تمهيد
إنّ البحث في المشيئة الإلهية للمظلومية والمأساة يمکن تصوّره في أمرين:
الأوّل: تبنّي مفهوماً واضحاً حول المشيئة الإلهية؛ باعتبارها من المباحث الدقيقة، والتي تدخل في مجال علم الكلام إلى جانب مبحث الإرادة؛ فإنّ تكوين مثل هذا المفهوم أمرٌ ضروري، خاصّةً عند البحث في قضية الإمام الحسين عليه السلام ، وتلك المظلومية التي أضحت تُمثِّل أوضح أشكال الظلم على الإنسان، ذلك الموجود الذي كرَّمه الله تعالى على كثيرٍ ممَّن خلق.
الثاني: إنّ المظلوميّة والمأساة نوعٌ من أنواع البلاء والامتحان، الذي يُعتبَر من السُّنن الإلهية الجارية على الخلق، والتي من شأنها تحقيق أهداف إلهية في هذا الوجود، سواء على مستوى الكمال الفردي؛ باعتبار ما للمظلومية أو البلاء ـ بشكلٍ عام ـ من أثرٍ فعّال على مستوى تربية الفرد وبنائه نفسياً؛ ليكون محلاً لفيض الرحمة والهداية الإلهية، أو على مستوى الكمال العام؛ باعتبار ما يحقّقه الفرد أو الجماعة الداخلة في هذا الاختبار، والناجحة فيه من أن يكونوا الأُسوة الحسنة للمؤمنين في تحمّل أعباء الرسالة الإلهية، أو الحفاظ عليها بمستوى من المستويات، وعلى أقلّ تقدير الحفاظ على معالمها من الاندراس تحت تأويلات المبطلين، وسطوة الظالمين على الناس فكرياً ومادّياً.
وهي مسؤولية عظيمة يتصدّى لها رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه في أن يكونوا حماة الدين والقيم الإنسانية، التي رسَّخت معالمها الأديان السماوية على مرِّ العصور وتدافع الدهور.
تعريف المشيئة
المشيئة في اللّغة محل نزاع بين اللُّغويين:
فمنهم مَن ذهب إلى ترادف المعنى بين المشيئة والإرادة.
ومنهم مَن ذهب إلى تغايرهما.
ذَكَر ابن منظور ما نصّه: «المَشِيئةُ: الإِرادة، شِئْتُ الشيءَ أَشاؤُه شَيئاً، ومَشِيئةً، ومَشاءةً، ومَشايةً»[1].
وفي موضعٍ آخر يُنقل عن الجوهري قوله: «والإِرادة: المشيئة...»[2].
وعليه؛ يظهر أنّ بعض علماء اللُّغة قائلون بالترادف بين المشيئة والإرادة.
إلّا أنّ الزبيدي في تاج العروس فرَّق بينهما في قوله: «شِئْتُه ـ أَي: الشَّيْءَ ـ أَشاؤُه شَيْئاً ومَشِيئَةً كخَطيئة، ومَشَاءةً ككَراهة، ومَشائِيَةً كعَلانية: أَردته. قال الجوهريّ: المَشِيئَة: الإرادة. ومثله في المصباح والمُحكم، وأَكثرُ المتكلِّمين لم يُفرِّقوا بينهما، وإن كانتا في الأَصل مُختلِفَتَيْنِ، فإنَّ المَشِيئَة في اللُّغة: الإيجاد، والإرادة: طَلَبٌ»[3].
إلّا أنّه يمكن القول: إنّ المشيئة لغة غير الإرادة ـ كما ذكر الزبيدي ـ وما أورده الأصفهاني في المفردات بقوله: «والمشيئة عند أكثر المتكلِّمين كالإرادة سواء، وعند بعضهم المشيئة في الأصل: إيجاد الشيء وإصابته. وإن كان قد يُستعمَل في التعارف موضع الإرادة، فالمشيئة من الله تعالى: هي الإيجاد، ومن الناس: هي الإصابة.
قال: والمشيئة من الله تقتضي وجود الشيء؛ ولذلك قيل: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن»[4].
فالمشيئة لغة: إيجاد الشيء، ولكن ليس إيجاد الشيء على نحو التحقّق الفعلي الخارجي، بل هو أوّل مراتب وجوده، كما ورد عن الرضا عليه السلام حين سأله يونس: «قلتُ: لا يكون إلّا ما شاء الله، وأراد وقضى؟ فقال: لا يكون إلّا ما شاء الله وأراد وقدَّر وقضى. قال: فقلتُ: فما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل. قلتُ: فما معنى أراد؟ قال: الثبوت عليه. قلتُ: فما معنى قدَّر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه. قلتُ: فما معنى قضى؟ قال: إذا قضاه أمضاه فذلك الذى لا مردَّ له»[5].
وورد عنه عليه السلام أيضاً قوله: «المشيئة: الاهتمام بالشيء، والإرادة: إتمام ذلك الشيء»[6]. حيث إنّ الشيء يتسلسل بمراتب وجوده إلى حدّ القضاء، فيُمضيه الله تعالى؛ أي: يُحقّقه ويُعيّنه، وإلى ذلك يُشير قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[7].
المشيئة الإلهيّة في روايات أهل البيت عليهم السلام
إضافةً إلى ما تضمّنته آيات الذكر الحكيم من بيانٍ لمفهوم المشيئة، فإنّنا نجد أنّ الروايات الواردة عن أهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم كذلك قد بيَّنت ـ وبشيءٍ من التفصيل ـ هذا المصطلح باعتباره مفهوماً قرآنياً، إضافةً إلى المسؤوليّة الإلهيّة التي يتحمّلونها في بيان الحقّ، ودفع الأباطيل عن فهمه؛ وباعتبار ما له من مدخلية تصبّ في فعل العبد، وهو ما رَوَّج له بنو أُميّة وأتباعهم، بطرح مفاهيم خاطئة من شأنها التشويش على أذهان العامّة من الناس؛ لتبرير أفعالهم الوحشية، ونسبتها إلى الله تعالى ظلماً وعدواناً.
وأوّل محاولة كانت في مجلس ابن زياد، حيث تذكّر الرواية: «ثم قال لعلي بن الحسين عليه السلام : مَن أنت؟ قال: علي بن الحسين. قال: أليس قَتَل الله علي بن الحسين؟ قال: كان لي أخٌ يُسمّى علياً قتله الناس. قال ابن زياد: بل الله قتله. فقال علي بن الحسين: الله يتوفَّى الأنفس حين موتها»[8].
كذلك ما ورد في مخاطبة ابن زياد للعقيلة زينب عليها السلام : «فأقبل إليها فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم!! فقالت: إنّما يُفتضَح الفاسق ويُكذَّب الفاجر، وهو غيرنا. فقال ابن زياد: كيف رأيتِ صُنْعَ الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: ما رأيتُ إلَا جميلاً، هؤلاء قومٌ كُتِبَ عليهم القتال، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتُحاجَّ وتُخاصَم، فاُنظر لمَن يكون الفَلْج يومئذٍ، هبلتك أُمّك يا بن مرجانة»[9].
وبعد هذه المقدّمة نقول: إنّ روايات أهل البيت عليهم السلام تعرَّضت بشكلٍ غير محدود لبيان المشيئة الإلهية، وإن كنّا نجد الغرابة والغموض في بعض الأخبار، إلّا أنّنا بضمّ الأخبار الأُخرى نستطيع الوقوف على معنًى واضح للمشيئة الإلهية، ومن جملة الأخبار الواردة في بيان المشيئة الإلهية ما جاء عن الصادق عليه السلام : «خَلَقَ الله المشيئة بنفسها، ثمّ خَلَقَ الأشياء بالمشيئة»[10].
ذكر الشيخ المجلسي في البحار خمسة وجوه لبيان الغموض في هذه الرواية، وقد رجَّح الوجه الأوّل؛ حيث قال: «هذا الخبر الذي هو من غوامض الأخبار، يحتمل وجوهاً من التأويل:
الأوّل: أن لا يكون المراد بالمشيئة الإرادة، بل إحدى مراتب التقديرات التي اقتضت الحكمة جعلها من أسباب وجود الشيء، كالتقدير في اللوح مثلاً والإثبات فيه، فإنّ اللوح وما أُثبِتَ فيه لم يحصل بتقديرٍ آخر في لوحٍ سوى ذلك اللوح، وإنّما وُجد سائر الأشياء بما قُدِّر في ذلك اللوح، وربما يلوح هذا المعنى من بعض الأخبار... وعلى هذا المعنى؛ يُحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير». إلى أن قال: «والأوفق بأُصولنا هو الوجه الأوّل»[11].
فالمشيئة هي مصدر الشيء وعلّته، وبالمشيئة وُجِدَت الأشياء، لا أنّ المشيئة هي ذلك الشيء الموجود[12]، وهو واضحٌ من قول الصادق عليه السلام : «خَلَقَ الأشياء بالمشيئة». أمّا قوله عليه السلام : «خَلَقَ الله المشيئة بنفسها». فهو يدلّ على أنّ المشيئة أوّل خلقٍ ابتدعه الله تعالى، والابتداع غير الخلق، فالابتداع: خلق شيءٍ لا من شيء. والخلق: خلق شيءٍ من شيء.
فالمشيئة مخلوقةٌ بنفسها وليس من شيءٍ آخر، فهي الخلق الأوّل، وسائر الأشياء مخلوقةٌ بالمشيئة، كما ورد عن الرضا عليه السلام : «يا يونس، تَعلَمُ ما المشيئة؟ قلت: لا. قال: هي الذكر الأوّل»[13].
وربَّ قائلٍ يقول: إنّنا نلحظ روايات متعدّدة ذكرت الخلق الأوّل، أو أوّل الخلق الذي ابتدعه الله تعالى، كاللوح، والقلم، ونور نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وغير ذلك، فهل المشيئة غير ذلك؟ وبالتالي كيف تكون كلّها مخلوقة أوّلاً مع تعدّدها؟
فنقول: إنّ الروايات تُشير إلى حقيقةٍ واحدة، وهذه الحقيقة لها اعتبارات وحيثيات، فسُمِّيت طِبقاً لاعتباراتها، فالحقيقة سُمِّيت مشيئة باعتبار أنّها علّة إيجاد الأشياء، كما أشارت إلى ذلك رواية الإمام الصادق عليه السلام .
أمّا قول بعض المحقّقين من أنّ المشيئة صفة أزلية للذات، أو أنّ المشيئة التي هي مصدر الأشياء وعلّتها الأُولى، وأنّ هذه المشيئة كائنة بمشيئةٍ أزلية، وهي المشيئة في مقام الذات، فهي إشارة إلى العلم في مقام الذات، ولا يمكن أن نقول: إنّ لله مشيئة أزليّة، فنُثبت صفةً أزليةً غير العلم والقدرة والحياة؛ وذلك لعدّة وجوه نذكر منها:
الأوّل: وردت روايات جاء فيها حدوث المشيئة لا قدمها وأزليّتها، منها:
ما ورد في الكافي عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «المشيئة مُحدَثة»[14].
وفي التوحيد عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: قال الرضا عليه السلام : «المشية والإرادة من صفات الأفعال، فمَن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحِّد»[15].
ولم ترد روايات تتحدّث عن المشيئة في مقام الذات، بل ورد أنّ ما يكون سابقاً على المشيئة هو العلم، كما في روايةٍ عن معلّى بن محمد، قال: سُئِل العالم عليه السلام كيف علم الله؟ قال: «عَلِمَ، وشاء، وأراد، وقدَّر، وقضى، وأبدى، فأمضى ما قضى، وقضى ما قدَّر، وقدَّر ما أراد، فبعلمه كانت المشيَّة، وبمشيَّته كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الإمضاء، فالعلم متقدّم المشيّة، والمشيّة ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقعٌ على القضاء بالإمضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء، وفيما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء، فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشيّة في المُنشَأ قبل عينه، والإرادة في المراد قبل قيامه...»[16].
الثاني: إنّ من شأن المشيئة التبدّل والتغيّر، كما هو واضح في قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[17].
وهذا محال بالنسبة إلى الذات، إضافةً إلى أنّ المشيئة هي تقدير عالم الإمكان؛ وبهذا المعنى فكلّ شيءٍ ينتهي إلى المشيئة كما بدأ منها، ولا نستطيع أن نفهم شأنية معيَّنة للذات لم تصدر منها، فهي ممّا استأثر الله به عنده وشأن عالم الإمكان في مشيئة الله الحادثة؛ لأنّها علّة الأشياء، وما هو خارج عن هذا التقدير فليس لعالم الممكنات فيه شأن.
الثالث: إنّ ما يُصطلح عليه بالمشيئة الأزلية هو في الحقيقة العلم الذي هو عين ذاته تعالى كما هو محقَّق، وهذا العلم ليس مشيئة؛ لأنّ المشيئة هي تقدير عالم الإمكان، وهذا هو معنى قوله عليه السلام : «خَلَقَ الله المشيئة بنفسها». لا أنّ المشيئة مخلوقة بمشيئةٍ ذاتية أو أزلية؛ لأنّه يلزم التسلسل، كما ذكر الشيخ المجلسي ذلك بقوله: «إنّه لمّا كان ههنا مظنّة شبهةٍ، هي أنّه: إن كان الله عزَّ وجلَّ خلق الأشياء بالمشيئة فبِمَ خلق المشيئة؟ أبمشيئةٍ أُخرى؟ فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيئةٍ مشيئة إلى ما لا نهاية له، فأفاد الإمام عليه السلام : أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئةٍ أُخرى، بل هي مخلوقة بنفسها؛ لأنّها نسبة، وإضافةٌ بين الشائي والمشيء، تتحصّل بوجوديهما العيني والعلمي؛ ولذا أضاف خلقها إلى الله سبحانه؛ لأنّ كلا الوجودين له وفيه ومنه، وفي قوله عليه السلام : بنفسها. دون أن يقول: بنفسه. إشارة لطيفة إلى ذلك، نظير ذلك ما يُقال: إنّ الأشياء إنّما توجَد بالوجود، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجودٍ آخر، بل إنّما يوجد بنفسه»[18].
أمّا وجه التفريق بين المشيئة والإرادة: فإنّ الشيخ المجلسي وإن احتمل هذا الأمر ولم يقطع، وتبنّى هذا الاحتمال في قوله: «الأوفَق بأُصولنا». إلّا أنّ الفرق واضحٌ، فالمشيئة مرتبة سابقة على الإرادة، كما أنّ متعلَّق المشيئة غير متعلَّق الإرادة، فالمشيئة متعلّقة بالموجود بما هو موجود في علم الله تعالى، فتعلّق المشيئة به يصيّره على نحوٍ من الوجود التفصيلي، هذا الوجود الذي يجعله قابلاً لأن يكون بأمره تعالى، أو قُل: إنّ اختيار الشيء الموجود في علم الله تعالى يُصيّره شيئاً معلوماً تفصيلاً، وهو معنى الاهتمام بالشيء، أو ابتداء الفعل، كما في الروايات التي وردت في تعريف المشيئة، ثمّ تتعلّق به الإرادة على نحو الإيجاد الفعلي، فهناك مرتبة سابقة على المشيئة وهي العلم، ووجود الأشياء في علم الله تعالى إجمالي لا تفصيلي؛ أي أنّه بسيط، والبساطة ليست من شأن المشيئة؛ لأنّ المشيئة مركّبة لتعلّقها بالأشياء، أو بعالم الإمكان، فالمشيئة هي الوجود العلمي التفصيلي للأشياء، وهذا الوجود على نحو الكلّي لا الجزئي، وما ينفذ إلى مرحلة الإيجاد هو الجزئي، وإلى ذلك تُشير الآية: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾[19].
فالخزائن هي مشيئته تعالى، والتنزيل إرادته؛ لأنّ الإرادة من الله تعالى هي نفس الفعل والإحداث، لا الشوق أو الرغبة أو الحب ـ تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ـ كما ورد عن الرضا عليه السلام عندما سُئل عن الإرادة من الله ومن المخلوق، قال: «الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل، وأمّا من الله عزَّ وجلَّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك؛ لأنّه لا يروي، ولا يهم، ولا يتفكّر، وهذه الصفات منفيّة عنه، وهي من صفات الخلق، فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك»[20].
أقسام المشيئة
لا شكّ أنّ من المرتكز في الأذهان هو تعدّد الإرادة الإلهية إلى تكوينية وتشريعية، ومحلّ اختيار العبد هو الإرادة التشريعية، أمّا الإرادة التكوينية فتارة تكون ابتدائية، وتارة تكون أفعال العباد متوقّفة عليها.
