عند ابواب الرجاء..أنفاس تتزاحم لمناشدة السماء

تشخص الابصارثابتةً ، وتتباطأ الانفاس منخفضة ، عند وقوفنا قبالة ضريح سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين "عليه السلام" مستشفعين به الى الله " جل وعلا " لنطرق ابواب رحمته مرتجين عفوه ومنِهِ علينا ، بالقول .. " يا مَنْ كُلُّ هارِب إلَيْهِ يَلْتَجِئُ، وَكُلُّ طالِب إيَّاهُ يَرْتَجِي، يا خَيْرَ مَرْجُوٍّ، وَيا أَكْرَمَ مَدْعُوٍّ، وَيا مَنْ لا يُرَدُّ سآئِلُهُ ... أَسْأَلُكَ بِكَرَمِكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ مِنْ عَطآئِكَ بِما تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي، وَمِنْ رَجآئِكَ بِما تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي، وَمِنَ الْيَقِينِ بِما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيَّ مُصِيباتِ الدُّنْيا " ، فهل من اطمئنان اكثر للنفس من حب الحسين ؟ وهل من يقين اكبر من زيارة الحسين ؟ ام هل من قرة عين اجمل من الاستشفاع الى الله تحت قبة الحسين ؟   

الشكل اعلاه احد التكوينات الزخرفية الابداعية المزينة لحرم سيد الشهداء الامام الحسين بن علي "  عليهما السلام " في كربلاء المقدسة ، وهو عبارة عن تكوين زخرفي مركب ذي قوام مستطيل الشكل ، يشغل حيزا من مجموعة النقوش الزخرفية المتجاورة المتنوعة للسقف المبارك المرتفعة فوق الصحن الحسيني الشريف، وهو ذي قوام متشكل من صفائح القاشاني المزجج ذي البريق المعدني المرصوف بحرفية ودقة متناهيتين .

التكوين خليط مركب من الزخرفتين " النباتية والهندسية " مستطيل الشكل ، يؤطره من الخارج شريط من الزخرفة النباتية المتداخلة ذات الارضية الزرقاء فضلا عن ، إطار زخرفي من الفسيفساء المرصوفة من قطع المرايا المثلثة ، ويشغل مركز المنجزثلاث مضلعات نجمية زخرفية ثمانية الرؤوس ، اوسطها مشغولة بكم من التشكيلات الزخرفية النباتية المتداخلة فيما بينها ، أتت بقوام من السيقان المنحنية ذات الاطراف الورقية باللون الاخضر والاخضر المصفر، ومن تحتها سيقان اخرى اقل انحناءاً ملتفة على بعضها البعض بلون سمائي على ارضية زرقاء يتوسطها في مركز الشكل الثماني تكوين اشبة بالزهرة رباعية الوريقات ، فضلا عن بعض الاشكال الورقية " اشبه بورقة العنب " سمائية اللون عملت كرابط بين السيقان والبراعم المختلفة وسط التشكيل النجمي .

اما النجمتان الاخريتان فقد جاءتا بأشكال متناظرة من ناحية الهيئة والتكوين ، فقد شغلها الفنان بزخارف كتابية مدورة الهيئة يتوسطها احد اسماء الله الحسنى وقد اتى بصيغة النداء كما ورد في بعض ايات الذكر الحكيم ، فعلى اليمين كتب المزخرف الخطاط  " رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا "، اما الشكل على الجانب الايسر فمكتوب " رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْـزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ " .

تتفرع من محيط هذه الكلمات المباركات أشكال هندسية مختلفة  الأضلاع على شكل خطوط منبعثة من اطراف الاشكال النجمية ومكملة لها ككيان متكامل ، شغل الفنان هذه الاشكال الهندسية  بوحدات زخرفية نباتية واخرى هندسية ضمنية  لتشغل مساحات متجاورة مختلفة الاحجام والالوان .

 ان ما يلاحظ على هذا المنجزالابداعي إنه يجمع بين البساطة وجمالية التصميم ودقة التنفيذ ، فعلى الرغم من أنها تخلو من التفصيلات الزخرفية الدقيقة التي تشغل المساحة بأكملها في الاشكال الاخرى المكونة لنقوش السقف المبارك  ، إلاّ إنها إمتازت بجمالية تصميمها من خلال هيمنة اللون الأزرق على بنية التكوين لما له من دلالات روحية وجوهرية تتعلق بلون السماء وامتداداتها اللانهائية ، ومن جانب آخر يلمس المشاهد المتلقي ان المزخرف قد اتبع في تنفيذ الاشكال تنظيما شعاعيا نجميا من خلال وجود بؤرة مركزية لكل شكل " النجمة الثمانية "، تتفرع عنه مجموعة من الاشكال الهندسية الممتدة نحو اطار اللوحة ، وهذا بدوره له دلالة روحية وجوهرية لدى المزخرف المسلم من خلال فهمه لحقيقة أن هناك قوة مركزية تسيطر على الكون ، وان ما موجود في الكون هو مظهر من مظاهرها وأثر من آثارها . 

فالإنسان الذي خلق في أحسن تقويم قد استمد من الخالق المبدع " سبحانه وتعالى " القدرة علي التعبير، من خلال الأشكال الفنية فضلا عن ، القدرة على كشف حقائق الاشكال  " ابراز الجمال " من خلال محاكاة بواطن الاشكال وروحانيتها  بسعة الإدراك و الحدس اللذان يتسم بهما الفنان المسلم ، ليستخدمها لنشر العقيدة الاسلامية وترجمة المثل العليا للدين إلى لغة جمالية قوامها أشكال ونماذج تظهر في الإبداع المعماري والزخرفي ، الذي يزين أماكن العبادة والاضرحة الدينية المقدسة .

سامر قحطان القيسي

المرفقات