النجابة أمّهاتي أمّهات الفضائل السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.. أوصيكم ونفسي الجانية بتقوى الله تبارك وتعالى فإنّ الدهرَ يجري بالباقين كجريه بالماضين، لا يعود ما قد ولّى منه ولا يبقى سرمداً ما فيه، فمن شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في الظلمات وارتبك في الهلكات، ألا وإنّ التقوى دارُ حصنٍ عزيز، والفجورَ دارُ حصنٍ ذليل، اللهمّ أعزّنا جميعاً وأبعدنا عن المذلّة والهوان.

من كلمةٍ لأمير المؤمنين(عليه السلام) يستعرض فيها بعض المواقف التي تمرّ بالإنسان يوم القيامة، وقبل ذلك أحبّ أن أعرض بخدمتكم أنّ الصور التي تعرضُ يومَ القيامة سواءً كانت من القرآن الكريم أو بلسان النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أو بلسان الأئمّة الهداة(عليهم السلام) هذه الصور صورٌ حقيقيّة، فكما أنّ الدنيا فيها منازل وفيها تفاوت وفيها تفاضل الآخرة أيضاً فيها منازل وفيها تفاوت وفيها اختلاف بهذه الرتب التي ستكون يوم القيامة، ولعلّه من فوائد نقل صور الآخرة ونحن لا زلنا في الدنيا أن الإنسان يطمع بالمنازل الجيّدة ويحذر ويبتعد عن المنازل السيّئة، مثلاً عندما يستعرض القرآن الكريم وضع أهل الجنّة ويستعرض وضع أهل النار تجد الإنسان يطمع أن يكون من أهل الجنّة، وأيضاً يتمنّى ويسعى الى أن لا يكون من أهل النار، لكن لا شكّ أنّ أهل الجنّة قد عملوا أعمالاً وهذه الأعمال أوردتهم هذا الأمور الحسنة، وأهل النار أيضاً عملوا أعمالاً أوردتهم هذا المكان السيّئ، وإنّ تجنّب النار والطمع في الجنّة ليست له علاقةٌ بالأمنيات بلا عمل وإنّما هذه أشياء كُسِبت عن طريق عمل، وهذا العمل لا شكّ أنّه مقدورٌ عليه، سواءً كان عملُ أهل الجنّة فهو عملٌ مقدورٌ عليه في الدنيا أو عملُ أهل النار أيضاً هو عملٌ مقدورٌ عليه، الله تعالى زوّدنا بأدوات وآلات وجعلنا نقدر على عمل الجنّة ونقدر على عمل النار، ثمّ أعطانا هذا الخيار وأوضح لنا معالم الطريق بشكلٍ لا تشوبه شائبة، وجعل هذا له معايير خاصّة وهذا له معايير خاصّة.

أميرُ المؤمنين(عليه السلام) تميّز بفضائل عديدة، لاحظوا إخواني تارةً أتكلّم عن فضائل أمير المؤمنين التي أشار اليها القرآن الكريم وتارةً أتكلّم عن فضائل أمير المؤمنين التي أشار اليها النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أو بقيّة الأئمّة الهُداة، وتارةً أتكلّم عن أمير المؤمنين بما هو شخص عاش مدّةً من الزمن وأنتج ما أنتج وبيّن ما بيّن، المهمّ أنّ أمير المؤمنين(سلام الله عليه) له خصائص كثيرة فهو ذلك الباب الذي كان لرسول الله(صلّى الله عليه وآله) وهو بابُ مدينة العلم، والنبيّ أُعطِيَ من العلم ما لم يُعطَ أحدٌ سواه، وبلغ مراتب جمّة ومراتب هائلة لا يُمكن لنا أن ندركها جميعها، فأميرُ المؤمنين(سلام الله عليه) عاش في هذا الجوّ وتاريخه أيضاً تاريخٌ مشرقٌ وحافلٌ بالإنتاج، وأميرُ المؤمنين استشرف سواءً كان الماضي أو الحاضر أو المستقبل فتجده تمتّع بهذه المميّزات الفذّة وأصبح كما يُعبّر هو عن نفسه: (يَنْحَدِرُ عَنِّي اَلسَّيْلُ وَلاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ)، وطبعاً هذه المناقب إشارة الى اللّطف الإلهيّ الذي كان عند أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو من باب إظهار هذه الصفات التي أعطاها إيّاه الله سبحانه وتعالى، ومن جملة ما عنده كان يتمتّع بالقدرة على البلاغة وتصوير الحالة بشكلٍ يختلف عن الآخرين، نحن عندما نريد أن نصوّر حالةً نصوّرها بمقدار ما تُسعفنا به الألفاظ والسبك والنحو أن نبيّن هذه الحالة، أمّا أمير المؤمنين كانت عنده طاقة هائلة في هذا البيان، ولذلك أهلُ الفنّ عندما يمدحون كتاب نهج البلاغة يقولون: "هو كتابٌ أدنى من كتاب الخالق وأعلى من كتاب المخلوقين"، في مقام الثناء على فصاحة وبلاغة أمير المؤمنين(عليه السلام)، أمير المؤمنين نقل لنا قضيّة وهو يبيّن أنّ هناك حسراتٍ يوم القيامة، وهذه الحسرات عندما يبيّنها أميرُ المؤمنين حتّى نتجنّب أن نكون من الذين يجرّون الحسرات يوم القيامة، وهذه الحسرة بعد ذلك هي حالةٌ من الندم، الإنسان عندما يعطف على الآخرين يقول: "يا حسرةً عليك إنّك لا تعرف المصلحة"، وفي القرآن الكريم: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)، القرآن الكريم يتحدّث في مواطن أنّ هؤلاء العباد ما كنّا نأتيهم برسول أو نبعث نبيّاً إلّا كانوا به يستهزئون! فهؤلاء مساكين، أميرُ المؤمنين ينقلنا الى الآخرة يقول: هناك حالةٌ أشدّ حسرةً ستمرّ برجالٍ أو رجل أو صنفٍ من الناس، مَنْ هو الإنسان الذي تمرّ به هذه الحسرة؟ قال(عليه السلام): (إنّ أعظم الحسرات يومَ القيامة حسرةُ رجلٍ كسب مالاً في غير طاعة الله، فورّثه رجلاً فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنّة ودخل الأوّل به النار)، حقيقةً من المفارقات العجيبة أن يصوّر أميرُ المؤمنين(عليه السلام) هذا التصوير، دعونا إخواني نلتفتُ الى ما يُريد أو بما نفهمه من أمير المؤمنين(عليه السلام).

أوّلاً لاحظوا التعبير الغليظ في لسانه(عليه السلام) يقول: (إنّ أعظم الحسرات) يعني أنّ هناك حسرات عظيمة يوم القيامة، الإنسان إذا فاته في الدنيا أو فاتته أشياء وأشياء يتحسّر، لكن يصوّر أميرُ المؤمنين هناك حسرة خاصّة ويعبّر عنها بأنّها أعظم حسرة، ما هي؟ قال: رجلٌ كسب مالاً أو حصل على أموال لكن هذه الأموال كانت في غير طاعة الله، -مثلاً- اشتغل بالرّبا سنين فكسب مالاً أو اشتغل بالغشّ وكسب مالاً واشتغل بكلّ شيء يبغضه اللهُ تعالى، أو اشتغل بالموبقات وكسب مالاً فأصبح عنده المال متوفّراً بين يديه، وهذا المال في كلّ ما يتعلّق بالكسب كان في غير طاعة الله تعالى، ما الذي أجبره عليه؟ -التفتوا إخواني- تعلمون أنّ النفس توّاقة والنفس تجرّ صاحبها الى ما تُريد، فالنفسُ التوّاقةُ والشيطانُ والهوى مجموعةُ عوامل تتجمّع فتجعل الإنسان يمشي على غير هدى، وبمجرّد أن يحصل على رغبته ولا يوجد عنده ضميرٌ واعٍ ستبدأ هذه الحالة -حالة الصحو حالة الضمير المؤنّب- ستبدأ تضعف ثمّ تبدأ تضعف، والجهةُ الثانية تبقى تعمل ويكسب خصوصاً في مقام التحليل، وقد نعجز نحن عن مقام التحليل، ماذا نعني بمقام التحليل؟ يعني الإنسان إذا خدع وغشّ وزوّر وكذّب ورابى ثمّ حصل على حفنةٍ من الدنانير الزائدة، لا يُمكن أن يحلّل أنّ هذا المال قد يكون فيه إثم بل هو قاطع أنّ فيه إثماً لكن لا يبقى في مقام المحاسبة، بل يأتي يوسوس لنفسه في مراحل، الوسوسة الأولى أنّه أنا محتاج وعندما أفرغ من حاجتي سأتوب، وهذه الوسوسة ما أكثرها بين الناس بمجرّد أن أتخلّص من الفقر والحاجة سأتوب، وهذه الحالة موجودة طبعاً لا يعمل بها أحد أنا أتكلّم عن الوسوسة وأتكلّم عن حالة التسويف، لا يوجد عنده رادعٌ حقيقيّ وإنّما يسوّف لنفسه التوبة، وهذه النفس -تبّاً لها من نفس- تسوّف لصاحبها التوبة، إذا قال الإنسان سأتوب ولم يتُبْ يصعب عليه بعد ذلك أن يتوب، لا أقول مستحيل لكن معنى ذلك أنّ شخصيّته ضعيفة وهذه النفس ستجرّه الى المزيد الى أن يصل الى حالٍ يرى أنّ التوبة في حقّه أصبحت صعبة، كما لو أخذ مائة دينار قبل عشرين سنة، الآن المائة أصبحت مئات وهو بالمائة دينار لم يجرؤ أن يستيقظ الآن بالمئات ستكون ردّة الفعل عنده بطيئة وضعيفة وقد تُهمل، متى يعلم بذلك؟! عند الموت!! (الناسُ نيامٌ إذا ماتوا انتبهوا) وصفٌ دقيق، تارةً لا.. هو يكسب هذا المال –لاحظوا- ويرى أنّ هذا المال بدأ ينمو فيقول: إنّ عملي صحيح، بل سيتعدّى ذلك ولاحظوا خطورة الموقف أين سيتعدّى! يقول: هذا الكلام الذي جاء به العلماء هذا الكلام لا أساس له من الصحّة!! هؤلاء لا يعرفون وإلّا لو كان الله يحرّم عليّ هذا لكان عليه أن يمنعني من الكسب!! أنا الآن رابيت ونما المال فإذن هذا العمل هو عملٌ حلال وعملٌ جائز وفيه نماء!!! تبدأ الموازين عنده تختلف بمقام التحليل فيعجز عن فهم الأمور ثمّ يتراكم عنده هذا المال، يحاول أيضاً أن يسلب حقوق الآخرين قال: أنا صاحب مصنع وهؤلاء عمّال عندي وبعضهم ضعفاء لا يعرف وأحاول أن أظلمه مستغلّاً حاجته، إذا كان حقّه –مثلاً- مائة أنا أُعطيه ستّين وأستغلّ هذا الجهد وأسرق من عرق جبينه هذا المال، ولا أحد يتكلّم مع هذا الرجل لأنّه صاحب نفوذ وهكذا يعتقد أنّ هذه الأموال نتيجة ذكائه نتيجة دقّته أو كما يُقال الآن في العُرْف نتيجة شطارته، يقولون هذا شاطر، لماذا لا تكون مثل فلان؟! هذا شاطرٌ في السوق كان لا يملك شيئاً والآن ما شاء الله مَلَكَ كذا وكذا وكذا، نحن في مقام التحليل نعجز عن فهم الأمور وننظر الى صورة وهذه الصورة صورة ظاهرية صاحبُها أدرى بها منّا، فهو يعلم كيف حصل على هذا المال، في المواريث تأتي مسائل شرعيّة –والله- يشيبُ الرأسُ لها، هذه المواريث التي أصبحت خصوصاً في بعض القرى والأرياف وهذه فرصة لأحذّر هؤلاء لأنّهم لا يُعطون للمرأة أيّ شيء خصوصاً إذا كانت المرأة قد تزوّجت، عندهم مصطلحٌ سمعتُه كثيراً لا أعلم من أين منشأه هو "أنّ هذه المرأة تلحقُ زوجها" ويمنعونها من الميراث، وهذه مسكينةٌ ليست لها قدرةٌ فتحاول أن تداري العائلة فتسكت من غير رضا، وهذا الأب أو الأخ أو الابن إذا كانت طبقةُ الميراث وصلت أيضاً يُحاول أن يستغلّ هذه الحالة ويجمع من أموال السُّحْت، تتراكم هذه الأموال وفجأةً يطرقه ذلك الطارق الذي لابُدّ أن يطرق بيوتنا جميعاً ولا يفرّ منه أحدٌ لا نبيّ ولا مؤمنٌ ولا صالحٌ ولا طالحٌ ولا كافر ألا وهو ملكُ الموت(سلام الله عليه)، بالنتيجة لابُدّ أن يطرق بلا موعدٍ وبلا استئذان ويذهب هذا الذي جمعه هذا المسكين في لحظةٍ من اللّحظات مهما يصرخ ومهما يقول مهما ينادي، ومهما يتوسّل بهذا الملك فإنّ هذا التوسل لا قيمة له (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)، ماذا ستكون النتيجة؟ يقولُ أمير المؤمنين لاحظوا هذا الذي عادى لأنّه جمع الأموال في غير طاعة الله بالنتيجة يُعادي الكلّ، ولأنّه إذا عصا الله تعالى ستهون عليه معصيةُ الآخرين، وهذا المُعادي يرى هذه الأموال التي جُمِعَت فجأةً انتقلت الى الوارث وجاءته بغير تعب، وهذا الوارث كان من أهل الله -طبعاً ليس دائماً- ففي بعض الحالات الوارث عندما يتربّى في هذا الجوّ سيكون أشدّ ظلماً وطغياناً، لكن قد يكون الوارث التفَتَ الى هذه المسألة وسمع كلمةً من هناك أو موعظةً من فلان أو نبّهه ضميره فاستيقظ، ووجد هذا المال وبدأ ينفق هذا المال ويصرفه في طاعة الله تبارك وتعالى، أميرُ المؤمنين(عليه السلام) يقول سيأتي هذا المورّث الأب مثلاً أو الزوج أو الزوجة ويرون هذه الأموال التي عادوا فيها قد وقعتْ بيد إنسانٍ من الورثة عاقلٍ يخاف الله تعالى، وبهذه الأموال استطاع أن يأخذ مقعداً أو يحجز مقعداً له في الجنّة، التفَتَ فوجد أنّ هذه مشكلة وهو عاقل، رأى أباه كيف أنّ ملك الموت قد اختطفه في لحظةٍ مع ما قد جمع ويرى نفسه أنّ ملك الموت سيزورُه أيضاً مرّةً ثانيةً لكن لا ليخطف أباه ولكن ليخطفه هو، فتهيّأ وتبصّر والتَفَتَ فاستعدّ لتلك اللحظة.

هذه الحقيقةُ إخواني كلّنا نعيشُها في كلّ يوم وفي كلّ لحظة، يقول أميرُ المؤمنين(عليه السلام) ثمّ يأتي يوم القيامة هذا أشدّ وأعظم حسرةً، كيف يرى؟ يرى نفسه في الجحيم وفي النار ويرى هذا الوريث في الجنّة، وهو يقول هذه أموالي أنا جمعتها، فيُقال له: لا تنفعك، لأنّها بطريقة الجمع –من الحرام- جعلتك في النار وبطريقة الإنفاق –في طاعة الله- جعلته في الجنّة، لاحظوا إخواني هذه الحالة مهمّةٌ عندنا وهي طريقة جمع المال والكسب، أميرُ المؤمنين يعبّر عنه بـ الكسب في غير طاعة الله، أنا أكسب المال لكن كيف أكسبه؟؟ الآن لو فرضنا أنّ الله يُمكّن أحدكم لتسجيل حالةٍ منذ الصباح، فنرى مثلاً مائة شخص يتوجّهون الى العمل ونراقب كلّ واحدٍ من هؤلاء، ثمّ عندما يعودون ظهراً أو ليلاً يُخرج كلُّ واحدٍ منهم ما في جيبه من كَسْبِهِ نهاراً، نرى أنّ هذا عنده ألف وهذا عنده مائة وهذا عنده عشرة آلاف، فتبدأ تسأل كلّ واحدٍ منهم، كيف كسبت؟ ما هي كيفيّة الكسب؟ سترى هناك تفاوتاً عجيباً غريباً، هذا يقول استغفلتُ شخصاً وهذا يقول سرقتُ وهذا يقول خدعتُ، وهذا يقول كسبتُهُ بعرق جبيني أنا توكّلتُ على الله واشتغلتُ والله تعالى رزقني هذا المال، الخطورةُ –إخواني- تكمن في طريقة الكسب عندنا، المشكلة هي أنّنا لا نقيّم طريقة الكسب وإنّما ننظر دائماً الى الناتج، هذا عنده أموال وأصبح من الأثرياء نحن اجتماعيّاً لا نُسقطه عن الاعتبار مع أنّنا نعلم أنّه كسبه من غير حلّه، لكن أهل المال أقصد الذين يكسبون المال الحرام لهم حظوة عند بعض السذّج من الناس، لأنّ هؤلاء يطمعون بما عندهم وبالنتيجة يُجاملون هو يعلم أنّ أمواله سُحْت أمّا لو نظرنا الى الكسب لا شكّ أنّنا سنشمئزّ من هؤلاء، رواياتٌ كثيرة تقول أنّ بعضَ الأجر والكسب هو عبارة عن سُحْت، وهذه العبارة عبارة مقزّزة -أنّ أموالك هذه سُحْتٌ-، فإذا كنت تريد أن ترجع الى طاعة الله تخلّصْ من هذا السُحْت، أميرُ المؤمنين يقول: هذا المسكين كان يحسب أنّه ستنفعُهُ هذه الأموال وفي حالة الاشتغال والجمع جاءه ملكُ الموت(سلام الله عليه)، -ولسان حاله يقول- أمهلني أعطِني فرصة أترجّاك أتوسّل إليك...، هل سمعتم أو قرأتم يوماً أنّ ملك الموت توسّلَ به أحدٌ أنْ أنا عندي صبيةٌ، أنا مريض أو عندي كذا، وملكُ الموت رقّ قلبُهُ له؟!!! هل سمعنا يوماً أنّ ملك الموت يقول له: ما دام عندك صبية سأُمهلك الى أن يكبروا؟!!! هل سمعنا أنّ عزرائيل(عليه السلام) تكلّم مع أحدٍ بهذا؟!!! إنّما هؤلاء الملائكة يفعلون ما يؤمرون، ثمّ إنّ ملك الموت قد أمهَلَنا، متى أمهَلَنا؟! الآن أمهَلَنا عندما خطف أبي وخطف أمّي وخطف جدّي بالنتيجة أمهَلَنا، كأنّه قال: الآن أخذت أباك سأُمهلك ثمّ أرجع اليك فالإمهال تحقّق، ولذلك الله تعالى عندما يحتجّ علينا يوم القيامة لا يُمكن أن نغلبه بأيّ حجّةٍ من الحجج، فإنّ الله تعالى يُمهل والله تعالى أعطانا هذه الفرصة، كم من غنيٍّ وكم من فقيرٍ وكم من صحيحٍ وكم من سقيمٍ قد اعتَبَرَ بلحظة الاعتبار ثمّ نسى، أميرُ المؤمنين تعبيرُهُ الشريف (إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة...)، تعلمون أنّ هذه الحسرات لأنّ هذا المسكين جمع المال وكان يُمكن أن يكون هو مقام هذا الذي دخل الجنّة لأنّ المال له –بزعمه- لكنّه أخذه من غير حلّه.

