ثنائية التطرّف الأُموي والاعتدال الحسيني (ج 3: اعتدال النهضة الحسينيّة)

المحور الثالث: اعتدال النهضة الحسينيّة في مواجهة مشروع التطرّف

اتّضح من خلال المحور الثاني أنَّ القرآن الكريم والعترة الطاهرة، هما المشروع الإسلامي في الاعتدال والوسطيّة، وترتّب على ذلك، أنَّ مخالفة هذا المشروع والخروج عنه، يُمثّل خروجاً عن حدِّ الاعتدال، وابتعاداً عن خط الاستقامة الذي رسمه الله سُبحانه وتعالى لبني البشر.

وعليه؛ فمشروع أهل البيت عليهم السلام  هو المشروع الإلهي الذي أراده الله سُبحانه وتعالى، واختاره للعباد، فهو قد اختارهم لأداء هذه المهمّة؛ فلذا عصمهم من الزلل، وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ولكن في قِبال هذا المشروع برز المشروع الأُموي المتطرّف، الذي حاول أن يقف أمام هذا المشروع؛ ليحرم الأُمّة من ثمرات الاعتدال وفوائده، كلّ ذلك لأهداف دنيوية، وقد بدأ هذا المشروع منذُ بداية الدعوة الإسلاميّة، مُتمثِّلاً بأبي سفيان رأس الكفر والنفاق، الذي قاد الحروب ضدَّ المشروع الإسلامي عَلَناً، ثمَّ قاده بالخفاء بعد الإخفاق في العَلَن، واستمر هذا المشروع يتوارثه الأبناء جيلاً بعد جيل حتّى يومنا هذا، وقد بلغ ذروته على يدّ معاوية وابنه يزيد، وحقّقا نجاحاً كبيراً في تأسيس مشروع التطرّف؛ ممّا اقتضى الأمر أن يتصدّى الإمام الحسين عليه السلام  ـ وهو الممثِّل الوحيد في زمانه للمشروع الإسلامي الأصيل ـ لمواجهة هذا التطرّف الخطير، وإيقاف امتداده وتوسّعه في المجتمع الإسلامي المستسلم وقتئذٍ.

إذاً، النهضة الحسينيّة كانت تهدف لإيقاف مشروع التطرّف الأُموي وإرجاع الأُمة إلى خطّ الاعتدال والوسطيّة. ولأجل بيان المطلب نتحدّث في هذا المحور عن عدّة موضوعات:

 

ظواهر التطرّف في عصر النهضة الحسينيّة

يمكننا أن نتلمّس مظاهر التطرّف في المجتمع الإسلامي المعاصر للنهضة الحسينيّة المباركة، من خلال مكاتبات الإمام الحسين عليه السلام  لمعاوية، وكذلك لأهل الكوفة بعد هلاك معاوية، ومن خلال تصريحاته وخطبه التي أدلى بها قُبيل النهضة، ومن خلال تصريحات وخطب أصحابه وأهل بيته قبل الواقعة وأثنائها وبعدها، من خلال ذلك كلّه يمكننا أن نستشرف حجم التطرّف في تلك الحقبة الزمنيّة، وخطورته على مستقبل الأُمّة، لولا النهضة المباركة التي وقفت أمامه، وفيما يلي نَعرِض لأهمّ مظاهر التطرّف التي نحاول استفادتها من تصريحات الإمام الحسين عليه السلام  ومكاتباته وخطبه، ومن خلال تصريحات وخطب أصحابه وأهل بيته عليهم السلام .

الظاهرة الأُولى: شرعيّة الحاكم الجائر

إنَّ انحراف الخلافة عن مسارها الصحيح، هو خروجٌ عن حدِّ الاعتدال الذي رُسِمَ لهذه الأُمّة، وتنكّرٌ للأُمّة الوسط التي أُمرنا بالخروج إليها والأخذ منها، وقد أدّى هذا الانحراف إلى المزيد من التطرّف والابتعاد عن الاعتدال، حتّى تسلّط على رقاب المسلمين معاوية بن أبي سفيان، الذي بلغ التطرّف في عهده ذروته؛ إذ حاول بكلّ ما أُوتي من دهاء أن يُشرعن التطرّف، ويجعل من تولّي شرار الناس مقاليد الحكم عقيدةً يُؤمن بها النّاس مرغومين، فقام بوضع الأحاديث وتزويرها؛ لتحقيق هذا الغرض. فقد رووا في صحاحهم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله قد قال: «يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتُطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع»[53].

