ألْقُ الحروف ... ما بين حركة وسكون

يعتبر الخط العربي واحداً من أهم الفنون العربية الإسلامية على الإطلاق ، فهو يعد احد وسائل التعبيرعن الحاجات والاهتمامات الإنسانية الجمالية ، نتيجة لحاجة الإنسان الروحية و النفسية الفطرية للجمال ، فمنذ بدأ الإنسان يتلمس معنى الجمال وصوره في الواقع الخارجي وإحساسه الذاتي به ، احتاج إلى عنصر الخط لإبراز تلك الصور والأحاسيس لما يحمله " الخط " من قيم جمالية وإبعاد مفاهيمية فكرية وروحية معبرة .

فالحرف العربي يعد من ارقى واجمل الحروف لما يتميز به من حسن شكله وجمال هندسته وبديع نسقه وجاذبية صورته فهو قائم  " شأنه شأن باقي انواع الفنون الاسلامية " على فكرة عقائدية دينية ، فالتوجه الديني من ملهمات الخطاط العربي المسلم كونه يتخلل اللاشعور والوعي ، ولهذا الدور الديني سلطة متنفذة على نفسيته ، حتى كادت ان تصبح عملية رسمه وتنميقه للحرف نوعاً من العبادة والتقرب والخضوع لله عز وجل .  

للحروف العربية حرية شديدة نشأت من مطاوعتها واستدارتها واستنادها الى قواعد هندسية ورياضية ثابتة  معروفة ، فضلا عن العلائق الوطيدة التي تربط بين الحروف والتكوينات الزخرفية ، حيث ينعدم الفاصل بينهما في احيان كثيرة حينما يكون الالتحام الموضوعي بين وظيفتهما محوراً لتكوين فني قائم على اساس عقلي لا تكون بهجة العين والحاجة الفنية فيه هي المبتغى ، بل المتعة الروحية مضافة اليهما معاً ، وهذا ما نلمسه لوتعرضنا لهذه المخطوطة وتأملنا في تكوين حروفها المتألفة .

المخطوطة من ابداع خطاط العتبة الحسينية المقدسة الاستاذ الخطاط  " فراس خضير النصراوي " ولد في كربلاء المقدسة 1976 ، بدأ اهتمامه بالخط العربي وفنونه منذ الصبا متأثرا بمخطوطات عميد الخط العربي المرحوم " هاشم البغدادي الخطاط " ، استمر في تجاربه ودربته بشكل منفرد حتى بداية العقد التسعيني حينما تتلمذ على يد الخطاط العراقي " نبيل الشريفي " واتقن الخط وبالخصوص خطي الثلث والنسخ .

في بداية العقد الثاني من الالفية الثانية شرع النصراوي مع مجموعة من خطاطي كربلاء الى وضع اللبنة الاولى لجمعية الخطاطين العراقية فرع كربلاء ، ثم تبعها عام 2013 بتاسيس المركز الثقافي العراقي للخط والزخرفة  ومع نفس المجموعة من الخطاطين ، عمل النصراوي في المجال التربوي فضلا عن عمله كخطاطاً للعتبة الحسينية المقدسة و نائباً لرئيس جمعية الخطاطين العراقية فرع كربلاء.

له العديد من المشاركات في المحافل والمعارض الخاصة بفني الخط والزخرفة خصوصا تلك التي تقيمها العتبة الحسينية المقدسة .

 كشف الستار عن هذه المخطوطة واخريات خلال معرض خاص اقيم في منطقة مابين الحرمين الشريفين بمدينة كربلاء المقدسة احتفاءا بالمولد النبوي الشريف " 1437هـ " .

نفذت مكونات اللوحة بانامل مشبعة بروحية اسلامية عبر خيال يتمتع به النصراوي  اكتسبه من تجارب ابداعية في مضمار الحروف ، فقد نفذ هذه المخطوطة على الورق المقهر بأبعاد " 75*50 " سم باستخدام حبر بني اللون ذي شفافية مميزة بغية اظهار ضربات قصبة الخط واكساب الحروف والكلمات جمالية من نوع خاص من شأنها ان تفتح للقارئ نافذة بصرية تشرف على حروف مشبعة بالدفء والمعرفة .

نص المخطوطة " الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة " ، اكتسبت هذه اللوحة فرادة عن نظيراتها من المخطوطات بانها تعد التركيبة الاولى بخط الجلي ثلث والتي لم يسبق ان تكتب بهكذا اسلوب " التركيب " وانما كتبت قبلا بخط الثلث الاعتيادي بسطر واحد وبشكل تقليدي .

عمد النصراوي في اللوحة الى استيفاء بعض عناصر الخط الاساسية كالتطابق والتشابه والتوافق بين الحروف والكلمات المكونة للعمل الفني ، فنلاحظ التشابه بين نهايات الحروف واحجامها وتطابق العديد من اجزاء الحروف فضلا عن الاشكال والاحجام المتوافقة لبعض الحروف مما افاد الفنان في تشكيل لفائف الحروف واكساب العمل الفني قوة وترابطا وايقاعا في الكتلة المكونة للمخطوطة ، ويلمس المتذوق ذلك جليا بوجود ثلاث حاءات ملفوفة و اثنين من السينات الممدودة وتكرار الالف النازل عن اللام  مما اكسب العمل الفني تناظرا جماليا ومصداقية جعلته يبدو وكأنه كائن حي له القدرة على التعبيرعن نفسه بنفسه ، فأن إتقان تنضيد العمل الفني وحسن اختيار الموضوع من قبل الخطاط  انما يبعث بالمتلقي على التأمل والنظر فيه والغور في اسباره لاستخراج مكنوناته الدلالية والوجدانية التي من شانها ان تغمر القاري المتذوق بالخضوع والخشوع والانتقال من عالم اللوحة المادي الى عالم روحاني دلت عليها مكونات اللوحة كمضمون حروفي لغوي .  

  سامر قحطان القيسي

المرفقات