هناك قِصّةٌ منقولةٌ الى مسامعكم الكريمة، وهي أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) دخل الى مسجدٍ فأمّن فرسه عند أحد الخدم، عندما خرج رأى فرسه بلا لجام ولم يرَ الخادم، فأعطى لقنبر درهمين وقال: اشترِ لنا لجاماً. فاشترى قنبرُ اللّجام فتبيّن أنّه نفس اللجام الذي كان لفرسه، فقال: سبحان الله هذان الدرهمان أردنا أن نعطيها إيّاه بالحلال لأنّه مسك اللّجام واستعجل فأخذها من حرام. لاحظوا النكتة في الرزق -إخواني-، الله تعالى يربّينا في الرزق الله ربُّ السماوات والأرض الله ربُّ الأرباب، هذه المعتقدات لابُدّ أن نحرزها أوّلاً في أنفسنا بشكلٍ قويّ جدّاً ثمّ نعكسها على الممارسات، بعض العوائل لهم الحقّ لأنّهم لا يعرفون من أين كَسَبَ المُنفِقُ، هذا يأتي بالأموال فيقولون له: ساعدك الله. ساعده الله على ماذا؟ على أن يسرق من الناس؟!!! ساعده الله على أن يغشّ؟!!! ساعده الله تعالى حتى يحتطب هذه الأوزار على ظهره؟!!!! على أيّ شيءٍ ساعده الله؟!!! المقصود إخواني أنّ الله يتعبّدنا بالرزق، الله يربّينا بالرزق، الله يمتحننا بالرزق، والرزق يأتي ويذهب والمال ليس هو الأساس، هذه مداخل السوء وعلى الإنسان أن يفهم ما هي مداخل السوء، من جملة مداخل السوء هذا الجشع الذي يجعل الإنسان ينظر الى أنّ السعادة بالمال، وهيهات ثمّ هيهات بل بالعكس الغالب قد تكون الشقاوة في المال، نعم.. هناك من تحرّر من عبوديّة المال وكان هو سيّد المال فأنفق هذا المال في وجهه قبل أن يطرقه ملكُ الموت، بعض الإخوة مثلاً يأتي يقول إنّي أريد أن أوصي، لا بأس هذه فائدةٌ فقهيّة يُمكن أن نستفيد منها، بماذا توصي؟ -مثلاً- قال عندي ردّ مظالم كذا مبلغ أو أوصي بالعقيقة مثلاً..، لماذا توصي بها؟ لماذا لا تُخرجها الآن وأنت ميسور الحال؟ إن كان في ذمّتك بعضُ الأموال لا تعرفُ صاحبها أخرجها الآن وتصدّقْ بها نيابةً عنه، لهذه الدرجة يدُهُ مغلولة، لعلّ الوَرَثةَ يخرجونها، مَنْ قال أنّ الوَرَثة يخرجونها عنه؟ نعم.. إذا أردت أن توصي أوصِ بشيءٍ لا تقدر عليه الآن أمّا بعضُ الأشياء أنت الآن في حياتك -يا أخي الكريم- اخرجْ من قيود المال حتى لا تكون من مصاديق هذه الحسرات، المال فائدته في الإنفاق وليست فائدته في الخزن، كم من إنسانٍ الآن في ظروف البلد هذه توفّق في أن ينفق ماله في طاعة الله تعالى، أنتم ترونهم كثيرين وأنا أراهم كثيرين، خرج الواحد منهم في حياته من هذه القيود حتّى لا يكون من أعظم الناس حسرةً يوم القيامة، نعم.. نتواصى بالبرّ والخير والإحسان هذا مطلبٌ شرعيّ أيضاً، بعضُ الروايات تقول –بما معناه- الإنسان لابُدّ أن يعاهد نفسه دائماً بالنظر الى وصيّته. لكن بعض الأمور الإنسان قادرٌ عليها فاخرجْ من هذه القيود واذهبْ الى الله تبارك وتعالى وأنت طاهر الذيل، قال(عليه السلام): (...فورّثه رجلاً فأنفَقَه في طاعةِ الله سبحانه فدخل به الجنّة..) ويظهر أنّ كلام الجنّة في خصوص هذه القضيّة، نعم الإنسان عنده أعمال لكن ما يتعلّق بالمال أنّ الإنفاق في طاعة الله تعالى هو الذي يُدخل الإنسان الجنّة، خصوصاً الى المتعفّفين والمستعفّين والأرامل واليتامى، والنبيّ أوصانا باليتامى خيراً وهنيئاً للّذي تبصّر وسمع فأوعى وسمع كلام الله وسمع كلام رسوله(صلّى الله عليه وآله) وتوفّق الى أن يكون مسؤولاً عن يتامى وأخذ عهداً على نفسه أنّي أُنفق على هؤلاء الى أن يشتدّ عودُهم، وشتّان بين هذا وبين مَنْ يسرقُ قوت اليتامى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُعيننا على طاعته كما أعان الصالحين على طاعته وأن يوفّقنا وإيّاكم لما يحبّ ويرضى، وأن يتلطّف علينا كما هو دأبه دائماً وأن يرحمنا برحمته الواسعة، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

المصدر: الكفيل

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات