ومن يكن مثل علي وقد ... رُدّت له الشمس من المغرب

مقام تنحني له نخيل الفرات خجلا .....عدلت به الشمس وقد دنت للمغرب .....بأمر من الله قد تبعت خير الاوصياء علي .

 في حُلة على شاطئ الفرات يطيب نسيمها ، نخيل باسقات تحتضن بين جريدها مقاما لمعجزة رد الشمس لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب "عليه السلام " في مدينة الحلة ، فبعيد رجوعه عليه السلام منتصرا من معركة النهروان ، سلك طريقا يمر بمدينة بابل الاثرية متجها نحو الكوفة ، وعند وصوله الى ارض بابل " بابل الاثرية حاليا " حلت صلاة العصر وتعذرعليه قيامها ، كونها ارض لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها ، فهي كما قال "سلام الله عليه "إحدى المؤتفكات وقد عذبت في الدهر ثلاث مرّات فضلا عن انها أوّل أرض عُبد فيها وثن ، فمضى سلام الله عليه حتى وصوله الى جسر سوراء " مركزمدينة الحلة حاليا " فادركه المغيب ، فتوضأ ثم قام لدعاء رب قدير، واذا بالشمس كأنها قد خرجت من بين جبلين مرتفعة الى كبد السماء ، فصلّى عليه السلام ومن معه حتى فرغوا من صلاتهم وعاد الليل كما كان ، وقد روي انه عليه السلام بقي في هذا المكان أربعة أيام متتاليات ، وروي ايضا انه أطلق على هذه الارض اسم "الحُلة " واصفا اياها بانها حُلة من حُلل الجنة.

مقام رد الشمس ، مشهد معماري ديني يقع في مركز مدينة الحلة شمالي النجف الاشرف والى الشرق من مدينة كربلاء المقدسة ، شيد هذا المعلم الحضاري الشريف قبل قرابة 950 سنة حيث بني بهندسة معمارية بديعة على الطراز السلجوقي على شكل الزقورة المألوفة في الحضارة الرافدينية القديمة .

هذا التكوين الفني المتميز بالقبة المخروطية الاقرب الى الهرمية والمنارة المدورة المجاورة لها بتفاصيلها ونقوشها الاخاذة تكاد ان تكون من الطرز المعمارية الخاصة بالمشاهد الدينية في العراق ، ابتداءا من عهد العمارة السلجوقية وحتى الوقت الحاضر .

المشهد يتألف من قبة مخروطية الشكل مقرنصة من الخارج  والداخل تقبع تحتها قاعدة مثمنة الشكل مقرنصة الجدران ، اتى كل ضلع منها بطول " 1.8 م " ،وهي مرتكزة فوق قاعة ثمانية الاضلاع اكبر منها بقليل  ، ضم احد جدرانها  محراب يمثل مصلى الامام علي عليه السلام ، فضلا عن مئذنة مستديرة الشكل ملحقة تجاور القبة مقتربة من نفس ارتفاعها ، ويبدو انها بنيت في عهد متآخر بعد القبة المخروطية بزمن ليس بقليل .

 يبلغ ارتفاع القبة قرابة  25 م ، يتألف بناءها من العديد من المقرنصات الاسلامية المنتظمة في صفوف والبالغ عددها ثلاثة عشر صفاً عدا الغطاء ، هذه الصفوف تأخذ بالتناقص كلما ارتفعت متوغلة في المقرنصات التي تعلوها وصولاً الى قمة القبة التي غطيت بتكوين نجمي الشكل . 

للفنان المسلم رويته الخاصة التي يحاول فيها الوصول الى اللامرئي ، من خلال تجريد اعماله الفنية من واقعها والاقتراب بمنهجية حدسية من الحقيقة الروحية للاشياء والتي لاتكون إلا بعد ان تصبح ذاتية الفنان شمولية لا فردية تقترب بفكرتها من الجمال الالهي اللامتناهي ومن ثم محاولة التأثير بالمتلقي ليتحسس هكذا جمال ويشعر به .

هذا مانلمسه عند تأملنا للاعمال الفنية المعمارية والزخرفية للفنان المسلم وبالخصوص افكاره المبدعة في تصميم وتنفيذ القبة المقرنصة والمنارة المجاورة لها  في مشهد رد الشمس ، حيث نجد انه لم يبدع القبة المخروطية والمنارة بنقوشها اللولبية ذات الهيئة الاخاذة لأجل امتاع مدركات الحس فقط ، بل امتدت لتشمل أمتاع الروح ومحاكاتها من خلال ماتحمله من تجريد وتبسيط ، والذي يؤدي بالتالي الى السمو بالنفس فوق مستويات التفكير الطبيعي باتجاه المعرفة الحقة التي توصل الفكروتشده الى الله سبحانه وتعالى لأدراك لحظات التجلي التي لا يمكن ان تصفها اي تعبيرات اخرى من لغة او اسلوب .

 فالمشاهد للقبة من الخارج او الداخل يجد انها تتسامى نحو المركز المتمثل بالقمة النجمية الشكل ، كذا الحال لو تأملنا نقش المنارة اللولبي لوجدناه ممتدا بحركة حلزونية يمتد زاحفا حولها ، من اسفلها الى حيث يآخيها مع مقرنصات القبة بمنطقة الوسط البارزة بصفوف من المقرنصات امتزجت مع تكوينات زخرفية ملونة ، يقودنا الفنان بتفننها الجمالي وقممها القببية الى خارج حدود الرؤية المكانية ، بل حتى خارج قدرة الجمال الفعلي والحسي ، عن طريق آليات الحدس طلبا للرؤية الشمولية الخالصة التي تقود الصورة المرئية الى التحول والتطور ثم التجلي الذي يحدد ويشكل التكوينات المعمارية الروحية المؤسسة على وفق منظور روحاني رباني .

سامر قحطان القيسي

المرفقات