ليلةٌ في خرائب الشام... شمعةٌ وطفلةٌ ورأسٌ طاهرٌ، فهل تبكي مع رقيّة؟

في هذه الصورة المهيبة، تختزل آلاف الصفحات من الحزن والأسى، وترتسم على ملامحها ليلة من ليالي الأسر في خرائب الشام، حيث السكون يخنق الأنفاس، والظلمة تغلّف الحجارة، ولا نور سوى شمعة تتقد من دمعة، وسكينةٍ يلفها الأنين.

تبدو السيدة رقية (عليها السلام)، الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز الأربع سنين، وقد أنهكها التعب والجوع والبكاء، تحتضن بين يديها رأس أبيها الإمام الحسين (عليه السلام)، رأسٌ قُطع ظلماً ورفعه أعداء الله على الرماح، ثم أُهديَ إلى يزيد الطاغية، ليُرعب به قلوب آل بيت النبوة، فإذا هو في حضن رقيّة، البلسم والوجع معاً.

في تلك الليلة، روت الروايات أن السيدة رقية استيقظت مفزوعة من نومها، تنادي: "أين أبي؟ أريد أبي الحسين"، فلم يملك أهل البيت معها حيلة، فأرسلوا إليها الرأس الطاهر، ولما وُضع بين يديها، احتضنته بقلبٍ مفجوع، وبكت حتى خرت روحها الطاهرة، من شدّة الحزن واللوعة، ولحقت بأبيها شهيدةً مظلومة.

الصورة تعبّر عن هذه اللحظة الخالدة… جسدٌ صغير ممدّد بجانب الرأس المبارك، وامرأة شريفة، قد تكون زينب الكبرى أو إحدى نساء أهل البيت، تضمّها بحنانٍ يغلفه الانكسار، فيما يظهر في أعلى الصورة طيفٌ نورانيّ يمثل الإمام الحسين (عليه السلام)، يحرس طفلته من عالم الأرواح، واضعاً يده على صدره، وكأنه يقول: "أنا معكِ يا رقية، لم أترككِ، وسآخذكِ إلى جنات الخلد".

كأن الليل قد جثا باكياً، والخرائب ارتجفت من وجع الطفولة المذبوحة، والشمعة المنفردة تُقسم: أن ظلم الليل لا يدوم، وأن دموع الأطفال المظلومة تكتب التاريخ بحروف من نور ودم.

فرقيّة ليست مجرد طفلة، إنها أيقونة الطفولة المظلومة، وصوتُ البكاء الأبديّ الذي يسكن ذاكرة كلّ حرّ، فسلامٌ عليكِ يا رقيّة يوم وُلدتِ، ويوم احتضنتِ رأس أبيكِ، ويوم ارتقيتِ شهيدةً في سبيل الحق.

تصميم : كرار الياسري إعداد : علي رحال