والأحاديث في هذا المجال كثيرة، وهي تحاول إضفاء الشرعية لحكّام الجور، وعدم مشروعية الخروج عليهم، على الرغم من كثرة التجاوزات التي تصدر عنهم، بحيث لو أخذ الحاكم الجائر أموال الناس ظلماً وعدواناً، واعتدى عليهم بغير حقّ، فلا يجوز الخروج عليه؛ لأنَّ ذلك يُسبب الفرقة في الدين، ووقوع الفتن، مما يُوجب إضعاف الحكومة الإسلاميّة.

إنَّ هذه الأحاديث وأمثالها قد ظهرت بشكل واضح وشاعت بعد تولّي معاوية السلطة، ولم تكن كذلك قبل تولّيه، وممّا يؤيّد ما نقول: إنَّ هذه الأحاديث لم يكن لها عين أو أثر في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، لمّا خرج عليه جماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله ، بل خرجت عليه أُمّ المؤمنين عائشة، وهكذا معاوية، وعمرو بن العاص، ومعهما أهل الشام، فإذا كانت هناك أحاديث تنهى عن الخروج على الحاكم لامتنع هؤلاء الصحابة عن الخروج، ولاحتجّ بقيّة الصحابة بهذه الأحاديث، وفي مقدمتهم أمير المؤمنين عليه السلام .

وعلى كلّ حال، لا إشكال ولا ريب في وجود دوافع سياسيّة وراء هذه الأحاديث المكذوبة، كان الهدف الأبرز منها تشريع ولاية الحاكم الجائر، واستبدال (الأُمّة الوسط) بـ(الأُمّة المتطرّفة)، واستبدال ولاية (الأئمّة الأطهار) بولاية (أئمّة الجور).

إنَّ الوقوف بوجه هذا المشروع الخطير كان من أولويات النهضة الحسينيّة، التي أخذت على عاتقها مواجهة أشكال التطرّف والانحراف، الذي كان يسود المجتمع الإسلامي وقتئذٍ، بفعل سياسات الحكّام والمتسلّطين، ويمكننا قراءة ذلك في تصريحات الإمام الحسين عليه السلام  بوضوح، إذ كان عليه السلام  يُردّده في أكثر من مناسبة ابتداءً من المدينة وانتهاءً بكربلاء، ونذكر فيما يلي بعض تلك التصريحات:

1 ـ ما قاله الإمام الحسين عليه السلام  لمروان بن الحكم، الذي عرض عليه البيعة ليزيد؛ معلّلاً له بأنَّ فيها خير الدين والدنيا، حيث أجابه الإمام عليه السلام  ـ بعد أن استرجع ـ: «على الإسلام السلام إذا بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان»[54]. وتصريحه عليه السلام  واضح في أنَّ سبب الخروج إنقاذ الأُمّة من الحاكم الجائر، ومنعه من فرض شرعيّته.

2 ـ ما قاله الإمام عليه السلام  في الخطبة التي خطبها في جيش الحرِّ: «أيّها الناس، إنَّ رسول الله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مُستحلّاً لحرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيّر عليه بفعل، ولا قول، كان حقاً على الله أن يُدخله مدخله. ألا وإنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غيَّر»[55].

وفي هذا الكلام قد ركزّ الإمام عليه السلام  على ثلاث نقاط مهمّة:

النقطة الأُولى: إنَّ الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله هو لزوم الخروج على الحاكم الجائر لا عدم جوازه، كما يُروّج لذلك الحزب الحاكم، فهو بهذا التصريح يُكذّب الأحاديث التي اختلقها الحزب الحاكم لشرعنة تسلّطه.

النقطة الثانية: تطبيق عنوان (السلطان الجائر) على الحكم الأُموي، من خلال ما أفرزه هذا النظام من مخالفات صريحة للشرع الإسلامي، من قَبيل: (لزوم طاعة الشيطان)، و(تعطيل الحدود)، و(الاستئثار بالفيء)، وغيرها من مظاهر الانحراف والتطرّف.

النقطة الثالثة: إنَّ الإمام عليه السلام  هو المسؤول عن التغيير، والمعَنْي به أكثر من غيره، وهو بذلك يُشير إلى مسؤوليته في إرجاع الأُمّة إلى الاعتدال والوسطيّة، وأنَّ غيره لا يستطيع ذلك؛ لعدم امتلاكه المؤهلات التي يمتلكها الإمام الحسين عليه السلام ؛ لكونه من (الأُمّة الوسط) ومن (العترة) التي يُقاس الاعتدال بهم وتُعرف الوسطيّة من خلالهم.

3 ـ ما قاله الإمام عليه السلام  مخاطباً به والي المدينة لمّا طلب منه البيعة ليزيد: «إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا يختم الله، ويزيد رجل شارب الخمور، وقاتل النفس المحرَّمة، مُعلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»[56].

وفي هذا البيان يُسلّط الإمام عليه السلام  الأضواء على موقفه لئلّا يُفسَّر تفسيراً ماديّاً، فإنَّه يقول: إنَّ موقفي تجاه يزيد ليس موقفاً شخصيّاً أو خلافاً بين أُسرتين، وإنَّما هو موقف تفرضه عليَّ الشريعة، فإنّا من قوم نزل فيهم الكتاب، وفتح الله بهم، فلا ينبغي أن أُداهن على حساب الحقّ، ولا أُجامل لمصلحة دنيويّة، فالموقف الشرعي يُحتِّم عليَّ رفض البيعة المذكورة، وإعلان بطلانها، وعدم جوازها أمام الملأ؛ لأنَّ مثل هذه البيعة تشكّل انحرافاً خطيراً على مستقبل الدين الإسلامي.

والملاحظة التي تجدر الإشارة إليها أنَّ النهضة الحسينيّة استطاعت إسقاط مشروعيّة (ولاية الجائر) لا إزالة الولاية، فالولاية والحكومة بقيت على حالها، ولكنّها بقيت مسلوبة الشرعيّة، وهذا هو المهم، أي: سلب الشرعيّة؛ لأنَّ الخطورة تكمن في اعتقاد شرعيّة الحاكم الجائر.

الظاهرة الثانية: حبّ الدنيا

لقد ذكرنا في المحور الأوّل أنَّ من أسباب التطرّف هو (حبّ الدنيا)، فإنّه رأس كلّ خطيئة، وهذه الظاهرة لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات، ولكن المشكلة تتفاقم فيما لو صارت ظاهرة شائعة في المجتمع، وسمة بارزة فيه، بحيث يُقبل الناس على الدنيا إقبالاً تامّاً، ويُعرضون عن الآخرة إعراضاً تامّاً.

 إنَّ بلوغ المجتمع إلى هذا المستوى، لهو من أخطر الظواهر التي تقود إلى عصيان الشريعة ومخالفتها، ولعلّ المجتمع الإسلامي في عصر الإمام الحسين عليه السلام  قد بلغ هذا المستوى أو قريباً منه، وإلّا فكيف يُفسَّر هذا السكوت المطبق عن أعظم جريمة تشهدها الإنسانيّة! وهي قتل ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله ، وأهل بيته وأصحابه، في أبشع صورة وأوحش منظر، والعالم الإسلامي يقف محايداً متفرّجاً، بل يقف العديد منهم في صفّ الحاكم الجائر الذي أقدم على هذا الجريمة، وهناك الكثير من الشواهد والمواقف التي تدلّ بوضوح على تفاقم هذه الظاهرة في المجتمع المعاصر للنهضة الحسينيّة، فمن تلك الشواهد:

1 ـ ما قاله الفرزدق للإمام الحسين عليه السلام  حينما سأله عن خبر الناس خلفه، فأجابه: «قلوبهم معك، والسيوف مع بني أُميّة»[57].

وأدلُّ شيء على رسوخ حبّ الدنيا هو ضعف الإرادة، ومخالفة القناعات، فإنَّ قوله: «قلوبهم معك» يُشير إلى ميل النّاس إلى (مشروع الإمام العادل)، ولكن الموقف والسيف مع (مشروع الحاكم الجائر)، وما ذلك إلّا لأنَّ المال والقوّة مع الثاني دون الأوّل، فموقفهم مخالفة صريحة لما يعتقدونه من الحقّ، فهم يعتقدون أنَّ الحقَّ مع الإمام الحسين عليه السلام ، ولكنّهم يخالفون ذلك ويقفون مع الباطل حبّاً في الدنيا وميلاً لها.

2 ـ موقف عمر بن سعد من حرب الحسين عليه السلام : فقد روى المؤرِّخون أنَّ حمزة بن المغيرة بن شعبة ـ ابن أُخت عمر بن سعد ـ قال لابن سعد: «أنشدك الله أن لا تسير لحرب الحسين، فتقطع رحمك، وتأثم بربك، فو الله، لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّه، لو كان لك، لكان خيراً لك من أن تلقى الله بدم الحسين. فقال ابن سعد: أفعل إن شاء الله، وبات ليلته مُفكّراً في أمره وسُمع يقول:

أم أرجع مذموماً بقتل حسينِ               أأترك ملك الرّي والري رغبتي

حجاب وملك الرّي قرّة عيني              وفي قتله النّار التي ليس دونها

 

 

وعند الصباح أتى ابن زياد، وقال: إنَّك ولّيتني هذا العمل وسمع به النّاس، فأنفذني له وابعث إلى الحسين مَن لست أغنى في الحرب منه، وسمّى له أُناساً من أشراف الكوفة. فقال ابن زياد: لست أستأمرك فيمَن أُريد أن أبعث، فإن سرت بجندنا وإلّا فابعث إلينا عهدنا. فلمّا رآه مُلحاً قال: إنِّي سائر»[58].

وواضح من موقفه أنَّ حبّ الدنيا قد غلب عقله وتملَّكه، فأقدم على هذه الجريمة النكراء.

3 ـ موقف عبيد الله بن الحرّ الجعفي من نصرة الإمام الحسين عليه السلام : لمّا عرَض الإمام عليه السلام  على ابن الحر نصرته والقتال معه، قال له ابن الحر: «والله، إنِّي لأعلم أنَّ مَن شايعك كان السعيد في الآخرة، ولكن ما عسى أن أُغني عنك، ولم أخلف لك بالكوفة ناصراً، فأنشدك الله، أن تحملني على هذه الخطّة، فإنَّ نفسي لا تسمح بالموت...»[59].

فهو يعلم يقيناً أنَّ مشايعة الحسين عليه السلام  سعادة في الآخرة، ولكن الذي منعه هو ممانعة نفسه عن الموت، وما ذلك إلّا لشدّة التعلّق بالدنيا وحبّه للبقاء.

والشاهد الثاني والثالث وإن كان شخصيّاً، لكنّه أُنموذج لشرائح واسعة في المجتمع آنذاك، فالذين خرجوا لقتال الحسين عليه السلام  دفعهم الطمع، والذين تقاعسوا عن نصرته منعهم خوف القتل وحبّهم للبقاء، والجامع بين الاثنين (حبّ الدنيا).

ولهذا نجد أنَّ الإمام الحسين عليه السلام  كان يركّز في خطبه على آفة حبّ الدنيا التي تملَّكت المسلمين في تلك الحقبة الزمنيّة؛ بسبب (المشروع الأُموي)، فأفقدتهم الروح الإسلاميّة التي كان يمتلكها الكثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في زمانه، والكثير من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام  في زمانه أيضاً، ولكن المشروع الأُموي استطاع بفعل دهائه وسياسته الشيطانيّة أن يقضي على هذه الروح في المجتمع الإسلامي، ولولا نهضة الحسين عليه السلام  التي أرجعت هذه الروح إلى جسد المجتمع الإسلامي، لبقي هذه المجتمع خاوياً فارغاً طوال هذه السنين، ولتحوّل إلى مجتمع خانع لا يعرف من الدين إلّا ما تُترجمه له السلطة الغاشمة، يعيش التطرّف والانحراف على جميع المستويات، المستوى العقائدي، والأخلاقي، والسلوكي.

إنَّ النهضة الحسينيّة المباركة أعادت إلى الأُمّة روح المقاومة والتصدّي لمشروع التطرّف الأُموي، ومنذُ ذلك الحين والثُّلة المؤمنة تستمدّ من كربلاء روح الإباء والثبات والمقاومة؛ لتبقى عصيّة على (المشروع الأُموي المتطرّف)، وما نشهده اليوم من إباء وتضحية وتفانٍ يتمتّع به أبناء (المشروع العلوي المعتدل) لمواجهة (التطرّف الأُموي) ما هو إلّا امتداد لتلك الروح التي تمتّع بها أنصار الحسين عليه السلام  في كربلاء.

إنَّ الثُّلة المؤمنة القليلة التي قاتلت مع الحسين عليه السلام ، وواجهت (أخطر مشروع للتطرّف) قد أينعت ثمارها، وآتت أُكلها، فهذه الملايين من أتباع أهل البيت عليهم السلام  هبّت ـ تلبيةً لنداء المرجعيّة الدينيّة ـ للتصدّي (للمشروع الأُموي الجديد القديم)، المتمثّل بما يُسمّى بـ(داعش)، فإذا قُتل في كربلاء (حبيب بن مظاهر الأسدي) شيخ الأنصار، فقد قُتل اليوم في معركة التصدي لـ (يزيد العصر) الكثير الكثير من أمثال حبيب بن مظاهر، وإذا قُتل في كربلاء ثُلة قليلة من الشباب، فقد قُتل اليوم وما زالوا الآلاف من الشباب المؤمن في ساحات الشرف والجهاد، وإذا ضحّت في كربلاء نساء الأنصار بأزواجهن وأولادهن، فقد ضحّت اليوم ومازالت الكثير من الأُمهات تُضحّي بفلذات أكبادهن؛ نصرة لخط أهل البيت عليهم السلام .

أقول: سيّدي أبا عبد الله عليه السلام ، إذا لم تُجبك أبداننا عند استغاثتك، فها هي اليوم شيعتك يستجيبون لندائك التاريخي: «ألَا من ناصرٍ ينصرني»، فهبّوا لندائك وتركوا العيال والأطفال والأموال، تركوا كلَّ شيء لأجلك سيّدي؛ حتّى لا تبقى وحيداً في الميدان، وقد أحاط بك الأعداء من كلّ جانب، وأنت تستغيث ولا تُغاث، وها هم شيعتك سيّدي يسطّرون أروع البطولات والملاحم في معركتهم ضدَّ (المشروع الأُموي)، وها هي قوافل الشهداء منهم تلتحق بك سيّدي في جنان الخُلد عند مليك مقتدر، فأحسِن سيّدي ضيافتهم؛ فإنَّهم قُتلوا لحبّك وحبّ آبائك الطاهرين وأبنائك الميامين، سيّدي خذهم إلى صدرك المرضوض بحوافر الخيول، فإنَّ أجسادهم قد مزّقتها الأيدي نفسها التي مزّقت جسدك الطاهر المقدّس.

 

نتائج البحث

يمكن تلخيص نتائج البحث بما يلي:

1 ـ إنَّ التطرّف ظاهرة خطيرة مَرَضيّة لها آثارها وأسبابها، تحدّثنا عن ذلك في المحور الأوّل.

2 ـ إنَّ المشروع الإسلامي يقوم على أساس الاعتدال والوسطيّة، في قبال المشروع الأُموي القائم على التطرّف والانحراف.

3 ـ إنَّ الاعتدال والوسطيّة لا يتحقّقان إلّا من خلال الرجوع للكتاب الكريم والعترة الطاهرة، وقد أوضحنا ذلك في المحور الثاني.

4 ـ إنَّ النهضة الحسينيّة كانت تستهدف إرجاع الأُمة إلى الاعتدال بعد تطرّفها؛ بسبب انحراف الخلافة عن مسارها الصحيح.

5 ـ إنَّ من أهمّ مظاهر التطرّف في عصر النهضة الحسينيّة: (مشروعية الحاكم الجائر) و(حبّ الدنيا)، فكانت النهضة تستهدف القضاء على هذين الظاهرتين الخطيرتين.

 

 الشيخ إسكندر الجعفري

مجلة الإصلاح الحسيني – العدد العاشر

مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

 ________________________________________

[53] النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج6، ص20.

[54] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين عليه السلام : ص142.

[55] المصدر السابق: ص216 ـ 217.

[56] المصدر السابق: ص139.

[57] المصدر السابق:  ص201.

[58] المصدر السابق: ص235ـ 236.

[59]  المصدر السابق: ص223.

 

gate.attachment