انشد احد الشعراء الموالين لآل البيت " عليهم السلام " قائلا -
أزائر أكتاف الحمى إبدأ بمسلم وعج لعليِ غوث كل دخيل
فإن علي المرتضى باب أحمد وباب علي ٍ مسلمُ بن عقيـل
وكيف لا يكون مسلم باب علي المرتضى ؟ وهو حبيب ابي عبد الله الحسين وابن عمه ... كيف لا ؟ وهو فدائي الحسين وناصره بعيدا وحيدا في ازقة الكوفة ... كيف لا ؟ وهو من ارتوى بعلم وبطولة عمه ابا الحسن والحسين حتى استقبل الموت بثغر باسم ... ذاك من ضحى بمهجته لأجل الحسين " عليه السلام " .. هو سفير الإمامة وأول شهيد بالطفوف مسلم بن عقيل بن ابي طالب " عليه السلام ".
في التاسع من شهر ذي الحجة الحرام من عام 60 للهجرة استشهد وحيداً من دون نصيرالعبد الصالح والمجاهد الثابت سفير الإمام الحسين "عليه السلام " إلى اهل الكوفة مسلم بن عقيل "عليه السلام " ، فبعد ان اجتمعت الكتب المتوالية من اهل الكوفة عند الإمام الحسين " عليه السلام " ، لتدعوه لتخليصهم من طغيان بني امية وجورهم ، إرتاى بأبي وامي ان يبعث لهم رسولا من مقربيه وأهل بيته ليطلع على احوال اهل الكوفة وصدق نداءاتهم له ، فوقع اختياره على ابن عمه مسلم بن عقيل بن ابي طالب ، لما كان معهود منه من حكمة وشجاعة وايمانا بقضية الامام الحسين " عليه السلام " ، فعجل مسلم بالذهاب الى الكوفة ليدرك الحدث ، ليحل ضيفا في بيت هانئ بن عروة " رضوان الله عليه " ويلتقي بالناس ليشكوا له ماجرى ويجري عليهم حتى بايعوه مستنجدين بأبي عبد الله ، فكتب إلى الإمام الحسين " عليه السلام " يستعجله القدوم ويخبره بما ألمَ بالكوفة واهلها من ظلم واضطهاد ، فتحرك الإمام " عليه السلام " ومن معه على اساس تلك الاخبار متوجهاً الى الكوفة.
الا ان جواسيس ابن زياد ممن اندسوا بين الناس غيروا مجرى الامور لتنقلب بارسال عبيد الله بن زياد ( لعنة الله عليه ) إلى الكوفة وتوجيه الاوامر بقتل مسلم واطفاء شعلة الثورة الحسينية في الكوفة ، وفعل الطغاة ماأمروا به بمداهمة منزل لاذ به مسلم ، ليصول عليهم صولة علوية وينازلهم نزال الابطال ومجالدة الفحول وما استطاعوا سبيلا إلا بغدرهم وكثرة عددهم كما هي شيمهم ، لتنتهي بذلك جملة من الاحداث الاليمة بأستشهاد مسلم " عليه السلام " برمي جسده الطاهر من أعلى قصر الامارة المشؤوم إلى الارض وقطع رأس هانئ بن عروة ، " بعد ان طلب اميرهم ( لعنة الله عليه ) باحضارهم اليه " ، ليربطوا اجسادهم بعد ذلك ويجرونها في ازقة واسواق الكوفة ، ليدفنوا بأمر اميرهم اللعين بالقرب من دار الامارة ليراقبوا من يزورهم ويمنعوا ذكرهم ، ولكن هيهات ان يكون مااراد الظلمة فذكر اهل البيت " عليهم السلام " ومن تبعهم لم ولن يمحى ابد الدهر ، فاين هم آل امية واين جبروتهم و قصورهم فلم يبق لهم إلا خرائب ولعنة ابدية الى يوم يبعثون ، ليكون لمسلم ومن معه " رضوان الله عليهم " منارا يهتدي به الناس يشغل حيزا من اطهر بقاع الارض بأذن الله في مسجد الكوفة المعظم اليوم .
الصورة اعلاه لرائعة فنية معمارية مثلت جزأ يسيرا من فنون العمارة الاسلامية في العراق ، والتي انتهلت مصادرها من مزيج من الثقافات الفنية المختلفة وعلى مر العصور ، فقد نشأ فن العمارة الاسلامية اول في المساجد ومواقع الصلاة الاولى فقد ولد فيها ونما وترعرع في رحابها ، فالعمارة الاسلامية نشأت تلبية لحاجة دينية ملحة ، إذ ارتبط المسجد بالدين واصبح وجوده يصب في خدمة العبادة حتى امست المساجد فضلاً عن وظيفتها في العبادة دورا للقضاء ومدارس للعلم ومنابر لحل الازمات السياسية وحتى الاجتماعية منها ، فمنذ الوهلة الاولى للاسلام زادت عناية المسلمين بها لما لها من دور في تأدية المهام التي تخدم مصالح الدين والمجتمع ، إذ كانت المساجد في بادئ الامرتتكون من أبنية بسيطة بعيدة عن فن العمارة والزخرفة الاسلامية ، لانتفاء الحاجة الجمالية لها بتقديم المنفعة المكانية عليها " ، ولكن مالبثت تلك المساجد ان طالتها أيدي التطور والحس الجمالي الى أن أوصلتها الى درجة من الإبداع والإتقان والتفنن ، فأخذ المسلمون يعتنون بمساجدهم ودور عبادتهم ليوسعوا مساحتها ويرفعوا بنيانها بالأعمدة الرخامية والآجر وغيرها من مواد البناء الجيدة ، فضلا عن تزيينها بالعناصر الفنية المختلفة لتلائم ما وصلوا إليه من غنى وقوة وسعة في الحال ، فأدخلوا عليها النقوش الكتابية وزينوها بالزخارف وأشكالها النباتية والهندسية وإستعملوا الفسيفساء وتفننوا في بناء العناصر المعمارية المختلفة ، مما اعطى للمساجد حظورا مميزا عن باقي الابنية الاخرى ، لتصبح من أهم المباني التي تتمثل فيها العمارة الاسلامية والفن الإسلامي بشكل عام .
والعالم الاسلامي اليوم تعمه بل وتتزاحم فيه الكثيرمن المساجد والمقامات والمراقد المقدسة ، بعضها قديم والآخر حديث العهد وجميعها تقوم على نظام اقرب لأن يكون موحدا لا تكاد تخرج عنه تقريباً ، فهي بشكل عام قد اتت على شكل حرم وسور وقباب ومآذن ومحاريب ومنابر الى بقية العناصر المعمارية الأُخرى ، لكنها تختلف عن بعضها البعض بطرز بنائها وتزييناتها وبأشكال مفردات عناصرها المعمارية إذ أن لكل مكان جغرافي طرازه المعماري الخاص المتأثر بالفنون المعمارية السائدة فيه ، وكل حسب بيئته وثقافة شعبه وتنوع فنونه المحلية والاقليمية ، فلو ركزنا الانتباه على مسجد الكوفة المعظم لوجدنا تنوعا فنيا ملحوضا في تكوينه العام ، فهو خليط من طرز معمارية مختلفة " قديمة وحديثة " فضلا عن اندماج روحية المكان كمسجد ومصلى مع المراقد والمقامات المقدسة التي يحتضنها بين جدرانه المرتفعة ، فهو يعد ثاني أقدم المساجد في العراق بعد مسجد سبقه في مدينة البصرة ، وقد وضعت أسسه الاولى عام 17هـ وكان أول ما بني في مدينة الكوفة بهيئة متواضعة بسيطة ولم يكن له جدران تحيطه بل عوض عنه بخندق عميق يحيط بصحن مكشوف تتوسط جهته الجنوبية سقيفة يستظل بها المصلون درأً للشمس والامطار ، ثم أُحيط فيما بعد بسور من اللبن والطين وتوسعت مساحته حتى بنيت له الجدران فيما بعد من الآجر وزُوَد ببعض الأعمدة الحجرية متوسطة الارتفاع .
اما مايكون عليه اليوم مسجد الكوفة المعظم من مسجد شاخص وعمارة ضخمة تعلوا منائرها وقبابها ابنية المدينة ، فقد أقيمت فوق المسجد القديم بعمارات متعددة وازمان مختلفة ، ليكون حاضرة تنطق باسم التأريخ بهيئة مربعة الجدران طويلة الاضلاع ، ليبلغ طول الضلع الواحد قرابة 110 م ، لترتفع تلك الجدران لتشكل سورا يقرب ارتفاعه من 20 م يحتضن المسجد ومايحتويه اواوين تعلوها عقود مدببة الرؤوس قائمة على اعمدة من الرخام الفاخر لتشكل مداخل متعددة لأروقة المسجد بزخارفها وكتاباتها الآجرية المحفورة حفراً دقيقاً والتي تحيط بباحته الوسطية البيضاء المزدحمة بالعديد من المقامات والمراقد المقدسة التي يؤمها المصلين والزائرين العاشقين لأل بيت النبوة " عليهم السلام " من شتى اقاصي الارض ومغاربها ، ليغادروا باب الكوفة مستأذنين بطرق باب النجاة ليستقوا فضل الله بزيارة سيد الاوصياء من امير المؤمنين علي بن ابي طالب " عليه السلام " .
جعلنا الله واياكم ممن يطرق هذه الابواب خاشعين تائبين مستغفرين بحق محمد وآل محمد " صلوات الله عليهم اجمعين "
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق