في زحمة الخطى نرفع الرؤوس لنرى حنايا تتلألأ بأنوارالهداية المحمدية ، ترشد ارواح التائهين الى مستقر تجاوزت مساحته حد الوجود في الامكان لتذوب فيه الأنا وترتقي فيه المحبة والأمان ، هو مصباح الهدى والعروة الوثقى ، هو باب الله المواتي وسفينة النجاة ، هو ابن سدرة المنتهى والنبأ العظيم ، هو من يُهتدى به هو سيد شباب اهل الجنة الحسين بن علي عليهما السلام .
احتوى الاسلام الكثير من الحضارات التي تمدد اليها في دعوته الى الدين القويم ، ومنها تأثره الخلاق بثقافاتها وفنونها المتنوعة ، والفن بأنواعه والعمارة بشكل خاص احدى تلك الثقافات التي تأثر بها الفنان المسلم بشكل كبير، حيث انتهل منها الافكار ووجد عبقريته من خلال سعيه الدؤوب الى التجدد و الترقي بالنماذج الفنية المعمارية والزخرفية الاسلامية ، التي أصبحت تميز الفن الأسلامي دونا عن غيره من الفنون والوصول به لدرجة خالصة من الأصالة معبرا عن الذوق الرفيع للفنان المسلم و شخصيته المستقلة البعيدة عن التكلف والتعقيد .
فلامحيص أن كل الأمم والحضارات مدينة لبعضها البعض في الكثير من مجالات التطور ثقافيا كان ام غيره ، بل لو تأملنا لوجدنا أن افراد الأمة الواحدة من فنانين ومثقفين يدين كل منهم للآخر في تطوره وتنامي اعماله ، لدرجة أنه قيل في مجال فن الرسم " إن المصورين يتأثر كل منهم بأعمال غيره أكثر من تأثره بالطبيعة من حوله ".
الصورة لإحدى ابواب جنة الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة ، اطلق عليها اسم " باب السدرة " نسبة الى وجود سدرة نمت في هذا المكان ، كان يستدل بها زائري قبر الامام الحسين "عليه السلام " بدخولهم مشارف كربلاء في فترة الخلافة العباسية .
الباب يشغل جزءا من الجدار الشمالي للحائر الحسيني الشريف ، وهو ذا شكل استطالي زخرفي من الخارج محاط ببناء ذي قوام هندسي من الاجرالمغلف بالكاشي القاشاني الازرق الذي يشرف على فضاء يمثل مدخلاً للبوابة ، يرتفع عن هذا الفضاء عقدين متداخلين يمثلان تشكيلا زخرفي مميز ذي قوام اشبه بالقبة المتداخلة بأخرى تتدلى من فوقه مخاريط من المقرنصات المتراصة فوق بعضها البعض على شكل صفوف متناقصة الاعداد نزولا لتنتهي كانها قابعة فوق تلك العقود .
لو تقدمنا ونحن نعد الخطى بالدخول الى الحرم المقدس ونيل شرف زيارة الحسين عليه السلام ، لوجدنا صفوف مخروطية اخرى من المقرنصات المتدلية تنسدل من فوق رؤوسنا ، اتى بها المعمار المسلم كأمتداد لأخرى في خارج وداخل الحرم الشريف ، محاولة منه لبقاء الزائر المتأمل في تواصل وتأمل مع قدسية المكان بلا انقطاع .
ركز الفنان اهتمامه بالمقرنصات كونها تعد من اهم مظاهر العمارة الاسلامية ، فهي تجمع مابين فنون البناء والنحت والرسم والزخرفة وبلكنة روحية مؤثرة ، لتتميز بهندستها وتشكيلاتها وكأنها منحوتات تجريديّة ذات نقوش ثلاثيّة الأبعاد تبرزجماليتها في حركة الظل والضوء فضلا عن تنظيمها لهندسة الصوت كما هو حال القباب والحنيات في اغلب الاضرحة الدينية ودور العبادة .
عمد الفنان المنفذ لهذه التكوينات المعمارية الزخرفية الى انتقاء الالوان بما يتوائم وقدسية المكان ولون قبة ومنائر المشهد المقدس ، فأنتقى الالوان ذات البريق المعدني ، كالون الذهبي والفيروزي فضلا عن الازرق الموشح بالبياض ، لكسبها " التكوينات الزخرفية " هيبة وجاذبية من شانها سرقة انظار الزائرين .
استطاع الفنان المسلم في هذا المكان المقدس أن ينقل العنصر الإنشائي المعماري البحت ، إلى عالم الفن وادراجه ضمن المنظومة الجمالية للفنون الاسلامية بلا عناء ، فاغتنى بها وأغناها ووظفها لتنسجم والمنهج التجريدي الذي اختطته الفنون الاسلامية بعناصرها الجمالية المتماشية مع مفهوم الفن العقائدي الباحث عن روحانيات الأمور بعيدا عن ظاهرها الملموس، لتَكون لها الريادة الفنية كونها نجحت في الربط بين العناصر المعمارية والزخرفة في المباني الإسلامية ، وهنا يكمن سر النهوض والإبداع في الهندسة المعمارية الإسلامية للاضرحة المقدسة في العراق وبالخصوص ضريح سيدي ابي عبد الله الحسين " عليه السلام ".
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق