لا شك أ ن السطح الزخرفي الهندسي المنفذ على أي من سطوح النظم المعمارية له قواعد وعلامات بنائية ترتكز في أساسياتها على قواعد رياضية وهندسية خاصة بها ، والتي بدورها تتفاعل مع أساليب المزخرف او المصمم المعماري الذي يتوفر فيها عنصر التوازن بين اجزاء تصميم السطح الزخرفي الواحد ، فبالعلاقات الرياضية بين الابعاد الوظيفية لهيئة السطح الزخرفي وفضاء هيئته الكلية هنالك منظومات تناسبية توائم بين أبعاد العناصر الإنشائية الثلاثة الطول ، العرض و الارتفاع ، بحيث ترتبط بنسب معينة مع بعضها البعض اذ تكون مترابطة في الحيز الذي تشغله والفضاء الذي تشكله ، بمعنى أخر إن ما تقوم به هذه العلاقات التناسبية هو خلق نظام موحد بين العناصر المتعددة والأشكال وذلك بجعل كل أجزائه تنتمي الى نفس التناسبات بغية أن يتكون لدى المتلقي المتأمل إحساس واضح بالنظام الذي يجمع العناصر في البناء البصري الشاخص .
فلو تأملنا معظم السطوح الزخرفية الهندسية المعمارية لوجدنا أشكالها الجميلة تكون أما بهيئة مستطيل او مربع او دائرة او نصف دائرة وان جماليتها متأتية من انسجام الشكل الكلي لهيئة السطح الزخرفي في علاقاته مع أجزاءه الصغيرة المكونة له إضافة الى انسجام الأجزاء في علاقاتها مع بعضها البعض بنسب وذلك باستخدام المنظومات التناسبية المتولدة من جذر الأعداد التي من خلال تجانساتها الرياضية والهندسية تبرز أسس الجمال في التنظيم والتناظر والوحدة والتجانس ، إذ ان الجمال الشكلي لهيئة السطح الزخرفي المعماري يشير الى كيفية وضع بناء هيئته بهذه الأسس الرياضية والهندسية والتي عادة يتم التعامل بها من قبل المصمم الزخرفي المعماري في تصميم الأشكال الهندسية وتنظيم فضاءاتها ومحاولة ربطها بعلاقات جمالية كالإيقاع والتناغم والتماثل والتباين والنظام والتماسك ، وهذه العلاقات الجمالية تعد المرتكز الأساس في تنظيم العلاقات الجمالية للأشكال الزخرفية الهندسية ولفضاء السطح الزخرفي المعماري، فجمالية الزخرفة الهندسية في فن العمارة الاسلامية تنبع من خصائص الشكل ومدى بنائه في السطوح الزخرفية المتمثلة في خاصية التناسب والنسق والنظام فالأشكال الهندسية الزخرفية كالدائرة او المربع والمستطيل والمضلعات المنتظمة تتنوع بتنوع العلاقات التناسبية بين أبعادها ، اضافة الى ذلك فان إدراك النموذج البنائي لهذه الأشكال الهندسية لا يكون إلا من خلال العناصر السطحية وعلاقاتها وخصائصها تبعاً لتنوع هيئات السطوح الزخرفية المعمارية ، فلكل سطح متغيرات بصرية خاصة بشكله الهندسي تتمثل بالخصائص الفيزيائية للخامات التي نفذ بها عرض المنجز الزخرفي المعماري وهي اللون والضوء والملمس والحجم .
إن البناء البصري لهذه النماذج البنائية للأسطح الزخرفية المعمارية يستلزم مبدأ مهم أخر يضاف الى ما ذكر في النظام الإنشائي لبنائها فضلا عن مبدأ التناسب الا وهو ( المقياس ) الذي يستخدم في معالجة قياس الحجوم للأشكال الهندسية بالنسبة للعناصر الإنشائية الأخرى ، فلكل سطح زخرفي معماري مقياس معين وقد يكون له أكثر من مقياس يستخدمه الفنان المصمم في إنجاز هيئة السطح الزخرفي الهندسي فالأول هو المقياس الطبيعي العام الذي يقاس به حجم العناصر المشيدة او الفضاء نسبة الى عناصر أخرى في بنية محيطه ( المشهد ككل ) ومقياس اخر هو المقياس البشري الذي يقاس به حجم العنصر البنائي او الفضاء في داخل بنية السطح الزخرفي المعماري نسبة الى حجم الإنسان الطبيعي ، فالتناسب والمقياس مبدآن جماليان مهمان في بناء جميع الأشكال الهندسية للأسطح الزخرفية المعمارية ضمن مجال مشهدها المكاني في العمارة ومجال فضاء رؤياها التي يميزها من خلال تنظيم العلاقات البنائية المادية لخامات السطح الزخرفي والعلاقات الحسية اللامادية .
ومما تجدر الاشارة اليه في هذا الخصوص أن المصمم الزخرفي لابد له من استخدام هذين المبدأين السالفي الذكر .. من خلال التوحيد بين المقياس والتناسب في نظام الجزء والكل ومحاولة إحداث مطابقة وتوافق بين الأشكال والمقياس ، لذلك نجد المصممين الزخرفيين المعماريين المسلمين إمتازوا باستخدام هذين المبدأين وجعلاهما مقومين جماليين من مستلزمات التصميم الإنشائي للزخارف المعمارية بنوعيها الكتلي والإنشائي ، فبإيقاعات التناسب قد أعطوا العلاقات الصحيحة بين الكل والجزء وجعلوا الإيقاع التناسبي عنصراً مهما في هندسة العلاقات الشكلية داخل بنية السطح الزخرفي ووبنيته المعمارية ، اذ كان يتم تنسيق النسب بشكل إيقاعي منتظم للعناصر بالحيز والمسافة بهدف خلق توازن في جميع أوضاع العناصر التكوينية للشكل الزخرفي وكمال التكوين الكلي للسطح الزخرفي ، كون ان الهيئة الزخرفية تعطي إشارة تنعكس من خلال العناصر الإنشائية ذاتها من خلال ترتيبها وتركيبها مع بعضها ، فضلا عن تأثير ذلك الشكل في مشهده المكاني وفضاءه للمشاهد ، كما ان حجوم وتناسبات العناصر الإنشائية لهيئة وبنية السطح الزخرفي ترتبط مباشرة مع المهام والوظائف الإنشائية والمعمارية للسطع العماري المزخرف والتي بالإمكان ان تكون موشرات بصرية واضحة للحجم والمقياس والفضاء ات من خلفها .
جمع وتحرير
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق