"وجعلنا لهم لسان صدق عليا" ، مخطوطة تعتمرالبسملة فوق هامتها ، اجتزأها الفنان من قوله تعالى " وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا " .
نزلت الاية الكريمة على قلب الرسول الاعظم محمد " صلى الله عليه وآله " ، ويروى انها تصرح باسم علي بن ابي طالب "عليه السلام " بوضوح .
فعند عروجه " صلى الله عليه وآله " سأله العزيز القدير .. " من استخلفته على أهل الأرض؟ فقال .. خير أهلها لها أهلاً علي بن أبي طالب، أخي، ووصيي، وصهري ، فقال رب العزة .. يا محمد، أتحبّه ؟ قال ..نعم يا ربّ العالمين، فقال جل جلاله .. أحبّه، ومُرْ أمتك بحبِّه، فإنّي أنا العلي الأعلى، اشتققت له من أسمائي اسماً فسمّيته علياً .
يمتلك الحرف العربي قيمة عليا في الفكر الانساني بشكل عام ، فمن خلاله تنشط وتتواشج الروابط الحضارية والثقافية بين افراد الامة ، وهو احد المحفزات الاساسية لتفعيل الروابط بين المجتمع الاسلامي ككل بل امتد ليشمل مجتمعات اخرى ، كونه يحمل مضمونا مستمدا من الحرف او الكتابة بشكل عام بوصفها جزءاً من عالم اللغة العربية الذي اكتمل بنزول كلمات الله التامات في القران الكريم .
العمل الفني للخطاط المتميزالاستاذ " فراس النصراوي " ، انجز عام 1437هـ ، ابصر النور في احد المعارض الفنية التي اقامتها العتبة الحسينية المقدسة في منطقة مابين الحرمين الشريفين في مدينة كربلاء المقدسة ، جاء العمل كمخطوطة لجزء مقتطع من اية كريمة ، خطت احرفها باسلوب يختص به الفنان دون غيره في هذا المنجز ، الا وهو اسلوب " الجلي ثلث " حيث عمد فيها الى صياغة الاحرف وتكوينها لتأخذ شكل كمثري ، تعلو قمته البسملة التي يحتضنها اسم الامام علي " عليه السلام " في اعلى المخطوطة للدلالة على علو و رفعة مكانته سلام الله عليه .
يعكس هذا العمل الفني موقف الخطاط الديني والاجتماعي والثقافي ، مستلهماً إمكانية الإيحاء الروحي من الحروف وطاقتها التجريدية وتوظيفها لتعميق شخصية المخطوطات الاسلامية ، فالقيمة الجمالية السامية للحرف العربي تعكس الروح العربية المُتمثلة بالشخصية الاسلامية لامحال .
إن التكوين الخطي في هذا العمل هو تجدد في حركة الحروف ، شرع به فراس النصراوي ليعكس اسلوبا جديدا محاولا فيه كسر التقليد فـي المخطوطات و يبدو انه لاقى صدى كبيرا ، فمن خلال استخدامه لتقنية التداخلات اللونية والحروفية الحداثوية المميزة في بعض أجزاء اللوحة وفضاءاتها ، والملتصقة بفراغ محاط من اركانه بتكوين زخرفي نباتي يأتي بمثابة اطار وخلفية للّوحة ، نلمس ان الخطاط قد خلق نوع من التكامل والانسجام بين الاجزاء المكونة لها .
اعتمد الخطاط الفنان اللون الاسود في الحبرالمستخدم للخط ، على ارضية قوامها ورق ابيض فاخر يرتسم عليه تكوين فني مبسط من الوان متداخلة بين زرقة سماوية واصفراريقترب من الذهبي ممزوج بقليل من اللون الاخضر ، المتجانس مع لون الوريقات المكونة للتكوين الزخرفي النباتي الكائن في اركان اللوحة ، مما ساعد على ابراز جمالية المخطوطة ودفعها الى خارج اطاراللوحة لتحاكي حروفها المتلقي وتجبره على الوقوف والتأمل فيها .
إن المضمون التأملي لهذه اللوحة الفنية ماهوإلا ، انعكاس لرؤية فراس النصراوي الفلسفية والروحية للحرف العربي ومكنونانته المستمدة من روح القران والعقيدة الاسلامية فضلا عن ثقافته و ما تمتلكه "الحروف" من قيمة تراثية وحضارية محملة بالدلالات والصور ذات القيمة الجمالية العليا التي يسعى كل فنان مسلم لاظهارها.
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق