قصّر الخطى .. ولتكن عليك السكينة والوقار ..فأنك بأرض حباها الله بضريح الزكي الامجد ، فابدأ ببسم الله وبالله ، فأنت عند شمس الله التي لا تأفل والعلم الذي لا ينضب والحكمة التي لا تقاس .. فانت بباب انيس النفوس وشمس الشموس غريب طوس امامنا ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام .
لاشك ان يلمس المتتبع لفن العمارة الاسلامية بأن جذوره التاريخية قد تطورت حتى شهدت ساحته تحولاً شكلياً واضحاً عبر الحقب التاريخية المتعاقبة ، فعلى الرغم من التأثر والتأثير القائم بين الحضارات المختلفة ، الاّ أن كل حضارة استطاعت أن تكون طرازاً معمارياً مميزا قائماً بذاته وخصوصية تمّيزه عن طرز الحضارات الأُخرى السابقة والمعاصرة له ، وهذا ما شهدته فنون العمارة الاسلامية بشكل عام ،حينما استمدت بواعث بنائها وتطورها من الطرز المعمارية الاخرى السابقة لها ، والتي أصبحت تتمتع بمعالم معروفة متميزة عن غيرها مستمدة من روحية الاسلام وفلسفته الربانية.
لم تكن لدى المعمار قبل الاسلام سوى مفاهيم بسيطة عن فن البناء ، فهم لم يجلبوا لبلادهم سوى البسيط من العناصر المعمارية ، وإن أغلب مفاهيمهم المعمارية كانت تعبر عن احتياجاتهم الخاصة فقط ، ولكن بمرور السنين وتواتر الاحداث وظهور الاسلام واتساع رقعته الجغرافية بالفتوحات الاسلامية ، تأثر فن العمارة بالبواعث الدينية التي أوجدها الاسلام وفنون الامم الاخرى ، لتظهر طرزا معمارية جديدة تختلف باختلاف مواطنها شرقا وغربا ، فقد ظهر طراز مميز في الشام وآخر في بلاد الرافدين والجزيرة العربية ، وطرز اخرى منها الطرز المعمارية المميزة في المغرب العربي غربا وايران وجوارها شرقا وعلى اختلاف ازمانها ، حيث بدأت عماراتهم تظهر للعيان هنا وهناك ، وأصبح لهذه العمائر معالم معروفة وظاهرة , تختلف من حيث الاسلوب والطراز عن تلك التي وجدوها قائمة في البلاد التي تم لهم فتحها ، إذ أصبحت القباب أكثر علواً وظهوراً , والأعمدة أكثر جمالا و رشاقة , وأُدخلت أنواع مختلفة من العناصر المعمارية الأخرى كالمئذنة والنقوش والمخطوطات وغيرها ، لتصبح أحد مظاهر الإبهار والمحاكات لنفوس المتلقين حين تعرضهم لها .
اللقطة اعلاه تمثل مشهدا ليليا ساحرا لاحد مداخل حرم الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام في مدينة مشهد المقدسة بإيران ، حيث يعود تاريخ الحرم الرضوي المقدس الى ما يزيد عن اثني عشر قرناً ، في قرية سناباد احدى قرى منطقة طوس القديمة في ايران حيث سميت فيما بعد بمشهد الرضا .
تميزمشهد الامام الرضا عليه السلام بمعالمه الفنية العمرانية الرائعة من الداخل والخارج ، فقد بني وزين على ايدي امهر الفنانين وبطراز شرقي ذي هيئة مميزة عن غيرة من مراقد الائمة الاطهار سلام الله عليم .
فلو تتبعنا تلك المعالم من داخل الحرم الى خارجه وعبر بعض مراحله التاريخية لوجدنا ، ان اول حجر وضع للمضجع الشريف ، كان من حجر الرخام وقد نقشت عليه عبارات بالخط الكوفي تضمنت آيات قرآنية واسماء المعصومين عليهم السلام ، وقد حظي هذا الحجر بأهمية خاصة نظراً لقدمه ونوع الخط المنقوش عليه ، فضلا عن انه تم نصب هذا الحجر منذ بدايات القرن السادس الهجري، والتاريخ المؤرخ على الحجر هو عام 516 للهجرة ويحتفظ به حالياً في المتحف الرئيس التابع للعتبة الرضوية المقدسة ، وتطور شكل الحجر وحجمه حتى اصبح الى ماهو عليه اليوم ، حيث يتوسط الضريح المقدس الذي شمله التغيير هو الآخر في الحقب الزمنية المتعاقبة ، وتم نصبه بشكله الحالي ليضم حجر المرقد والصندوق معاً.
في العام 957 للهجرة أمر الشاه طهماسب الصفوي ببناء صندوق بغطاء ذهبي سميك على المرقد الشريف ، وفي مرحلة لاحقة تم وبأمر من الشاه عباس الصفوي إنشاء صندوق مطلي بالذهب يتضمن آية الكرسي الشريفة وذكر الصلوات على محمد وآله صلوات الله عليهم وأشعاراً باللغة الفارسية نقشت بخطي الثلث والنستعليق، ونصب على المرقد انذاك وبقي على هذا الحال حتى نصب ضريح جديد على المرقد المقدس خلال الاعوام القليلة الماضية .
اما فيما يخص المعالم المعمارية البارزة للحرم المطهر من الخارج ، فيرى الزائر ان المعلم العمراني الأبرز هو القبة الذهبية
التي تبدو كأنها الشمس الساطعة، التي تحتضن البقعة الرضويّة المطهّرة ، ولا ريب أنّ أبرز مظهر يدلّنا من بعيد على المرقد الشريف هو تلك القبّة الصفراء المتلألئة من جميع جهاتها ، لتجذب عيون الزائرين القاصدين من جميع أطرافها، لتنحنيَ القلوب قبل الرؤوس تحيي ابن موسى الرضا عليهما السلام .
يبلغ ارتفاع القبّة من أرضيّة الحرم إلى أعلى نقطةٍ في قمّة المُحدَّب قرابة 31 متراً ،ويرى على جنباتها من جهة إطارها الدائريّ الداخليّ وعلى ارتفاع يقترب من7 أمتار وبعرض يقرب المترين ، كُتبت عليه كلمات بارزة بخط الثلث ، ويرجع تاريخ هذه المخطوطات لعام 1016هـ ،حيث زين غطاء القبة الداخلي وطعم بالمرايا الملوّنة والنقوش الجذّابة .
اما المعلم الاخر البارز ضمن مجموعة معالم العتبة الرضويّة المقدّسة المبهرة للناظرين ، فهي المنائر المستدقة الاطراف التي ترتفع عن القبة بطرازها الفريد حيث ترتفع سامقة 8 منائر مختلفة الاطوال مبنيّة بطراز يتّسم بالروعة والجلال، واحدة منها قرب القبّة المطهّرة، تعلو الإيوان الذهبيّ إلى جهة الصحن القديم ، وألاخرى تقع إلى جهة شمال القبّة لتعلو الإيوان العبّاسي هناك ، فضلا عن وجود منارتين صغيرتين على أعلى البابين الشمالي والجنوبي لصحن الإمام الخميني كأنّهما باقة زهور ، ومنارتان أعلى الباب الشماليّ والجنوبيّ من صحن اخر وهما مطليّتان بالذهب ومزينتان بالقاشاني الرائع .
ولا يخفى على الناظر ما للاواوين المنتشرة في ارجاء الحرم المقدس من جمال استثنائي ، فهناك الايوان الذهبي الواقع في الجهة الشمالية لدار الشكر او دار الشرف هو من أحد الطرق التي يتشرف من خلاله الزوار الى داخل الحرم الرضوي. سطح جدران هذا الايوان وسقفه تم بناؤه بالكامل من اللبنة الذهبية، ويتمتع بجمال وعظمة خاصة ، وايضا هنالك الايوان العباسي الذي يعد من المعالم الأثرية المتبقية من عهد حكم الشاه عباس الصفوي ومن هنا جاءت تسميته كذلك بالايوان العباسي. وتقوم على هذا الايوان إحدى المنارتين الذهبيتين للمرقد المقدس ، اما الايوان الغربي او ايوان الساعة فيتميز بجوانبه المزخرفة بالكتيبات والقاشاني المعرق ، هذا فضلا عن الايوان الشرقي او ايوان النقارة الذي لا يقل جمالا عن نظرائه في جنة ثامن أئمّة الحقّ عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق