مشق الحروف ..

يعتمد الخط العربي بأنواعه المختلفة على قواعد فنية خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة على حد سواء، وتستخدم في أداء حروفه وتنفيذها نفس العناصر المعتمدة في الفنون التشكيلية الأخرى بمعناها الجمالي والمادي المتحرك الذي يُنتج حركة ذاتية للأشكال تجعل الحروف تسترسل في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها من جانب آخر .

المخطوطة أعلاه من منجزات المبدع الإيراني الخطاط حسين غلامي والتي صاغ حروفها بالخط الفارسي على مهادٍ من الزخرفة النباتية المتداخلة مع تشكيل هندسي مميّز مثَلَ الإطارالخارجي المحيط باللوحة .

ولد الخطاط غلامي في طهران عام (1964) وأقبل على تعلم الخطوط العربية في مقتبل عمره لشدة ولعه بها، وقد تتلمذ على أيدي أمهر الخطاطين الإيرانيين أبرزهم الأستاذ الخطاط غلام حسين غلامي وغيره من أعلام الخط الفارسي.

وكان غلامي متفوقاً متميزاً عمن جايله من الخطاطين الآخرين بفضل صبره وتدريبه المتواصلين حتى أصبح ضليعاً في رسم الخطوط العربية وقواعدها ومتخصِّصَاً مبدعاً في الخط الفارسي وأنماطه المتعددة والمتميّزة لينهل منه محبو الخط العربي ومتعلموه في جمعية الخطاطين الإيرانيين فأصبح غلامي من أهمِّ مدرسيها ومدربيها .

شارك غلامي في الكثير من المحافل والمعارض المحلية والدولية ونال العديد من الجوائز التقديرية والعينية لإسلوبه المميز في الخط الفارسي والنستعليق .

ومن المتعارف أن الخطوط تنوّعت وتطوّرت بتعاقب الحقب الزمنية منذ فجر الرسالة المحمدية وحتى الوقت الحاضرولكنها وعلى الرغم من تعدِّد أنماطها استظلت تحت سقف عائلتين خطيتين حسب الإسلوب وهما الخطوط الجافة اليابسة ذات الحروف المستقيمة حادة الزوايا كالخط الكوفي  والخطوط اللينة مقوّسة الأحرف كالخط الفارسي وخط النسخ وغيرها .

أما الخط الفارسي الذي خُطت به المخطوطة أعلاه فيعدُّ من أجمل الخطوط اللينة التي لها طابع خاص يتميِّز به عن غيره، إذ يتميز بالرشاقة في حروفه الممدودة المدورة التي تبدو وكأنها تنحدر في اتجاه واحد، ومن المثير للإهتمام أن حروف الخط الفارسي أطوع في الرسم وأكثر مرونة من غيرها لاسيما إذا رسمت بدقة وبحسن توزيع، وقد عمد العديد من الخطاطين إلى استخدام التكوينات الزخرفية المتنوّعة كمهاد أو أرضية للحروف وامتداداتها على اللوحة مُضفياً عليها رونقاً جمالياً خلاباً.

إنقلب الإيرانيون على الخط البهلوي الذي كان معتمداً في بلاد فارس بعد ما جاء الإسلام وآمنوا به فكتبوا بالخط العربي وحاولوا تطويره وتجويده، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس في التنفيذ جميل المنظر ولم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد بهذه الطريقة .

ظهر الخط الفارسي في بلاد فارس في القرن السابع الهجري وقد وَضَع أبعاده الخطاط الإيراني الشهير مير علي الهراوي التبريزي وأطلق عليه (خط التعليق) ، احتضن الإيرانيون هذا النوع من الخط واختصّوا به ليمرّ بأطوار مختلفة ازداد فيها تجذراً وأصالة فطوّروه وجوّدوه بخطوط أخرى أصبحت امتداداً له في ساحة الخط العربي فيما بعد ومنها:

خط الشكستة الذي جاء كخليط من التعليق والديواني والفارسي المتناظر والفارسي المختزل الذي كتبت به اللوحات التي تتشابه حروف كلماتها بحيث يقرأ الحرف الواحد بأكثر من كلمة ، ومن وجوه تطور الخط الفارسي خط النستعليق الذي نتج عن مزج متوافق بين خطي النسخ والتعليق ببراعة ، وكان أشهر من كان يكتبه بعد الخطاطين الإيرانيين العراقي محمد هاشم الخطاط البغدادي والمرحوم الخطاط السوري محمد بدوي الديراني وغيرهم ممن أبدعوا في هذا النوع من الخط .

يتميّزالخط الفارسي بالزخرفة المتزامنة مع حروفة وكلماته المترابطة التي تؤلف إطاراً أوخطوطاً ممتدّة أو ملتفّة على بعضها البعض، فهو كباقي الخطوط ذي حروف مزوّقة متّصلة قابلة لاكتساب أشكال مختلفة من خلال المد والرجع والإستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب فالحرف العربي مطواع بطبيعته سواء كتب بخط لينٍ أم جافٍ صلب.

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة