شمس أنارت بخشوعها غياهب السجون وظلم المطامير

في ظلمة الطوامير و جور الطغاة ، وصيفها الحار الذي لايعرف النسيم سبيلا لها ولايحضرها دفء في شتاءها ، تمر الايام والسنين على فارس هاشمي عابد ، جعل من السجدة الطويلة ملاذا عذبا الى الله ليقهر بها قضبان السجون وظلم فراعنة عصره  ، وليكون منارا لعباد الله  بالرشاد الى طريق الحق واعلاء كلمة الدين ، ذلك هو زين المجتهدين الوفي الصابر الزاهد باب الحوائج الامام موسى بن جعفر الكاظم " عليه السلام " .

قضى الامام موسى بن جعفر الكاظم  " سلام الله عليه " عشرون عاما من عمره الشريف متنقلا في السجون بأمر من الطاغية _هارون الرشيد العباسي _بدءا من سجن البصرة وحتى محطته الاخيرة في سجن السندي ببغداد ، وكان ارواحنا  له الفداء راضيا صابرا بما قسمه الله تعالى ، شاكراُ له على ما استجاب من دعوته بأن تركه للعبادة متفرغا .

لم يكن من هارون العباسي الا ان يزداد قلقا وارقا لوجود الامام الكاظم " عليه السلام " ، فامر بسجنه لابعاده عن مجريات الاحداث التي تمر بها الدولة العباسية انذاك ، وكان ذلك في الرابع من شهر ذي الحجة الحرام سنة ( 179 هـ ) ،

ولكن بالرغم من سجنه وتغليله في قعر الطوامير المظلمة ، وكما اعتاد كغيره من حكام بني العباس ومن سبقهم من الامويين حاول ان يقلل من شأن الامام " عليه السلام "  ويحط من قدره الشريف لكنه على العكس  يزداد رفعة وسموا ويزداد اتباعه تمسكا وقوة بمذهبهم وائمتهم " عليهم السلام " ، حتى امر بدس السم في طعامه " عليه السلام " والتخلص من مخاوفه التي لطالما ارعبته وانقضت بها مضاجعه وكل ظالم مستكبر ، بأحقاق الحق وعلوه بوجوب التمسك بالعروة الوثقى محمد واله الطاهرين " سلام الله عليهم " .

اللوحة اعلاه تحمل توقيع  الفنان التشكيلي العراقي الكربلائي " حسن حمزة شاهر " ، مسؤول قسم المرسم الحسيني التابع للعتبة الحسينية المقدسة في كربلاء المقدسة، وهي جزء من سلسلة انجازاته الفنية الابداعية التي عالج فيها المظلوميات التي وقعت على ائمتنا الاطهار " سلام الله عليهم " وشيعتهم وما قاسوه من ظلم جبابرة ازمانهم وجورهم .

انجزت اللوحة عام  2011م  بتقنية الزيت على قماش الكانفاس  بأبعاد ( 120سم ـ 80 سم ) ، وقد صور فيها الفنان شخصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم " عليه السلام " وهو مقيد بسلاسل الظلمة في طامورة من طوامير هارون الرشيد ، مقتربا من سرد وقائع مسيرة حياته  " عليه السلام " بأطوارها وأحداثها الاليمة ، وبالخصوص فترة سجنه وضغوط أعدائه التي مارسوها عليه للنيل من رفعته والتقليل من شأنه .

 افلح الفنان في هذا المشهد المؤلم في جذب انظار المتلقين ودفعهم للغور في فكرة اللوحة والتفكربمظلومية امامنا " عليه السلام " ، من خلال تصويره لجزء من واقع تلك الطامورة الذي عاشه الامام "عليه السلام " حتى اصبح هزيل الجسم روحي له الفداء من شدة ما قاساه فيها ، فضلا عن كظمه للغيظ بغض بصره عن الظالمين وكثرة تعبده وسجوده تضرعا الى الله سبحانه .

عالج الفنان المشهد بدراية وحرفية عالية من خلال تصويره لشخص الامام " عليه السلام " ، فقد عمد الى الابتعاد عن اظهار الوجه والملامح تيمنا باسلوب متبع في الفن الاسلامي حيث الابتعاد عن تصوير ملامح و وجوه المقدس من الاشخاص التي تعتبر من الضرورات الفنية للابتعاد عن التشخيص والاقتراب من روحانية الشخصية المرسومة بابعاد فنية اخرى لا تشخيصية ، ومنها عنصر الضوء الذي ابدع فيه الفنان في هذه اللوحة  ليصور وحشة السجون والطوامير وملامح شخصية الامام التي جسدها وسط اللوحة ، فكما هو معروف فان عنصر الضوء ذو أهمية عاليه في العمل الفني وبالتأكيد فأنه لا يتماشى مع طبيعة السجن الذي استشهد فيه الإمام او غيره من السجون التي اودع فيها ظلما والتي لا يدخلها الضوء اطلاقاً ، ولكن الفنان ركز برؤية خاصة على ابراز ذات الإمام  من خلال الضوء والالوان واكساب الشخصية هالة روحانية متأتية من قدسية الامام ونسبه الشريف ، ليستشعر المتلقي مدى الضغوط التي صُبّت على الامام " عليه السلام "  ، والانتهاكات الوحشية التي مُورست بحقه ، كما دلت عليها الأغلال وآثار الدماء ورثاثة الملابس ، والقربة المكسورة بالقرب منه التي ترمز على أنه " عليه السلام " قد حورب في فترات سجنه بمنع الماء و الطعام عنه ، لينبري من خلال هذا المشهد مدى الصبر الذي جالد به الإمام ما أطبق عليه من ظلم واستبداد ، ليكتب للتاريخ أروع دروس الثبات والاحتساب ؛ للدفاع عن دين الله تعالى .

   " نسألُ الله تعالى أنْ يجعلنا وإيّاكمُ من السائرين على نهجه القويم بالإستقامة واليقين والهداية والصبر المتين "

سامر قحطان القيسي

المرفقات