والسؤال الذي يمكن أن نطرحه: هل لله تعالى مشيئتان كما في الإرادة، والمشيئة الأُولى ثابتة وحتمية، والثانية غير حتمية، بل متعلّقة بأفعال العباد؟
والجواب على هذا السؤال: إنّ المشيئة الإلهية هي كذلك تنقسم على قسمين: الأُولى حتميّة والثانية غير حتميّة، أي: أنّها مشيئة متوقّفة على أفعال العباد؛ والدليل على ذلك ما ورد عن الرضا عليه السلام ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: «إنّ لله إرادتين ومشيئتين: إرادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء، أوَ ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى»[21].
فالمشيئة كالإرادة تارة حتمية أو تكوينية، وأُخرى غير حتمية؛ بمعنى أنّ للعبد احتمالات متعدّدة كلّها واقعة في هذه المشيئة، ويثبت منها ما كان واقعاً في المشيئة الحتمية، ويُطلَق عليها مشيئة العلم، ويُطلَق على الحتمية مشيئة الأمر، كما ورد في البحار قوله: «ويؤيّد ذلك ما حُكيَ عن الفقه الرضوي من أنّه قال عليه السلام : قد شاء الله من عباده المعصية وما أراد، وشاء الطاعة وأراد منهم؛ لأنّ المشيئة مشيئة الأمر ومشيئة العلم، وإرادته إرادة الرضا و إرادة الأمر، أمر بالطاعة ورضيَ بها، وشاء المعصية ـ يعنى علِم من عباده المعصية ـ ولم يأمرهم بها»[22].
ويمكن القول: إنّ الإرادة إذا كانت حتميّة باعتبار أنّ المشيئة كذلك؛ لأنّ الإرادة بعد المشيئة، فالمشيئة حتميّة، وإذا كانت الإرادة على نحو العزيمة لا الحتميّة؛ أي: أنّ الله تعالى ينفذ بإرادته أفعال العباد، فهي بذلك تكون أيضاً طِبقاً للمشيئة الإلهية، وهي مشيئة العلم.
كذلك هذا الأمر يجري في القدر والقضاء، أمّا القدر فإنّ الله تعالى قدَّر أشياءً تقديراً حتميّاً أو تكوينياً، كما في قوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾[23]، وأُخرى قدَّر أشياءً بما هي معلّقة على فعل العبد، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾[24]. فامرأة لوط قد استحقَّت هذا التقدير؛ لأنّه من أسباب تسويل نفسها الأمّارة بالسوء، وركونها إلى ما يفعل قوم لوط، ولم تتَّبع لوطاً عليه السلام في دعوته، فاستحقَّت هذا التقدير.
والقضاء كذلك، فمن القضاء ما للعبد فيه الاختيار كما في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾[25].
وتارة يكون القضاء حتميّاً أو تكوينياً وليس للعبد أن يخالفه كما في قوله تعالى: ﴿قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[26].
فالمشيئة تارة تكون على نحو الاختيار الحتمي من الله تعالى المستلزم للإرادة أو الأمر الإلهي، وأُخرى على نحو العلم بالفعل الصادر من العبد، إلّا أنّ هذا الفعل وفي كلّ مرتبة من مراتب وجوده، سواء كان موافقاً لما هو فيه مختاراً أو مخالفاً، فهو متوقّف على ما هو حتميّ أو تكويني من المشيئة والإرادة، وإلى ذلك يُشير العلّامة الطباطبائي بقوله: «وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾[27]، إلى غير ذلك، فإرادتنا ومشيئتنا إذا تحقَّقت فينا فهي مرادة بإرادة الله ومشيّته لها، وكذا أفعالنا مُرادة له تعالى من طريق إرادتنا ومشيّتنا بالواسطة، وهما ـ أعني: الإرادة والفعل ـ جميعاً متوقّفان على أمر الله سبحانه وكلمة كُنْ»[28].
المشيئة والإرادة وأفعال العباد
قابلية الموجودات على إحداث الفعل يحتاج إلى أمرين:
الأمر الأوّل: يتعلّق بنفس الموجود، فلا بدّ له من تصوّر واختيار وقدرة واستطاعة على الفعل، كما في الحديث القدسي المروي عن الرضا عليه السلام : «قال أبو الحسن الرضا عليه السلام ، قال الله: يا بن آدم، بمشيئتي كنتَ أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوّتي أدّيتَ فرائضي، وبنعمتي قويتَ على معصيتي، جعلتُك سميعاً بصيراً قوياً، ما أصابك من حسنةٍ فمن الله، وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك، وذاك أنّي أوْلى بحسناتك منك، وأنت أوْلى بسيئاتك منّي، وذاك أنّني لا أسأل عمّا أفعل وهم يُسألون»[29]. فالله تعالى أودع في المخلوقات الاختيار والقدرة على الفعل، وهذه القدرة هي علّة إرادة المخلوقات.
الأمر الثاني: إنّ هذه الإرادة محكومة بالمشيئة والإرادة الإلهية، فإنّ الأفعال تحتاج أيضاً إلى إذنٍ إلهي بالحدوث، فالفعل الذي يصدر من الموجودات والمقدَّر له بمشيئة الله تعالى بالحدوث، فهو كائن، فإذا كان فعل العبد مطابقاً للمشيئة الإلهية، وإنّ الله تعالى قد اختاره بمشيئته، فإنّه تعالى ينفّذه بإرادته التكوينية، بعد تعلّق إرادة العبد به؛ لأنّه لا يخالف التخطيط العام للكون، والعبد في موقع الاختيار لهذا الفعل، أمّا إذا كان فعله مخالفاً للمشيئة الإلهية فإنّ إرادته تتعارض مع إرادة الله تعالى؛ لأنّ إرادته تعالى طِبقاً لمشيئته، فيضع الله تعالى الموانع لتحقيق هذا الفعل، كما يقول تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾[30]. وهذه الآية تُشير إلى طبيعة الموانع التي يضعها الله تعالى أمام مشيئة وإرادة مَن يريد النفاذ، وعدم توفّر الشرط الأوّل عند المخلوق لا يعني تخلّفه إذا كان حدوثه وتحقّقه موافقاً لمشيئة الله تعالى، فعندها يكون التدخّل الإلهي بإيجاده وتحقّقه الخارج عن قدرة العبد، وهذا التدخّل الإلهي لا يكون إلّا وفق الحكمة الإلهية، كما في قوله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللَهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[31]. فالفئة القليلة وإن كانت لها مشيئة واختيار في مقارعة الظلم إلّا أنّها لا تمتلك القدرة، فالله تعالى يفعل النصر لهم، ولدينا شواهد تاريخية كثيرة، منها: معركة بدر، فالله تعالى شاء وأراد النصر للمؤمنين ـ طبعاً النصر المشروط كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[32]. فأيّدهم بالملائكة.
أمّا في معركة أُحد فلم يكن الأمر كذلك؛ لأنّهم لم ينصروا الله، بل أرادوا نصر أنفسهم وأطماعهم.
وهذا أيضاً واضح في معركة الأحزاب؛ حيث إنّ الله تعالى هو مَن هزم الأحزاب وحده، كما ورد عن النبيّ عليه السلام : «وأخذ بعضادتيّ الباب ثمّ قال: لا إله إلاّ الله، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده»[33].
وعلى هذا يتّضح أنّنا أمام ثلاث حيثيات للإرادة الإلهية من جهة فاعليّتها في الأشياء حدوثاً:
الأُولى: ما هو متعلِّق بفعل العبد من حيث توقّف فعل العبد عليها، فإذا كان فعله طبقاً للمشيئة الإلهية فإنّ الإرادة الإلهية تمضيه له بحسب أسبابه ومسبَّباته، وأمّا إذا تعارض مع المشيئة الإلهية فإنّ الإرادة تضع الموانع لعدم تحقّقه، والأمران طبقاً لمشيئته تعالى وحكمته، كما في آية نفاذ الجن والإنس إلى أقطار السموات والأرض.
الثانية: ما هو غير متوقّف على فعل العبد وإرادته، بل متوقّف على نمط إدارة الكون، فالله تعالى يفعل ما يشاء سواء كان للعبد مشيئة وإرادة أم لا، كما هو حال اليتيمين في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾[34]، فاليتيمان ليس لهما أيّ فكرة أو اختيار في استخراج الكنز، فضلاً عن أن تكون لهما إرادة.
الثالثة: كما أنّ للإرادة الإلهية حيثية أُخرى غير متعلّقة بطبيعة عالم الخلق من حيث الثقل والزمان والمكان، بل هي طبيعة عالم الأمر وهو أمره تعالى كُنْ، فإنّنا وإن كُنّا نقول: إنّ طبيعة الأوامر الإلهية هي قوله تعالى: ﴿كن فيكون﴾. إلّا أنّ هذه الأوامر عند نزولها إلى عالم الخلق تتقيّد بقيد الزمان والمكان، وهذا التقييد بحكمة الله تعالى ومشيئته، لكنّه تعالى في بعض الأوامر الإلهية يرفع هذا القيد، فيحصل نوع اندكاكٍ بين الأمر والخلق؛ لحكمته في بيان عظمته والدلالة على وجوده تعالى؛ لأنّها أبلغ في النفس ممّا لو تقيّدت بقيود عالم الخلق، وهما: الخلق والأمر بيد الله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[35].
ومن الشواهد القرآنية على هذا القول قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾[36]. فالأمر غير موجَّه إلى أبدانهم؛ لأنّ البدن من عالم الخلق، بل هو موجَّه إلى حقائقهم أو أرواحهم، التي هي موجودات أمريّة وخاضعة إلى قوله تعالى: ﴿كُنْ﴾. كذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[37]. فإنّ من ذاتيات النار الإحراق، وقوله تعالى: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًاَ﴾. أي: أنّ حقيقتها هي مَن تغيَّرت، ولم يكن الخطاب موجَّه إلى لونها وضيائها، وبهذا تتّضح لنا حيثية أُخرى للإرادة الإلهية، وقوله تعالى: ﴿كُنْ﴾.
فكلّ الموارد التي ذكرناها تبيِّن أنّ الإرادة الإلهية هي الفاعلة طِبقاً للمشيئة الإلهية، والمشيئة الإلهية لها الحاكمية على الإرادة؛ لأنّها الخلق الأوّل الذي خلق الله منه كلّ شيء، إلّا أنّ الأوامر الإلهية لها حيثيات مختلفة كما بينّاها.
أسباب المظلوميّة ونتائجها
المظلومية باعتبارها واقعاً أذِنَ الله به واختاره كنظام يمتحن الله تعالى به عباده، لها أسباب ونتائج، أمّا الأسباب فيمكن الحديث عنها من جهتين:
الجهة الأُولى: ما يتعلّق بالمظلوم
إنّ الله تعالى لمّا خَلَقَ الخلق خلقهم لهدف عبادته.
نعم، هذه العبادة ليست بحسب المفهوم الشائع للعبادة، بل العبادة المحضة التي بمعنى الطاعة لله في كلّ شيء، أمّا العبودية بمفهومها الأعمّ فهي ليست هدفاً البته؛ لأنّ الكلّ آتي الرحمن عبداً، فهو خاضع قهراً إلى حكومة الله تعالى، أمّا العبادة التي يريدها الله تعالى فهي العبادة التي تكون باختيار العبد، وهي الطاعة الحقيقية لله تعالى، ليس لكونه يملك جنّة يسعد مَن دخلها، أو يملك ناراً يشقى مَن ولج فيها، وبالتالي تكون عبادته سبحانه وسيلة إلى رضا أنفسنا، سواء بتحصيل خير الجنّة أو الأمن من شرّ جهنمّ، بل عبادته تعالى كونه أهلاً للعبودية، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين بقوله: «ما عبدتك خوفاً من نارك، و لا شوقاً إلى جنّتك، بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدّتك»[38].
والطريق إلى تحصيل العبادة بهذا المعنى لا يمكن إلّا من خلال تحقيق مقدّمات، ومن هذه المقدّمات وأجلّها هو الصبر، فالصبر رأس كلّ عبادة، والعلاقة بينهما مطّردة، وأجلى صورة للصبر هي في الصبر على البلاء، خاصّةً إذا كان البلاء يهدّد وجود الإنسان، أو ماله، أو كلّ شيء يعدّه عزيزاً عنده.
فإنّ الصبر على البلاء يكون سبباً في صيرورة الإنسان عابداً حقيقياً لله تعالى، كما أشارت إليه الآية بقوله تعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾[39]. فالآية تُشير إلى وضوح العلاقة بين الصبر والعبادة، فكلّما كان العبد صابراً كانت عبوديّته لله تعالى أوكد وأدّق، إلى أن يصل إلى مرحلة العبودية المحضة، ثمّ إنّ المظلومية هي أوضح صورة من صور البلاء والامتحان الإلهي، فالإنسان قد يُبتَلى بشيء من النقص في الأنفس، أو الأموال، أو الجاه، أو غير ذلك ممّا يعدّه ضرورياً في حياته، وهو على هذا الحال بصبره ينال درجات رفيعة عند الله تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾[40]. فالصبر على البلاء علّة فيض الرحمة والهداية الإلهية، وهذا أيضاً ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾[41].
فالوصف في الآية الأُولى للصابرين، وفي هذه الآية للعابدين، إلّا أنّ النتائج هي نفسها، رحمةً في الآيتين، وهداية وعلم، والهداية هي العلم الإلهي أو المعرفة الإلهية، ويمكن أن نحتمل أنّ الصبر هو من يُصيِّر الإنسان عابداً، أو أنّ العبودية تُصيِّر الإنسان صابراً، فعلى كلا الاحتمالين فإنّ العبودية هي الهدف الإلهي كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[42].
ويمكن أن نتوسّع في فهم العلاقة بين الرحمة والعلم الإلهي، أو الرحمة والهداية الإلهية، وبين كون الإنسان عابداً لله تعالى ونال درجة العبودية الحقّة بالصبر، فكلّما كان العبد مهتدياً عالماً رحيماً كان من عباد الله تعالى، وكلّما كان من عباد الله تعالى كان صابراً على البلاء، فإذا كان العبد ليس محلاً لفيض الرحمة والعلم الإلهي وحسب، بل هو الرحمة، وهو مدينة العلم، كما هو الوصف الذي اختصّ به نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي دلالة على درجة العبودية، ودرجة صبره على البلاء؛ ولذا ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «ما أُوذيَ أحدٌ مثلما أُوذيتُ في الله»[43].
فكلّما كان مقدار البلاء عظيماً وكان صابراً محتسباً أمره إلى الله تعالى كان العبد محلاً لرحمة الله تعالى وهداه.
فكان الحسين عليه السلام بصبره على ذلك البلاء والامتحان الإلهي سفينة النجاة، وباب الرحمة والهداية الإلهية في الدنيا، وشفيعاً مشفَّعاً في الآخرة.
الجهة الثانية: ما يتعلّق بالظالم
إنّ من الأسباب والدوافع التي تدفع الإنسان إلى ممارسة الظلم هو سطوة النفس الأمّارة بالسوء، وحبّ التسلّط والجهل، والابتعاد عن جادّة الصواب والخير الذي أراده الله تعالى للخلق، والذي بيَّنه بتعاليمه المنزّلة على أيدي الأنبياء والرسل، وغيرها من العوامل التي تدفع الإنسان إلى ممارسة الظلم على خلق الله تعالى؛ ظنّاً منهم أنّ ذلك يُحقِّق أهدافهم ومطامعهم في الحياة الدنيا، إلّا أنّهم بعيدون عن حقيقة أنّ الله تعالى أوجد الإنسان في هذه الدار ليبتليه، والميزان هو العمل الصالح، يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾[44].
فممارسة الظلم وإن كانت بمشيئة الله وإذنه، إلّا أنّه امتحانٌ للظالمين، والسُّنة الإلهية جرت على الخلق، بأن وَضَعَهم على مفترق طريقين: طريق التقوى وطريق الفجور، طريق الحقّ وطريق الباطل، طريق الكفر وطريق الإيمان، وخوَّل عباده في الاختيار، وهذه هي مشيئته وكلمته التي حقَّت على عباده؛ لأنّه تعالى إن أوجد الإيمان بغير الكفر، والحقّ بغير الباطل، فلا يتحقَّق الإيمان المُمحَّص النقي، ولا يكون ذلك إلّا بخلق الضدّ، وكما قيل: بأنّ الأشياء تُعرَف بأضدادها، فالكفر والباطل ما هي إلّا أدوات لتمحيص الحقّ والإيمان والعدل في نفوس العباد، أمّا أنّ الله تعالى يأذن لأهل الباطل بما يفعلون فذلك إملاءٌ لهم لا غير؛ لأنّهم استحقّوا بأفعالهم الضلالة من الله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[45].
كذلك يمكن القول: إنّ كلّ فعلٍ قبيح يصدر من العبد، وكلّ معصيةٍ فهي وإن كانت بمشيئته تعالى، إلّا أنّ العبد قد استحقّ بتسافله هذا المقام، كذلك الهداية، فهما متوقّفتان على فعل العبد، كما يقول تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[46].
أمّا النتائج والحكمة الإلهية من إمضائه تعالى بمشيئته للمظلومية والمأساة التي وقعت على أهل البيت عليه السلام بشكلٍ عام، والحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام بشكلٍ خاصّ، فنذكر منها:
أوّلاً: ما يتعلّق بالكمال الخاصّ للفرد، فإنّ الصبر على البلاء وعلى الظلم يُعطي نتائج طيّبة فيما يخصّ كمال الأفراد، فإنّه بذلك وعند حصوله على النتائج الطيّبة التي تسبّبت بها المظلومية، مع صبره عليها وثباته، فإنّه ـ كما ذكرنا في النقطة الأُولى من أسباب المظلومية ـ يكون محلاً لفيوض الرحمة والعلم الإلهي، والتي تنعكس بدورها على كماله الخاصّ؛ ليرتقي في مراتب الكمال والإيمان؛ ولذا ورد: «وإنّ لك في الجنّة درجات، لا تنالها إلّا بالشهادة»[47].
والأكيد أنّ الدرجات تكون عالية ويستحقّها العبد بمقدار صبره واحتساب أمره عند الله تعالى، فنحن نرى الحسين عليه السلام وهو رافعاً ولده الرضيع بعدما ذبحوه من الوريد إلى الوريد يقول: «هوّن عليَّ ما نزل بي أنّه بعين الله»[48].
نعم، إنّ تصوّر ما حدث في كربلاء بعد تتبّع الروايات يعطينا تصوّراً مرعباً عن تلك الأحداث، إلّا أنّ الأغرب هو صبر الحسين عليه السلام وثباته، وانقطاعه إلى الله تعالى في كلّ موقفٍ من مواقف كربلاء، وكان لسان حاله يُعبِّر عن مدى الحبّ الإلهي الذي مَلأَ قلبه حتى يكاد لا يرى في كلّ شيء إلّا الله تعالى؛ لأنّه أحبّ الله، ولأنّه علم أنّ الله أحبّه، فانقطع عن كلّ شيء سواه.
ثانياً: ما يتعلّق بالكمال العام، فإنّ السُّنة الإلهية جرت أن يكون للناس أُسوة في كلّ شيء، حتى أنّنا نرى أنّ القرآن قد قصَّ علينا قصص وأحوال الأنبياء والرسل، وما عانوا وتحمّلوا من أجل الدين والحقّ، وكذلك أحوال الأُمم التي لم تؤمن بالله تعالى، وما جاء به أنبياؤه ورسله؛ لتكون هذه القصص عبرة للإنسان في أن يرسم طريقه ويحدّد هدفه في الحياة، وهي رحمة إلهية لتخفيف المؤونة على الإنسان في أن يجعل له مثلاً يقتدي به، ويختصر خوض التجارب، للوصول إلى ما هو صواب عليه اتّباعه والتمسّك به، وما هو بعيد عن الحقيقة ليتجنّبه ويبتعد عنه، حتى أنّنا نرى أنّ أحوال الأنبياء قد اختلفت، وقصصهم قد تنوَّعت؛ لتكون لنا في قصصهم عبرة شاملة لكلّ الأحوال، سواء على صعيد النفس وتهذيبها، أم على مستوى الصبر على البلاء ونتائجه الطيّبة، أم على مستوى الأُمور العقدية والإيمان بوجود الحقّ تبارك وتعالى، وعبادته وحده؛ كونه أهلاً للعبادة دون غيره، أو على مستوى الوقوف في وجه الظالمين والتوكّل على الله تعالى، وغير ذلك ممّا ذكرته آيات الذكر الحكيم، فمشيئته اقتضت أن يُرينا الأُسوة الحسنة من عباده المقرَّبين؛ لتكون أحوالهم مناراً يضيء لنا طريقنا في هذا الوجود.
فكانت مظلومية الإمام الحسين عليه السلام المَثل الأعلى لله تعالى إلى الناس في الصبر على البلاء، وتحمّل أعباء مسؤولية الحفاظ على الدين، فما تضمَّنته هذه المظلومية والمأساة من دروس وعِبَر كانت سبباً من أسباب إحيائها إلى هذا اليوم؛ لأنّها عطاء روحي لا ينفد، لا لأنّ المشيئة الإلهية اقتضت خلودها وحسب، بل كونها تمثّل أروع ما يمكن أن يُقدِّمه الإنسان من تضحية في سبيل إحياء الدين، فعلى الرغم من شدّة ما جرى على الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، فإنّنا نراه وأهل بيته وأصحابه وقفوا موقف الثبات والصبر والإقدام، على أن لا مساومة على حساب دين الله تعالى، وبالتالي زرع في نفوس المؤمنين الاستعداد لبذل الغالي والنفيس من أجل الدين والهدف الإلهي.
«إنّ مظلومية أبي عبدالله عليه السلام وغيره من الأئمّة تضع الشيعة دوماً على طريق مقارعة الظلم، والاستعداد للبذل والتضحية بين المنتقم لدماء الشهداء المظلومين في كربلاء، ألَا وهو المهدي المنتظر عليه السلام ، ويكرّس كراهية الظالمين في نفوسهم»[49].
ثالثاً: إنّ ما يُصطَلح عليه بالمظلومية فهي ما كان من العباد وليس من الله تعالى، وإن كان الله تعالى أنفذه بإرادته فعلاً وبمشيئته اختياراً، إلّا أنّ ذلك الفعل ـ وكما أوضحنا ـ واقع تحت اختيار العبد؛ لأنّ الظلم ليس من إرادة الله تعالى: ﴿تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾[50]. وما كان من الله تعالى هو عدم المانع ليس إلّا، فهو واقعٌ باختيار بني أُميّة ومَن وقف وراءهم، وإن كان بإرادة الله التكوينية ومشيئته، إلّا أنّه لم يرضَه لعباده، ولم يحبّه، كما ورد عن الفضيل، عن الصادق عليه السلام : «وسمعته يقول: شاء وأراد، ولم يُحبّ ولم يرضَ، شاء أن لا يكون في ملكه شيء إلّا بعلمه، وأراد مثل ذلك، ولم يُحبّ أن يُقال له: ثالث ثلاثة، ولم يرضَ لعباده الكفر»[51].
فليس كلّ ما أراده الله تعالى أحبّه ورضيَ به، بل يؤخِّرهم إلى يوم الحساب، ويُملي للظالمين ويزيدهم؛ لأنّهم قد استحقّوا بأفعالهم هذه الضلالة من الله تعالى، فالله تعالى لا يريد الظلم للعباد، وهو غير ظالمٍ لهم.
وعليه؛ يمكن أن نطرح السؤال التالي: ما هي الإرادة الحقيقة لله تعالى لهذه المظلومية والمأساة؟ فإنّنا نلاحظ أنّ الإنسان قد يحكم على الأشياء من خلال ظواهرها، ولا يعلم الحكمة منها؛ ولذا ورد في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾[52].
فالحكمة الإلهية لهذا البلاء والامتحان الإلهي قد ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[53]. فهذا هو المراد الحقيقي لله تعالى؛ ليُذهب عنهم كلّ شكّ في سبب الحبوة التي خصّهم الله تعالى بها، بهذا البلاء وهذا الامتحان في دار الدنيا أو الآخرة.
وبالتالي فإنّ المشيئة الإلهية لهذه المظلومية والمأساة، أو لقتل الحسين عليه السلام إنّما سُمِّيت بذلك لأنّ القتل والمظلومية هي الفعل، وهي الإرادة من الله تعالى، وتعني ـ كما قلنا ـ: عدم المانع، أمّا المشيئة الإلهية فهي ما تحقّق فعلاً وتعيَّن، فهل الذي تعيَّن هو مظلومية الإمام الحسين عليه السلام وقتله وسبي عياله أو أنّ الذي تحقّق فعلاً هو أنّ الله تعالى أذهب عنهم الرجس والشكّ وكرَّمهم، ورفع شأنهم، وجعلهم وسيلته إليه، ومناراً للناس يقتدون بهم ويؤمنون بمبادئهم؟ كما هو المشهور عن المهاتما غاندي قوله: «تعلَّمتُ من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر».
(يتبع في الجزء الثاني إن شاء الله.)
الكاتب: السيد شهيد طالب الموسوي
مجلة الإصلاح الحسيني - العدد التاسع
مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
___________________________________________
[1] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج1، ص103.
[2] المصدر السابق: ج3، ص191.
[3] الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج1، ص185.
[4] الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن: ص271.
[5] الخبوشاني، عزيز الله، مسند الإمام الرضا عليه السلام : ج1، ص20.
[6] الديلمي، الحسن بن علي، إعلام الدين في صفات المؤمنين: ص307.
[7] البقرة: آية117.
[8] ابن نما الحلّي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص71.
[9] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص201.
[10] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص110.
[11] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج4، ص145.
[12] وقع الخلاف في أنّ المشيئة هل هي مصدر ميمي، أو أنّها مصدر بمعنى الاسم؟ والفرق بين كونها مصدراً أو اسماً: أنّ المصدر يدلّ على أصل العملية؛ أي: أنّ المشيئة هي مَن جعلت الأشياء تكون أشياءً، وقبل ذلك لم تكن شيئاً.
أمّا الاسم فيدلّ على الحالة التي نشأت بتأثير هذه العملية؛ أي: أنّ المشيئة هي ذلك الشيء الموجود. وكونها مصدراً أقرب؛ لأنّ المصدر يدلّ على صنع الشيء وفعله، والاسم هو ذلك الشيء المتحقّق وجوداً، فنقول: شاء ذلك؛ أي: أوجده وصيَّره شيئاً موجوداً، لا أنّ المشيئة هو ذلك الشيء الموجود، كما سيأتي بيان ذلك في روايات أهل البيت عليهم السلام .
[13] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص158.
[14] المصدر السابق: ج1، ص110.
[15] الصدوق، محمد بن علي، التوحيد: ص338.
[16] المصدر السابق: ص334.
[17] الرعد: آية 39.
[18] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج4، ص 146.
[19] الحجر: آية21.
[20] الصدوق، محمد بن علي، التوحيد: ص147.
[21] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي:ج1، ص151.
[22] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج4، هامش ص139.
[23] الواقعة: آية60.
[24] الحجر: آية60.
[25] الإسراء: آية23.
[26] آل عمران: آية47.
[27] يونس: آية99.
[28] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان: ج1، ص43.
[29] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص152.
[30] الرحمن: آية33 ـ 35.
[31] البقرة: آية249.
[32] محمد: آية 7.
[33] الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى: ج1، ص225.
[34] الكهف: آية82.
[35] الأعراف: آية54.
[36] البقرة: آية65.
[37] الأنبياء: آية69.
[38] ابن أبي جمهور الأحسائي، محمد بن علي، عوالي الآلي: ج2، ص11.
[39]ص: آية44.
[40] البقرة: آية155 ـ 157.
[41] الكهف: آية65.
[42] الذاريات: آية56.
[43] الريشهري، محمد، ميزان الحكمة: ج1، ص67.
[44] المُلك: آية2.
[45] آل عمران: آية86.
[46] آل عمران: آية86.
[47] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص313.
[48] المصدر السابق: ج45، ص46.
[49] محدّثي، جواد، موسوعة عاشوراء: ص656.
[50] آل عمران: آية108.
[51] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج5، ص51.
[52] الجن: آية10.
[53] الأحزاب: آية33
اترك تعليق